الاثنين ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
رجا العيسى. صحافي فلسطيني. وبقايا من الذاكرة..
بقلم أحمد مروات

حين أصبحت فلسطين وسادة للغرباء

مدينة يافا التي تذكرها رجا العيسي دوما بشاطئها ومقاهيها وبرتقالها والعبير الذي رسخ اريجة في مخيلته الذي يشتمه أبناء عصره ممن ولدوا في يافا فلسطين.

كان الشعار الذي أحبه رجا العيسي ونادى به في قطاع الصحافة قرابة ربع قرن في فلسطين قول مصطفى كامل. "ليست الحرية بعزيزة على قوم يعملون للحصول عليها. ويجتهدون في نيلها.. فالصخرة تدوب وتتفتت بسقوط المياه عليها قطرة.. قطرة."

ولد الصحفي رجا العيسى في مدينة يافا عام 1922 تميزت عائلته بالفكر والأدب والسياسة ونبغ منها شوامخ ونوابغ حملوا لواء الشعر والصحافة والأدب منهم والدة عيسى العيسى مؤسس صحيفة فلسطين عام 1911. وحنا عبد الله العيسى صاحب مجلة الأصمعي التي صدرت في بيت المقدس عام 1908. ويوسف العيسى الذي أسس صحيفة ألف باء في دمشق عام 1920.

انهى رجا دراسته الثانوية برام الله ودخل الجامعة الأمريكية ليتخرج منها حاملا شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1943.

دخل جريدة فلسطين التي آلت إلى إدارته بعد وفاة والدة وظل يعمل بها إلى أن حلت النكبة الفلسطينية عام 1948.

فحملته هذه الكارثة للسفر لمصر حيث استقر عامين ومن ثم رجع لبيت المقدس وعاد بإصدار صحيفة فلسطين التي حملت على أكتافها تاريخا طويلا من النضال القومي في السنوات الطوال التي صدرت بالقدس (1967-1950 ). استقر رجا العيسى في عمان وانتخب نقيبا للصحفيين.

وحين قرر المسئولين في الأردن دمج صحيفة فلسطين في جريدة الدستور وإصدارها في عمان. كتب رجا العيسى مقالة افتتاحية مؤثرة في عام 1967. بعنوان " بيني وبينها رفقة وحياة "أحلام طفولة. وعواطف فتوة. وعزم شباب. وسهر ليال.

رأيت النور وهي عنواني للتحدي. ومنبر للتبصير ودعوة للإعداد. وشحذ للهمم ونداء لمقاومة الغزوة الصهيونية ومؤامرات الاستعمار..

ويورد العيسى مقالا آخر نشر في كتاب "يافا. عطر مدينة" عام 1988 من عمان. حيث ترجع بة الذاكرة لفلسطين ويافا قبل النكبة وعن الصحف الفلسطينية وأهمها "فلسطين" الذي تربى بها حتى المشهد الأخير..

• في يافا كانت " فلسطين" صحيفتنا

كل معدات جريدة فلسطين الطباعية وكل مخازن الورق وحتى كل أملاكها المادية فقدت! حتى مجموعات الصحف والأعداد القديمة والمسودات كلها فقدت مع دخول الاحتلال الصهيوني عام 1948.
انا كنت دائما ابحث عن أعداد فلسطين القديمة ابتداء من عام 1911 وحتى عام 1948.

مع أننا رحلنا عن يافا فقد تركنا مجموعتين من أعداد الجريدة كاملين في المكاتب ومجموعتين من الجريدة باللغة الانجليزية التي كنا نصدرها تحت اسم فلسطين

أنا أظن أن الأعداد موجودين بميكروفيلم في مؤسسة الدراسات الفلسطينية في لبنان , وأيضا في الجامعة الأردنية وأظن أن في الجامعة العبرية القسم المتبقي وهو الأكبر وبالنسخ الأصلية!.

• كاريكاتير لأول مرة في صحيفة فلسطينية

كان في الجريدة صور قديمة أيضا والمصورين المشهورين لا اذكر أسمائهم! وكان عندنا الكاريكاتير ولأول مرة أدخلت في جريدة فلسطين وحتى إننا من أوائل الصحف العربية والعالمية!

الصور كانت تعمل على طريقة زنكوغراف , لان الصورة الكيشية تتطلب ساعتين إلى ثلاث ساعات حتى تصدر.

"فلسطين " كانت تصدر حتى شهر نيسان 1948. كل الصحف توقفت في يوم واحد بعد اتفقوا ان يغلقوا بدا اليهود في إطلاق راجمات الألغام على مدينة يافا بشكل مكثف جدا. وبقدرة قادر امتلأ البحر سفن من اجل أن تركب بها الأهالي والبشر وهذا ما حصل فقد ترك أهالي يافا البيوت والمصالح وحتى موظفي الصحيفة والكتاب والمراسلين. كلهم راحوا.. كلهم راحوا.. ما ظل حدا!
أنا قبل أسبوعين من الإغلاق سافرت لمصر وما قدرت ارجع. حتى رجعت أول مرة في نوفمبر من بيروت وبعدين على مصر ورجعت ليافا من البحر من الإسكندرية..

ذهبت مرة أخرى لمصر وما تمكنت من الرجوع ليافا.. لان السفر كان متعذرا وصعبا.. ما كان سفر بالبواخر ولا سفر ارض أو الجو ولاشيء. حتى أخر طائرة خرجت من مطار اللد عام 1947.!!

يافا مركز الصحافة الفلسطينية
كانت يافا مركز الصحافة.. بالإضافة إلى هذا كانت مركزا لمحطة إذاعة الشرق الأوسط العربية وهي تابعة للجيش البريطاني..

كانت يافا مركز صحافة وثقافة وعلم "زي ما كانت طول عمرها"..

كان بدال ما نروح عالقدس يلي هي العاصمة كان مدير المطبوعات ينزل أسبوعيا على يافا من شان الصحافيين.

صحافة وقانون طوارئ

بالنسبة لظروف الحرب كان في قوانين طوارئ في فلسطين , وكانت تطبق على الصحافة أيضا. يعني إغلاق الصحف أو نشر أوامر تتعلق بالحرب. خصوصا سياسة بريطانيا في الحرب!!

طبعا ما كان الانجليز ليسمحوا بتضخيم الخلافات بين العرب واليهود حيث كانوا يعتقدون أن وقت الحرب لازم كل شيء يكون هادي حتى لا يؤثر على المجهود الحربي البريطاني!

كان الانجليز يعتبرون أننا في فلسطين في حالة حرب مع ألمانيا!!

الصحافة بذلك العهد تأثرت تأثرا كبيرا بالحرب. وبقيت هذه الصحافة تعمل حتى جاءت نهاية الحرب عام 1945.
حصلت تغيرات كثيرة في سياسة الهجرة الصهيونية.

وجاءت لجان التحقيقات لفلسطين وما تبعها. انتهاء بقرار التقسيم عام 1948.

الصحافة العربية في تلك الفترة تولت المركز الريادي الحر في توجيه العرب الفلسطينيين ضد الأطماع الصهيونية التي كانت تهدد البلاد.

في يافا كانت تصدر ثلاث صحف يومية , والصحف اليومية كان أولها "فلسطين" وهي أقدم صحيفة يومية بدأت عام 1911 واستمرت حتى عام 1917 عندما حجبتها السلطات التركية ونفي صاحبها ومؤسسها والدي الأستاذ عيسى العيسي. حتى رجع من المنفى عام 1920 وسمح له بإصدار فلسطين مرة أخرى بنفس العام..

كان هناك في يافا صحف أخرى مثل جريدة "الدفاع" وصاحبها إبراهيم الشنطي. وكانت أيضا جريدة "الشعب" ورئيس تحريرها الأستاذ كنعان أبو خضرة ومعه شاب متحمس حيث قاموا سويا بتأسيس شركة لإصدار هذه الجريدة.

الصحف التي كانت تمول من أصحابها والإعلانات كانت خفيفة. مثل الوفيات. ووسائل تجارية بسيطة. حيث كانت تأتي بأعداد قليلة خاصة المواد الإعلانية الأجنبية من الخارج التي كانت تبيع بضاعتها بكافة المدن الفلسطينية..
كانت الدنيا مش زي هاي الأيام.. كانت رخيصة وتكاليف الطباعة قليلة وتكاليف النشر أيضا متواضعة ومعقولة..
كان عدد الموظفين في كل جريدة محدود جدا.. ففي إدارة التحرير مثلا كان حوالي عشرة مع المراسلين..

الصحف كانت تصدر أربع صفحات فقط وفي سبعة أيام في الأسبوع...

فلسطين بالانجليزية

في عام 1930 اصدرنا جريدة باللغة الانجليزية اسبوعية باسم فلسطين. وكان يراس تحريرها رجل هندي اسمة اخضر محمد روشن وهو من خريجي جامعة اكسفورد ومن علماء اللغة العربية واللغة الانجليزية.

وقد تميزت هذة الجريدة انها كانت تنشر رسومات الكاريكاتير. وهي الاولى والسباقة في كل الصحف العربية...

كانت الصحف بمعظمها تطبع بين 10 و15 الف نسخة وكان اكثر المبيع في مدينة حيفا فقد كانت بسكانها من اكبر المدن الفلسطينية في ذلك الوقت. واحوالها المادية احسن من بقية البلاد وبعد ذلك تاتي يافا والقدس ونابلس في الدرجة الثالثة..

جريدة فلسطين بيني وبينها رفقة وحياة

اول شغلة اشتغلتها في حياتي كانت الصحافة. حيث كنت اذهب من محل للاخر واشوف واتعلم كل شيء حتى اتمكن منة. تارة المطبعة وتارة التنظيفات. والادارة. والتحرير وكل شيء!

استقر بي الحال بقسم التحرير في الادارة عند الاستاذ يوسف حنا والاستاذ داوود العيسى والاستاذ اكرم الخالدي..

اما الاخبار فقد كانت فقد كانت تطلب عن طريق وكالة " الانباء الفرنسية " ووكالة " الانباء الالمانية " منها الاخبار الخارجية وحتى الداخلية. وفي عام 1945 بدات تاتي التلبتر (المذياع)، وكان فية نشرة لوكالة الانباء العربية التي انضمت الى رويتر فيما بعد. ومن القصص التي مازلت اذكرها ان صحيفة "فلسطين" قدمت عشرات المرات للمحكمة واقفلت بامر المحكمة عدد من المرات. حتى غيرنا من الصحف كانت تقفل وتعاقب وخاصة اثناء الحرب..

اخي العربي.. لا تطلق علينا الرصاص حوشوه لليهود!!

من الاحداث التي لم انسها في حياتي هي محاولة اغتيال رئيس التحرير يوسف حنا من قبل بعض عناصر الثوار. بسبب موقفة السياسي تجاههم. الا انة لم يصب بمكروة حينها راح الاستاذ يوسف حنا وكتب مقالة وهي من اجمل المقالات التي قراتها وكانت بعنوان " أخي العربي " كيف تطلقوا الرصاص علينا بدل ما توجهوة الى اليهود.. حوشوه لليهود في المستقبل!!

حتى أنني أتذكر أن الواقفون وراء هذا الاغتيال قدموا الاعتذار ليوسف حنا وقاموا بتقبيل راسة لشدة اللهجة في المقالة وعاطفية اللهجة المفرطة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى