الاثنين ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم شهد أحمد الرفاعي

خيبة .. حمراء

الاحتفالات الجنونية التي تبنتها الفضائيات ووسائل الإعلام بعيد الحب ، دفعتني إلى أن أعاود الكتابة فى هذا الموضوع مرة أخرى .. بعد أن أدركت أن خيبتنا حمراء فعلاً .

فرغم أن الرسول الكريم نهانا عن الاحتفال بغير العيدين ـ عيد الفطر وعيد الأضحى ـ إلا أننا نصر على تجاهل هذا التوجيه النبوي الشريف ، وعلى أن نكلف أنفسنا فوق طاقتها على مدار العام .. بدءا من الاحتفال بعيد الأم ، الذي يقتضي قيام الزوج بتقديم هدية لأمه وحماته وزوجته ، وأن تتكبد الزوجة نفس الغرامة أيضا .. ناهيك عن أن الأولاد بدورهم مطالبون بتقديم هدية للأم والجدتين والمدرسات ، وإلا كانت التقديرات أصفارا فى أخر العام
.
ونفس الأمر ينطبق كذلك على عيد شم النسيم واحتفالات أعياد الميلاد وعيد الزواج ، وغيرها من الأعياد التي شرع المصريون في تقليد الغرب فيها ، والتي تخلو جميعها من الدفء والصدق
.
ولكن كل هذه الأعياد "كوم" وعيد "الحاج فالنتين" الرومانى ـ أو ما يطلقون عليه عيد الحب ـ "كوم" آخر ، فهذا العيد أصلا تقليد غربى وغريب على مجتمعاتنا ، وهو يمثل الاحتفاء بذكرى وفاة هذا القسيس الروماني في 14 فبراير عام 270 م .

والحقيقة أنني لا أدرى ولا أفهم المبرر الكافى لهذا الإصرار العجيب على الإحتفال بعيد العشاق هذا (الفالن_طين) الغربى .. فهو فى الغرب ذكرى لقسيس العشق والحب فالنتينو..وسمى بفالنتين داى ـ أى يوم فالنتينو أو يوم العشق أو يوم الحب ـ بينما عندنا نحن العرب كل المناسبات أعياد>
.
ومبعث عدم فهمي هذا يرجع إلى أن الاحتفال بهذا العيد يمثل جلبا لثقافة غربية دخيلة ومحاولة لإثرائها وضخ الدم العربى فيها ، وجعلها من مرادفات حياتنا ..بالرغم من وجود یوم الحب المصرى الذي يوافق 4 نوفمبر.. (وإن كنت لا أحبذ إرتباط المعانى والقيم فى حياتنا بيوم وساعة محددة)...إلا أنه يمر دون اى احتفال يذكر ، وكأننا مكبلون بعقدة الخواجة والتشبث بكل ما هو غربى.

وأرجو ألا يفهم كلامي هذا على أنه ترويج لمناسبة مصرية ، مع أنه سبق وخصص يوم للأم ـ وهكذا أحب وصفه ـ وأصبح هناك يوم للاحتفال به فى العالم العربى على غرار يوم الأم المصرى .

والغريب أن العالم يموج فى يوم عيد فالنتين فى اللون الأحمر ، وكأن حمامات الدم الحمراء المنهدرة شلالات فى أرض المعمورة من كل صوب لا تكفيهم .. حتى أن الحياة من حولنا غرقت فى غمامة حمراء اللون لم أجد أحمر منها إلا فى العالم العربى ..بينما فى الغرب بدأوا يتخلون عن هذه "الخيبة الحمرا" وأبدلوها هذه السنة باللون الأزرق ، فصارت الورود الزرقاء موضة هذا العام ( البوكيه وصل سعره إلى 150 دولارا) ، وعلى الزوج والحبيب طبعا ان يدفع!!! بينما خصصت الورود السوداء لمن فقد الحبيب أو فارقه.

وهكذا اكتسى كل شئ حولنا باللون الأحمر في هذا اليوم ، فوجدنا وجوه البنات ترصع بالقلوب الحمراء .. والشوارع وفاترينات المحال وملابس الشباب ـ وحتى الألسنة ـ صارت حمراء..فأصبحت خيبتنا ثقيلة..وبالألوان.

صيحات غريبة لا معنى لها.. ومناسبات أكثر غرابة..جاءت إلينا عبر الفضاءات المفتوحة .. لتدثرنا بثقافات غربية سلبية ..رغم أن هناك ما هو أنفع كثيرا للمسلمين من يوم العشق هذا..وما يصاحبه من إحمرار للفاترينات والشوارع والوجوه .. ألا تكفينا شلالات الدم الفلسطينى والعراقى واللبنانى المسالة على أسفلت الشوارع ، والتى تصافحنا فى كل لحظة عبر نشرات الأخبار ؟ والمفارقة أن هذه الدماء تسفك بأيدى غربية تعبث بمقدراتنا وبمستقبل هذه الأمة الفاقدة وعيها ، والغارقة فى اللون الأحمر الذى لا حل له .

والغريب والعجيب أن غالبية من يحتفل بهذا اليوم هم شباب تحت العشرين أو في مرحلة العشرينيات من العمر.. فتجد شط النيل يزخر بالحبايب من الشباب الصغير..اتنين اتنين..وفى الشوارع ..نفس الخيبة.. وهذا هو مربط الفرس : غزو عقول الشباب و تسطيح تفكيرهم بأشياء لا معنى لها.

فى الفضائيات سباق محموم لتقديم الولاء للحاج فالنتين وعائلته..فالمذيعات والشاشات والديكورات "حمار فى حمار" .. ويتحول اليوم إلى "سبوبة عيش" وتجارة وليس محبة بمعناها السامى .. في حين أنه كان من الواجب على هذه الفضائيات أن تقدم المفهوم الجميل للحب ، وليس الاحتفال بهذه السطحية الثقافية وترويج أفكار غريبة وضيقة الأفق عن الحب للشباب الصغير من خلال كليب ساقط أو غنوة دلوعة أو رسالة موبايل .

كل ذلك من شأنه دغدغة عواطف الشباب المتأججة فعلياً..فقط من أجل تحقيق مكاسب مادية ..حتى وإن كان الثمن ضياع مفهوم رائع عن الحب..وتسطيح معناه في عقول المراهقين .

إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالعديد من قصص الحب النبوى ، وفى تراثنا الأدبي لدينا قيس وليلى وجميل وبثينة وعنتر وعبلة ، والكثير الكثير..

وأعود وأسطر نفس نهاية مقالى السابق "عندما يصبح العالم فالنتينياً" ولن ينتابنى الملل من ترديدها..رغم ما يصلنى من إيميلات تتهمنى بالرجعية وعدم مسايرة العالم .. أقول : إن كانت الحداثة تعنى أن تكون خيبتى حمرا..فأنا أرفض هذه الحداثة وأرحب بالرجعية..

لماذا لا نحتفل بتاريخنا ونفخر به..ونوقره..؟؟ إن اللون الأحمر لون مثير للأعصاب..وملازم لنا من فترة طويلة فى نشرات الأخبار ، فلماذا الإصرار على جعله رمزا للحب؟؟ لماذا لا يكون الأبيض مثلا ..ليرمز إلى كل ما يمثله الحب من صفاء ونقاء ووفاء ..؟؟
.
ولاشك أن الحب بداخلنا .. وهو لا ينتظر التعبير عنه في يوم محدد مختوم بخاتم وإمضاء غربى .. ولا بشراء الورد والهدايا بين الأزواج .. فالحب وجودنا.. وإن تزلزل هذا المعنى تزلزلت الحياة من حولنا.

أحيوا الحب بداخلكم أولاً ثم احتفلوا به.. وأحيوا مناسباتكم التاريخية قبل أن يجرفكم التقليد الأعمى للغرب ، فرأس السنة الهجرية مرت دون أن يحس بها أحد..فهل كان من المفروض أن يكون لها لون حتى ننتبه لها ؟! وهل كتب علينا أن نكون أذيالا للغرب فى كل شىء.. حتى فى احتفالاتهم الخاصة بهم ؟ ولماذا
لم نسمع عن أحتفالهم بعيد خاص بنا وتحمسهم له بدرجة حماسنا لمناسباتهم الغراء!!!

بقي أن أقول إن الحب ليس بالشىء المخزى ولا الحرام ، مادام محكوما بعاداتنا وتقاليدنا العربية النبيلة ، وقبل ذلك كله محكوم بآدابنا الإسلامية السمحاء ، فالحب هو الحياة وبدونه تتحول إلى صحراء قاحلة ..ولكن ..كن محباً وعبر عن حبك بدون إسراف ، وبطريقتك الخاصة شريطة ألا تزعج أحدا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى