الاثنين ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم عمر سعدي

رسالـة إلى السمـاء

في ذكـرى أخي رحمه الله

سـلام عليـكَ أخــي؛

نحـو السمـاءِ أرفـعُ رأسـي، أنظُر وأنتظِر، أطأطئ رأسي حُزنـاً فلا إجابَةَ تأتـي، لا حَرفَ يصعقُ عنفواني، اعبـري أيتهـا الكلمات؛ مُرّي علـى مَهـلِك من أمامي، ضمدي جُـرحي وغيـبي.

آهِ يا شَوقـي كَم أنا مُتعبُ الأمَل، مُثقل بالتساؤلات وعاجز عن تحريرِ لغزِ عبثية الدنيا مِن مكنوناتِه، أتقلَبُ مِثل النعشِ الراقصِ فوق الأكتاف، يا عينُ فلتدمعـي ولتذرفي مطـراً وأحزاناً.

أخـي، كَم أشتاق إليك وأنتَ تُدرِكُ ذلِك، هي اللحظاتُ أخذتكَ عنا وفي صمتٍ جارحٍ ودّعتـنا، آهِ كم أشتاق إليكَ فهل من كلام يعيدُكَ سراً إلينـا، هل مِن سماءٍ أقـربُ نصعد منها إليكَ، كَم طويلة هي المسافات ما بيننـا، أطول ممـا أطيـق وأنا العاجز عن تغيير حياتي كيف بإمكاني أن أعيد الوقت من ساعاتِهِ لنحـظى بقربك ساعةً أخرى نفضفضُ للضوءِ عن عتمةٍ أغرقتنـا أو عَن شغفٍ أوقعَنـا فلا زلنا ننازل أيقونةً في السماء ترفض أن تنقلنا إليك.

أنـا بخـير، تغيرت ملامِحـي قليلاً، صِرتُ هادئاً بعض الشيء وعابثاً نوعاً ما باحتمالاتِ وجودي، أتذكرك دائمـاً لتعيدني ابتسامتك للدنيا مِن جَديد، كم قاسية هي الأرض التي تأخذ عنا من نُحب، كم حـزينة أيامنا التي وقفـت عند آخِر مُلتقى وترَكتني أحاول فهمَ ما يجـري فلا أحظـى بثانيةٍ للقائكَ وأنتَ الذي سلَّمني عنفوانَ الحياةِ وغاب.

عيناكَ في السماءِ شواهد وأنـا في زحامِ التقدم والتأخّر لا زلت أمضـي، بينَ حياةٍ أكرههـا وبقاء يقـتلني، آه كم قاسية أسرار تلك الحياة وغريبة أشياؤها التي تريد منا ما نُحب لترحل تاركةً أشياءها جانباً والسكون يقتلها من عبثية التفكيـر بلقاءٍ يجمعـنا مرة أخـرى.

لمـاذا تَركتَنـا هكذا ورحَلت؟. ألم تكفيكَ أدمعنا كي تعـود؟؛ لا لشـوقي أو لحُزني، ليسَ لـي، لآلافٍ ركضوا خلفَ نعشِكَ صامتين بانتظـارِ صوتِك حينَ يعـود من مجهول بعـيد أو قـدرٍ تحتَ أرضٍ صامتة، كم همستُ: أخـي، تعـال! نصارعُ شمساً من خيالٍ يعترينا! شغف يسكنُ فينـا ومـوتٍ جاء يأخُذنا ويُبكـينا.

هائجة هي الدنيا بعد رحيـلكَ، تائهـة في احتمالات الوجود الحـزين، رافضة تلك الحقيقـة فلا حقيقة أصدق من موتٍ يعانقنا فيأخذ من نحب ويمضـي، كم قاسية هـي الأقـدار وعاليـة علو الريح لا نقدر أن نلمسهـا لنجعلها تحنّ قليلاً علينا فتتركنا وتمضي كي تعـود، آهِ يا أمـي، اكتبينـي بدمعِكِ حبـراً وامسحيني، اجعليني طيفاً يحومُ بلا مكان واحمِليني مرَّةً أخـرى لأولدَ من جـديد.

عـادَ أخـي فلا تَحزني، عاد أخـي يلوِّح في يديهِ مِن بعيـدٍ خلفَ شمسٍ لا تغيب. الفجرُ يحمِلُنا إليكَ فلا تُغادِر غيمةً أنتَ سيِّدهـا وحاملهـا إلينا، لا تغادر سربَ عُمرٍ لن يعـود إذا مَضـى، لا تفكـر بالهـروب فلا طاقـةَ عِندي كي أسابقَ طيراً يحلِّق عالياً في صميم السماء.

أمسحي دمعَكِ أمي / عانقـيني...

كسِّري الأقدار أسعدها وأتعسهـا.احمليـني

فـي فؤادِك منبعُ العيشِ خلـوداً أبـدياً وامنحيـني

حبّك الدافئ،

وفي صميمِ الروحِ يا أمي انثـريني...

معاً تُهنا وعلى أفراحِ هذا العُمرِ طِرنا وسمـونا في شقيقِ ربوعِنا حتى تَعِبنا ومعاً إلى آخر الدربِ سِرنا، لا تُبـالي مِن عيونٍ تتربَّص لنـا كي تكشف أسرارنا فنحنُ أسرار الحيـاة، ابتسامة أخرى للطريق، نحن كلام الضعفاء في حفيفِ الأوراقِ الساقِطة من شجَرةِ العُمر، هنـا قُربَ هذا الشموخِ الرحيب تركنا بذور أحلامنا كي تثـور وركضنا وحدنا في الريحِ تلثم خدنا الفراشات الهاربة من زهرة لزهرة تجني الرحيق، كَم هي قاسية تلك الدنيا وكَم أنا حزين أحاول حل لغز الوجـود الغريـب، وحدهم العقلاء ينزلونَ إلى البحر ليلاً فيبكـونَ سراً أمام الله والبحـر العميق، يأخذ بوحنا، يقلبهُ رأساً على عقبٍ ويصبحُ هادئاً من جديد.

ثمان سنواتٍ مضَت ولا زِلتَ ابنَ الثلاثين لا تُحرِّك ساكناً ولا زِلتُ أكبُر باضطراب، أنا الآنَ قابَ قوسينِ أو أدنى مِن اكتمال الذاكرة وانشطار الذكريات، هُم التعساء مَن يملكونَ ذاكرةً قوية وذكريات مريرة، أنا جيّد الحظِّ لأني لا زلتُ أحمِلُ حباً ألُفُّ بهِ ذاكِرتي السارِحة في غمامِ الانتظار السريع، كم غيمة ستمضي وتأتي بانتظارِ مجيئكَ للديار أم أنَّكَ مللتَنا، نحن بانتظارِك... دمعٌ على خدِّ السنين تغطينـا بساعِدها فيخطفنا المنون ويهرب من ركنٍ إلى ركنٍ يحرِّك أطرافنا مرةً أخرى سلاماً ويغرسُ خنجَر الانتظار الطويل في قلوبنا، أما آن للرحيل الطويل أن يزول، أما آنَّ أن تعـود؟!

رحمِكَ الله يا أخــي

سيمفــونيةِ الوجـــع المُقدَّس

وَجهُك نوَّارة العاشقينَ ووجهُ قمَر
يأخذُ الظِلُ ثناياك ويلهــو بالمطَر
فيــكَ تبتلُّ الأحاسيسُ مِن الحبِّ
وتولَدُ زنبقةٌ من حَجــرْ
أيُّها الغافــي على عرشِ الطفــولةِ لا تنَم
في مــرايا النفسِ أنتَ انعكـــاسُ القدَر
ليتكَ الآنَ بقُربــي كَي أراك!!
يا عَزيــزاً لوَّحَ القلبُ إليهِ... فنَظــر
نحَــوَ ألوانِ الحــياة
نَحـوَ زنبقَــةٍ في هــواه
نحَــوَ أمٍ لا تَــراه...
وبظــل الدربِ تاه
يا أخــي الغالي على القــلبِ
وذِكــراكَ صَــلاة
دع فُؤادي يلتوي في الركنِ كي لا تراه
دع عيوني الذابلاتِ
تذرفانِ الدَمع من ذِكراكَ، آه
 
يا أخي الغالي على قلبٍ تخلَّى
عن الإيقــاعِ فـــي دُنيــاكَ مهــلاً
أنتَ إن ناديتَ في الدُنيــا صغيراً
ردَّ الصدى في الأذهـانِ أهــلاً
يا أخــي الغالــي على أمٍّ طــوتها
يَدُ الأحــزانِ في صمتٍ تجــــلاَّ
تاهَـتِ الأقـــمارُ مِن بعـد رحيــلٍ
زادَ في الظــلماءِ ظلماءً وويلاً
لا يعــودُ الصوتُ مِن صخبٍ وجيع
وإن عاد الصـدى حُزنٌ أهـلَّ
كيــفَ تــبدو الآنَ في الجنّاتِ بَدرٌ
وفــي النجمــاتِ تبــدو الآنَ أحــلى
يــا رفيــقَ الــروحِ، يا صَمـتَ المعاني
يـــا أمــاناً في صــراخِ الروحِ ضــلَّ
ليسَتِ الأنــوارُ بعــدكَ تبقـــى
ولا بعـــدكَ الأحـــلامُ تُبْلا...
في رحيـــلِكَ الأماكِنُ أقفرت
والصُبحُ بعدَ فراقِكَ صارَ ليلاً
تنادي مِن وراءِ الأفقِ ورداً
إذا وردَ الأحـــداقَ صَــــلاَّ
وبينَ سنابلِ الدُنيــا نُقــوشٌ
على صخــرٍ بهذا العمرِ ظــلَّ
بهـــاؤكَ شاهِــق صلبُ
وراءَ الأرضِ يَفــــوحُ فُـــلاً
يَلمعُ وجهُكِ الساطِعُ حُسنٌ
حُسينُ الوجـــهِ فـــي حُسنٍ تجلَّى
أراكَ بُعيدَ الكونِ منــي
فكــــيفَ لقاءٌ مرةً أخرى سيأتي
كمـــا في ذاتِ يومٍ قــد أهــــلَّ...
 
يا أخي؛ يا زهــرةَ في البال/كيفَ حالُك؟!
وأنــينُ ذاكرةٍ مِن الإسفلتِ حُبلى
بأفكـــارٍ من شُعاعِك
وجمـــالك...
ليتَ رحلـــتنا بهـــذا الكَونِ طالَت
واحتمــالٌ!!
أن أراكَ الآن، تَعبَثُ في خيالِك...
كُــن واثقاً، كُن مُشــرقاً
وانظُـــرْ كتلكَ الشمسُ في الصبحِ
تعــالْ!!
كي ألاقيــكَ
تُـــلاقي الوردَ ريَّاناً بمائِــك!!
هل تَرى في الأرضِ مــا يَهوى الحَياة!
ســـوى ذِكــرى
تُعلِّق صــرخةً للروحِ في صمتِ احتمالِك
مــتي ستجيبُ ســؤالاً كدتُ أنساهُ!؟
أجبني الآنَ!
كي أجيبَكَ عَــنْ سؤالِك...
في ذكـرى أخي رحمه الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى