الأحد ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم لطفي زغلول

شريان الحياة 4 .. والعروبة

سواء كتب لقافلة شريان الحياة 4 أن تشد الرحال وتحط على أرض غزة المحاصرة، أم لم يكتب جراء الحصار المفروض عليها، فإن غزة ما زالت تعاني الأمرين. وها هي أشكال الحصارات تتعدد ليضاف إليها المزيد من الجدران، وحالات التحكم بالقوافل، والتشنج وتوتر العلاقات، ويبقى الصمت العربي هو أخطر ما تحاصر به غزة.

إن الشعب الفلسطيني بمجمله على يقين بأن هناك ضمائر إنسانية حية لم تلوثها منظومة الحقد والكراهية والتسلط على الشعوب، تقف إلى جانبه وتؤيد قضيته.والشعب الفلسطيني لا ينسى أيضا الشرفاء من بني جلدته، أبناء العروبة الأوفياء وما يقدمونه دعما لقضيته الإنسانية.

لقد كان ولا يزال حصار غزة على مسمع الدنيا ومرآها، حصارا اشتركت فيه الولايات المتحدة الأميركية، والعديد من دول الإتحاد الأوروبي، ودول أخرى من هذا العالم الجاحد الظالم. إلا ان الانكى من ذلك كله ان الأنظمة العربية قد أسهمت به، بل كان لها دور في تجسيده على ارض الواقع. وأما الذين لم يفقدوا الرحمة في قلوبهم، ويتحركون لنصرة شعب غزة المحاصر، فانهم يستحقون كل تقدير في المعنى والمبنى. ويستحقون أن تتوج رؤوسهم بأكليل الزهور.

عودة إلى قافلة شريان الحياة 3، فليس المهم فيما قد قدمته هذه القافلة من مواد عينية وأدوية وادوات مدرسية ولعب أطفال فهي تظل رمزا في حد ذاتها، إنما الهدف المعلن هو كسر الحصار الظالم الذي قض مضاجع الغزيين القابعين تحته، بتحدي هذا العالم الكبير الذي أغمض عينيه عن مأساة مليون ونصف من المواطنين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم هذا العالم العربي، وهذا العالم الإسلامي.

وكم كانت الصيحات تقرع ابواب الأنظمة العربية، وهم غير آبهين بما يدور حولهم. لقد كانت هذه الصيحات تذهب أدراج الرياح هباء منثورا.فلا جامعة الدول العربية، بأمينها العام الذي وعد ذات مرة أنه سوف يكسر هذا الحصار، فكان وعده حبرا على ورق، ولا الانظمة العربية والاسلامية التي غضت النظر عما يدور في القطاع المنكوب، وتجاهلته في اجنداتها السياسية.

لقد نام العرب الذين كانوا، ورحم الله ما كانوا عليه من خلق وضمير يوم كانت تغتلي فيهم نار الحمية والشهامة والمروءة قبل عشرات السنين.أما اليوم فكل في طريق، وكل في سبيل، لا يفكر إلا في نفسه. وكيف لا ؟، ورغيف الخبز أصبح غاية قصوى لشعوبهم، وتحصيل الدواء فهو الآخر صار هدفا،إذا ما تم تحصيله.

لقد كانت صيحات الإختناق والإحتراق تتكسر عند أولئك القابعين في أبراجهم الإسمنتية،التي أصبحت رمزا لهذه المرحلة الحالية من تاريخ العروبة،وكأن العروبة ينقصها هذا التطاول في البنيان. وكأن هذا التطاول سوف يجلب لها الخير العميم والكرامة والمجد، وسوف يجعله في مقدمة الأمم.إنها العولمة التي افترست كل شيء بما فيها أموال العرب.

وأما فلسطين فلا فرق بين جنوبها وشمالها،بين قطاعها وضفتها. إن الحال واحدة دون ادنى شك.فقد كشف تقرير لمكتب الأمم المتحدة يعنى بالشؤون الإنسانية، أن جيش الإحتلال الإسرائيلي، قد قام بمئات عمليات اقتحام للأراضي الفلسطينية، وقد أتبعها بمئات عمليات الاعتقال، علاوة على ما لديه من اسرى فلسطينيين.

ناهيك عن مئات عمليات تدمير المنازل وطرد أهلها الآمنين إلى العراء والمجهول. واخيرا لا آخرا عمليات القتل والإغتيال والإعدام التي مورست بحق مواطنين فلسطينيين. وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة. إنها مكررة تكرارا خطيرا لا يحتمله كائن من كان. ان المشكلة المتفاقمة تكمن في العروبة الآخذة في التراجع إلى حيث لم يعد لها ذكر في الأجندات السياسية العربية إلا ما ندر.

ولست هنا لكي أتناول كل المؤثرات التي جعلت من القضية الفلسطينية أمرا مستعصيا على الحل. إنه العام الثاني والستون يدخل على العالم العربي، وليس في يده ما يدل على أنه استقى العبرة من كل ما يدور في الساحة الفلسطينية. لم يجد أي حل لقضية اللاجئين، ولا الإستيطان الذي افترس الأرض الفلسطينية، فعمرها وغمرها شرقا وغربا، شمالا وجنوبا ولن أتناول كل معطيات الجدار العازل بألوانه القاتمة، ولا تهويد القدس الذي أصبح هو الشر كله وكأن الأمر لا بد منه. ولا الاعتداءات المتكررة على المسجد الاقصى المبارك، فقد اصبحت معروفة للقاصي قبل الداني.

وإذا ما أضفنا إلى هذا وذاك، كل الحالات الإحتلالية الأخرى التي ما زال الإحتلال الإسرائيلي يمارسها، فهو ما زال يمارس جنون الإجتياحات والإعتقالات والإغتيالات والأطواق والحصارات والحواجز الأمنية الخانقة. وهو لم ينقطع عن عن اغتصاب الهواء والماء والثروات المعدنية. ولا كل ما يخص العالم العربي من طاقة تحرك مقدراته فتحكم فيها.

إلا أن الأنكى من هذا كله أن هذا العدد الكبير من الإغتيالات والأسرى الفلسطينيين، لم يعد يحرك ساكنا في ضمير هذه الأمة العربية. فتحجرت أحاسيسها، وتبلدت، وقست، وماتت مشاعرها وها هو الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة محاصر حصارا لا انفكاك له. ها هو يعاني ما يعانيه من فقر وحرمان لقد اصبحت قضية الشعب الفلسطيني ليست اكثر من قضية اجتماعية انسانية.

وبرغم الإمكانيات الهائلة للعالم العربي وبخاصة المادية منها،مضافا إليها الكفاءات البشرية المتخصصة في مجالات شتى لها صلة بالسياسة والإقتصاد، وبرغم وجود جامعة الدول العربية التي يفترض بها أن توحد الصوت العربي وأن توجه مساراته إلى حيث ينبغي أن يكون عاليا ومسموعا ومؤثرا ومفهوما.

الا أن هذا ظل افتراضا لا مكان له على أرض الواقع العربي الذي عانى من غياب جبهة إعلامية قادرة على التحرك خدمة للقضايا العربية، ودفاعا عنها وتصديا لاجتياحات إعلامية آتية من وراء حدود العالم العربي،تستهدف النيل منه على كل الصعد،وتركيعه على طريق موجة جديدة من أحدث أشكال الإستعمار والإستغلال والتحكم والهيمنة في إطار عولمة تستهدف اقتلاع العرب والمسلمين من جذورهم الثقافية والحضارية.

وحقيقة الأمر إن الأنظمة العربية الحالية ليست مؤهلة للعمل العربي القومي كونها نشأت أساسا في إطار حدودها السياسية المنغلقة على ذاتها، وهي والحال هذه دول أجسادها تنتمي إلى العصر، وأما أرواحها فتنتمي إلى العشيرة التي تدين بالولاء لعقر دارها وشيخها ليس إلا.
وثمة سبب آخر كون دول هذه الأنظمة غير متجانسة تربويا وثقافيا واقتصاديا،وثمة اختلافات في التركيبة الديموغرافية للسكان من حيث العدد والتعددية المذهبية والعرقية والطائفية،الى جانب التباين في درجة الإحساس القومي.
إن غالبية الأنظمة العربية -إن لم تكن كلها- تهيمن عليها روح القبلية والعائلية والإنتماء إلى الجغرافيا الضيقة جدا، أو الهروب إلى تاريخ غير عربي ولا إسلامي، يمنحها على حد ادعائها ما تفتقر إليه في الواقع من رقي حضاري. وإذا كانت هذه الأنظمة قد تطورت ظاهريا، أو لنقل إنها وجدت نفسها أمام طفرة فجائية من استخدام أساليب حضارية استهلاكية تحت ظلال تنمية تظاهرية.

إن مفهوم العروبة لم ينضج بعد ولم ينتقل من مرحلة وحدة اللغة إلى وحدة الهدف والصف والمصير، ومن الخاص إلى العام ومن الأنا إلى نحن، ومن الجزء إلى الكل وهي الأهم والأخطر. والأنظمة العربية سادرة عن قصد في الإبتعاد عن هذه المركبات الأساسية التي يفترض أن تزود العروبة بالطاقة التي تفتقر إليها جراء النزيف المستمر الناجم عن السياسات العربية الفردية.

وتفتح هذه القضية ملف السياسة العربية تجاه القضية الفلسطينية،والذي لم يزل يتمثل في الإعتداءات الإسرائيلية على كافة الصعد بمشاركة ومباركة من الولايات المتحدة الأميركية وصمت من قبل الإتحاد الأوروبي، ولامبالاة على صعيد المجتمع الدولي. وما هذا الذي نراه إلا ردة فعل عربية، والمحصلة كانت المزيد من المعاناة الفلسطينية التي لم يسبق للشعب الفلسطيني أن عرف مثيلا لها.

وهكذا فإن انتظار بارقة أمل تأتي من هنا أو هناك، وأقصد قافلة شريان الحياة 3، وما سبقها وما سوف يلحقها، إذا ما كتب لها ان تصل، تشكل في ظل هذه الهجمة الشرسة من قبل الأنظمة العربية والإسلامية، ومن ثم الجهات الغربية تحديا سافرا لكل المخططات التي تستهدف هذا النيل من صمود هذه الجماهير.إنها خطوة كبيرة إلى الأمام، ولعلها تكبر وتكبر، عساها تصبح هي الحقيقة.وعساها تكون الأمل والرجاء للمحرومين والمظلومين. إلى ان يكون الفرج القريب بإذن الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى