الثلاثاء ١٢ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

صمود

لكم يؤسفها حقا أن تظل معتصما في دهاليز المادة الرنانة التي سيؤول وضعها الراهن عبر السنين العارية إلى رماد خاب لا وهج فيه، ولكم كنت مخطئا وأنت تتنازل عن صرح السعادة المرصع بالعقيق والمرجان، وتلغي من قوقعة ذهنك الجدباء أيامكما النرجسية الملفوفة في الحرير، والتي تلونت بلون الفراشات، واكتست ألق التبر.

روحك النهمة استوطنتها آفة الجشع فدمرت بحرابها كل ما هو أحلى، وأجمل، وأبهى، وألذ.
بتماديك الناسف اللامتناهي تنكب بجراراتك الزاحفة تطلق رصاص الموت على بستان حياتها الذي أزهر، وأينع ذات يوم، فلا يحيي قلبك المعقد الذي تشابكت خيوط جحوده سوى التلذذ بآلام الآخرين الذين يسقطون تباعا صرعى، وجرحى وهم يئنون.

آه! ما أقسى فظاظة قلبك أيها الجاحد الضال! لقد أبيت أن تكون من فصيلة الفضيلة، فالرذيلة عنوانك، والأنانية موطنك، والمكر هويتك.

بكل بساطة انسلخت من واحة دنياها التي نبتت على ضفافها شجيرات الوفاء المكللة بعطر الندى، وكفرت بالسعادة التي أفعمت قلبك السقيم حبا، ودفئا، وتغريدا. كانت كاليمامة البرية مسالمة، طليقة، تهدل فوق شبابيك عمرك التي علاها الصدأ، وتشاطرك حفنة أعوامك التي تصورتها في بادئ الأمر روضة فيحاء لن تطرد منها كما طرد آدم من جنته، كانت تجاهد في إنقاذك مما أنت فيه، تغيرك المفاجئ أرعب أحاسيسها فصار المال هاجسك، وقاسمك المشترك. أحاسيسها صافية كالمرايا، كالينابيع، كالأشواق الجارفة.

وفي جوف صدرها تحمل قلبا ثريا بالأمان، يرسم على الدوام بريشته فيء شجرة ظليلة، وقبلة عيد بهيجة، وغزالة تعدو في الفيافي من غير قيود. عيبك الوحيد الذي تجذر فيك، وصار كائنا في صميمك هو عدم الإعتراف بها كزوجة مخلصة أفنت عشر سنوات من عمرها في بناء عش زوجي سعيد، وسيجته بأزهار المحبة خوفا من زمن غادر لا تؤتمن صحبته، وفوق هذا كله أنجبت لك زهرتين نديتين عامرتين بالحب والخير.

وباستمرار كانت تمنحك قوة المثابرة على التمسك بها لأن الحياة لا تزدهر أبدا إلا في ظلال ود أصفى كضحكة بريء متخم بالرضا، ولكم تبهرها لحظات الصدق الشفافة التي تنمي بداخلها شعورا قويا تربطها أوتاره اللامرئية بالحياة.

ثروة مترامية هي الأيام الخوالي التي تقاسمتها معك، تتجاذبان فيها الأحاديث العميقة، الطيبة، وتنسجان معا دثارا ورديا مزركشا بالأماني الغالية. هي دوما تتوق للنور، والشفافية، والإخضرار. وأنت ضربت بكل ما هو جميل، ونفيس عرض الحائط. وفي حالة التدمير هذه ما زلت تفرط في إدمانك الشنيع قصد تجريح كرامتها، وتلويث كبريائها كأنثى.

تملكك الجشع ضاربا جذوره في عمق الأعماق حتى أعمى بصيرتك، وأضلك بأضاليله.
وببرودة المشاعر كبرودة الصقيع والموت صارحتها وهي تجمع في حجرها الفضي عناقيد المرح: انتهت الحياة بيننا.

انفجرت الدهشة على لسانها كقنبلة موقوتة: أبهذه السهولة تنهي ما بيننا؟ أنسيت اللحظات الهنيئة التي كانت نقية في نقاوة الفجر، وأنغام الناي، وشفافية العبرات؟

ــ دعينا من هذا الهراء، كفى، لا أريد سماع المزيد.

انسلخت من واحة دنياها هاربا إلى أخرى لتمطرك بمالها ناسيا أن الحب الأنقى كوجه البراءة هو الدرع الواقي من تصدعات الأحاسيس وانهيارها؟

ولكن من يرفع راية الانتصار في نهاية المطاف؟

الكل يصفق لها، ويزغرد مرحبا بها وبما اكتسبت من خلال رفيعة، لن تهزها رياح غدرك العاصفة، ستبقى واقفة كالطود نحو العلا، ستتشبث بأهداب الحياة، وبوريد الأمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى