الخميس ٨ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

علينا التصدي للأفاعي التي تلتف حول لغتنا الجميلة

لو كانت لغتنا العربية الجميلة كائناً هشاً ضعيفاً لكانت قد انقرضت منذ زمن بعيد، نتيجة لما تتعرض له من حملات أجنبية وغير أجنبية علي السواء، لكن هذه اللغة العريقة أثبتت أنها كائن حي، يتمتع بكل مقومات الحياة، وهذا ما يغيظ الذين لهم مآرب متنوعة، لكنها مآرب تستهدف القضاء عليها أو علي الأقل الحد من حيويتها من خلال إيجاد بدائل تحل محلها، وهذا هو الوهم بعينه، فحتي لو ظهرت هذه البدائل، وأتيح لها ما يكفل لها أن تتجلي، فإنها ستظل بدائل هشة وضعيفة، ولن يقدر لها أن تستمر طويلاً علي قيد الحياة.في مقاله القيم والمهم الهوية المأزومة رصد الكاتب الجاد الدكتور حمد عبدالعزيز الكواري، ما تتعرض له لغتنا الجميلة والعريقة من محاولات لتهميشها والحد من تأثيرها علي الوجدان العام ووجدان المثقف الذي يشعر بانتمائه العميق للأرض العربية، وقد أشار الدكتور حمد عبدالعزيز الكواري إلي أنه يقوم بدق ناقوس الخطر حتي نتنبه جميعاً لما يحاك ولما يراد، وقبل أن تقع الفأس في الرأس، ويغرقنا اليأس، وإذا كان هذا المثقف العربي - القطري الجاد قد كتب ما كتب لا بقلمه وحده، وإنما بوجدانه وبأعصابه، فإن مهمتنا - إذا كنا مخلصين حقاً - أن ندق معه ناقوس الخطر، لأن الأفاعي السامة ذات التوجهات المشبوهة تحاول أن تلتف حول جسد لغتنا العريقة والجميلة، ليتحقق لها وهم القضاء عليها، وبالتالي مسخ هويتنا العربية من الأساس.هناك محاولات، نجحت في أحوال كثيرة، في أن تقضي علي عدة لغات، والمثال القريب يتمثل في اللغة التركية التي قام مصطفي كمال أتاتورك بتغيير حروفها العربية التي كانت تكتب بها، لتحل محلها الحروف اللاتينية، وعلي الرغم من نجاح هذه المحاولة إلا أنها شوهت التراث الأدبي التركي تشويهاً فظيعاً، ولو أننا راجعنا كل ما قام به المغرضون والمتفرنجون لتشويه ملامح لغتنا العريقة فإننا نستطيع أن نطمئن كل الاطمئنان، لأنهم لم يفلحوا في مراميهم وأهدافهم، ومن هؤلاء الذين حاولوا ثم فشلوا سلامة موسي والدكتور لويس عوض في مصر، وسعيد عقل في لبنان، والطاهر بن جلون في المغرب وفرنسا، ولكن هناك محاولات جديدة، تستند الي قوة تأثير وسائل الإعلام الحديثة، ولا شك أنها تستطيع أن تؤثر بالسلب علي لغتنا ولو لبعض الوقت، وعلي سبيل المثال فإن قنوات فضائية لبنانية عديدة تستخدم اللهجة اللبنانية في كل ما تبثه، كما أن هناك قناة OTV المصرية والتي تستخدم اللهجة العامية المصرية في كل ما تبثه من مواد وحوارات، فضلاً عن القنوات التي تستهدف التبشير بالدين المسيحي، وهي تبث برامجها من دول عربية وغير عربية متنوعة.بعد أن تابعت - بدقة - ما كتبه الدكتور حمد عبدالعزيز الكواري، تلقيت موضوعاً من الجزائر، ورد فيه أن اللغة العربية هناك تعاني من التهميش ومن نظرة الاحتقار إليها، وأن مثقفين وكتاباً جزائريين مرموقين - من بينهم الروائي الكبير الطاهر وطار - يطالبون بإعادة الاعتبار لهذه اللغة الجميلة والعريقة، كما يطالبون بتعميم استخدامها وتداولها في مختلف أنشطة الحياة في الجزائر، بدلاً من أن تظل اللغة الفرنسية سيدة الموقف هناك، فضلاً عن الأمازيغية التي تشرخ - بقصد أو دون قصد - بنيان النسيج الاجتماعي الجزائري.في مرحلة المد القومي العربي، كان الشاعر الكبير سليمان العيسي يقول ونردد معه من المحيط الثائرِ - إلي الخليج الهادرِ - لبيك عبدَ الناصرِ ..

أما الآن فإننا نستطيع القول إن الأفاعي التي تحاول الالتفاف حول جسد لغتنا العربية أفاعٍ منتشرة، وتتحرك لبث سمومها من المحيط إلي الخليج، وهذا ما يتطلب مواجهة جماعية - لا فردية - تتكفل بفصل رؤوس هذه الأفاعي عن أجسادها!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى