الثلاثاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم حميد طولست

فلماذا الغرور والاستعلاء؟

وكما قالت الدراسات ان المواطن الاردني تختلف شخصيته خلف المقود ويشعر بالغرور وعدم التسامح مع مستعملي الطريق الاخرين سواءا سواقا او مشاة ويحاول البعض ان يثبت قوة شخصيته بسرعة القبادة والحركات الجنونية والبعض الاخر طيشا واستهتارا وولدنة وزعرنة.

الغرور وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع.

فلماذا الغرور والاستعلاء؟

الإنسان على اختلاف مستوياته الفكرية والثقافية والاجتماعية ابن لبيئته، وشريحة من شرائح مجتمعه، يتأثر بتأثيراتهما السائدة، ويرث عادات وتقاليد الوسط الذي يعيش فيه متأرجحا بين الصعود والهبوط، الارتقاء والانتكاس، بسبب انتصار أحد عنصري تكوينه الروحي والجسدي على الآخر، فإذا انتصر العنصر الروحي، علا الإنسان، وارتقى وسمت أخلاقه، وإذا انتصر العنصر الجسدي الطيني هبط إلى طينيته وضعفه البشري، بسبب ما يتعرض له في حياته من ظواهر وآفات اجتماعية فتاكة منافية للتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية.. أمثال الأنانية والاعتداد بالنفس، الحسد والخداع والغش، والغدر والاستبداد بالرأي، واستجهال الناس والمخالفين لرأيه وتبقى أخطر وأقوى تلك الظواهر والآفات تلك الرذائل الأخلاقية التي أطلق عليها علماء الأخلاق مصطلح الغرور، و أتبت علماء النفس وأكدت كتب التاريخ البشري أنه مرض نفسي ويستشري في كل الفئات والقطاعات الاجتماعية، ويفتك بالنفوس الصغيرة والطارئين على الحياة العامة والذين لا يملكون الأسس الراسخة الثابتة من الثقافة والوعي، وصيب بالتعالي الاجتماعي جل الفئات التي تبحث عن الشهرة والضوء كالأوساط الفنية والإعلامية والسياسية التي تتضخم ذواتهم، وتكبر نرجسيتهم، ويعيشون الأنانية في أجلى صورها، تيدفع بهم إلى الحسد والخداع والغش، والغدر، لنيل مآربها وتحقيق طموحاتها السرابية الأنانية، لا يفكرون إلا في أنفسهم، ولا يهمهم إلا أن يستوفوا حقوقهم كاملة من الناس، مقابل التخلي عن الواجبات وبخس حقوق الناس وظلهم، ٍ فهم دائما الأعلم ولا الأجمل، إذا تكلموا فهم خير من يتكلم وينظر، يرون غيرهم مجرد جهلة وعلى خطأ، ولا احتمالية لصواب رأيه، يقفون منه موقف التسفيه والخفة، والهزء، والسخرية، والتحقير لأنهم رعاع يدورون بحلقة هم المحور فيها والأساس وغيرهم التابع الخانع الذي يبحث عن رضاهم ويتوسل بركاتهم؛ وذلك لعدم استيعابهم ذهنيا، وعدم استعدادهم نفسيا للتعامل والتكيّف مع الأوضاع الاجتماعية التي تفرضها بعض الانتقالات التصاعدية في سلّم الحياة.

وما يزيد من خطورة هذه الآفة، هو أنها حالة اجتماعية بحتة يمكن أن تصيب أي فرد في المجتمع وفي كل مجالاته ومستوياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لأنها آفة غير قطاعية تصيب شخص يعمل في قطاع معين دون أن غيره ممن يعمل في قطاع آخر، لذلك جَدولها اختصاصيو علم الاجتماع ضمن الأمراض الاجتماعية غير المؤثرة على التطور الاجتماعي العام لتأثيراتها الفردية المحدودة على الشخص الذي تتلقفه التقلباتها السيئة. وهي بداية النهاية كما اتفق على ذلك اغلب الكتاب والنقاد والفلاسفة المفكرون.. فبمجرد أن تتسرب إلى النفس يبدأ المرء في ارتكاب الأخطاء، ويأتي بالتصرفات غير المقبول دينية ومجتمعيا، فيفقد المصاب ما اكتسب من مكانة لدى الناس.

فكم هي سلبية أثارها على الناس جميعا، ووخيمة على الشباب خاصة في مرحلة اختيار الزوج أو الزوجة، فالمغرور من الرجال لا يرى زوجاً مناسباً له إلا نادرا، والمعجبة بنفسها لا تجد فارسا لأحلامها بين الرجال إلا لماما، ولا تزوج أبدا، فكم من المثقفات وصاحبات الشهادات العالية بقين عانساً، كما تشير الكثير من الدراسات الى وجود 15 مليون عانس عربية، بسبب هذه الآفة الاجتماعية اللعينة.

فكم من الزوجات، زوجة من الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى ،غرها حسنها وآمنت بأنها أجمل نساء الكون فغدت عقرب تلدغ وحيّة تسعى، معتقدة أن زوجها لن يرى من هي أجمل منها فأهملت شكلها وهندامها ولم ترهق نفسها بتنميق ما اختل من شكلها، وتجميل ما فتر مع الزمان من وهج نضارتها، حتى مل الزوج منظرها المقزز وبحث عن زوجة ثانية أو طلقها ليفارق تلك المعاناة.

وكم من الأزواج، زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته يعتقد بأنها اقل منه ثقافة وعلما فلا يناقشها أو يحاورها أو يأخذ برأيها في الحديث– وإن كان خارج البيت نعامة فتخاء-. فهي اجهل من أن تستشار، فسقط مع، الأسف، مواقف كان من الممكن تلافيها لو تواضع كما أمره الله بذلك.

وكم هي حوادث السير التي يذهب ضحيتها آلاف الشباب بسبب اغترارهم بقوة أجسادهم أو مركز عائلاتهم الاجتماعي أو المالية فيتعاملون مع الطريق بغير حذر بل وباستهتار بحياتهم وحياة غيرهم من المارة، فينتهي بهم غرورهم إلى المقبرة أو السجن، أو النبذ الاجتماعي..

فلمثل هذا وغيره كثير جدا، لا يسعه المجال لكثرته، دم الله الغرور لما له من آثار سلبية على المجتمع في الحياة الدنيا، وآثار أخرى سيئة على المغرورين في الآخرة، حيث توعدهم الله بالعذاب الشديد في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، والأمثلة في ذلك لا تعد ولا تحصى. نذكر منها على سبيل المثال: كسورة المطففين التي يقول فيها الله تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) إِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وقصة قارون، حيث قال تعالى في سورة القصص (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78 ) وقصة فرعون التي قال تعالى في سورة النازعات: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) وفي قصة آدم وإبليس(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) وقال تعالى في سورة الأعراف : (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13))،........، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم" رواه ابن ماجه، وقال الألباني حديث صحيح، فمن ذا ينازع الله فيما يملك؟!، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) رواه الطبراني، وقال الألباني حديث حسن

فإذا كان الغرور مذموما بالنسبة لعامة الناس، فهو في شأن المتعلمين والمتدينين والدعاة إلى الله أشد بغضا ودما لأنه من المفترض-وهم ورثة الأنبياء- أن تنطوي قلوبهم على الطهر والنقاء، والود والصفاء، لا على الكبر والغرور، ولأن العلم والتدين لا يزيدان الإنسان إلا إنسانية وتواضعا، فكلما ارتقى المرء في مدارج العلم والمعرفة، كلما ازداد تواضعا واتهاما لنفسه وعلمه بالقلة والضعف. لكنه – مع الأسف الشديد- أصبحنا نجد في زماننا الأغبر هذا، أن أكثرية من يصاب بهذه الآفة هم ممن يدعون العلم، ويزعمون التفقه في الدين، ويتصدرون دعوة الناس ووعظهم، ويبدو سوء تعامل المتدينين المغرورين بتدينهم مع العامة وحتى مع أهلهم وذويهم، كالأب والأم والإخوة والأخوات، جليا وواضحا في ونفسياتهم المفخمة أكبر من حجمها، بل وأكبر من غيرها أيضا، وشعروهم بالزهو والخيلاء لخصلة يمتازون بها، أو يتفوقون بها على غيرهم، وقد لا تكون بالضرورة هبة من الله حباها إياهم، ولا نتيجة جهد شخصي بذلوه لتحصيلها، وإنما قد تكون من باب الظهور والرياء، ورغم وجود الأحاديث النبوية والتوجيهات الدينية التي تدم صراحة هذه الخصلة، وذاك السلوك، وتحث المرء على الابتعاد عنها، فإن هـذا الجانـب "الخلقي" في الدين لا يلتفت إليه هؤلاء في غمرة انشغالهم بالاهتمام المفرط بالمظهر والشكل؛ حتى أن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر، وإذا سلّموا على الناس يرون أن الجميل لهم، وإذا جلسوا مع الناس عدوا ذلك تفضلاً وتكرماً، وإن هم أحسنوا لأحد منّوا، وإن عفوا فخروا بذلك، وإن كان من نسلهم أهل العلم لم يدعوا فرصة إلا وذكروها، وافتخروا بها على غيرهم الذين يتعاملون معهم بجفاء وغلظة وتعالي، على أنهم أدنى من أن يعاشروهم بالمعروف واللين والرفق، وأدنى من أن يخفضوا لهم الجناح، على أنهم من أهل الطاعة وهم من أهل المعصية.

فلو أحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه، وتواضع لله، التواضع الممدوح، المبرأ من الخسة والأنانية، المتسم بالقصد والاعتدال، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، وأعطى كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير حسب منزلته ومؤهلاته، لاستطاع من خلال هذه القاعدة التي أمرنا بها الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام، أن يحقق الكثير من الإنجازات ويوثق عرى علاقاته مع الآخرين، ويضمن حبهم له والتفافهم حوله.

ولن يتحقق ذلك إلا إذا آمن الإنسان بأن العظمة لله وحده، لا يشاركه فيها أحد، وعمل على العناية بنفسه وبتربيتها وتهذيبها، واتهامها الدائم بالتقصير وتعويدها على التفكير في الآخرين، ولجمها عن الهوى حتى لا تودي به إلى المهالك، لأنها أمارة بالسوء، تحب مدحها، على أنها خير وحدها ودون الناس، وتنسى أن ما كان لها أن تهتدي إلا بتوفيق الله وحده.

ــ وكما جاء عن السلف، فماذا يكون الإنسان حتى يغتر ويتعالى ويتكبر، فلينظر لحاله قبل الولادة وحاله بعد الوفاة، قول السلف : يا ابن آدم إنما أنت بدايتك نطفة مذرة، ونهايتك جيفة قذرة، وبين ذلك تحمل العذرة".. فعلام يغتر ويتعالى؟!

وقد قال الشعراء في دم الغرور ومدح التواضع الكثير من الروائع أذكر منها قول المعري مادحاً التواضع، داماً التكبر والغرور :

ياوالي المصر لاتظلمّنْ فكم جاء مثلك ثم انصرف

تواضع إذا مارزقت العلا فذلك مما يزيد الشرف .

وقل شاعر أخر:

ملء السنابل تنحني تواضعــاً***والفارغات رؤوسهن شوامــخ

زقول شاعر أخر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم*** وتأتي على قدر الكرام المكـارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ***وتصغر في عين العظيم العظائم

وبيت أخر:

لا تحقرنّ صغيرا ً في مخاصمةٍ ** إن البعوضة تدمي مُقلة َ الأسـدِ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى