الاثنين ٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عبد المجيد العابد

فن العمارة وإنتاج الجمال

يرتبط الفن بالإنسان منذ نشأته بالكهوف، حيث نلفي من خلال الحفريات وجود بصمات فنية للإنسان الأول، وكان الفن إثرها مرتبطا بعلاقة الإنسان الحميمة بالطبيعة وجبروتها، يرسم ما يخافه ويهابه تَوَقيا من شره، لكن مع تقدم الحياة الإنسانية لم يعد الفن فقط محاكاة لعناصر الطبيعة واستنساخا ساذجا لمكوناتها ومكنوناتها، بل غدا رؤية للعالم وتمثيلا لطبيعة النظر للوجود، ذلك ما تكشف عنه المنمنمات التي يحتفظ بها التاريخ الفرعوني والقرطاجي والروماني وغيرها، حيث تشكل فسيفساء مخلدة لهذه الحضارات البائدة، ومنها أصبحنا نربط الفن بإنتاج الجمال، حيث عرفته الإنسانية منذ أن بدأت تضيف إلى الأشياء النفعية عناصر لا منفعة مادية من ورائها، فتضيف للسيف رسوما ليست من طبيعته الأداتية...إلخ، وهكذا كان الحكم الجمالي ابتداء حكما ذاتيا لا يخضع للنفع، بل يرتبط بالمتعة التي يضفيها الشيء الجميل على عين الرائي، لذلك تعددت النظريات الفلسفية الجمالية بدءا بسقراط ومحاوراته الساخرة التي تميز بين الجميل والجمال، وتجعل الجميل ما تضفيه الذات عن الشيء، إذ لاشيء جميل في ذاته، وربط أفلاطون الجمال بالمحاكاة الثانية أو الخيانة لعالم المثل الذي يعد عالما حقيقيا، وخالفه في النظرة المحاكية أرسطو، وصولا إلى رائدي علم الجمال هيجل وكانط، فالأول اعتنى بالتأريخ لعلم الجمال بالأساس، بينما الثاني اهتم بنقد ملكة الحكم الجمالي.

وقد تعددت عمادات الفن في إنتاج الجمال، ويعد فن العمارة من بين أرقى الفنون في التعبير عنه وإنتاجه، ما دام قرين الإنسان حيث كان، بالرغم من الإكراهات التي أصبحت تعترض هذا الفن أمام الحداثة المادية الطاغية، وفن العمارة يختلف بحسب طبيعة التعبير نفسه استنادا إلى مجموعة من المعطيات الإيكولوجية والهندسية التي ترتبط به، حيث يخضع لعناصر أربعة أساس: المناخ والتخطيط المعماري واحترام الشروط البيئية وطبيعة الحياة المعيشية؛ حيث يتدخل المناخ بالذات في تحديد العناصر المكونة للبناء فلكل مناخ مكونات معماره، حيث إن المناخ الجاف يفترض بناء طينيا في الغالب وجدارا سميكا يعد مكيفا طبيعيا للساكنة، ومثاله القصور والقصبات المغربية في مناطق الرشيدية ووارزازات على الخصوص، بينما السكن الجبلي يفترض هندسة ملائمة للطبيعة الثلجية كما في أزرو وإفران، وتفرض أشعة الشمس تصميما ملائما يسمح لها بولوج المنزل في الفصول جميعها، ويختلف السكن بحسب تصاميم التهيئة التي تفرضها الدولة على مناطق النفوذ، حيث نميز بين تعمير خاص بالفيلات وآخر بالعمارات والمنازل وفق شروط منصوص عليها قانونا تلزم كل مصمم، كما تفرض البيئة شروطها في التصميم المعماري من خلال احترام المنظر العام، والشروط الصحية للسكن الكريم، ويعتبر الشرط البيئي أهم شروط السكن. وتتدخل أيضا طبيعة الحياة المعيشية في السكن فالرُحَل لهم سكنهم الذي يلائم الانتجاع والتنقل كالخيام، ويختلف المعمار أيضا بحسب قدرات الفرد ومؤهلاته المادية والمعنوية.

وتجدر الإشارة إلى فن العمارة ليس حكرا على الإنسان، بل إن كثيرا من الحيوانات والحشرات لها هندسة معمارية قد تفوق الإنسان جمالا، كالعنكبوت التي تجعل من عشها فخا ومسكنا بحساب رياضي هائل، وكذلك النمل والنحل، بل إن من العصافير ما يجعل من المسكن الجميل أساس التزاوج وطلب الود وغير ذلك كثير ينبئ أن فن العمارة أساس البقاء الإنساني والحيواني على حد سواء.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى