الخميس ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم علي دهيني

قراءة في" وليف الحب .. في العلاقات الزوجية"

الدونية في العلاقة بين الرجل والمرأة وإن كانا زوجا وزوجة، ما زالت موضع أخذ ورد وجدل منذ أن هبط آدم وحواء إلى الأرض، حيناً يأخذ الحديث عن هذه العلاقة طابع الصدام وحيناً آخر يأخذ مسار الدراسة والبحث من الناحية الإنسانية والعلاقات البشرية، في محاولة للتوفيق بين وجهتي نظر قد تفترقان عند رأي وتلتقيان عند رأي آخر.

وهذه العلاقة، تحت أي مسمى، هي موضع اهتمام، أكان ذلك في مدار العلاقات الزوجية أم في مجالات الحياة الأخرى كسوق العمل البَيْني على مختلف المستويات.

لأجل ذلك يكاد الحديث عن هذه العلاقة أن يكون كلاسيكياً باهتاً لاستنفاذه كل ما يمكن أن يقال سلباً أو إيجاباً، فيه أوحوله، لذا نجد ان بعض العناوين لأبحاث حول هذه العلاقة الزوجية تتجاوز جدلية الحقوق ومن يعطيها ومن يمنعها، ليتصدى الباحث الإجتماعي لهذه العلاقة من موقعها الأول وهي الأسرة، ويحاول أن يقف عند رسم الصورة المطلوبة لإنجاح هذه العلاقة، دون أن يدخل في جدلية الحقوق المسلوبة أو المستخلصة، فيذهب جهد هؤلاء الباحثين على تقديم خلاصات أبحاثهم وعرضها كنصائح أولية لأنهم يدركون أن كل ما يقال حول هذه العلاقة، هدفه التوفيق بين هذين النوعين للجنس الواحد بغرض توفير مناخ صالح لبناء مجتمع نام متطور يبني المستقبل ولا يبقى مشدوداً إلى الماضي من حيث السلوك والشكليات التي تختفي أمام الحقائق الموضوعية، طبعا مع الحفاظ على الجوهر.

وما لا يمكن تجاوزه عند بعض الباحثين، هو تأثرهم بالبيئة التي يعيشون فيها والمناخ الإجتماعي العام، فتأتي أبحاثهم غالباً، منسجمة أو مسايرة لهذا الواقع الإجتماعي، دون الالتزام بالموضوعية المجردة، مقتنعين ان ما يقدمونه هو الممكن، ولو كان مجافيا للحقائق الموضوعية، التي توصل الى السلامة المرجوة لبناء مجتمع ينعم بالهدوء والراحة والطمأنينة، ليتأمن عبر هذه السلامة حالة من الأمن الإجتماعي العام.

كلنا متفقون على أن المجتمع الكبير والعام، مؤلف من مجتمع صغير وهو العائلة أو الأسرة بصورة معبرة أكثر. وكي تتوفر هذه السلامة وهذا الأمن، لا بد من إيجاد حالة سلام واستقرار نفسي في أجواء هذا المجتمع الصغير تبدأ برأس هذا الهرم وهما الأب والأم أو الزوج والزوجة.

في هذا السياق يأتي كتاب "وليف الحب... في العلاقات الزوجية" (للأستاذة معصومة العبد الرضا والأستاذة عواطف الحجى من المملكة العربية السعودية والصادر عن "ديوان الكتاب" في بيروت في 128 صفحة)، ليعرض مجموعة من العناوين الأساسية والهامة في هذه العلاقة.

يعرض في قسمه الأول إلى إثبات ما جاء في القرآن الكريم حول موضوع الزواج يتبعه ما جاء في الحديث الشريف ثم يقدم في قسمه الأخير بعض الأجوبة يسبقها عدد من النصائح للزوجة في علاقتها مع زوجها. بينما تقدم المؤلفتان بين هذين القسمين مواضيع أساسية تتعلق بالأوضاع النفسية التي على الزوجين الحفاظ على الوجهة الإيجابية فيما بينهما.

لا شك أن الكتاب "يقرأ من عنوانه"، فمجرد وسمه بعبارة "وليف الحب" يأخذنا ذلك الى صورة رومانسية تختزن في باطنها حميمية العلاقة بين الذكر والأنثى بشكل عام، وإرفاق هذا العنوان بعبارة: "في العلاقات الزوجية" مؤشر على أن هذه الرومانسية وهذه الحميمية يجب أن تكون منضبطة بقانون الحياة الشرعي والرباط الزوجي المقدس، وليست عبثية العلاقة الحميمية كمفهوم تجريدي.

واما لغة الكتاب المعتمدة على أسهل العبارات وأسلس الجمل وأقصرها، تأخذ طابع الإرشاد والتوجيه في إبلاغ النصيحة، وتترك أثرها الإيجابي، بحيث لا يتكلف القارىء عناء البحث بين السطور عن الفائدة المرجوة من هذا الكتاب، فتصله النصيحة والمعلومة بأبسط العبارات وأقربها للفهم، لأن الغاية من وضع هذا الكتاب أن يصل إلى أيدي الناس العاديين وهو ليس بحثاً علمياً للدارسين والباحثين.

الفائدة منه مهمة والمعلومة فيه واضحة والغاية منه نبيلة. هذا بإيجاز عرض للكتاب في الشكل. لكن هل كان هذا الكتاب متجرداً وغير متحيز لنوع من نوعي الجنس؟؟

حقيقة ما وجدته في هذا الكتاب انه ينحاز كلياً إلى الرجل موجهاً مادته بمجملها إلى المرأة بصيغة: "عليكِ أن تكوني كذا... وافعلي كذا... وقومي بكذا وبادري إلى هذا... ولا تنسي هذا..." إلى آخر ما هنالك من وصايا على الزوجة أن تقوم بها لتأمين راحة زوجها وبعث السرور إلى نفسه وتهيئة الأجواء لإرضاء رغباته. برغم أن المؤلفتين تستشهدان في مقدمة الكتاب بقول للإمام علي: "... فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة". إلا أنهما أصرتا على تحميل المرأة مسؤولية كل ما يترتب على أجواء الأسرة من سعادة وسرور، وهذا يعني كذلك اذا لم تقم بما تطلبانه منها، تحميلها مسؤولية غياب هذه السعادة وهذا السرور وحدها.

ففي نصوص الكتاب مثلا في الصفحة 35 وتحت عنوان " كيف يعامل الرجل زوجته" نجد ان هذا العنوان جلس وحيدا في مضمونه، بينما كل مادته التي تليه، موجهة للمرأة وكيف يجب الحفاظ على زوجها وليس من خلال الترغيب بقدر ما في الكلام من ترهيب، وبعث روح القلق في نفسها، وكأن المطلوب ان تبقى في حالة قلق دائم. وهذا الحال في نفس الزوجة من أخطر حالات الرهاب النفسي الذي يمكن تعيش في دائرته.

مثال آخر ، وربما أخطر، ما جاء في الصفحات من 75 الى 77 وهذه الخطورة تقوم على المفهوم، على القناعة المقررة غير القابلة للنقض، فيقول الكتاب : " بيد أن عقل المرأة ومهما كانت مثقفة، لا يمكن ـ هنا قانون الاستحالة والتعميم ـ ان يلم بمختلف أسباب الحياة الدنيوية" ؟!

والأمر الآخر في هذا الكتاب أنه يعفي الرجل من دوره في تأمين الراحة النفسية للزوجة ومعرفة احتياجاتها أو مبادلتها ما تقدمه من رعاية واهتمام. من هنا كان يجب الإنصاف في الطلب من الزوجين ما دام الحديث عن الأزواج. فإذا كان المقصود السلام والهناءة للعائلة، فإن الحالة النفسية للزوجة توفر القسط الأكبر من هذه السلامة وهذه الهناءة والراحة.
الله سبحانه وتعالى لم يفرق "بين ذكر وأنثى" إلا بحدود ما توجبه مسيرة الحياة وسلامة المجتمع بان القيادة في العائلة لرأس واحد كما جاء في الآية الكريمة " لو كان فيهما الهه الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون" (الانبياء: آية 22) لذا، لسلامة القيادة أن يكون قائد واحد يفصل في الأمر واتخاذ القرار. وأما ما تبقى فهو مشترك بينهما وخير دليل شراكتهما بالإنجاب، إذ لا يمكن لأحدهما الإستقلال بهذا. من هنا الدلالة، ومن الله سبحانه وتعالى البرهان، وما هو مطلوب في إنجاح الوضع العائلي وسلامة المسيرة من المرأة مطلوب أيضا من الرجل، تماماً كما جاء في العديد من الآيات الكريمة: "الصالحين والصالحات" "القانتين والقانتات" "العابدين والعابدات". فالله سبحانه وتعالى، أكرم عباده بما خص كل واحد منهم بخاصيته الذاتية المعبرة عنه، كذلك جعل بينهم أمورا مشتركة، لكنه رفع التفاضل بينهما في المعاملة، واقر المعاملة بالمثل، في حدود الشرع.

من هنا لا نرى انه من حقنا ان نفاضل وان نأخذ من هذا لنعطي هذا ، فقط ارضاء لعادات وتقاليد وموروثات مجتمعية لا مواقف شرعية ودينية، كما في قوله تعالى: " ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون" (المؤمنون: آية71)

إن مسايرة كل بيئة إجتماعية بأعرافها وما اصطلح عليه أبناؤها، لن يصحح مسار علاقة سليمة لا يفتئت فيها نوع على نوع آخر من جنسه، إن سلامة العلاقة والبناء الصحيح للأسرة يحمّل جميع أفرادها المسؤولية عن سلامتها وراحة وهناءة عيشها، فحين ينظر الولد والبنت إلى هذا التمايز في العلاقة، بصرف النظر عن الحقوق والواجبات، فإنهما سيختزنان في عقلهما مفهوم "السيد" و"الكهرمانة". هذه هي الإشكاليات التي يجب العمل عليها والبحث فيها لأن هذا الموروث سوف ينتقل معهما الى الشارع، يعيشانها في علاقتهما مع الآخر، فالبنت ستكون في قناعتها الرضوخ الى الرجل، وبالتالي هي مهيئة للخضوع والاستسلام لإرادته. وكذلك الشاب لن يتوانى عن الاقدام لما يرغب ويريد بخلفية سيادة العرف وحق الرجل.

إن الأمن الاجتماعي ينطلق من مسيرة المجتمع الصغير الى المجتمع الكبير بما اختزنه من موروث ثقافي وسلوكي، يضاف اليه المكتسب الذي قد يساند هذا المفخوم أو يتناقض معه، لكن لا شك أن في العلاقات الاجتماعية في بيئاتنا الشرقية يوجد إشكاليات لا بد من العمل عليها لتنقية سلوكنا منها، لكن ليس بدفعها باتجاه ما يتناقض مع سلامة الصحة النفسية والعدالة الاجتماعية.

لا نريد ان يفهم من كلامنا اننا نطلب بأن تكون المراة رجلا، ابدا على العكس، نريدها ان تكون بكامل أنوثتها لتقوم بدورها على خير ما يرام، لكن لا بد من الخروج من دوامة العبد والسيد.

تقول الأستاذة معصومة في تبريرها لهذا الموقف في الكتاب انه ما دامت الزوجة توفر لزوجها السعادة والهناءة التي يريدها، فهي بذلك قد حصلت على السعادة لنفسها.

هذا المفهوم مترسخ في شرقيتنا بتنوع ثقافاتها، ومن الصعب الفكاك منه، والسبب أننا ما زلنا نغذي هذه المفاهيم ونعمل على تقويتها. فإذا كان الرجل يرغب أن يكون أميراً في بيته وأسرته، عليه أن يعامل زوجته على أنها أميرة. وهذه عدالة السماء " يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير" (الحجرات: آية 13).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى