الأربعاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

لا نهج بروتوس .. ولا خطاب أنطونيوس

ما انفكت الشعوب العربية،بسوادها الأعظم، مسّيرة بقوى قياداتها سواء السلطوية أو المعارِضة، وكأن لا حول لها ولا قوة، فأهدت عقولها لما يسمى، مجازاً قيادات، وأبقت قلوبها مستقبِلة ً لأهواء من يخططون ويزمجرون بالخطابات الحماسية التي تدغدغ العواطف، وتؤذي طبلات الآذان.
ما أسهل تأليب غالبية العرب ضد طرف، وما أسهل استقطاب عواطفهم لصالح طرف من خلال سحر زعْم الوطنية أو عباءة الدين، فصار تقديس الشخصيات جزءاً من الجينات العربية من دون الاكتفاء بإنه،أصلا، من الموروث الشعبي والسلوكي عند العرب.

إن الصراع على السلطة قديم بقدم البشرية، لكن التطور الذي شهده العالم قاطبة، كأنه لم يمر على العرب ولو مرور الكرام، فبقينا كما شعب روما زمن يوليوس قيصر كما صوره شكسبير. إنه الشعب الذي غير رأيه بين طرفة عين وانتباهتها فظهر بصورة كرة القدم يتقاذفها فريقا بروتوس،قاتل يوليوس، وأنطونيوس محيي الفتنة. فقد أطل بروتوس على شعب روما ليبرر لهم الأسباب التي زلقته منزلق قتل صديقه يوليوس مبرراً ذلك بأن حبه لروما أعظم من حبه لصديقه، فكان أداة طوّعها المتآمرون على الحكم، ليَظهر للحظات بصورة مخلص الشعب من الاستبداد فهتف له الرومانيون هتاف القائد المظفر بالنصر.

إلا أن أنطونيوس، أو أنطوني، الطامع بالسلطة سرعان ما قلب الصورة بكلماته المعسولة ودموعه النازلة بالإكراه خلال جنازة يوليوس الذي صوره على أنه الموصي بكل ما يملك لعموم الشعب، والذي كان يبكي لحال الفقراء، فأبكى الرهط وألّبهم ضد بروتوس الذي كان قبل قليل ينادون به ملِكاً عليهم.على هذه الصورة هي غالبية أفراد شعوب العرب، يقفون مع طرف ثم يتقلبون عليه، مثلما ينقلبون على طرف ثم يهتفون له، وفقاُ لبوصلة الزعيم وهوى القائد، فكأنهم هشيم تذروه رياح الأحزاب والقيادات.

إن العربي ذا اللب لا يرغب في بروتوس جديد يتبع الاغتيال السياسي ولو كان شريفاً، وحجته تخليص الناس من الاستبداد. ولا يرغب في أنطونيوس يلعب على عواطف الناس المستجيبة لزمجرات الخطابات البلاغية ليخرجهم من استبداد ويولجهم في استبداد آخر من خلال الحنكة وسادية الفتنة.

لقد آن للعربي أن يتحرر من تبعية ذاك القديس السياسي، وذاك الرمز الاجتماعي، والصنم الحزبي، وأن يكون الإنسانَ الذي يحفز عقله لأداء وظيفته قبل أن يهيج أشجانه وعواطفه، فثمة أطراف عربية تلبس عباءات الحرص على الأوطان والمواطنين،وتقتات على عواطف العرب، تبعث بهم الى التهلكة في سبيل مصالح شخصية وفئوية لا تمت إلى مصلحة الأوطان بصلة قِيدُها أنملة. وكالعادة تهيج العواطف العربية ويموج العنف، فيذهب البريء ضحية الانفعالات تماماً كما انقض الرومانيون على الشاعر سينا الذي كان متوجهاً لجنازة قيصر لأنه فقط سَمِيّ أحد المتآمرين على يوليوس. إن القاتل الحقيقي أنطونيوس، لكن بأداة عواطف الناس.

فلنتخيل كم أنطونيوس لدى العرب بعباءات مختلفة، وكم عدد التابعين لهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى