الاثنين ١ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم سامي الأخرس

لكل أم فقدت "وليد"

أمضت ليلتها تترقب النجوم، وهي تحتفي بنورها كالفراشات علي زهور الربيع، فلم تشعر بمرور الساعات،ولم تتدارك سكون الليل من حولها، سوى مع صوت زقزقة العصافير، وهبوب نسائم العليل، وقطرات الندى، بيوم من أيام الربيع الخضراء.

مع كل نبضة من نبضات قلبها تتذكر وليدها الذي انتظرت أن يري النور،وتسمع صرخاته،وهو يستقبل فجر الحياة،وينمو ويترعرع حباً وعشقاً،ينمو وتنمو معه بشائر مستقبلاً سعيد، يزهوة الأمل.

تراقبة وهو يركل بقدمية حجارة الطريق، وهو يحمل حقيبتة المدرسية ليلحق بزملائه، ومن بعيد من خلف ستارة شوقها لأن تحتضنة وتقبله قبلة شوق وحنين، تراقبه وهو ينمو زهرة يانعة ببستان سعادتها، يفوح مسكها عنبراً، وبسمة ترتسم علي وجنتيها،تضيء أركان البيت، الذي غمرته شقاوته ومداعباته.

تمضي بلهفة وحنان وعيناها لا تفارقان تلك الساعة المعلقة علي الجدران، انتظارا للنسمة،للبسمة،للزهرة، فتتسارع نبضات الشوق مع دقات الثواني وتزداد نبضا وولعاً كلما دنت لحظات عودته، تترقب الطريق بعيون شاخصة لا تستكين عن إطلاق ومضات بريق حبها وحنانها لهذا الوليد.

جاء موعد الحنين ن وثارت الطريق بالصرخات،وتلاحمت أكف هؤلاء الأطفال،تتسارع مع الريح، تخطو بخطوات يملؤها الرعب والخوف، عيونهم تختزل مرارة الزمن،الذي لم يعرفوا بعد آلامه وأحزانه وجراحاته.
فلم يعود... فلم يعود... راكضاً يداعب أقرانه، ويركل حجارة مخيمه، لم يهمس لألعابة بطهارة الطفولة،وبراءة البسمة، لم تحتضنه، ولم تقبله، علي عتبة البيت، ولم تعد له طعامة،وتلاحقة بين جنبات الحب، ليكمل وجبة غذائه، لم تمسك قلمة ودفترة،وتخط علي صفحاتهما مستقبله.

عاد مسبلاً عيونة، صامتاً، هادئاً، تخترق جسدة ثقوب الموت التي أطلقها عليه أولئك الوحوش، حماة التحرير، وصناع المساواة، فأردوة جثة هامدة... وقطفوا زهرة يانعة من بستان أم تنتظر العيد،وأي عيد... بدون الوليد.

بين أزقتك أيها المخيم في القدس والخليل، ورفح ونابلس، ببغداد الرشيد، هامت أمي وأم كل وليد تبحث، تتساءل، عن وليدها، عن زهرة تتراقص بعيونها أملاً....

لم يعد المسك يفوح.. ولم تعد الفراشات تتراقص بحدائق السنين.. تحشرجت الآهات مع أفول النجوم.. وغدي السكون صمتاً، وتحول الحلم لكوابيس، وناجي قلب الأم حراس القبور... أين ذهبتم بنبضات عشقي.. وأحلام عمري.

مع اشراقة شمس كل فجر جديد تحمل حقيبته،وتتأمل قارعة الطريق،علها تراه مع أطفال العالم يغدو.. يمضي.. ولكنها تعود.. لتمسح دموع القلب... وتكفف نزيف الشجون.

لكل أم عاشقة فقدت وليد، لكل أم تترقب عودة حبيب، لأمي وأم الجميع.. لن يهنأ جهلة القرن الواحد والعشرين.
لا عاشت.. ولا ابتسمت... أمهات الكون... وأمهاتنا تذرف الدموع..

14/4/2006


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى