الخميس ٣١ آب (أغسطس) ٢٠٢٣
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان (86)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّب الصديق عبد الكريم زيادة: " الحرية لأسرى الحرية والنصر لهم، وبوركت جهودك المميزة في إيصال كل مهتم بهموم وعذابات وأمنيات وطموح الاسرى. حسن عبادي انت ميناء من العطاء".

وعقّب الصديق سهل نفاع (والد الأسير عزمي): "الله يخليك استاذ حسن، بتفشّ القلب استاذنا".

وعقّبت الأديبة المقدسيّة نزهة الرملاوي: "ماذا نقول في حضرة الوفاء؟ ماذا نقول لمن يقبع خلف زنازين القهر وهم ثابتون؟ أدام الله المبادر الذي جعل لكل أسير كتاب، تتطور المبادرة لتكوّن مبادرة أخرى يتنفس من خلالها الأسرى فيكتبون. دمتم عطاء ووفاء أستاذ، فك الله قيود جميع الأسرى والأسيرات"
يا جبل ما يهزّك ريح

التقيت صباح الأحد 13 آب 2023 في سجن مجدو بالأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب (بعد أن تم نقله من سجن الجلبوع إلى سجن تسالمون في إطار سياسة التنكيل بالأسرى) قادماً من عزله الانفرادي (العزل القطري) مُطلًا بابتسامة واثقة لنبدأ حديثاً صباحيّاً مثيراً.

أوصلته بداية سلامات نادر صدقة والوالدة، وقال بعفويّة مطلقة "نادر عِملة نادرة"، وعزله الحالي (متعوّد عليه) نتاج تهديد ووعيد، خطوة انتقاميّة لموقفه الصلب، وضمن المواجهة والهجمة الشاملة وما في حدا خارج نقطة الاستهداف. بِدهم إيّانا نصمت ومشكلتهم الوعي المقاوم وثقافة المقاومة.

الساكت والصامت هو الخاسر، والمبادر هو الرابح، وكل نقطة يوجد فيها مناضل هي نقطة اشتباك.
ما يحدث على الساحة الفلسطينيّة هو تعميم لتجربة السجن، وإعطاء الامتيازات في السجن طلعت لبرّا، "سلامتك يا راسي".

يؤمن بأنّا شعب واحد، هويّة واحدة وخيار مقاومة واحد، والمطلب وحدة وطنية شعبيّة واحدة، وفلسطين قضيّة أوسع من الجغرافيا، وكلّ واحد من ال-14 مليون فلسطيني يجب أن يعرف دوره. نعم، وجدته مناضلًا صلبًا لم يكسر ظهره العزل. وفجأة قال: "أكبر مكسب لي أنّ نادر صديقي".

صورة غزل، ابنة اخته، رافقته في التحقيق الأخير ومدّته بالقوّة والعزيمة.

استفقد صوت الوالدة على محطّة أجيال يوم الجمعة الأخير، لتؤانسه في وحدته بالعزل في زنزانة العزل القطري اللئيمة.
حين افترقنا صافحني عبر الزجاج المقيت ملوّحًا بيده: "مشروعنا مشروع تحرير، مش تمثيل".
"الإنسان موقف وقضيّة"

حين أنهيت لقائي بوائل أطلّ الصديق الأسير ثائر حنيني مرحًا ضاحكاً عبر سرداب سجن مجدو، فباغتني السجّان ولاء سائلًا: "شو هالضحكة هاي؟"، وحين سمع ثائر اعرضّت ابتسامته وعلت ضحكته، وبادر قائلاً: توقّعتك بس خبّروني الصبحيّات لأنّه زمان ما حدا سأل عنّي.

عبّر عن فرحته العارمة حين شاهد برفقة زملاء القِسِم صورة غلاف كتابه "تحيا حين تفنى" على شاشة برنامج أجنحة، وما زالت نكهة حفل الإطلاق في مركز الطفل الفلسطيني في جنين بحضور أهله، وندوة "أسرى يكتبون" في رابطة الكتّاب الأردنيين بحضور العائلة وتكريمه هناك، وندوة "شبيبة حزب الوحدة الشعبية-اللويبدة/ الأردن وتكريمه في مركز يافا الثقافي في بلاطة ترافقه وِحدته في السجن ليجدّد شكره لكلّ من ساهم في إصداره وخصّ بالذكر فراس حج محمد ودار الرعاة.

حدّثته عن مبادرة مؤسسة كل العرب في باريس، الإعداد لإصدار كتاب يتضمّن كتابات الأسرى في السجون الصهيونية وسيكون برقم إيداع فرنسي ودولي ويتم إشهاره في احتفالية كبرى في باريس، وعبّر عن رغبته بالمشاركة.

بدأ العد التنازلي؛ العشرة أشهر الأخيرة، وسيبدأ جولة وداع لرفاق الأسر، في الجلبوع بداية.

عبّر عن خيبة أمله من مواقف بعض رفاق دربه، فصدمته قويّة، لا معنى للوسطيّة، ويبقى نادر صادقاً وأهلا للثقة.
"عندما يبكي الرجال"

بعد لقائي بوائل وثائر أطلّ الأسير عزمي سهل عزمي نفاع أطلّ مبتسمًا لنبدأ حديثنا عن مستجدّات علاجه الطبّي وتحرير الشفّة إثر تلك الرصاصة الغاشمة التي فتّتت فكّه العلوي وشفتيه، تحسّن وضعه كثيراً منذ لقائنا الأخير وبدأ يأكل برياحة.
أوصلت له سلامات الأهل وحتلنته بوضع أخيه فيصل الصحيّ، زرع سيخ بلاتين داخل يده اليسرى وتجبيرها، عملية ترقيع جروح يده اليسرى واليمنى وإمكانية زراعة بلاتين في يده اليمنى وفك جبصين رجله اليمنى. وخبرّني بدوره عن سماعه خبر إصابة فيصل، "عيّطِت بالحمّام"، تعاطفه معه وزيارة الوالدة بعد الإصابة "لوِنّك كنت موجود يمّا".

حدّثني عن مشاركاتي في برامج حول أدب الحريّة التي شاهدها عبر التلفزيون، وعبّر عن رغبته بالمشاركة في مبادرة مؤسسة كل العرب في باريس لإصدار كتاب يتضمّن كتابات الأسرى في السجون الصهيونية.

ما زال يتذّكر الصديق راتب حريبات بالخير حين استقبله في مسلخ الرملة مباشرة بعد إصابته وأهتم بأمره وزوّده بحفايّة!
لكم أعزاءي وائل وثائر وعزمي أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك الأحرار.

[1] الأسير وائل الجاغوب، أُعتقل يوم 1 أيار 2001 حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد.

[2] الأسير ثائر حنيني من قرية بيت دجن، أعتقل يوم 1 حزيران 2004، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 20 عامًا.

[3] الأسير عزمي نفاع، اعتقل يوم 24 تشرين ثاني 2015، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 20 عامًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى