مع الشاعر السوري فرحان الخطيب

شاعر عربي سوري موهوب .. ومجيد .. ومبدع .. تنطلق المفردات والصور والأفكار من بين شفتيه كزخات مطر ربيعي لتنسج – متآلفة فيما بينها – لوحات فسيفسائية رائعة تسّر النفوس وتخلب الألباب .

هو عضو اتحاد الكتاب العرب في سوريا – ورئيس المركز الثقافي في أشرفية صحنايا – دمشق .. له خمس مجموعات شعرية حتى الآن، إنه الشاعر فرحان الخطيب لنستمع إليه وهو يحدثنا عن نفسه وشعره في هذا الحوار :

– بداية .. من هو الشاعر فرحان الخطيب .

– أنا من تلة خضراء يعبق بالأريج سماؤها ( من روضةٍ تاه الزمان بزهوها وبهائها .. تغفو الزنابق في ثنايا ردائها .. وشذا العبير يفوح من أهدابها .. من قرية مُلئت بيادرها نغم .. ويموج من قسماتها وسمُ الضيافة والكرم .. أهواك يا ( شعف ) التي علمتني معنى القيم ) .

تقـول أمي أن ليلـة كانونية مثلجة شهـدت دفء بيتنا حيث تعالـت نيـران الحطـب , وكثرت جلبة النساء , وشهقات أمي , وازداد زفير الثلج مـن خلال النوافذ والأبواب , كان من وظيفة الجنس البشري أن يدفع بذلك المولود العاشر في الأسرة في تلك الليلة إلى أحضان أمي , في إحدى بيوت ( شعف ) القرية المتربعة على أعلى تلة مسكونة في جبل العرب عام 1960 .

وبدأت رحلة الحياة بمراحلها المجدية والمخصبة والصفراء والمخضوضرة , وكان لابد من التحصيل العلمي فهو المنقذ الوحيد إلى جانب السفر والهجرة من واقع معيشي لا يجعل مجالاً للاحتفاء بالقمـر , والسهر بضوئه , إلا مع رجفة الأنين , وانتظار الأرغفة السمراء واخترت الطريق الأول حتى أنهيت المرحلة الجامعية , ثم الدبلوم , والآن أعمل رئيساً للمركز الثقافي في أشرفية صحنايا .

– كلمة الشعر ماذا تعني لك ؟ وما هي تجربتك الشعرية ؟

– الشعر أنا , وأنا الشعر , وعلى الشاعر أن يجعل نفسه محراباً في صومعة الشعر , أو أن يكون منه كقطرة الماء في الغيمة السابحة , أو كحزمة ضوء في أشعة الشمس , أو كبرعم في حدائق الأزهـار , وإلا وجدت مساحة فاترة بين الشعر و الشاعر , وهذا مالا يكون في المحصلة منتجاً إبداعيا ينم عن جوهر الموهبة التي بدورها لا تنمو ولا تزدهر إلا مي ظلال القراءة الدائمة والمواظبة على نبش ذاكرة تاريخ الأدب عامةً والشعر خاصة ً , ولم أجد أمة من الأمم , أو عصر من العصور لأية أمة كانـت , إلا ووجدت اللغة التي تعبر في هدأة أو قيلولـة عـن حالة روحية , وجدانية , عاطفية , تسمى الشعر .. وقد أحببت الشعر لغة ووقفة وخطاباً , وكان لي عم كفيف البصر ينظم الشعر الشعبي , ويشجعني والدي علـى الوقوف بين يديـه , وأستمـع له , ولكن كنت أطلب منه أن يقرأ علي ما لديه من الشعر الفصيح الذي قرأه في مجال الأدب وهذا كتاب قديم يحفظ عمي منه الكثير , واستمرت الحال حتى وجدتني الشاعـر الصغير في المدرسـة والبيت , وكانت دراسة اللغة العربية والشعر هاجسي , لذلك لم أفكر ولم أقترب من أي اختصاص آخر , رغم لعوائق الكثيرة التي كانت تقف حائلاً بيني وبين إتمام المدرسة .. ولكنني مضيت في الطريق مصمماً ومعانداً , ولازلتُ على هذه الطريق حيث أعمل على إصـدار المجموعـة الشعريـة السادسة بعد ( نواقيس الضحى ) و ( ظل الصحـراء ) و ( نبض خارج الجسد ) و ( مرّ الهوى ) و ( تعال يا قمر .. للأطفال ) وكل مجموعة من هذه المجموعات تحمل في داخلها سمات مرحلة عمرية ورؤية في التجربة الشعرية لي .

– الواقع الثقافي ومستقبل الشعر .. كيف يقرأهما الخطيب ؟

– أرى في الواقع الثقافي السائد واقعاً خافت الضوء , تلتهمنا المحطات الفضائية, والسباق المادي حول الأشياء التي تبعدنا عن روحنا , نفعل كل شيء يلامس قشرتنا الخارجية , ولا نرتد إلى ذواتنا ودواخلنا, ليس لأننا نريد ذلك , بل لأننا أبناء زمن يريد ذلك منا , أما مستقبل الثقافة والشعر فهو خاضع لعودة الانسان إلى جوهره وذاته , وإن عاد هل يستطيع أن يصوغ تلك العودة بلغة الشعـر , أظنه سيفعل ولو بقليل أو كثير , ستبقى الثقافة , يبقى الشعر وإن زاحمه أو أغفله الآخرون .

– دور الشعر ووظيفته كيف تراهما ؟

– في انحسار , هناك فرق بين وجود الشعر , ووظيفة الشعر , كان الشاعر سابقاً عندما يولد في قبيلة , يتم الإعلان بالفرح والزينات فهو وزارة الإعلام والثقافة , وهو المدافع عن مناقب القبيلـة , الذائد عن حياضها , المعدد لأمجادها , والذاكر لأنسابها ووقائعها , وما قلل الإسلام من قيمته , فحسان بن ثابت شار الرسول (ص) والإسلام وكان يقف في وجه المشتركين حائط صدّ في البلاغة والكلام , وفي العصور المتقدمة كان للأمويين والخوارج شعراؤهم فبرز ما يسمى بالشعر السياسي أي أن الشعر بدأ يلتزم بأفكار مجموعة من الناس آمنوا بمبادئ معينة , وأصبح رؤية وإن كانت ضمن إطار الجماعة , ولكنه إذا حاد يشكل عبئاً ثقيلاً وكثير من الشعراء أخفضوا قدر الولاة والساسة تاريخياً ولو لم يستحقوا ذلك ومنهم من رفع مكانة هؤلاء , وقاس التاريخ بمسطرة الشعراء , فوقع في إرباك التقييم .

اسأل كما تسأل أين دور ووظيفة الشعر كثير من وسائل الإعلام أقنعت وشاكست ووجهت ووصلت إلى بيوتنا , ربما ليبقى الشعر على نقائه وصفائه وليعود إلـى روحانية الإنسان وجوهـره , ليرجع إلى الثابت في وجوده لا إلى المتغير في ما حوله .

– ما فهمك للمرأة ؟ وما هي منزلتها في شعرك ؟

– هي الشريك الأجمل في معادلة الحياة .

هي الأخت :

يا أخت يومي وغدي ..

يا روعة الزهر الندي ..

وبنان كفك كم زهت ..

بيدي , وكم تاهت يدي ..

وهي الأم :

لماذا يطيرُ البكاءُ إليكِ ..

وينسابُ بين جفون الرياحُ ..

إذا عدتٌ للدار أبكي عليكٍ

وأغسلُ عيني بجمر النواحُ ..

وهي خصوبة الوطن :

هاتي لرعشتنا أنوثتك النقية للبقاء ..

هاتي ضفيرتك انشريها فوق هامتنا ..

بقايا من غطاء ..

هاتي ذراعك وسّدينا .. وامنحينا غفوة

فالانتظار كما المدى ..

ويشلنا ثقل السهادْ ..

وهي الحبيبة , والقبرة , وكمشة الشمس , والفراش المشاكس ..

فنحن إثنان في ثغر الهوى قبلُ

وأجمل العشق ألا نمنع القبلا ..

تلك الفراشات أحلاها نطيرها

وإن أسوأها من يدعي خجلا ..

فالحبُ سيدتي قمحٌ وقبرةُ

أو كمشة الشمس , لما ترشقُ الجبلا ..

لا يبدأ الدرس من لا يفقه الغزلا ..

والمرأة والرجل في دور الحياة واحد , وإن اختلفت الوظائف في بعض مفردات حياتهما واجتمعت في معظمها أي أن أجمل الصور التي يتحد فيها الاثنان هي :

إثنان في كأس العناق كأنها خمري .. وصرت على العناق إناءها

تحدثت في قصائدي الكثير عن المرأة ولكنها المرأة الشريك الحقيقي في كل شيء , فكلما أنتظرها تنتظرني وكما أحب الوطن تحب الوطن , وكما أربي تربي أطفالنا , وكما أشتهي الحياة تشتهيها .. وأحلم أني . كما تحلمين .. وكم أشتهي أن تظل الحياة على لحظة دون كرّ السنين وأن نلتقي بائعاً للغرام ومثل الذي أشتري .. تشترين .

– كلمة أخيرة تقولها كخاتمة لهذا اللقاء ؟

– الشعر كجزء من الفن بشكل عام هو منح الحياة الجمالية التي نتمنى أن تكونها الحياة , والشعر في واحاته المدهشة يقود أرواحنا إليها كلما أصابها الملل والفتور , والشعر وإن حاولت خنقه غصص الحياة , فهو البرعم المتفتح في قساوة صخورها , وبحة الناي في مجاهيل بيدائها , فلنستظل بأفنانها الجميلة , ونمنح المواهب إشارات المرور إلى منابرنا الثقافية لأن هذا الديوان – ديوان العرب – لن يندثر .