الجمعة ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

تنظيم المائدة.. يقبل عضوية عناصر وافدة.. ليس لها قاعدة!

تكدر مزاج المجنون وتعكر.. حين أبلغه ابنه العزب الطيب أنه سيتهور.. وأنه سيقوم بعمل فدائي.. لا يستطيع أن يتخيله أعظم روائي.. حيث دعا بعض العناصر الوافدة.. الى الانضمام لتنظيم المائدة.. خصوصا بعد أن أدرك أن هذه العناصر ليس لها قاعدة!.

خشي المجنون على ابنه العاقل.. من مغبة ما هو فاعل.. فاندفع إلى بيته في شارع الأحباب.. عساه أن يمنع أي عمل له صلة بالإرهاب.. وهكذا تكتم على ما قد يجري.. وفر هاربا من صديقه محمد المري.. حتى لا يرصد له أي حركة.. أو يعرف إلى أين تتجه خطواته المرتبكة.. وعلى الرغم من التكتم الشديد.. لمح المجنون رجلا يراقبه من بعيد.. ربما لكي يتبع خط سيره.. أو لكي يمسك بخيط سره.. فاستدار نحوه المجنون.. وسأله عمن يكون:

 اسمي سعيد باي باي .. أريد أن أجلس لشرب الشاي.. لكني حتى الآن.. لم أجد أي مكان.. يتحقق لي فيه الأمان!.

| إني مندهش من اسمك.. لكني أعترف بأنك في منتهى الجمال والأناقة!

 لا تحسدني على ما يسترني.. فأحوالي كلها تواجه إعاقة بعد إعاقة!

... أشفق المجنون على سعيد باي باي.. فدعاه لشرب الشاي.. والانضمام لتنظيم المائدة.. لكن سعيد باي باي فر بسرعة غزالة شاردة.. بمجرد أن سمع اسم المائدة!

قبل المغرب بدقائق.. دخل المجنون بيت ابنه باعتداد الواثق.. فوجد عدة عناصر جديدة.. جاءت من أراض قريبة وبعيدة.. بعد أن تسلموا في قطر ما يقومون به من عمل.. لكنه لاحظ انهم في حالة شوق وأمل.. إلى سماع صوت انفجار.. من مدفع جبار.. وإن كان لا يفزع منه حتى الجهال الصغار!. قال العزب الطيب العاقل لأبيه المجنون: هؤلاء كلهم فدائيون.. وحتى الآن ليست لهم قاعدة.. لأنهم عناصر جديدة وافدة.. وقد تركوا زوجاتهم والأبناء.. إلى أن يقرر الله لهم ما يشاء.. ولاحظ المجنون أن هؤلاء الوافدين.. يمسكون بآلات حادة وسكاكين.. وقد التفوا جميعا حول ضحية.. تم قتلها دون محاكمة علنية أو حتى سرية!

بعد انطلاق المدفع الجبار.. والذي لا يفزع منه حتى الجهال الصغار.. تحركت بعض الأيادي بعنف.. وتحرك بعض آخر بلطف.. وظل المجنون يلاحظ.. بالعيون اليواقظ.. أحد أعضاء التنظيم المبيد.. وهو يلتهم المزيد تلو المزيد.. بينما كان فمه يتحرك حركة دائرية.. ليس فيها أي شاعرية.. وبعد الإفطار بقليل.. جلس هذا العضو يتلوى من ألم ثقيل.. فتطلع المجنون نحوه ومال.. ثم قال له ما قال:

لا تَصُمْ إن كنتَ ترضى بصيامْ

حَسّبُه منعُ شرابٍ وطعامْ

فإذا المدفعُ في المغرب دوَّى

رحتَ تجري في «غرام وانتقامْ»

قاهراً ربعَ خروف دون مضغٍ

مستقرا جنب أطلال العظامْ

ثم تنقضُّ على صحنِ ثريد

موغلاً في الصحن إيغالَ الحسامْ

جاعلاً بطنك مستودعَ أكلٍ

فيه أضلاعُ ضحايا وحمامْ

فيه مشروب لكولاَ قد تلاقى

مع مكبوسٍ ففارتْ بانسجامْ

فإذا رحتَ لتشكو سوءَ هضمٍ

لطبيب راح يصغي باهتمامْ

صاح فيك الدخْتُرُ الكاظم غيظاً

يا نظرْ عيني .. تمَهلْ.. كالكرامْ

إنك الآن ملومٌ دون شك

كرشُكَ المتروسُ أكلاً لا يلامْ

في فطور الغدِ لا تستعجل الـ

أكلَ وامضغْ بهدوءٍ وسلامْ

إنما الصائمُ من صامَ بصدقٍ

عن شرور النفسِ واختار الوئامْ

هذه الدنيا امتحانٌ لخطانا

ليس بالبرشامِ نخطو للأمامْ!

.. أيقظ المجنون سيجارة كانت في جيبه راقدة.. وانتظر حتى تم تمشيط الصحون الهامدة.. ثم صافح مودعا أعضاء تنظيم المائدة.. خصوصا الذين ليست لهم قاعدة.. وخرج من بيت ابنه العزب .. حيث رأى ما استوجب منه العجب..
 أما زلت واقفا هنا يا أستاذ سعيد باي باي ..؟ يبدو أنك ما زلت تبحث عن كوب الشاي!

"| أنا لا أبحث عن شاي الآن.. بل أنتظر وصول جنود الرومان.. لأنهم يحمون حياتي من أي عدوان!

 عدوان..؟!

| نعم.. عدوان.. من جماعة «خيبان».. فهم الذين تسببوا في كل المصائب.. ولم يتركوا من بعدهم إلا الشظايا والخرائب..
 وماذا تفعلون الآن؟

| هناك من يدفعه الجوع إلى القتل.. وهناك من يموت من قلة الأكل.. وهناك من يحاول أن يعيش.. ولهذا يزرع الأفيون والحشيش!

.. ضحك المجنون فاغتاظ منه سعيد باي باي.. وقال له: لماذا تضحك؟.. صحيح أنني في حماية جنود الرومان.. لكن الرومان موجودون في كل مكان.. ويتحركون في كل الأوطان.. وإذا أنا كنت قد اعترفت لك بأني سعيد باي باي.. فإن كل الجيران يعيشون في الباي باي.. بوجوه خائفة مذعورة.. لأنهم يجلسون على الكراسي المكسورة.. خائفين من إمبراطور الرومان.. «مهبوش» بن سكران.. وفي لمح البصر.. اختفى سعيد باي باي.. بعد أن قال بصوت ناعم ومنغم.. سلام لَمْ.. يا مجنون.. سلامْ لَمْ.

تنظيم المائدة.. يقبل عضوية عناصر وافدة.. ليس لها قاعدة!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى