السبت ٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

نداء الحب

أناديك حين تشق محاريثُ هذا الزمان خطوطَ الهوان على الأوجه الشاحبات، وتهدرُ عاصفةٌ في الصميم.

أناديك حين أتوه خلال شرايين هذا الزحام الملطخ بالعابرين من الخائفين وبالخائضين - برغم توهج شمس الظهيرة - مستنقعاتِ الرؤى الباليات، أناديك حين أتوه، وتترك سودُ الظلال من البصمات على القلب ما تترك النارُ في قلبِ غصنٍ هشيم.

أناديك شمساً تطل على أغنياتي، فتورق فيها الغصون وتفتَحُ فيها الورودُ حقائبَها المترفاتِ التي لا نراها، فأسعى إليها.. أشم - بروحي - خلال الهواء المندى شذاها.. شذى برتقال حقول بلادي.. وأسعى.. وأسعى إلى أن تتوق حياتي إلى أُفُقٍ شاعري الملامح والنسمات، ترفرفُ فيه بأجنحة زاهيات بريش الحمام وريش الخيال... وتشردُ روحي بعيداً.. وتشرد... تشرد حتى تلامس ذرات هذا الفضاء الحميم.

أناديك حين أحس بوحشة روح تجوب الفضاءَ الحميمَ بغير أليف، وألمس في روعة البحر وقت الغروب نقاء حديثك حين تطل العباراتُ من شفتيك، فيسري الذهول بأطهر أرجاء نفسي، وأمضي لأرسم سمرةَ وجهك عبر الهواء وعبر شوارعَ أحببتُهَا منذ عهد الطفولة حتى شببتُ، وفي آخرِ الليل تشرق روحُك بين قلوب الأحبة حين يصير الحديث عن الحب أغنيةً عذبةً تستعاد مراراً، وأعرف أنك لا تعرفين سوى أنني شاعرٌ عابرٌ في طريقك، يهوَى الغناء بقربك، لكنني لستُ هذا الذي تعرفين، فحبي عميق الجذور... كحب النباتات للأرض لكنه صامتٌ لا يبوح، وحين يحن إليكِ، ويسعى للقياكِ يهتز خوفا عليك ومنك، يخاف من الذكريات الخبيئة أن تستبيح مسالكَه الهانئاتِ، وأن تتلوى الأفاعي بتلك المسالك حتى تعض بأنيابها اللزجات جذور النبات، لهذا يخاف عليك ومنك، فيكتم عنك جنوني، ويكتم عنك انتظاري، ويكتم عنك التلهف، يكتم عنك حنيني العظيم.

تغربتُ يوماً، فعاماً، ومرت سنونٌ وطال انتظاري، فعللت نفسي بأنيْ سوف ألاقيك مهما يطل بي انتظار السنين بكل المحطات حيث انطلقت أفتش عنك بكل اللغات، ورحت أسائل عنك ضميرَ الرياح ولمسةَ شمسِ الصباح، وكبوةَ تاريخنا في عهود الخمود، وصحوتَه المستكنةَ خلف المخاض وأوجاعه القاسيات، ورحت أسائلُ عنك رؤى الشعراء، وكتّاب عصر الظلام، وكتّاب عصر الضياء، ولما احترقتُ سألتك في الوهم سرا: « أتأتين يوماً ولو في المنام، تمسين أوتار روحي، وتطوين صفحةَ هجرٍ طويل بصفحةِ عشقٍ جميل، أطيل التمعن فيها، لعلي أزيح بها عقم كل سنين البعاد، وأنسى بها ما احتملت خلال انتظاري الأليم؟!»

يقولون عنك الكثير وعني الكثير، وماذا يهم..؟ فإن شتاء الأكاذيب كم يستبد بكلِّ القلوب التي لا تحب، وكلِّ النفوس التي تستحيل خرابا، فتلبس في كل يوم قناعاً، يتيح لها أن تُغَيِّرَ أثوابها الفاضحات، بحيث يصير الغريمُ صديقا تلاقيه بالقبلات،وَيُطوى الصديقُ القديم - وقد كان قبلُ من الأصفياء - ويصبح حين تدار الأحاديث عنه العدو الذميم.

يقولون عنك الكثير، وعني الكثير، وماذا يهم...؟! فإني أحبك في كل يوم يهل وفي كل قلب يحب، وفي كل يوم يهل ينورّ حبي ويكبرُ.. يكبرُ.. حتى يضيق بأضلاع صدري، ولكنني يا رفيقة روحي أحبك في السر خوفَ شتاء الأكاذيب، خوفَ القلوب التي لا تحب وخوفَ النفوس التي تستحيل خرابا، وأسأل كلَّ أصحابي إذا ما التقينا: «أحقا إذا ما تَملكَ أعماقَنا الخوفُ لا نعرف الحبَّ إلا من الشعراء االذين يغنُّون رغم الظلام، وتبقى النفوسُ المريضة تستنشق الحقد سُلاًّ، ويصبحُ هذا الفراغ المراوغ وحشاً من النار يلتهم الأمنَ حتى تطل علينا وجوه الطغاة تسدُّ طريقَ الخلاص، وتُخْرِسُ أصواتَنا في مجاهلِ كلِّ شتاء عقيم!؟».

يقولون عنك الكثير، وعني الكثير، وماذا يهم..؟!.. فحين يصير الزمانُ زماناً، ونعرف أن المحبةَ فردوسنا المستكنُّ بأعماق كل النفوس، سأهتف:« يا نورَ عيني أطلي بأنفاسك المسكراتِ، وخطواتك الواثقاتِ، وسيري بقربي مع السائرين بأرض المحبة، حيث النهار يُفتّح فينا براعمَ وردٍ، ويبعد عنا رمادَ الأساطير، يبعد عنا ظلال النفوس المريضة، يبعد عنا وجوه الطغاة. فأهتف يا نورَ عيني... أحبك.. يا شمسَ عمري.. أحبك.. يا صفوَ روحي، ووجهَ سمائي التي لا تغيم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى