الأربعاء ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم هـيـثـم الـبوسـعـيـدي

نــحــن والـكـتـابــة

لا يشعر بقيمة الكتابة وقدرها العظيم ومسئوليتها الكبيرة إلا نحن معاشر الكتاب، من خطت ايادينا اجمل الحروف، وصاغت اصابعنا اروع الكلمات، وانغمست احبارنا ببحور الجمل، وتعلقت افكارننا ببساتين المعرفة، واصبحت علاقتنا بالكتابة علاقة ابدية كعلاقة الروح بالجسد.

ويصل هذا العشق الابدي للكتابة الى حد الالتصاق بكل لحظات ودقائق وجودنا في الحياة فتصبح عندئذ هوائنا الذي نتنفسه، وغذائنا الذي يشبغ الرغبات، وحربنا الجميلة التي تحترق من اجلها طاقاتنا الجبارة، ولعبتنا المفضلة التي من خلالها نصطاد أجمل الأفكار، ورقصتنا المثيرة التي تتفاعل فيها مزيج أفكارنا وكلماتنا وأقلامنا...فما أروعها من رقصة وما ألذها من شهوة، نرى فيها الحلم والجرأة ونجد فيها التضحية والخيال.

ونشبه الكتابة بولادة الجنين ننتظرها بفارغ الصبر وبلهفة الفرح والسعادة والانتصار حتى لو كان هذا الانتصار في الحقيقة انتصار المهزومين، لتكون الكلمات اسلحتنا الوحيدة في وجه الظلم ورفض جبروته، وتبقى " الجمل " أعواد الكبريت التي تشعل أحلام الكفاح والنضال، ومشاعل النور التي تسعى لاضاءة عقل الانسان واثبات أحقية مطالبه في هذا الوجود.

وعندما تفرض الكتابة سيطرتها على ذواتنا تصبح رسالتنا الخالدة، ودوائنا الشافي، ومتعتنا الذاتية، وصرختنا المكبوتة، وأحاسيسنا الصادقة، وتنفتح امامنا فضاءات اوسع، وتنكشف أحلامنا المفقودة وانكساراتنا الدائمة، وتتسع مجالات بحثنا الدؤوب عن لحظات الحرية، وتتزايد مسافات سفرنا المتواصل في كل الاتجاهات، وتتمكن ذواتنا المتعبة من تفريغ همومها بل تبحر في عوالم الخيال والتفكير والابداع.

وبهذا الفعل المدهش نصبح ملوك الكلمات بأمتياز، ونملك بإستحقاق وسيلة الإبهار وروعة التعبير وجمال المعنى وصفاء الفكرة، وتبقى نعمة " تأليف الجمل " حرفتنا الأزلية وسلاحنا الوحيد في وجه انعراجات الزمن، وتعبيرنا الصادق عن خليط من الاضطراب والنقص والألم، وسجلنا الناصع ضد عناصر الحياة وتفاعلات المواقف.

لكن في المقابل لا نحلم بحرارة الصفقات ولا بالهدايا ولا بالحفلات، بل نسعى لمخاطبة الأرواح الباحثة في كل مكان عن رصيد لا ينضب من الأمنيات، ونحلق بعيدا حتى نلامس عواطف المتوهجين بشعلة الامل، ونحترق حتى نحث نفوسنا ونفوس الغير على هدم جدران الخوف وكسر كؤوس البؤس والقهر والفقر ونشحذ الهمم نحو حلم التحرر والانعتلاق والتنوير.

أخيرا الكتابة تظل خيارنا الوحيد نحو البقاء والاستمرارية والتأثير لاننا نجد فيها راحة البال وفرصة البحث والتأمل والوصول الى أرضاء النفوس ذات الحقوق المهضومة والتعبير عن جروح الزمن المتراكمة، لذا لا يمكن ان نفصل تفكيرنا ومشاعرنا في هذه الحياة عن الكتابة ولا يمكن ان تقطع سيوف الظروف والاحداث الصعبة مهما كانت فداحتها هذا الارتباط الوثيق واللصيق بين ارواحنا والكتابة إلا اذا حانت لحظات الرحيل والموت، من ثم تتسائل نفوسنا وتبحث عن جواب استباقي لعوالم ما بعد الموت فهل يا ترى سترافقنا هواجس الكتابة في رحلة الموت وهل سوف نمارس تلك المتعة الجنونية واللذة العجيبة في العالم الآخر بعدما تحكمت هذه الشهوة على مسار افعالنا وحركاتنا واحاسينا في هذه الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى