الأربعاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

نَهْرٌ مِن الرَّمَاد

ثريا عبد الفتاح نبوي

مِنْ بَينِ أسْنانِ الرُّكامِ أُخرِجَتْ
عُصفورةٌ شَعثاءُ رَابِضٌ على أنْفَاسِها،
ووَجْهِها الغُبارْ
راعِفةٌ .. على ضِفَافِ جُرحِها تكَدَّسَتْ
مَغَانِمُ الفُجَّارْ
ومِثلُها الآلافُ تحتَ القَصفِ راجِفاتْ
مُسَمَّراتٌ دَهْشَةً على غُصُونِ الِاحتِضارْ
جُروحُهُنَّ نازِفاتْ
بِلا خُيوطٍ تَرتِقُ الجِراحْ
بِلا عُيونٍ تَرقُبُ الصَّباحْ
أَعشاشُها في بُؤرةِ القَرارْ
إنْ هاجَمَتْ قَذائِفُ التَّتَارْ
/
مَحمولةً .. وتَسْألُ الصَّغِيرةْ
وفي الدِّماءِ تَسبَحُ الضَّفِيرةْ
عمَّاهُ يا عَمَّاه
أينَ نَحنُ ذاهِبونْ؟
وفي مَتاهةِ الضَّياعِ هائمونْ
بِلا مَشافٍ أو دِيارْ!
إلى المَقَابرِ التِي في حِضْنِها
أمِّي .. أبِي وإخْوَتي؟
وفي التُّرابِ مَرقَدِي تَلُفُّنِي تَنُّورَتِي؟
رأيتُ نورًا مُنْبِئًا بِأنَّها لُقْيَا الإلهْ
فلمْ أُصدِّقْ أنَّني بَعدُ على قَيْدِ الحَياةْ!
وأنَّنِي العَنقاءُ عادتْ كَيْ تُقاسِمَ الطُّيورْ
الحَبَّ والغِناءَ والظِّلالَ والأشْجارْ
/
فالمَوتُ للأطفالِ قابِعٌ
في ظُلْمَةِ المَدينةْ
حيثُ الضِّبَاعُ تَقتُلُ الأمانَ والسَّكِينةْ
وَتَنهَشُ الصِّغارْ
والإخوةُ الأعداءُ غارِقُونَ
في بحرِ الضَّغينةْ
لا يَأبَهُونَ
لِلْهُنُودِ الحُمْرِ بِالشَّالِ الفِلَسْطِينِيِّ
يُنْحَرُونْ
بِشَفْرِةِ الذَّبْحِ الجَمَاعِيّ
الذي أوصَتْ بهِ حَضارةُ الخَرابْ
في غابةٍ
مِيثاقُها تَكْتُبُهُ الذِّئابْ
أصْواتُها تَضِجُّ بالسُّكُوتِ والشَّنارْ
عَرَّابُها كِتابُهُ الدُّولارْ
/
والمَوتُ للأطفالِ طالِعٌ
مِنْ لُعبةٍ،
أُرجُوحَةٍ، أوْ مِن زُجاجةِ الحَليبْ
تَحمِلُهُ قُنبُلَةٌ بِالحِقْدِ والفُسْفُورِ عُبِّئَتْ
بِلا ضَمِيرٍ أو رَقِيبْ
يَهوِي رُجُومًا في تَسَارُعٍ رَهِيبْ
تَرفِدُهُ مَطامِعُ القَريبِ والغَريبْ
يُزَنِّرُ الأنفاسَ، يَعصِرُ الرِّئاتْ
بِلا تَوَقُّفٍ فلا نَجَاةْ
مِنْ فَخِّ الِاحتِراقِ والدَّمارْ
/
والمَوتُ للكِبارِ والصِّغارْ
إنْ لَمْ يَكُنْ بالنارْ
فإنَّهُ التَّجويعُ للتَّركِيعْ
وإنهُ نَهرٌ مِن الرَّمادِ والنَّجِيعْ
والشاطِئانِ مِن حِجَارَةِ الحِصارْ
/
والعارُ للذينَ نَظَّرُوا بِالحِبْرِ للدِّماءْ
والقاعِدينَ في أرائِكِ الحَريرِ والرَّخاءْ
وَلِلَّذِينَ أغْمَضُوا
تخاذَلُوا وحَرَّضُوا
لَمْ يَرفُضُوا
نَخْبَ اسْتِباقِ الِانْتِصارْ
ظَنًّا بِأنَّها نِهايَةُ المَدَارْ
/
لَمْ يَقرَؤوا: التَّاريخَ والأنْفَالْ
نِهايَةَ الأفْيالِ قادَها أبُو رِغالْ
والعلقَمِيَّ داخِلَ الجِوالْ
واسْتَسْلمُوا للرَّكْلِ والنِّبالْ
تأتيهُمُ مِنْ حَيثُ يَعوَجُّ المَسَارْ
/
لا تَيْأسِي صَغِيرتِي مِنْ دَوْرَةِ الأيَّامْ
سَتُغمِضُ الجِراحُ للكَرَى أجْفَانَها
وتَنْتَهِي الآلامْ
وتَبْسِمُ الأزهارْ
وفوقها عامَتْ فَوانيسُ النَّدَى
وحَولَها يُرَدَّدُ الغِناءُ لِلفِدَا
وفي ثُغورِها رَحِيقُ الِابْتِسامْ
وتَضْحَكُ الشُّموسُ تَسْتَقِي سَنَابِلُ الوِئامْ
فَيَرقُصُ الحَنُّونُ مَعْ نَسَائِمِ الهَناءْ
ويَفرَحُ الزَّيتونُ بِانهيارْ
حُصونِ جَمْعِ الأدْعِيَاءْ
وفي البُكُورْ
يُغَرِّدُ العُصفُورُ تَنْتَشِي السَّماءْ
مِنْ سُدْفَةِ اللَّيلِ البَهِيمِ يُولَدُ النَّهارْ

ثريا عبد الفتاح نبوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى