الأربعاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

هل أنا حقا أرَكاني؟

إبراهيم حافظ غريب

عصام بشّيتي، عصفور حالم من فلسطين، طار وحده شوقا إلى لبنان، بكل براءة العصافير الولهى، وبكل عنفوان الطفولة في فلسطين. بالشِّعر الأحمر يشدو، وبفلسطين تغنى. في يده يحمل روحه، في فمه يخفي لآلئ نيرات، وتحت لسانه يخبئ جمرات حارقات!!

(1)
من بينِ دموعٍ حرّى..
تمطرها العينانِ؛
عانقتُ على شاشةِ محمولي..
طفلاً موهوباً..
طار من القدسِ إلى لبنانِ
ما ألطفَهُ..
ما أظرفَهُ..
ما أشرفَهُ..
إذْ يشدو..
بالشعرِ وباللحنِ العفْوي الحاني
يهدرُ ويلعلعُ بالصوتِ الدمويِّ القاني
يطلقُ أشواقاً حرّى..
كحمائمَ من آلافِ الأميالِ..
نحو مدينته المأسورةِ..
نحو القدسِ العاني
يبعثُ بقذائفِهِ..
نحو عدوٍّ محتلٍّ شيطانِ!
صوتٌ فِطريٌّ..
يخرقُ حجبَ الأزمانِ

تسألهُ..
غانيةٌ باستغرابٍ وحنانِ:
  أصغيري: من أنتَ؟
ومن أين أتيتَ؟
ولماذا أقبلتَ؟
وكيف وهل ومتى؟
هلا بالسرعةِ أخبرتَ!
فيجيبُ الطفلُ المدهشُ بثباتِ جَنانِ،
وطليقِ لسانِ،
وفصيحِ بيانِ،
وبياضِ الأسنانِ:
 من قلبِ بلادي..
أقبلتُ أنادي..
كل العربِ سواءً..
اَلْعاكفَ منهم والبادي..
أن هبّوا أجمعُكم..
لنضالٍ..
وكفاحٍ..
وجهادِ
بـ "عصام البَشِّيتي"..
إيايَ فنادي
وتفجّر في قلبي..
حُمَمُ البركانِ..
تتناثرُ مثل شظايا..
في كل الأركانِ..
أسئلةٌ تترى..
تتدافعُ مثل الطوفانِ:
 أين شبيهُ "عصام البشيتي"..
من بلدي المأسورِ "أراكانِ"؟
هل عقمتْ..
أرحامُ النسوةِ من بلدي..
عن إنجابِ الطفلِ الثائرِ..
بالشعرِ وبالنثرِ؟
أو حتى بالخفقانِ؟
في وجهِ القهرِ..
وضد الظلمِ..
وضد الطغيانِ؟
هل عقمتْ..
أرحامُ النسوةِ من بلدي..
عن إنجابِ الإنسانِ الأرَكاني..
اَلْمفطورِ بحبّ الأوطانِ؟
هل عقمتْ..
أرحامُ النسوةِ من بلدي إلا..
عمَّن يسّاءلُ في أعمقِ أعماقِ الوجدانِ..
بشكوكٍ وظنونِ:
هل أنا حقاً..
إنسانٌ أرَكاني؟!!

(2)
.. وتلفّتُّ،
وسألتُ بُنيّ عصاماً:
 أومازلتَ تحوك كلاماً؟
تبريه وترسلهُ..
إليّ مع الفجرِ سهاماً؟
منْ علّمك الشعر لتعزفَه..
كالبلبلِ أنغاماً؟
لم أنجبْك ولكني..
وددتُ لَوَ انّي..
كنتُ أباك لأني..
أتشرّف مثل أبيك بشِبْلٍ..
يحملُ همَّ الوطنِ..
يتغنى..
للوطن بفنِّ!
وتحفّزتُ..
واستعتبتُ بُنيَّ عصاماً:
 أتظل تغني..
لفلسطين دواما؟
أتظل تحنّ إلى القدس..
تطير إليها..
بجناح الشوق حماما؟
لا لوم عليك ولكنْ..
أصغِ إليّ لماما..
عرِّجْ بالله على..
أختِ القدس وأقرئها..
منك تحياتٍ وسلاما!
في أقصى الأرض تئنّ وما..
من أحدٍ..
يأسو جرحاً أو آلاما..
وتدرّجْتُ..
واستفهمتُ بُنيَّ عصاماً:
 أسمعت بعمرك يوماً..
عن بلدٍ غير فلسطين انتهبوا..
فيها الأرضَ وهتكوا..
فيها العِرضَ وسرقوا..
منها الأحلامَا؟
وتأوّهتُ..
ورجوتُ بُنيَّ عصاماً:
 عرِّجْ بالشعر على..
"أرَكانَ" المذبوحةِ أياماً..
ولياليَ بل أعواما!
أحقابا ودهوراً..
طالت وتمطّتْ..
حتى حال الصبحُ ظلاما!
وتحنّنتُ..
وصارحْتُ بُنيَّ عصاماً:
 أحببتك من..
بُعد ألوف الأميالِ!
واخترتك من..
بين ألوفِ الأطفالِ!
ودعوتك من..
من بين ألوف الأجيالِ!
هلا أحسنت إليّ..
وأهديتَ لعمِّك بعضاً..
من وحيِ خيالِ؟!!
وتولّهتُ..
وأمرتُ بُنيَّ عصاماً:
 أيْ عصّومي: علِّمْ..
أطفالَ بلادي:
كيف يكون الحبّ غراما؟
علِّمهم..
في حب الوطنِ المكلومِ:
كيف يذوبون مع الشعرِ تماما؟

إبراهيم حافظ غريب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى