الاثنين ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم أحمد محمود القاسم

وراء كل عذاب امرأة رجل

أثار كتاب الدكتورة السعودية، رجاء بنت عبد الله الصانع (بنات الرياض)، في حينه، ضجة كبيرة جدا بالأوساط السعودية والخليجية، والعربية بشكل عام، كونه يفضح ممارسات بعض الرجال السعوديين في مدينة الرياض، مع بعض النساء السعوديات، وإن كان هذا ينسحب على باقي المدن السعودية الأخرى من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أقصى شرقها إلى أقصى غربها.

الدكتورة رجاء الصانع من مواليد العام 1981م، و حاصلة على شهادة بكالوريوس في طب ألأسنان، من جامعة الملك سعود في العام الدراسي 2005م في الرياض-المملكة العربية السعودية، والتي أتحفتنا بكتابها بعنوان: (بنات الرياض).

تقول الدكتورة صفية المزين بكلمة احتفالية عن الأديبة والكاتبة رجاء الصانع، بأنها الأديبة الصغيرة سناً.. الكبيرة قدراً.. الدكتورة رجاء الصانع، أديبة أذهلتنا بروعة أسلوبها.. واستطاعت أن تتجول في ردهات قلوبنا، تتسلل بخفة، لتسمع حديث و ساداتنا..تأخذ قهوتها على أريكة جراحنا.. تتندر على تناقضاتنا..بنفس الوقت، الذي تمارسها فيه.. بكل واقعيتها..وغمس ريشتها في "المسكوت عنه".. وترسم على الورق، ما ندركه بعقولنا..وما تم إلقامنا إياه مع الرضعة الأولى، وما نعجز عن الحديث عنه بصوت مرتفع.. في مجتمع.. لا تزيده الأيام إلا تعقيداً..تصبغ شفتيها بلون "فضائحنا".. وتمارس فعل الكتابة بإيمان..وأمل يحدوها.. نحو التغيير للأفضل منطلقة من قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

ترش "دقة وثوم وشطة" على حكاياتنا العسيرة على الهضم.."تذب" و"تنكت" على واقعنا المر.. فتجعلنا نقهقه.. ألماً !لن أزيد على ما قاله الدكتور غازي القصيبي في كلمته:"هذه رواية تستحق أن تُقرأ.. وهذه روائية أنتظر منها الكثير...".

كتاب بنات الرياض، والذي فاض به الكيل، بما يتضمنه من قصص بعض الرجال وعلاقتهم الغريبة والعجيبة والشاذة، مع بنات الرياض، يضع النقاط على الحروف في مدينة الرياض السعودية، ويوضح بدون أدنى شك، واقع المرأة السعودية المؤلم، وعلاقتها مع الرجل والشباب السعودي بشكل عام، وعلى لسان بنات من بناتهم، وقصصهم الواقعية، بحيث لا يدع مجالا للشك، بما طرحنه من قصص مثيرة، ضد نساء سعوديات يعشن في مجتمع، يدعي بأنه محافظ، ومتمسك بالدين بحذافيره، وبالقيم والعادات والتقاليد، والتي نام عليها الدهر وشرب، وإذا كان ما طرح في كتاب بنات الرياض، قد يكون صورة حية، لما حدث ويحدث في مدينة الرياض، إلا أن هذا الكتاب، يمكن أن يكون نموذجا حيا، لما يحدث في كل المدن السعودية، ابتداءا من مدينتي مكة والمدينة، والى كافة باقي المدن السعودية، وبدون استثناء، وتأتي قصة فتاة القطيف، والمعروفة للجميع الآن، والتي انتشرت كانتشار النار في الهشيم، لتؤكد ما جاء بكتاب بنات الرياض، والظلم الذي يمارس عليهن من قبل بعض الرجل باسم الدين، والعادات والتقاليد البالية والظالمة.

ما هي قصة فتاة القطيف؟؟؟

فتاة القطيف، قصة فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تغتصب من سبعة رجال سعوديين، أربعة عشر مرة، وتعتقل من قبل الأمن السعودي ظلما وعدوانا، كونها خرجت من بيت أهلها بلا محرم، وتتهم بالفسق والفجور، ثم يحكم عليها القضاء السعودي، بالسجن ستة أشهر، والجلد مائتي جلدة، كونها اختلت حسب ادعائهم، بسبعة شباب من المجرمين، اغتصبوها غصبا عن إرادتها، هذا الحكم الجائر، حري بأن يجعل الدماء تغلي في عروق الناس، ممن لديهم ذرة من ضمير أو شرف، بغض النظر، عن دقة تفاصيل القصة، لأنه لم تعد مهمة دقة تفاصيلها، بقدر ما يهم الإجراءات المتخذة بحق شابة سعودية، خرجت على ما يعرف على العادات والتقاليد السعودية، بينما الشباب السبعة، والذين قاموا بجريمة اغتصابها، لم نسمع بأحد، يتحدث عنهم، وعن جريمتهم، ولم يقف احد، إلى جانب الفتاة سوى المحامي الوحيد الشجاع (عبد الرحمن اللاحم) والذي يقال عنه بأنه يدافع عن قضايا المرأة بجرأة منقطعة النظير، وكذلك المجرم الحقير بوش، وهو الذي عفا عنها بطلب خاص من السلطات السعودية المختصة.

أن ما حدث بحق هذه الشابة السعودية، لا يقبله عاقل ولا مجنون، فأين رجالات العرب ونسائها من المحيط إلى الخليج، لماذا لم بتشرفوا بالدفاع عنها؟؟؟ فقط لكونها امرأة.

لماذا لم يتكلم أحدا بحق الشباب المجرمين، بتشديد العقاب عليهم، ومحاسبتهم حسابا عسيرا، يستذكرني في هذا المشهد الظالم، قول السيد المسيح-عليه السلام:

(من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر).

أن يسعى القضاء السعودي إلى التغطية على فضيحة حكمه، التي أثارت الدنيا وأقعدتها، بتدمير سمعة الفتاة، واتهامها في شرفها، والافتراء عليها، بما لم تقله، فإن الغضب يتحول إلى بركان، خاصة ونحن نعرف ما يعنيه الشرف لفتاة دُمر كيانها، نعرف ذلك جميعاً، في مجتمع مثل المجتمع السعودي، ومثلها مجتمعات شبه الجزيرة العربية، وعلى رأسها اليمن، تقول الدكتورة اليمنية الرائعة الهام المانع:

ذاك مجتمع تكفي فيه الكلمة أو النظرة، أن تقف فتاة مع شاب في مكان عام، حتى تتهم في شرفها! والشرف معناه في دول شبه الجزيرة العربية كبير، وكبير جدا، لأن قطرات الدم تتحول إلى نصل سكين حاد، يجز رقبة الشابة جزاً، لو هامت حولها مجرد شبهه.

لذا، تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها على الخوف:

“خافي من جسدك”. “خافي من نفسك”. “خافي ممن حولك”. “خافي”. “لأن الخوف مفتاح الأمان”. ترضع على أوامر النهي والجزر. “لا تضحكي هكذا”. “لا تبتسمي أمام الرجال”. “واخفضي صوتك”. “لا ترفعيه عالياً أمام الرجال”. “ثم لا تحركي جسدك هكذا. حبذا لو لففت نفسك كالشبح، في قماشة حتى تغيبي.. تغيبي كالضباب”. “قفي وأنت مضمومة، مزمومة، عابسة، متجهمة، صامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك. اكسري عينيك، وانظري إلى الأرض”. “ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء فلا نرها”.

كل هذه التوصيات والتحذيرات، لفتاة لو رغبت بالخروج إلى الشارع العام، لقضاء بعض من حاجاتها، أو حاجات أسرتها، فعليها أن تحفظ كل المحرمات، وكل المحظورات الصغيرة جدا منها قبل الكبيرة، وكأنها أمام رجال أو شباب بصورة حيوانات كاسرة، ومتوحشة، بلباس من البشر.

هذا عن صورة المرأة في إحدى الدول الخليجية، وكيف يتعامل معها الرجال أو الشباب والقضاء، وبامكانك القياس عليها في باقي الدول الخليجية الأخرى، من عمان إلى البحرين والى دولة قطر مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة وبدولة الكويت، وان تباينت الصورة في التعامل مع المرأة، في كل بلد ذكرته، بين بلد وآخر؟

أما في باقي المجتمعات العربية الأخرى، فالنقل غير الخليجية، لنقرأ ما تقوله الكاتبة والأديبة السورية سلوى ألنعيمي عن أحد الرجال في بلاد الشام، وكيف كان يستقبلها عند حضورها من الخارج، من جو ممطر وعاصف في كتابها، (برهان العسل):

(كنت أصل إليه مبللة، وأول ما يفعله هو، يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه، ويقبلني، ويوغل عميقاً في فمي.

أقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين، توصيات كتب شيوخي القدماء:

كنت أعلم أن القبلة، أول دواعي الشهوة والنشاط، وسبب الاتعاظ والانتشاء، ولا سيما إذا خلط الرجل، بين قبلتين، بعضة خفيفة، و قرصة ضعيفة.

كيف يمكنني ألا أذكر المفكر به؟ لم يكن بحاجة إلى من يذكره بتراثه، هنا، كان مسلماً بامتياز، وأنا أيضاً).

لنقرأ أيضا ما تقوله الكاتبة والأديبة الجزائرية (فضيلة الفاروق)، عن صديقتها (باني بسطانجي) عن الزواج ونظرتها إليه، وحلمها فيه، في كتابها، (اكتشاف الشهوة) والمنشور من قبل دار رياض الريّس، للكتب والنشر، في دولة لبنان في عام 2006م، وهذه صورة أخرى تكاد تكون نموذجية لمعاملة بعض الرجال في المغرب العربي للمرأة هناك:

(هل تعريفين، حين تزوجت، كنت أظن أن كل مشاكلي انتهت، ولكني اكتشفت، أنني دخلت سجناً فيه كل أنواع العذاب، أنا "باني بسطانجي" التي منعت طيلة حياتها، حتى مجرد، أن تفكر في ذكر، بين ليلة وضحاها، أصبح المطلوب مني، أن أكون عاهرة في الفراش، أن أمارس كما يمارس هو، أن أسمعه كل القذارات، أن أمنحه مؤخرتي ليخترقها بعضوه، أن أكون امرأة منسلخة الكيان، أن أكون نسخة عنه، وعن تفكيره، المشكلة تجاوزتني يا "شاهي" ولهذا تطلقت، ما اخترقني، لم يكن عضوه، كان اغتيالا لكبريائي، وفيما أشعل هو، سيجارة انتصاره، ليتمم بها متعته، قمت أنا منكسرة، نحو الحمام، غسلت جرحي وبكيت.

لم أكن احلم في تلك الليلة، فقد فاتني قطار الأحلام، وتركني واقفة على محطة مقفرة، تنعق فيها غربان الخيبة، ليلتها، لم يزرني الشاب الأسمر، الذي لطالما حلمت به، لم يلامسني بغابته الصغيرة، قبل أن استسلم للنوم تماما، ولم تحل سمرته علي، كليل رومانسي جميل، كانت تلك ليلتي الأولى، بدون رجل، كانت ليلة تنزف بين الفخذين إهانة قاتمة، ليلة لا معنى لها، حولتني إلى كائن، لا معنى له، حقارتي بدأت من هنا، من هذا الزواج، الذي لا معنى له، من هذه المغامرة التي لم تثمر، غير كثير من الذل في حياتي، وكثير من الانهزامية والتلاشي والانتهاء، في غاية السخف، كانت تحدث لي أمور لا افهمها، أمور تجعلني انتهي، وأتوقف عند لحظة اتخاذي لقرار الزواج، خمس وثلاثون سنة، وأنا في انتظار عريس يليق بحجم انتظاري).

هذه صورة لشابة كانت تحلم بقطار الزواج، حتى يصل بها إلى جنات من الود والسعادة والهناء، كبقية من سبقنها من الشابات اللواتي ينتظرن قطار الزواج، ليحملهن إلى أعشاش الزوجية، أللذي ينتظرهن أحيانا طويلة، لعشرات السنين، فقد انتظرته هي، خمس وثلاثون عاما، وهي على أحر من الجمر، فماذا كان ثمرة انتظارها هذا؟؟ غير الذل والإهانة والامتعاض، لو كانت تعرف نتيجته مسبقا بهذا الشكل، لصامت الدهر كله، ولعنت الزواج ومن يفكر فيه ومن يبحث عنه أيضا.

حقيقة، إنني معبأ منذ زمن بعيد، وأعبيء عقلي يوميا وباستمرار، بعشرات المقالات، من بعض الكتاب والكاتبات العربيات، ومما يصلني من قصص يعض السيدات والشابات، عن تجاوزات البعض من إخواننا الرجال، في حق المرأة العربية من المحيط إلى الخليج، وممارساتهم الخاطئة في تعاملاتهم مع المرأة العربية وحتى غير العربية، وقد أكون أنا واحدا كنت من المخطئين في معاملتي للمرأة، واحترام حقوقها سابقا، قبل نضجي وفهمي الموضوعي للمجتمعات الإنسانية وتطورها، وموقع المرأة فيها.

اعتقد أن الكثير من القراء الكرام، يعرف الكاتبة والباحثة المغربية فاطمة المرنيسي وغيرها من نساء المغرب الشهيرات، والمناضلة السعودية الرائدة وجيهة الحويدر، وكتاباتها عن الظلم الذي تعانيه المرأة السعودية، وكذلك الكاتبة الرائعة الدكتورة رجاء الصانع، والتي ذكرتها في بدايات مقالتي، والتي أقامت المجتمع السعودي ولم تقعده بعد، ونماذج لمعاناة المرأة السعودية من بعض الرجال، وكذلك الكاتبة المصرية العظيمة د. نوال السعداوي، وما طرحته بكتبها جميعها، من معاناة المرأة المصرية من بعض الرجال المصريين المتخلفين، وكذلك ما طرحته الكاتبة السورية سلوى ألنعيمي في كتابها (برهان العسل)، والذي جاء ذكره سابقا أيضا، وكيف يعاملها زوجها، وأيضا ما طرحته الكاتبة الجزائرية (فضيلة الفاروق) عن صديقتها باني بوسطنجي، وقد جاء ذكرها سابقا أيضا،

اعتقد أن البعض منكم، يسمع برنامج سيرة الحب، الذي تقدمه الدكتورة الكويتية فوزية الدريع، على قناة الرأي الكويتية، والذي يبث أسبوعيا، وما يعرض فيه من مشاكل تتعرض له المرأة العربية بشكل عام، والمرأة الخليجية بشكل خاص، عبر بث حي ومباشر، وطبعا هناك كثيرا من المواقع على الشبكة العنكبوتية، توضح بقصص واقعية، مدى الظلم الواقع على المرأة العربية من بعض الرجال، ومنها موقع أمان الأردني، وغيره من المواقع المتعلقة بالعنف ضد المرأة، وأحداث قصص الشرف، التي نسمع عنها في الأردن يوميا، حقيقة، أنها تثير الاشمئزاز.

قصة ليلى المغربية، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي إحدى القصص، التي تتعرض له المرأة العربية، من قبل الرجل العربي، وتلام فيه المرأة العربية دائما، فبعد أن حصلت هذه الفتاة، على عقد للعمل كمربية لمدة سنتين، ودفعت لأجل ذلك مبلغا ماليا كبيرا نوعا ما، أصابها ما أصابها في القصة التي ترويها بنفسها، لإحدى الصحف الخليجية تقول فيها:

(رمت بي الأقدار في أحضان شخص عربي، ليشرع باغتصابي، وفض بكارتي من أول يوم وصلته فيه، ثم فرض علي بالقوة والتهديد، بمضاجعة بعض الأشخاص، في مختلف الأوضاع الجنسية، ودام هذا الحال أسبوعا كاملا، وكلما كنت أرفض الانصياع لأوامره، كان يحتجزني بالمرحاض لعدة ساعات، ويمنع عني الطعام والشراب طيلة النهار، حتى اخضع لمطالبه، واستجيب لرغابته، إلى أن تمكنت من الهرب منه بطريقة وحيلة خاصة، فكرت بها جيدا ونجحت بتنفيذها).

ما أعرضه حقيقة، هو من بعض تصرفات بعض الرجال، ونظرتهم الدونية للمرأة، واحتقارهم واستغلالهم وعدم تقديرهم لها أيضا، وممارساتهم الخاطئة والمشينة معها، وإجبارها على ممارسة تصرفات ليست مقتنعة بها، وقد تقبل بها أحيانا، نزولا لرغباتهم و ارضاءا لغرورهم ولرجولتهم، وبدون إذنها أو رضاها المصطنع، وأنا لا أقول كلهم، بل مجموعة منهم منتشرة في معظم الدول العربية، من المحيط إلى الخليج، كما أنني لا أكتب هذا من مخليتي، بل منقولا عن كاتبات مشهورات، ذكرتهم سابقا، وهذه نماذج لما يحدث مع المرأة العربية، وليست حصرا، والمجال لا يسع هنا لحصرها وتعدادها ووصفها، وفعلا كما جاء في عنوان المقال: وراء كل عذاب امرأة رجل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى