السبت ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١٢

رجال الدين والثورة السورية

معتز زين

تباينت كثيرا مواقف «رجال الدين» من الثورة السورية بين مؤيد ومعارض ومعتزل وصامت.. وراح كل فريق منهم يسوق من النصوص ما يخدم موقفه وتوجهه وأهدافه..

نستطيع أن نتفهم موقف المعتزلين والصامتين بسبب معرفتنا بحجم الخوف والرعب الذي نجح النظام السوري على مدى عقود في زرعه في أعماق الإنسان السوري بطريقة ممنهجة.. هذا الخوف الذي كان واحدا من أهم عوامل استمرار النظام متماسكا قويا على مدى عقود من الزمن، والذي ساعد النظام حتى الآن في إبقاء معظم خيوط القضية بيده بعد مرور سنة على الحراك الثوري الذي فجره شباب سوريا على امتدادها..

لكننا لا نستطيع أن نفهم المرجعية الدينية لأولئك المعارضين للثورة والمؤيدين للنظام السوري بل المدافعين عنه إلى حد تجاوز المألوف الديني بمفهومه البسيط والموجود في أعماق الإنسان السوري.. ذلك أن الممارسات الهمجية واللاإنسانية التي مارسها النظام ضد الشعب السوري والأساليب اللاأخلاقية التي يستخدمها النظام عبر الضغط على الناشطين من خلال إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي أو المادي بأسرهم وأقربائهم أحرج " رجال الدين " الذين وقفوا مع النظام ودافعوا عنه أمام قاعدتهم الشعبية مما أدى إلى تقلص شديد وملحوظ بالقاعدة الشعبية لأولئك.. والغريب أن الكثير منهم ما يزال في موقعه على الرغم من ذلك..

وفي محاولة لفهم الخلفية الحقيقية لموقف " رجال الدين " المؤيدين للنظام يمكنني القول أنه وعلى الرغم من أن الخطاب الديني المعلن لهؤلاء يعتمد على النصوص التي تتكلم عن وجوب طاعة ولي الأمر وتجنب الدخول في فتنة غير معلومة النتائج، فإنني أعتقد أن السبب الحقيقي لدفاعهم عن هذا النظام المستبد هو مزيج من خوف عميق من اتخاذ موقف صريح ضد النظام وقناعة بأن هذه الثورة لا يمكنها أن تنجح وأن هذا النظام لا يمكن أن يسقط، بمعنى أنهم يراهنون على الحصان الرابح فالموقف هو موقف مصلحي تكتيكي وليس موقفا دينيا..

إن الدافع الحقيقي لهذه المواقف إذاً هو المصلحة – سواء الشخصية أو الإسلامية المجتمعية حسب رأيهم – والمبنية على قراءة معينة للواقع والمستقبل المتوقع تستند إلى المخزون الفكري والنفسي الذي تراكم في أعماقهم عبر الاحتكاك المباشر مع مراكز القوة في هذا النظام خلال السنوات الماضية والذي مفاده أن هذا النظام أقوى من أن تسقطه هذه الثورة.. وأعتقد أنه لو رجح لديهم احتمال سقوط هذا النظام لكان موقفهم مختلفا على خلفية مصلحية تكتيكية أيضا...

ومشكلة هؤلاء – حسب رأيي – هي في عدم فهمهم لحقيقة الدين وجوهره وعلة وجوده..

فالدين – وأنا هنا أتكلم عن الإسلام من موقع كوني مسلم – لا يتخذ مواقفه اعتمادا على حسابات الربح والخسارة، ولا اعتمادا على النظرة الإستراتيجية للأمور.. الدين هو منظومة من القيم والمبادئ الإنسانية التي أودعها الله تعالى في داخل كل إنسان – الفطرة بالتعبير الإسلامي – لتكون مرجعية أخلاقية له في كل أزمة تواجهه فيتخذ من خلالها الموقف المناسب والمنبثق من هذه القيم.. هذه القيم ( نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإعانة الضعفاء والمساكين وتحقيق العدالة والمساواة والحرية المنضبطة..... الخ ) تتصادم بطبيعتها مع المستبدين والظلمة والطغاة والمستكبرين وأصحاب النفوذ.. فالدين يقف مع المظلوم ولو كان خاسرا، وضد الظالم ولو ملك الأرض ومن عليها.. الدين ثوري بطبيعته يلتف حوله الضعفاء والمقهورون والمستعبدون والفقراء لأنه أداتهم الوحيدة لمقاومة الظلم والاستبداد والفساد.. هذه هي فلسفة الدين الحقيقية حسب اعتقادي...

ومن هنا نستطيع أن نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله " فالدين الحق لا بد أن يصطدم مع الحكم الجائر، وغالباً ما يكون الحكم المديد جائرا.

ومن هنا أيضا نستطيع أن ندرك لماذا كانت أغلبية المؤمنين بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته من العبيد والمستضعفين والفقراء والمساكين، وأغلبية المناهضين لدعوته من الزعماء والسادة والمترفين..

والدين ككل ثورة، بمجرد أن تنجح يحاول الخاسرون فيها – وهم غالبا من المستبدين والمترفين – الالتفاف عليها وركوب موجتها عبر اعتناق مبادئها ورفع رايتها محاولة منهم لاستعادة مواقعهم فيستعبدون الناس بنصوص الدين بدلا من استعبادهم بالقوة والمال... وهم من أجل هذا الهدف يحتاجون إلى " رجال دين " يسوقون النصوص التي تخدم أهدافهم، وينشأ نتيجة لذلك نوع من التحالف الموضوعي بين السلطة متمثلة بالحكام والتجار وأصحاب النفوذ وبين " رجال الدين " الذين يعمدون إلى إخماد نار الثورة في نفوس الضعفاء والمظلومين لمصلحة المستبدين والطغاة والمترفين بحجة طاعة ولي الأمر تارة، وبترغيبهم بالجنة لصبرهم على الظلم تارة أخرى وهو ما سماه الدكتور علي شريعتي " الاستحمار ". هذا التحالف الذي ترسخت دعائمه عبر مئات السنين بين شيوخ السلاطين والحكام المستبدين كان دائما موضع مد وجزر بين طرفيه، إلا أن النظام السوري استطاع ترويض رؤوس المؤسسة الدينية بشكل شبه تام بعد انتصاره بالصراع مع الإخوان المسلمين مستغلا فزاعة الإخوان من جهة وملوحا بمصيرهم لكل من يحدثه ضميره الديني والإنساني بالوقوف في وجه الظلم والفساد من جهة أخرى.. كما أنه سهل كثيرا دخول منتسبي حزب البعث إلى المؤسسة الدينية عبر السماح لكل عضو عامل بالحزب بالانتساب إلى كلية الشريعة حتى وإن كان معدل نجاحه بامتحان الثانوية لا يؤهله لدخول أي فرع من فروع الجامعة، الأمر الذي أفرز فئة واسعة من الخطباء والوعاظ لا يفقهون من أصول الدين شيئا، وبتحصيل علمي ضعيف جدا، كما أنهم يدينون لحزب البعث بإيجاد فرصة عمل لهم.. كل ما سبق جعل هذه الفئة من " رجال الدين " يقفون موقف المدافع عن النظام المستبد بما يتعارض مع جوهر الدين وقيمه ومبادئه..

وإن هذا التشخيص لحقيقة هذه الفئة من " رجال الدين " لا تحجب عنا حقيقة وجود مجموعة كبيرة منهم فهموا الدين بمعناه الحقيقي ووقفوا بشجاعة وجرأة في وجه آلة القمع التي يستخدمها النظام ودفعوا من أجل ذلك ثمنا باهظا كما حصل مع الشيخ أحمد الصياصنة على سبيل المثال..

أنهي فأقول: الإسلام ببساطة هو مجموعة من المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة بعباءة " لا إله إلا الله محمد رسول الله "... وكم من حامل لقيم الإسلام دون أن يلبس عباءته، وكم من ملتحف بعباءة الإسلام دون أن يحمل قيمه ومبادئه...

معتز زين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى