الأربعاء ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم ميسا كاظم دهداري

أثر الوصل والفصل في بلاغة سورة یوسف

 میسا دهداری- فراس دهداری
 جامعة پیام نورآبادان- خرمشهر
 الاستاذ المشرف: الدكتور جواد سعدون زاده
 الاستاذ المساعد: الدكتور ولی الله شجاعپوریان

المقدمه:

تمیّزالقرآن الکریم عن سائر الکتب السماویة بإعجازه البلاغي وکانت بلاغته من الوسائل المهمة لابراز إعجازه وکشف مکامنه والغوص في بحوره وبیان درره الخفیة التي یعجز البشرأن یأتی بمثلها والنّص القرآني نصّ غنیّ بأفکاره ومعانیه وحکمه ومواعظه التي اختفت وراء ألفاظه وتراکیبه وسورة یوسف (ع) کانت غنیّة بأفکارها ومعانیها اللطیفة المختفیة وراء ألفاظها المتناسقة وتراکیبها المتماسکة لهذا اخترت بحث الوصل والفصل في بلاغة السورة ودراسة أدبیّة.

أهمية الفصل والوصل في البلاغة:
تأتي أهمية موضوع الفصل والوصل بوصفه واحداً من الموضاعات التي جعلتها البلاغيون حداً للبلاغة إذ «قيل للفارسي ما البلاغة؟ قال المعرفة الفصل والوصل»
 [1]
ولدقة هذا الموضوع وغموضه تعصب معرفته وإدراكه لمن لايعرف أصوله ومواضعة، تلك المواضع التي نجدها في كتب البلاغة. فما من كتاب إلاّ وبحث في هذا الموضوع وحدّد أصوله ومواضعه. الفصل والوصل يرتبط بالعطف وعدمه فـ «مدار الفصل والوصل هوترك العاطف وذكره»
 [2]
وتمكن البلاغة في الترابط المعنوي بين أجزاء النصّ الأدبي، فإذا كان النصّ الأدبي يعبّر عن معنى الواحد ويوجد بين أجزائه ترابط أوصلة أومناسبة فتنفصل بين تلك الأجزاء، أي يُترك العطف مثل قوله تعالى«ذلك الكتاب لا ريب فيه هديً للمتّقين» .
 [3]
وإذا كان النصّ الأدبي لايعبّر عن معنى الواحد ولا يوجد بين أجزائه ترابط أوصلة أومناسبة فتفصل أيضاً مثل [4].فـ «ترك العطف يكون إمّا للإتصال إلى الغاية أوالانفصال إلی الغایة والعطف لما هوواسطةُ بين الأمرين، وكان له حالٌ بين حالين».
 [5]
وأمّا إذا اختلفت المعاني في النصّ الأدبي فيجب العطف بالواوفيما بينها أي الوصل؛ لأنَّ العطف بالواویدل على الجمع والاشتراك ليس كغيره من الأدوات العطف الأخرى، فالواوتدل على الجمع والإشتراك دون زيادة في حين يدّل العطف بعيرها على زيادة [6] تدل على الترتيب والتعقيب، و(ثُمَّ]] تدل على الترتيب مع التراخي. ويبقي للتميز بين الفصل والوصل أثرٌ واضح ينعكس على الكلام إذ يكسب التمييز بينهما الكلام بلاغة وابداعاً وهذا ما قاله القزوينيّ «وتمييز موضع أحدهما من موضع الاخر على ما تقتضيه البلاغة فنٌ عظيم» .
 [7]
فعل الرغم من قلّة شواهد الفصل والوصل في السورة المباركة فإنّنا نراه قد ترك عليها لمسة فنية.

أولاً/الـفـــصـــل:

هوعدم استعمال الواوالعاطفة بين الجمل كما قدمنا إذ قال فيه السكاكي «إنَّ الجملة متى نزلت في كلام المتكلم منزلة الجملة العارية عن المعطوف عليها كما إذا أريد بها القطع عمّا قبلها وأرید بها البدل عن سابقةعليها لم تكن موضعاً لدخول الواووكذا متى نزلت من الأولی نفسها لكمال اتّصالها بها مثل ما إذا كانت موضحة لها و

مبينة أومؤكدة لها ومقرّرة وحقرره لم تكن موضعاً لدخول الواو، وإنّما يكون موضعاً لدخوله إذا توسطت بين كمال الاتصال وبين كمال الانقطاع، ولكلّ من هذه الأنواع حاله تقتضيه، فإذا طابق ورودها تلك الأحوال وطبق المفصل هناك رقي الكلام من البلاغة عند أربابها» .
 [8]
ويحدد الجرجاني ثلاثة أنواع للجمل على أساسها يتّم الفصل بين الجمل :
 [9]
1. جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكّّد، فلا يكون فيها العطف البتة، لشبه العطف فيها، لوعطفت يعطف الشئ على نفسه
2. جملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غيرالذي قبله، إلاّ أنّه يشاركه في حكم، ويدخل معه في معني، مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلاً أومفعولاً أومضاف اليه، فيكون حقّها العطف.
3. وجملة ليست في شئ من الحالين، بل سبيلها مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه شئ، فلا يكون إيّاه ولا مشاركا له في معني، بل هوشئ إن ذكر/ لم يذكر إلاّ بأمر ينفرد به، ويكون الذكرالذي قبله وترك الذكر سواء في حالة، لعدم التعلق بينه وبينه رأساً، وحق هذا ترك العطف البتة.
وقد حُددّت مواضع الفصل في ثلاث نقاط هي :
 [10]
أ. كمال الاتصال: وذلك أن يكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، كأنّ تكون الثانية توكيداً للأولى أوبدلاً منها أوبياناً لها.
ب . كمال الانقطاع: وذلك ان تنقطع الصلة بين الجملتين انقطاعاً تامّاً، كاختلافهما في الخبر والإنشاء.
ج . شبه كمال الاتصال: ويسمي (الاستئناف) وبه يتم الفصل بين الجملتين لتنزيل الثانية منزلة الأولى باعتبارها جواباً عن سؤال يستنتج انَّ السامع سيسأله بينه وبين نفسه عند سامع الجملة الأولى.
وقد كان لموضوع الفصل أثر بالغ الأهمية في تحديد مواضعه داخل جمل السورة المباركة؛ لأنها حوت جملاً لا مناسبة بينها، وعلى جمل شديدة التناسب والاقتراب حتّى لكأن الثانية كالاولى، وحوت فضلاً عن ذلك جملاً واقعة جوابا ً لسؤال مقدّر غير موجود بل مستخلص عن الجملة السابقة لها.
مواضع الفصل فی السورة المبارکة:
1- التلاحم والانسجام المعنويّ:
هوما يسميّ بـ « کمال الاتصال»
 [11]
ويكون ذلك عندما تكون الجملة الثانية مؤكّدة الأولى أومبيِنة ومفسِّرة لها، وبهذا سوف تتشابك الجملة ان بالمعنى وحينها لا داعى لذكررابط حرفيّ بينهما لأن ترابطهما المعنوي أقوىمن ذلك.
أ/ أن تكون الجملة الثانية مؤكِّدة ومبینة للاولى:
وجاء ذلك في السورة في مقامي التعظيم والتنزيه للنبي يوسف [12] ففي قوله تعالى على لسان النسوة«...فلمّا رأينه أكبرتُه...ما هذا بشراً. إن هذا إلاّ ملكٌ كريم».
 [13]

فالمقام في الآية الكريمة مقام تعظيم له(عليه السلام) وتعجب من خلقه وأخلاقه فوجب فيها ترك العطف؛ وذلك لأن الجملة الثانية (إن هذا إلاّ ملكٌ كريم) مشتملة على معنى الجملة الاولى وكأنها هي. فجملة (ما هذا بشراً) تنفي انه من البشر، وحينها لابدَّ من جملة أخرى يؤتي بها لتُبين الجنس الذي ينتمي إليه فتأتي الجملة (إن هذا إلاّ ملكٌ كريم) مبینة لنوع الجنس الذي ينتمي إليه. إذن الجملة الثانية قد بینت مضمون الاولى واكدته واثبتت ما نفي عنه وبهذا كان لابدَّ من الفصل بينهما؛ لانه لا حاجة للوصل بين المؤكِّد والمؤكِّد.
ومثل هذا النوع من الجمل كثير في القرآن الكريم كما في قوله تعالى «ذلك الكتاب لا ريب فيه. هدي للمتقين» .

 [14]

فالفصل بين جملة الآیة الكريمة واجب وضروري؛ لأنَّ كلّ جملة فيها مؤكِّدة لما يسبقها وهي بمثابة التأكيد لصفة الصفاء والنقاد للقرآن الكريم عن كلّ ما لا يليق به، فهي في مقام تنزيه الكتاب العظيم. وتري في قوله تعالى «...كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. إنّه من عبادنا المخلصين».
 [15]
الآية مسوقة في تنزيهه [16] من كل سوء. فجاءت الجملة الثانية مؤكِّدة ومبنية للجملة الاولى. فلأنّه مخلص في العبادة فقد أصرف عنه السوء. وبهذا وجب الفصل بين الجملتين لأن لا حاجة إلى ما يوصل بينهما، فارتباطهما المعنوي يغني عن الوصل.
ب / ان تكون الجملة الثانية مفسرة للجملة الاولى:
وذلك في قوله تعالى « فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثُمَّ استخرجهما من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف. ماكان ليأخذ اخاه في دين الملك...».
 [17]
فجملة (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) فسرت معنى الكيد الذي يدور عليه سياق الخبر، وبيّنت سببه.
فهي قد فسرّت واوضحت ما كان مختفياً وراء ذلك الكيد؛ حيث أعطت لنا التغيير المناسب الذي يوضح ذلك؛ فأوضحت الكيد الذي علمه الله سبحانه وتعالى إلى نبيه يوسف(عليه السلام) وهوبأن يجعلهم يصدرون الحكم على أنفسهم من شريعتهم بأن السارق يُسترق مكان سرقته، وبهذا يكون قد أبقى معه أخاه واستنقذه من حكم الملك داعياً بعد ذلك لجلب أهله أجمعين لعيش معه في مصر.
والظاهر مّا تقدم هوالعطف ولكن مُنع العطف؛ وذلك لنزول الجملة الثانية منزلة المؤكِّد للاولى والمبيّن والمفسّر لها وحينها لا يجوز وصلهما بحرف العطف؛ لاتصالها المعنوي.

2- عدم وجود مناسبة بين الجملتين أوأختلافهما اختلافاً تاماً:
وهذا ما يسمّى بـ «کمال الانقطاع»
 [18]

كأن تكون الاولى إنشائية والثانية خبرية كما في قوله تعالى«إذ قالوا ليوسف أخوه أحب إلى أبينا منّا ونحن عُصبة إنَّ أبانا لفى ضلالٍ مبين* اقتلوه يوسف أوأطرحوه أرضا. يَخل لكم وجه أبيكم»
 [19]
وهنا فصل بين ما هوخبروما هوانشاء؛ لأنّه لا يجوز عطف الخبر على الانشاء مطلقاً. فجملة (إنَّ أبانا لفى ضلالٍ مبين) جملة خبرية، فكأنّما يُخبر أحدهما الأخر بذلك، أمّا جملة (اقتلوه يوسف) فهي جملة إنشائية أمرية والفرق بين الأثنين هواختلاف المقام؛ وذلك لأنَّ لكلّ مقام مقالاً يناسبه ويعبّر عنه.
فالجملة الاولى سيقت في مقام التشاور في أمر يوسف وحبّ أبيه له (عليهما السلام)، أمّا الجملة الثانية فقد سيقت في مقام ما بعد التشاورفجاء الحكم بفعل الأمر(اقتلوه)؛ لأنّه أكثر ملاءمة للمقام، في حین یکون الأخبار أکثر ملاءمة في مقام التشاوروالبحث في الامر. وفي السورة موضع أخر للفصل بين مثل هذا النوع من الجمل لقوله تعالى«...واستغفري لذنبك إنَّكِ كُنتِ من الخاطئين».
 [20]
ففُصل بين الجملتين في الآية لاختلافهما بالإنشاء والخبر لفظاً ومعنى فالأولى أمرية والثانية خبرية وحينها لا يجوز العطف بينهما.
3- الاستناف:
وهوما یسمي بـ «شبه كمال الاتصال»
 [21]
والاستناف هوالبداية من جديد، وهذا المصطلح كثير ما نسمعه في المحاكم، أي يُعاد النظر في القضية من جديد. وهوفي النصوص الأدبية يُسمّى بشبه كمال الاتصال إذ«تكون الجملة الثانية قوية الارتباط بالأولى، لوقوعها جواباً عن السؤال يفهم من جملة الاولى. فتفصل عنها كما يفصل الجواب عن السؤال» .
 [22]
وإنّما يأتى الفصل بين هذا النوع من الجمل لغرض التعليل فكأنّما ما مذكور من جواب هوتعليل لما محذوف من سؤال کما فی قوله تعالى «... قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتُنا إلينا رُدَّت إلینا ونميرُ أهلنا ونحفظ أخانا وتزداد الكيل بعير ذلك كيلٌ يسير».
 [23]
فستأنفت جملة [24]عما قبلها وذلك بنأ على أنّهم يُجيبون سائلاً يسأل أي حاجة إلى الازياد؟ فيجيبون بأن ما جاءوا به شئ قليل.
ومثله قوله تعالى على لسان يوسف [25]« وما أبرئُ نفسي. إنَّ النفس لأمّارةٌ بالسوء...»
 [26]
واستأنفت جملة [27] بناءً على أنَّ المتکلم يُجيب عن سؤال قد خمنه المخاطب بينه وبين نفسه وتردد فيه وهولماذا لا تبرأ النفس؟ فجأت الجملة الثانية (إنَّ النفس لأمّارة بالسوء) لتُجيب عن ذلك التساؤل الذي خمنه المخاطب بينه وبين نفسه، فتكون الجملة [28] قد استأنف الكلام. وعندما تقع الجملة جواباً عن سؤال يقدر بناءً على ما مذكور فهذا قمة في البلاغة والابداع التي لا يمكن للانسان العادي أنْ يصل إليها.
وترى في القرآن الكريم مجئ الفعل )قال) مفصولاًغيرمعطوف
 [29]
وهذا كثيرفي سورة يوسف، والسبب فى ذلك لأن السورة سياقها سرد قصه بعينه. ففي تتبع هذه القصة والحوار بين شخصياتها تظهر لنا كثرة مثل هذا النوع من الجمل.
وإنّما يُفصل الفعل [30] عمّا بعده تقدير سؤال (فماذا قال فلان بعد ذلك؟) فتأتي الجملة التالية للفعل(قال) جواباً للسؤال المقدّر ومن ثمَّ لابدَّ من الفصل بينهما لا العطف كما في قوله تعالى « إذ قال يوسف لأبيه، يا أبتِ إنّي رأيتُ أحَدَ عَشَرَ كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين* قال يا بُنيّ لا تقصص رؤياك...»
 [31]
« قالوا يا أبانا مالك لا تأمّنا على يوسف...»
 [32]
«قال إنّي ليحزنُني أن تذهبوا به...» .
 [33]

فالفصل مبنيٌّ على سؤال (فماذا قال يوسف لأبيه؟ وماذا قال له أبوه؟ وماذا قال الأبناء لأبيهم في أمر يوسف؟ وماذا ردّ عليهم؟) وكلّ ذلك للتنبيه على أمر يدور حول سياق الحديث وهوفي الآيات المذكورة للتنبيه على حبّ يعقوب ليوسف (عليها السلام). وحسد الأخوة له على ذلك الحبّ. ومثله كثير في سورالقرآن الكريم التي تأتي لسرد القصة وما فيها من أحداث وحوار وجدال بين الشخصيات. وإنّما يقدّر السؤال تقديراً لئلاّ ينقطع الكلام، فكأنّما ذلك الاستئناف هومكان تلك الأسئلة المقدّرة. فیشعرك الاستئناف بأنَّ هناك بانَّ هناك مدة زمنية وجيزة بين لفظة [34] وبين جملة مقول القول. والسبب في فصلهما هوذلك السؤال المقدّر، الذي جاء الفصل بين الجمل ليأخذ مكانه ويترك فرصة للقارئ في اكتشافه وتخمينه وكل ذلك خدمة للسياق، ويبدوانّ للاستئناف في السورة المباركة ارتباطاً قوياً بالمقام.

ثــانــیــاً: الــوصــل:
إذا كان الفصل ترك العطف بين الجمل بالوقوف على الاولی، والابتداء بما بعدها، فالوصل هو«جمع وربط بین جملتین [35] لصلة بینهما في الصورة والمعنى أولدفع اللبس».
 [36]
وهذا يعني أنّ الحرف العطف [37] دلالة على الجمع بين الجمل التي تتوفر فيها امورمشتركة بينها، ويشترط في الوصل بين الجمل أن يكون بينها [جامع كالموافقة والتضاد]
 [38]
مثل اشتراك القراءة والكتابة في الموافقة، والسريع والبطیء، والنور والظلمة في التضاد. علما أنَّ هذا الجامع يجب أنْ يؤخذ بنظرالاعتبارتوفره في كل من المسند والمسند إليه بين الجملتين. فعندما تقول (أحمد قادم والأرنب ذاهب) هذا غير صحيح لعدم الموافقة بين المسند إليه في الجملتين، وأن توافرالجامع بين المسندين في الجملتين بالتضاد. إما إذا قلت [39] فهذه الجملة صحّ فيها الوصل لوجود الجامع بالاتفاق بين المسند إليه في كلتا الجملتين، والجامع تضاد بين المسندين في كلتیهما«کما یجب أن یکون المحدث عنه في إحدى الجملتين بسبب من المحدث عنه في الأخري، كذلك ينبغي أن يكون الخبرعن الثاني ممّا يجري مجری الشبیه أوالنظیر أوالنقیض للخبر الأول، فلوقلت زيد طويل القامة وعمر وشاعر- كان خلفاَ، لأنه لا مشاكلة ولا تعلّق بین طول القامة وبين الشعر، وإنّما إن يقال:
زید کاتب وعمر شاعرــ وزید طویل القامة وعمر وقصیر»
 [40]
فالعطف بین الجمل لابدَّ أنْ يكون هناك جامع بين المسند والمسند إليه في الجملة.
مواضع الوصل في السورة المباركة:

تمیزت لغة القرآن الكريم بتفردّها عن سائر اللغات بسمات خاصّة بها ومن هذه السمات الوصل بين الجمل المتناسبة وفي تتبع آيات السورة المباركة وجد فيها الوصل بالاتفاق مع مواضعه التي حددها البلاغيون، وأثرذلك في تناسق نظمها وانسجامه فعكس أبعاداً اختفت وراء جملة الموصولة.
ومن مواضع الوصل:
1- أن يكون للجملة الأولى محلّ من الإعراب وقصد إشراك الجملة الثانية لها في الحكم الإعرابّي:
وهذا كعطف المفرد على المفرد لأنَّ الجملة لا يكون لها محل من الإعراب حتي تكون واقعة موقع المفرد وينبغي هنا أنّ تكون مناسبة بين الجملتين . والمناسبة التي لوحظت بين الجمل في آيات السورة كانت:
 [41]
أ. اشتراكهما في وصل حال المتحدث عنه، فتعطف إحداهما على الأخرى لهذه المناسبة إذ أنَّ الثانية تكمل وصف الحال للأولى كما في قوله تعالى «... أرسَلَت إليهنَّ وأعتَدَت لهُنَّ متكأَ وآتت كلَّ واحدة منهنَّ سكيناً...».
 [42]
وانما وصل بین الجمل؛ وذلك للمناسبة بينه في أنَّ المسند اليه فيها جميعاً هوالضمير العائد على إمرأة العزيز فكان الوصل بين جملة [43] وجملة [44] لأنَّ الجملة الأولى جاءت في وصف حال النسوة اللاتي في بيتها حيث كنَّ متكئات للطعام «قيل متكأ مجلس الطعام» .
 [45]
فتأتي الجملة الثانية موصولة بالأولى استكمالاً لوصف حالهن تصبح هيئة جلوسهن بأنّهن جالسات قعوداً وماسکات للسکاکین. فالمناسبة واضحة بین الجملتین باتحادهما بالمسند إليه وتناسبهما في وصف الحال، فجملة [46] تناسب جملة [47] لأنّها داخلة في حكم وصف حالهن.
ب. يوصل بين الجمل عندما تكون علاقتها كعلاقة السبب بالمسبب، كما في قوله تعالى« واستبقا الباب وقدّت قميصه من دُبُر...».
 [48]

وصل بين الجملة (واستبقتا الباب) وبين جملة (وقدّت قميصه) وذلك لأن الاستباق كان سبباً بالقد، وبهذا عطفت الجملتان على بعض للمناسبة بينهما في أنَّ إحداهما سبب والأخرى نتيجه له.
2- اتفاق الجملتين خبراً وإنشاء، لفظاً ومعنى، أومعنى فقط:
أ. اتفاق الجملتين بالإنشاء لفظاً ومعنى، كما في قوله تعالى« يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك...»
 [49]

فعطفت جملة الأمر بـ (الاستغفار) على جملة الامر بـ (الإعراض) لإنشائيتهما لفظاً ومعنى في فعل الأمر.
فجأت الآية الكريمة على لسان العزيزبالأمر خارجاً به إلى ترجى يوسف (عليه السلام) عن ذكر ما حدث من مراودة امراة العزيز له، وأمره لها بالاستغفار عن الذنب اقترفته، وما كان الوصل بينهما لانشائيتهما فقط ، بل للمناسبة بينهما بأن كل من الإعراض والاستغفار كانا في أمر واحد ولحدث واحد وهوحدث المراودة الذي نوته امرأة العزيزورفضه يوسف (عليه السلام).

فمع أنَّ الحدث واحد أنَّ فعلى الأمر مختلفان وذلك الاختلاف نية كل منها وتناقضهما بالرفض من قبله (عليه السلام) والعزم من قبلها فجاءالأمر بالإعراض موصول مع الأمر بالاستغفار مناسبته لسياق الآية ومقام الكلام.
ومثلما يعطف الأمر علی الأمرفي الجمل الإنشائية، يعطف الأمر على النهي كما في قوله تعالى«... لا تقتلوا یوسف وألقوه في غیابت الجبِّ...»
 [50]
حيث عطفت جمله الأمر (ألقوه في غیابت الجبِّ) على جملة النهي (لا تقتلوا یوسف) وذلك لتعرض يقصده المتكلم في أنَّ كلا منهما مطلوب فعله، فالنهي عن قتله. مع ذكر اسمه استعطافا ً لأخوته عليه- يدعوإلى أمر بابعاده لا قتله. فدلّ الوصل بين الجملتين على أنَّ جملة الأمر(ألقوه) هي المقصودة لذلك جئ بها موصولة ما قبلها دون فاصل بينهما،لأنَّ قائلها
 [51] تقول اغلب تفاسیر انه [52]
کان لا يريد موت يوسف بل ابعاده فقط. فكان الوصل دالاَ على سرعة المجئ بالمطلوب تحققه وحصوله ووجوب وقوعه وأنَّ ذلك المطلوب يمكن في الجملة الثانية [53]
بـ . اتفاق الجملتين في الخبر كمل في قوله تعالى«...یخلُ لكُم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين»
 [54]

فيُفهم من سياق هذه الآية أنَّها كانت فى التشاوربأمرمحبّة يعقوب لابنه يوسف [55] وإنَّهم إي الأبناء قد أصدروا الحكم بقتله وأبعاده عنه ونتيجة الابعاد خلوص المحبة لهم فقط. وإنّما وصل بين الجملتين [56] لاتفاقهما في الخبریة وتناسبهما في أنَّ خلووجه أبيهم لهم يتبعه صلاح أمورهما [أىْ يعود حالكم الى الصلاح مع أبيكم وقد يكون أنكم تتوبون بعد فعل ذلك لله باعتبارما ارتكبوه كان ذنباً يصّح التوبة منه]

بمعنى أنّ حال عدم انشغال أبيهم بغيرهم وتوجهه لهم يتبعه صلاح أمورهم معه.
الوصل بـ [57] الحال في السورة المباركة:
فيما تقدّم كان الوصل بين الجمل بالواوهي واوالعطف التي لا تكون إلاّ بين الجمل المتشابهة والمتوافقة في الخبرية، والإنشاية، والأسمية، والفعلية بجامع التوافق والتضادّ كما تقدم. ولكن في بعض الأحيان ترى جملا ً تختلف من جهة بفعليّتها واسميّتها إلاّ أنّها موصولة مع بعضها وهذه الواصلة بينهما هي [58] وليست واوالعطف «لما کانت الحال تجئ جملة، وقد تقترن بالواو، وقد لا تقترن فأشبهت الوصل والفصل» .
 [59]

اقتران الجملة الحالية بواوالحال وعدمه في السورة:

كثيراً ما ترتبط الجمل الحالية بالفصل والوصل. وذلك لكون بعضها يرتبط بالواووبعضها لا یرتبط به فـ «أنَّ الجملة إذا كانت من مبتدأ وخبر، فالغالب عليها أنْ تجئ مع [60]...، فإنْ كان المبتدأ من الجملة ضميراً ذالحال، لم يصلح بغير [61]البتة.
 [62]
فجملة [63] جملة تصف حالهم في الإنكار له ساعة دخولهم عليه، وبما أنّها جملة اسمية احتوت على الضمير العائد عليهم وهو [64] فأوصلت بما قبلها بواوالحال. ومثله كثير في السورة المباركة كما في قوله تعالى «إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا مِنّا ونحن عصبةٌ...»
 [65]
فجملة [66]جملة اسمية تصف حال كثرتهم مقارنة ومع أخيهم يوسف وشقيقه.
ومثله قوله تعالى « وكأيِّن من آيةٍ في السماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون».
 [67]
فجملة [68] في الآية جاءت اسمية مبتدأها ضمير صاحب الحال يعود على ضمير الجمع [69] في [70] أيْ أنَّ حالهم هوالإعراض بشكل مستمرّ وثابت فيهم. ولوفصلت الجمل الحالية ولم تتصل لكان الكلام غير صحيح.
وقد كثرت الجمل الحالیة المقترنة بالواوفي السورة المباركة وذلك تناسباَ مع سياق سورة في سرد الاحداث ووصفها حال الشخصيات وبما أنّ السورة تخبرنا بما تقوم به الشخصيات داخل اطار قصتها من أفعال فلابدّ أنْ تصف لنا حالهم في أثناء أداء الفعل أوبعده، أيْ كيف كان حالهم؟ وكيف سيصبُح حالهم بعد أنْ يُواجهوا بما فعلوه.
وأحياناً لا تقترن الجملة الحالية بالواووذلك لمانع يمنع فـ «ان كانت الجملة من فعل وفاعل، والفعل المضارع مثبت غير منفي، لم يكد يجئ بالواوبل تري الكلام على مجيئها عارية من الواو».
 [71]
كما في قوله تعالى « وجاءُوا أباهم عشاءً يبكون»
 [72]
فجملة «يبكون» جملة حاليّة غير متقرنة بالواو، لما في اقترانها به من ثقل على اللسان باللفظ فترك الواوأفضل معهما.

وعليه فالوصل بين الجمل يأتى للتشابه والانسجام والمناسبة بينها، وليفهم القارئ انما وصل بين الجمل سواء بـ واوالعطف أوبـواوالحال لغرض يقصده المتكلّم من وراء ذلك الوصل في توضيح تلك المناسبة أوالصلة الرابطة للجمل الموصولة، كتوضيح الصلة ارتباط جملة السبب بالمسبب، أوبيان أنَّ الجمل الموصولة ناسبت في وصف حدث بعينه واستكملته للقارئ.

المـصـادر

  1. القرآن الکریم.
  2. الجاحظ، ابی عثمان عمربن بحر [73]: البیان والتبیین، تحقیق: عبدالسلام محمد هارون، ط4، مکتبة الخانچی، القاهرة [74]
  3. الجرجاني، ابوبکرعبدالقاهر بن عبدالرحمن [75]: أسرار البلاغة، تحقیق هلموت ریتر، مطبعة وزارة المعارف استانبول، 1954م.
  4. الزمخشري، لإبی القاسم جار الله محمود بن عمر، الکاشف ج2، دار الفکر، القاهرة، بلاتا.
  5. السكاكي، إبى يعقوب یوسف بن ابي بكر محمد بن على [76] : المفتاح العلوم، مطبعة مصطفی البابی الحلبی، مصر، [77].
  6. شاکر، محمود محمد: دلائل الاعجاز، بلاتا.
  7. الطبرسی، ابوعلی الفضل بن الحسن: مجمع البیان في تفسیر القرآن [78]، تحقیق هاشم الرسولی المجلاتی، دار احیاء التراث العربي، مؤسسة التاریخ العربی، بیروت، لبنان [79].
  8. علوان، قصی سالم: علم المعانی، دار الفکر العربي، القاهرة، بلاتا.
  9. القزويني، الخطیب [80]: الإيضاح في علوم البلاغة، تحقیق لجنة من أساتذة الأزهر، مطبعة السنة المحمدیة، القاهرة، [81].
  10. القزويني، الخطیب [82]: الإيضاح في علوم البلاغة، تحقیق لجنة من أساتذة الأزهر، مطبعة السنة المحمدیة، القاهرة، [83].
  11. مطلوب، أحمد : البلاغة العربية [84]، المکتبة الوطنیة بغداد، 1988م.
  12. الهاشمي، أحمد: جواهر البلاغة في المعاني والبیان والبدیع، ط12، المکتبة التجاریة الکبری، مصر، [85]

[1الجاحظ،، ج1، 1975م، ص88

[2السکاکي، بلاتا، ص119

[3السورة البقرة/آیه2

[4الكتاب خير الصديق، الربيع سيد الفصول

[5شاکر، محمود محمد، بلاتا، ص243

[6فالفاء

[7القزویني، الخطیب، ج1، بلاتا، ص147

[8السکاکي، بلاتا، ص119

[9جرجاني، الإمام ابوبکر عبد القاهر بن عبدالرحمان، 1975، ص243

[10علوان، قصي سالم، بلاتا ، صص152-153

[11علوان، قصي سالم، بلاتا ، ص152

[12عليه السلام

[13سورة یوسف/ آیه 31

[14سورة البقرة/ آیه 2

[15سورة یوسف/ آیه 24

[16عليه السلام

[17سورة یوسف/ آیه 76

[18علوان، قصي سالم، بلاتا، ص155

[19سورة یوسف/ آیه 8-9

[20سورة یوسف/ آیه 29

[21علوان، قصي سالم، بلاتا، ص156

[22الهاشمي، أحمد، 1960، ص208

[23سورة یوسف/ آیه 65

[24ذلك كيلٌ يسير

[25عليه السلام

[26سورة یوسف/ آیه 53

[27إنَّ النفس لأمّارة بالسوء

[28إنَّ النفس لأمّارة بالسوء

[29جرجاني، الإمام ابوبکر عبد القاهر بن عبدالرحمان، بلاتا، ص240 وما بعدها

[30قال

[31سورة یوسف/ آیه 5-4

[32سورة یوسف/ آیه 11

[33سورة یوسف/ آیه 13

[34قال

[35بالواوخاصة

[36الهاشمي،أحمد، 1960، ص197

[37الواو

[38انظر؛ المصدر نفسه، ص 198

[39أحمد قائم وعمروقاعد

[40جرجانی، ابوبكر عبدالقاهر بن عبد الرحمن، بلاتا، ص225

[41مطلوب، أحمد، 1988، ص139

[42سورة یوسف/ آیه 31

[43واعتدت لهن متکأ

[44واتت کل واحدة...

[45الزمخشري، لإبي القاسم جار الله محمود بن عمر ، ج2، بلاتا، ص316

[46اتت کل واحدة منهن سكيناً

[47واعتدت لهن متكأ

[48سورة یوسف/ آیه 25

[49سورة یوسف/ آیه 29

[50سورة یوسف/ آیه 9

[51القاتل[[لا تقتلوا یوسف

[52یهودا

[53ألقوه في غیابت الجبّ

[54سورة یوسف/آیه9

[55عليه السلام

[56يخلُ... وتكونوا...

[57واو

[58واوالحال

[59الهاشمي، أحمد، 1960، ص211

[60الواو

[61الواو

[62جرجانی، ابوبكر عبدالقاهر بن عبد الرحمن، بلاتا، ص202[[
فالجرجانى يحدد اقتران الجملة الاسمية بالواووخاصة عندما يكون المبتدأ ضميراً يعود على صاحب الحال كما في قوله تعالى«وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون».
[[سورة یوسف/ آیه 58

[63وهم له منكرون

[64هم

[65سورة یوسف/ آیه 8

[66ونحن عصبةٌ

[67سورة یوسف/ آیه 105

[68وهم عنها معرضون

[69الواو

[70يمرون

[71جرجانی، ابوبكر عبدالقاهر بن عبد الرحمن، بلاتا، ص204

[72سورة یوسف/ آیه 16

[73ت 255هـ

[741395هـ - 1975م

[75ت471هـ أو474هـ

[76ت 626هـ

[77د. ت

[78ج

[79د.ت

[80ت 739هـ

[81د.ت

[82ت 739هـ

[83د.ت

[84المعاني والبیان والبدیع

[851379هـ 1960م


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى