الأربعاء ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم صبحي فحماوي

أحلم بجنة على الأرض!

قدم صبحي فحماوي شهادة روائية في مؤتمر الرواية العربية النقدي الثالث عشر في جامعة جرش بعنوان«حلمت بالجنة على الأرض.وذلك يوم الأربعاء» قال فيها:

إن متعة التخيل في الرواية المدهشة تفوق متعة مشاهدة الصور التلفازية. فبينما لا يلتفت التلفزيون أو يأخذ بعين الاعتبار ذكاء وميول المُشاهد الفنية، وكأنه يقول لي:«لا تتدخل في عملي الفني، فأنا أقدم لك الصوت والصورة والديكورات والملابس والإضاءة والموضوع، وكل شيء جاهزاً! أنت تستقبل فنوني فقط! تستقبل ولا ترسل!» وهكذا يضعف التلفزيون مخيلة الإبداع عند المشاهد. وقال: أستمتع بقراءة الرواية التي تدخلني حواري وأزقة ما كنت لأدخلها لولا بطاقة المرور الروائية، وتسمح لي بدخول الأماكن المخفية، وغرف النوم، أدخلها دون استئذان، ودون أن ألبس ملابسي الرسمية! وأضاف: ‬تأثرت بكل الكتاب الذين قرأتهم، وحتى الروايات الضعيفة استفدت من أخطائها. ‬ولكنني أعطي أولوية لألف ليلة وليلة، بصفتها الرواية الأم.

أشعر أن القراءة هي النوافذ التي أطل منها، وهي عيناي اللتان أرى فيهما الحياة. ولا أشعر أن جوهر الكائنات الحية كما تظهر وتتبدى لنا، ذلك لأن المخفي أعظم.. والرواية تبحث عن المخفي الأعظم، عن الإدهاش، وعن المعرفة. وفي روايتي (الحب في زمن العولمة) كان المخفي في شخصية الملياردير الشواوي مدهشاً ومخيفاً، إذ يختلف جوهره المتردي عن مظهره الذي يتبدى لنا عظيماً.

بسبب سيطرة التكنولوجيا، تَثبُط حركة الإنسان، فيتقوقع داخل منزله، ونادراً ما يركب المواصلات، أو يذهب إلى المسرح أو السينما، أو يحضر الندوات، أو المهرجانات الثقافية! كل هذه التعقيدات ساعدت على تفوق الرواية على باقي الآداب! وهذا ما صورته في قصتي (الصناديق العملاقة) حيث يعيش (الحداثي) منذ طفولته وحيداً داخل غرفته، يمارس فيها كل نشاطاته المعاشية والتعليمية والمهنية، وحتى عندما توفي أبوه، لم يستطع الخروج من غرفته للسير في جنازته، بل أرسل له إيميل تعزية..

وقال فحماوي: في داخلي تنغل روايات كثيرة مختلفة قضاياها، مثل بطارخ السمك التي تنتظر كثيراً قبل أن تخرج من ذات أمها. وتتزاحم أفكار الرواية في داخلي كتزاحم الغيوم المستعدة للإمطار، فتنهمر أحداثها مدرارة.

وأضاف قائلاً : رواياتي مطرزة بالقصص والحكايات ، ومضمنة بالأفكار، كما قال أ. د. نبيل حداد «إن رواية (الحب في زمن العولمة) هي سلة أزاهير» ، وقال عنها أ. د. عبد الرحمن ياغي : « إنها ألف ليلة وليلة حديثة»

والقصة لديّ هي روح الرواية ، فلا رواية من دون قصة .. والرواية اليوم لا تحتمل قصة واحدة من أولها وحتى آخرها.. وكما أن ( الحديثَ ذو شجون ) فالرواية ذات شجون..

أعتقد أن مفهوم (البطل) في الرواية الحديثة قد انتهى، وتحول تعبير (البطل) إلى تعبير (الشخص ). وأضاف فحماوي: لقد انتهى التسلسل الزمني للرواية، مع احتفاظها بعمود فقري، أو محور واحد، لجسد رواية واحدة، غنية بالجماليات. ولقد قال أ. د. مدحت الجيار في نقده لروايتي (الإسكندرية 2050) إبان معرض القاهرة الدولي للكتاب:«إنك تستطيع تقديم أو تأخير أي فقرة من فقرات هذه الرواية، دون أن يتغير بناؤها الفني، والتي أعتبرها نموذجاً للرواية العربية الحديثة »

وأثناء الكتابة، أحمل فكرة وشخصيات روايتي في ذهني أو مخيلتي، تماماً كما تحمل المرأة جنينها في بطنها، فينضج على مهل. وكما يحتاج الجنين إلى تسعة أشهر لينضج داخل رحم المرأة، فإن الرواية تحتاج إلى ما لا يقل عن تسعة أشهر لتنضج، فأستطيع بعدها أن أتباهى بشخصياتي؛ أولادي وبناتي الذين أبدعتهم، فصاروا يمشون على الأرض!

أكاد أختنق مُتعذِّباً بسبب عدم قدرتي أحياناً على السيطرة على إحدى شخصياتي، أو سبر أغوارها، أو ضعف قدرتي على إعطائها المؤهلات والمواصفات المناسبة، لتستطيع الحركة والمواجهة والإقناع، وتحمل مسؤولية دورها في الحياة.‏

ولا أخفي عليكم أنني لا أرضى عن روايتي حتى في مستقرها الأخير، ولكنني أصل إلى درجة السأم من تكرار تصليحها، فأبعدها عني، وذلك بإرسالها بالإيميل إلى دار النشر، لتصدر من هناك.

كم حلمت بعالم لا يقوم على الصراع ونهش الآخر، وأوطان هي مستقر لمواطنيها، فلا يضطرون لهجرتها تحت تهديد الحروب والتمييز العرقي. كم حلمت بقصة حب لا تنتهي، فيتغذى فيها الإنسان والحيوان الأخضر كالنباتات على التمثيل الكلوروفيلي ، فلا يلوث البيئة بفضلاته، ولا يعتدي الفيل على الغابة، ولا يأكل الذئب الأرنب، ولا ينهش الأسد الغزال، وتعود مياه الأنهار نقية رقراقة، وتعيش الكائنات الحية الخضراء من أجل الاستمتاع بالحب الخالي من الخوف. كم حلمت بالجنة على الأرض التي تخيلت تباشيرها في روايتي «الإسكندرية 2050».


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى