الأحد ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

أحمد فتحي شاعر الكرنك

الشاعر أحمد فتحي من مواليد يوم 2 فبراير عام 1913 في كفر الحمام مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية ووالده الشيخ إبراهيم سليمان كان من علماء الأزهر ويكتب الشعر لبث الحماسة في المصريين أثناء ثورة 1919 وكان أحد من قادوا المظاهرات في مدينة الإسكندرية بعد أن انتقل مع أسرته وتوليه مشيخة المعهد الديني بالإسكندرية.

كان أحمد فتحي ممشوق القوام بهي الطلعة ورث عن أبيه وسامته وزرقة عينيه كما ورث عنه ملكة الشعر.

عندما بلع الشاعر أحمد فتحي العاشرة من عمره توفيت أمه وهو في العاشرة وبعدها بقليل وجد نفسه يتيماً بلا أب أيضاً مما أدى لتعثره في الدراسة التى هجرها وبدأ في نظم الشعر والصراع المبكر مع الحياة ثم التحق للدراسة بمدرسة صناعية متوسطة وتخرج منها عام 1930 وعمل موظفاً في جمرك الإسكندرية ثم انتقـل للعمل بالتدريس في مدرسة الصناعات بالسويس وبدأ اتصـاله بجماعات الأدب في القاهرة فقام بمراسلة مجلة أبوللو التي كان يصدرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي وفي خلال هذه الفترة وطد دعائم علاقاته بالعديد من الأدباء والشعراء في القاهرة وارتاد منتدياتهم وجلساته.

انتقل الشاعر أحمد فتحي للعمل بمدرسة الأقصر للصناعات

كتب الشاعر أحمد فتحي العديد من القصائد بالفصحي والعامية لكثير من المطربين .

انتقل الشاعر أحمد فتحي للحياة والعمل بالفيوم ولما كانت الحرب العالمية الثانية عرفت خطاه الطريق إلى الإذاعة البريطانية وبث من خلالها أغانيه وبعضاً من أحاديثه وحواراته مما ساعده علي العيش فناصرالحلفاء وندد بدول المحور وله في ذلك العديد من القصائد بعدها أصبح ضابطاً بين قوات الحلفاء في الصحراء الغربية ولكن لم يلبث أن عاوده القنوط وانتابته حالة من اليأس العميق أخذت عليه مجامع نفسه فراح يكتب بين أوراقه يبوح لها بأسرار نفسه وأخذ الأمر كل مأخذ وفي هذه الفترة توسط له صديقه محمد سعيد لطفي مدير الإذاعة المصرية فعين مترجماً ومذيعاً في الإذاعة البريطانية في فترة كانت لندن تعيش تحت وابل من قنابل دول المحورولم يمض وقت طويل حتى أهمل أحمد فتحي عمله بالإذاعة مما جعل الإذاعة البريطانية تستغني عنه فاستقال منها عام 1946وذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها .

أراد أحمد فتحي أن يعمل مراسلاً للصحف المصرية إلا أن هذا العمل لم يكن ليوفر لصاحبه سبيلاً للعيش فحاول العمل بالتجارة إلا أن قلة خبرته لم تكن لتسعفه في هذا المجال حتي ساقته الأقدار للتعرف علي فتاة إنجليزية اسمها كارول كانت تعمل بالكتابة على الآلة الكاتبة فتزوجها وأنجب منها طفلة حملت اسم جوزفين .

رفضت السلطات البريطانية تجديد الإقامة له ومن هنا كانت اقوى ضربات القدر له ... حرمانه من زوجته وايضا ابنته التى بقيت مع أمها فى انجلترا .

في تلك الآونة تعرف الشاعر أحمد فتحي على الأمير السعودي عبد الله الفيصل الذي كان في ريعان الشباب ويتردد على العاصمة البريطانية لندن من وقت لآخر فشكا له الشاعر أحمد فتحي سوء أحواله فوعده الأمير بتوفير عمل له في الإذاعة السعودية وبالفعل نفذ الأمير عبد الله الفيصل وعده بعد أن تلمس في أحمد فتحي عبقرية ومقدرة فذة وعاش الشاعر أحمد فتحي في السعودية ما بين عمله في الإذاعة وبين كتابة المقالات

ورغم بحبوحة العيش هناك وما تمتع به من رعاية الأمير عبد الله الفيصل إلا أن الحال لم يستمر بالشاعر أحمد فتحي طويلاً فعاد مرة أخرى إلى مصر.

للشاعر أحمد فتحي ديوان شعر بعنوان قال الشاعر وقصة بعنوان الله والشيطان وعنى من أشعاره محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأم كلثوم وأسمهان وفتحية أحمد ولورد دي كاش .

عاش الشاعر أحمد فتحي وحيدا في فندق بشارع 26 يوليو بالقاهرة ويوم 30 يوليو عام 1960 فاضت روحه إلى بارئها عن عمر يناهز 47 سنة ونعته الصحف المصرية وخرج في جنازته قلة من الأصدقاء المخلصين تتقدمهم كوكب الشرق أم كلثوم التي ذرفت عليه الدموع .

نذكر أيضا أن عندما حضرت الفنانة أسمهان إلى القاهرة فُتِح باب التنافس بين فرسان التلحين المصري على صوتها فمنذ بدايتها لاحظ المتابعون أن مساحة صوت أسمهان تصل من حيث التصنيفات الأوروبية إلى فئة السوبرانو وهي فئة غنائية تمتاز بمداها الواسع في مختلف ألوان الانفعالات والعواطف وتعد أساس الغناء الأوبرالي أي الغناء الخارج من الرأس والذي أثبتت التجارب أن أسمهان تؤديه بدقة وتعبير فني واضح دون أي نبرة صراخ.

إضافة إلى ذلك فإن التعبير الأدائي يسيطر معظم الوقت على غنائها فهي تنتقل من شعور إلى آخر وفق اللحن والكلمات فتضفي على الموسيقى حسًّا دراميًّا وحرارة إنسانية قَلَّ مثيلها.

كل هذا شكَّل في نظر فرسان التجديد الموسيقي في مصر فرصة لانطلاقة جديدة للغناء العربي .

في عام 1943بدأ تعامل أسمهان مع الموسيقار رياض السنباطي بقصيدة الشاعر أحمد فتحي حديث عينين التي سبق أن رفضتها أم كلثوم بسبب نمطها المتطور.

نجحت القصيدة رغم أنها طويلة ومعقدة ولم تعتمد على التطريب وحده بل على التعبيرية أيضًا ونجحت أسمهان في أدائها مما شجع رياض السنباطي على أن يكرر تجربة الغناء الشعري مع أسمهان.

ومن قصائد الشاعر أحمد فتحي قصيدة فجر وقد لحنها وغناها الموسيقار رياض السنباطي وقد ألقى كروان الإذاعة محمد فتحي القصيدة بصوته في مقدمة اللحن بمصاحبة عزف العود لرياض السنباطي ومن القصائد الرائعة للشاعر أحمد فتحي قصيدته ظنون وقد لحنها الموسيقار رياض السنباطي وغنتها الفنانة فتحية أحمد عام 1941م .

عندما تم نقله من عمله بالقاهرة إلى الأقصر بسبب خلافه مع رئيسه في العمل ولذا أقام في مدينة الأقصر فترة وأحبها وكتب قصيدته الرائعة ( الكرنك ) أعجابا بواحد من أهم معابدها وهو معبد الأقصر .

أرسل الشاعر فتحي قصيدته الكرنك إلى الإذاعي محمد سعيد لطفي المراقب العام للإذاعة فأعطاها إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب فوافق على تلحينها وغنائها لحساب الإذاعة.

الموسيقار محمد عبد الوهاب أخذ قصيدة الكرنك ووضعها في جيبه ليطالعها ويراجعها ويتفاعل معها وعندما بدأت البواكير الأولى للحن تتردد في مخيلته حمل عوده وحجز غرفة في فندق قريب من موقع معبد الكرنك بالأقصر وقضى أياما لا يفعل شيئا سوى الانتقال من غرفته بالفندق إلى معبد الكرنك ويتجول في أرجائه ويدندن بالألحان التي تخدر بباله وتوقف عند المقطع الذي قال فيه الشاعر أحمد فتحي :

أين يا أطلال جند الغالب
أين آمون وصوت الراهب

وشعر الموسيقار محمد عبد الوهاب أن لهذا المقطع حساسية خاصة ولذلك أجل جولته داخل أركان معبد الأقصر إلى لحظات غروب الشمس حتى تكون جولته في لحظة حساسة يبدأ فيها الغياب المتدرج للضور والهبوط المتدرج للظلام حتى تكون انفعالاته في أثناء التجوال في أرجاء المعبد وبعد أن أنتهى الموسيقار محمد عبد الوهاب من تلحين قصيدة الكرنك غناها عام 1941 م .

بعد أن غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة الكرنك سطرت مجدا عاليا للشاعر أحمد فتحي وأعطته الإذاعة المصرية ثلاثة جنيهات.

الشاعر أحمد فتحي كانت في حياته قصة حب كبيرة وقد ألهمه هذا الحب أجمل قصائد الحب وأرقها في سنواته العشر الأخيرة وعندما حان الفراق ألهمته وحدته قصيدته الوجدانية الرائعة التي تنبض بالحرارة والصدق وحرقة الوجد التي قبسها من روح قلبه ونور وجدانه ومن هذه التجربة العنيفة التي صهرته بالعذاب كتب قصيدته قصة الأمس.

قال الشاعر فاروق شوشة إن قصة الأمس هى قصة حياة أحمد فتحى العاطفية والتجربة التى زلزته من الأعماق وصبغت حياته بعدها بطابع مأساوى حزين.

بعد أن غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة الكرنك للشاعر أحمد فتحي عام 1941 بعث الشاعر أحمد فتحي إلى أم كلثوم أكثر من قصيدة ولكن عندما نشرت جريدة الأهرام قصيدة قصة الأمس للشاعر أحمد فتحى قررت أم كلثوم غنائها وقد غيرت بعض الألفاظ ومنها البيت الذي تقول فيه:

فغرامي راح يا طول ضراعاتي إليه

وكانت في الأصل: فغرامي راح يا طول غرامي إليه حيث وضعت أم كلثوم كلمة ضراعاتي بدلاً من غرامي وفي بيت: وليالي ضياعاً وجحوداً

ولقاء ووداعاً يترك القلب وحيداً

كانت في الأصل: وليالي ضياعاً وجحوداً

وعناء يترك القلب وحيداً

حيث استبدلت أم كلثوم كلمة عناء إلى كلمتي ولقاء ووداعاً.

بعد أن الموسيقار رياض السنباطي قصيدة قصة الأمس للشاعر أحمد فتحي غنتها أم كلثوم عام 1958 أي قبل وفاة الشاعر أحمد فتحي بعامين وكان وقتها يقيم الشاعر أحمد فتحى في أحد الفنادق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى