السبت ١٦ آذار (مارس) ٢٠٢٤

أسَارِيرُ سَبتة

محمد الشاوي

فِي شدّةِ الأَلَمِ هاجمتنا السُّهوبُ
ضَاقَتْ خيولنا الظمأ الآتي شرقًا
كيف وقد اِلتأم صبرنا غربًا
تساءلنا عن ذَعْرٍ: هل بُتِّكَتْ أيادينا أم قُطِّعتْ؟
صاحَ جرسُ العبورِ يدوي عجلاً:
جواز السفر، تذاكر الذهابِ، متى الإياب؟
هنا أرضي، زرعي، سمكي
وها هي ذي سلعي
هذا صوتُ بحرِي
يحكي أنين الأهل والأحبابِ.
أين هاتيكَ (المَضْربةُ) إذ تُنادي في الأفق:
من الشاري؟
أسعاري ما عادتْ للتخفيضِ
ما قصة التجديدِ؟
هنا موطنُ الغُزاةِ
سلبوا أحشائي على السَّفحِ البئيسِ
اشتد عليّ ألم الحمّالاتِ
ها خمورٌ ما عادتْ تُسكرُ،
عطورٌ، ملابسٌ، أغطيةٌ
أهي المدينةُ تتأفّفُ حنانَا
مخاطبةً الرغباتِ واللّذاتِ افْتِتَانَا
ألم تكن على وجه العجلِ،
تجرِي بالذوقِ المتغافلِ
تتلصّصُ عيبَ الكبتِ.

وفي الدواخلِ تئنُ آهاتي، تقولْ:
(هذا سمكي الطّريِّ
يُشْوَى دخانا على حجارة،
يحترق شحما، يُرمى لحما
يهيم نَفْسًا، يبكي دمعًا...)
ها تحيةٌ تُنادي جُفونَ الواقفِينَ سلامَا
تُكلِّمُ أبواب الحاناتِ، تقارع الجالسين ندامَا
أين مني ساحة البريدِ الخضراءِ المتلألأهْ
وقتَ ابتسامةِ نَافُورَتِهَا الضاحكهْ
إذ تُخاطب الورود الموسميهْ
نغماتٍ قُزاحيهْ
ها هو ذا الرجلُ العسكريُ
يحتفلُ، يغازلُ شَدْوَ الآلةِ النحاسيهْ
وها هي ذي مُهجتي الأندلسيهْ
تتألقُ برموشِهَا الكهرمانيهْ
فستانًا أحمرَ وَوردهْ
تسريحة شعرٍ وَمروحهْ
وقتَ مغازلةِ عازفِ القيثارهْ
أنينَ نغماتِ الدُّجى في استعارهْ
كيف وقد راقص الحظ السعيدَ في انكسارهْ
إبان ختامِ النشوةِ، وقتَ طلوع الفجرِ
غداة اشتكى الوجدُ آهاتٍ حلوهْ
تَسمُو كالفراشةِ العنقاءِ إذ تجوسُ حقولَنا، تقولُ:
ما بقيَ للقلبِ مكانٌ يَسعُ الزِّحامْ
آهٍ أيها العابرونَ على جسدي
ما تقولونْ؟
إنَّا أخرجنا أوراقنا، أخذوا منا أمتعتنا
ها سَبْتَتُنَا تدافعُ عنا، تهاجمُ اللُّصُّوصَ
وطرا، نَحْبا، عُمْرا
تُسافر بالتاريخِ، بالأمجاد، بالبطولاتِ
فداء للزرعِ
فداء للإنسانِ
فداء للأرضِ.
من نحن يا هل ترى؟
نحن بنو الإنسانْ
من صلصالٍ كالفخارْ
من عرقٍ وطينٍ كالمِعْمَارْ
سَبْتَتُنَا تتحدثُ أنداءً
في ليالٍ صيفيهْ
ها أهازيجٌ واحتفالاتٌ دينيهْ
لروحِ مريم المجدليهْ
حملوا التجسيدَ المُتَزَعْزِعَ شموعًا
على الآلةِ الحَدْباءِ تقليدًا
مثنى وثلاث ورباعْ
تتعالى مواكبُ البخورِ بكاءً
تتعالى أصداءُ الكمنجاتِ حُزنًا
تقتفي أثرًا، تُمْسِي ربيعًا، تُصلي خريفًا
إيمانا، احتسابا، إجلالاً
للروحِ القُدُسِ، لتصليبِ المسيحِ، لخشوعِ القُدّاسِ
سبتةُ عروسٌ فداها شرفٌ
سبتةُ امرأةٌ مغربيةٌ فداها عزٌ
فسَلوا تاريخَكم، شرفكم، كرامتكم؟
فسلوا خَمائِلكم عن مُروجِ أزهاركم؟
فِي سَبْتَتِنا تسهرُ نجومنا
في سَبْتَتِنا يتغنى ليلنا
في سَبْتَتِنَا يُصلي بدرنا
من نفحِ الطيبِ
من نسيمِ المِسْكِ
من معدنِ العنبرِ.

محمد الشاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى