السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

أصحاب الطاولة

جلس أحمد بجانبها وعيناه تتقد إصرارا، صدره يطفح عزيمة. لم يعد هنالك مجال للمقاومة؟ كان العرق يتصبب من جبينه وكأنه مقدم على مبارزة خصم عنيد.إن تجاربه قليلة، لا تكاد تتجاوز عدد أصابع يده الواحدة. ولكنه مصر على خوض المعركة حتى النهاية. نظر إليها نظرات ثاقبة. لكن نظراتها كانت تتقد شررا. كان المكان غاص بالجماجم الفارغة والبطون المقعرة. وكان عليه وسط هذه الحثالة المتغطرسة أن يثبت جدارته. و كعادته بدأ يقضم السجائر قضما وهو يرطن بأنغام غريبة كلما لعب الخمر برأسه.

إن النبيذ الحار يهزه هزا، حتى أن طقطقة أصابعه كانت تشي باضطرابه، لاشك أنه سيخسر أمامها في هذه الجولة أيضا. إنها عنيدة، متمرسة، وهي الرابحة دائما. لقد كبرت بين الورق وألفت مقالبه

ومفاجآته. ولكنه الحظ، ليت الحظ يقف بجانبه ولو مرة واحدة، هكذا كان يعلل هزيمته المستديمة، إنه ليخسر الملايين تلوى الأخرى كل ليلة من أجل عثرة حظ. لازال يذكر أنه منذ أيام خلت، حاول العدول عن اللعب، ولكن اللعبة استهوته، بل سلبته عقله و جوارحه، فبمجرد حلول الظلام. تحمله قدماه إلى هذه الحانة، فلا يشعر إلا وهو يتوسط أصحاب الطاولة، ليغدو صاحبها هو الآخر. وهكذا دواليك. أضحت الطاولة سجانه، ملكت إحساسه وفؤاده، انتزعت إرادته وكبرياءه. غدا بين يوم وليلة دمية تحركها أصابع الدمار. أدرك

وهو ينظر إلى عينيي غريمته أنها الرابحة اليوم أيضا. انسحبت كالمعتوه وهو يسب حظه العاثر، ورغم كل شيء، أدرك أنه لا يستطيع إلا أن يكون صاحبا من أصحاب الطاولة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى