الثلاثاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٤
بقلم نضال نجار

أناشيد مبللة بالحزن

حوار مع الشاعر السوري المقيم في قطر عيسى الشيخ حسن

– " أناشيد مبللة بالحزن" هل ثمة إحالات اقتضتها المجموعة تلك لكتابة ما يعتري روح الشاعر .

عيسى من إرهاصات الواقع الراهن آنذاك؟...
 الأناشيد المبللة ترجمة أمينة لسيرة الروح المرتهنة إلى أوجاع ( الذاتي ) الخاص ، والمحيط ( العام ) ، المجموعة أم رؤوم لقصائد ممتدة على عقد من السنوات ، منذ حرب الخليج الأولى التي قسمتنا عربين ، كليهما يستدعي الرثاء ، وما تلى ذلك من تداعيات انجبلت فيها الغصص ، بماء الحزن واللوعة والحرمان والفقد ، الفقد الذي كنت على مشارفه ، أنتظر كأسي منه بفارغ التوجس ، وكانت الأناشيد تهذي بسيرتي النازفة ، وما زالت .
– قضية الشعر/الشاعر/الشارع، تحمل الكثير من الملامح، من اختلاف الشعراء على شكل وبنية وتسمية النص؛ من الأنا المصابة بالشيزوفرينيا لدى الغالبية من الشعراء الذين بتوحدهم مع القصيدة يعيشون خلوداً خاصاً بهم؛ ومن قصور الشعر حين يتحول إلى وسيلة للكسب والعيش؛ هل من توضيحات؟...
 يحمل الشاعر على كتفيه وهما جميلا ً ، وهم تغيير العالم ، مجوعة دونكيشوتات يطلقون هديل ناياتهم المذبوحة في أذن الريح ، وبالتالي فإننا مع الأيام ننسى إحداثيات الواقعي ، ونحلق في أساطير مفرودة على جهات الشعر ، هؤلاء هم الشعراء الحقيقيون ، وما تبقى من جنود التكسب لا أعتقد أن لهم محلا ً في دفتر الشعر ، ربما كانوا بهلوانات كلمات ، الشارع المسكين لا يدري لمن يمد نزفه وسابلته ، وطبول أعراسه .
–" الكوميديا الانسانية" ... ثلاثة يعيشون في قطر، الجمل والنخلة وعيسى الشيخ حسن/ حتماً تعمَّدتَ استخدام هذه الدلالات الثلاث لأسبابٍ ربما شخصية، أو فكرية...هل تبيِّن لنا رأيك؟.
 كانت لحظة قراءة شعرية للمشهد الذي يضن على الغرباء بأية قطرة هواء ، فيكون عليه التماهي بأكثر كائنات المكان تعايشا ً ، أنا كتبت النص ، وللنقاد أن يقرؤوا أشياء أعمق في النص ، دور الشاعر ينتهي بمولد القصيدة ، بمعنى أنه الأم الحاضنة ، فيما بعد يمر المولود بمراحل عدة إلى أن يبلغ سن الرشد ، الشعر قيمة مؤجلة بحسب ممدوح عدوان ، من الممكن أن يسجل لي هذا النص كعلامة فارقة ، ومنجز شعري ، وممكن أن يذوي كنبتة عشب ضئيلة الساق ، قصائدي الأخرى تحسد هذا النص الآن لاحتفاء أصدقائي الكبير به ، وكأنه بطاقة تعريف لي ، و لا أدري ماالذي سيحدث له غدا ً ..
– كتابة الشعر... هل هي مهنة أم موهبة؟.... ما رأيك؟
 في البداية الجميع هواة ، الجميع ممسوسون ، راودتهم جنيات الشعر عن أنفسهم ، واستسلموا لفتنتها فيما بعد تعود إلى الكثير منا عقولهم ، غير أنهم يتذكرون أيام الجنون الجميلة وهم يعتاشون على التذكر ، من يتبقى منهم مخلصا ً لجنونه ، لا يعدم لحظات مهربة من حدود القصيدة ، لحظات يتغاضى فيها العقل عن واجبه كونه " شرطي الواقع " ، نمر في أحيان قليلة بمنخفض إبداعي ، ولهذا واجبنا أن نحضر سواقي للنص القادم ، لا أن ندعي أن نستمطر الشعر في أوقات صعبة ، الممتهنون للشعر يروجون للمطر الصناعي ، ولهذا تكثر مواسمهم ولكنها بلا روح ....
– حواء ــ تراجيديا الحزن ــ كما بدا لي من خلال القصائد ... " تحارُ الكتابةُ في رسمِ أنثى،تلوِّنُ حزن الليالي الكئيبة"... من قصيدة الغريب، "سأموتُ إذا ضلَّتِ الذاكرة،صورةً للفتاة التي سرَّحتْ، في دمي دهشةً عابرة".. " حواء؛ هي البنتُ الطالعة من الموسيقا..".. بالطبع هناك الكثير من الصور ... ماذا عن حواء...في حياة وذاكرة الشاعر عيسى؟.
 مسكون بالأنثى دائما ، هو قدر الشعراء أن يحرسوا ظلال الحياة المرسومة في وهج الأنثى ، الأنثى التي انسكبت في قوالب جميع فنون الشعر كبداية ندية تكون مقبلات القصيدة القديمة ( النسيب ) وحاملا لطيفا ً لاستبصار الكون ، في ظل الأشياء ( القصيدة الصوفية ) و لوحة فرح صاخبة كما عند نزار ، الأنثى عندي ، غيمة حزن ذابلة ، ألوح لها من بعيد ، ,أكتفي أن تهز لي دالية القصيدة ، وتمضي ، ليس مهما ً أن أتحسس ندوب الغابر ، بقدر ما أراه تبرعم في غصن الكلام ، هذا ما يعزي الشاعر ، ربما لم تعرجي على المرأة الأم التي أطرتني بقصة وفاء عظيمة ، أو رفيقة الدرب الناثرة على الحكاية الكثير من المزون .
 ،" البحر من ورائي والمرأة كانت تختال أمامي.............. فمضيتُ إليها.... وأنا أبحثُ في الموج الصاخب ، عن حزمة قشٍّ، أدعوها وطناً"...هل كانت المرأة كالعدو في هذه الصورة .
( قصيدة إلى طارق بن زياد) ولماذا شخصية طارق بن زياد . تلك التي عُرِفتْ بالغزو والفتوحات والبطولات؟... هل لأسبابٍ فكريةٍ كان هذا التشبيه وذاك الاستحضار؟
القصيدة اتت هكذا ، والمرأة حاملة للسالب أيضا ً ، ميدوزا وهيلين وامرأة لوط الخ ، النص مكتوب صغير إلى طارق بن زياد واتكاء على خطبته المشهورة ، وفي المقارنة يحرق كلاهما مراكبه ، غير أن الأنثى تهزم المتكلم ( أنا ) بالنيابة عن الإنسان العربي ، المهدود المتعب الجائع ، الخائب الخاسر في كل معاركه ، الأنثى ترتدي هنا لبوس الآخر .. الطبيعة ، الأحلام الغادرة ، المنية المتوثبة ، الحقيقة الغائبة ، وبالتالي نحن الشعراء أصدقاء للأوهام ، وبعيدون عن الحقيقة ، ولهذا نهزم في آخر شوط .
– شخصية الشيخ؛ ترنيمته، وِرده، إجهاشه، وحضوره في الرؤيا ... هل تعمَّدتَ ذلك للدلالة إلى موروثٍ دينيٍٍّ وروحيٍٍّ قد افتقدته الغالبية في المرحلة الراهنة؟... أم ثمة دلالات أخرى؟
 قادم من بيئة تمتلك عوالمها المطلة على المطلق ، المدائح النبوية ، حفلات الصوفية و جنون إيقاع الدفوف ، سكر المريدين بين أيادي المداحين ، قصائد المحبة الصوفية ، قراءتي المبكرة للقرآن الكريم ، كل هذا المزيج يحضر في النص " الديني والروحي " ، فيما يخص النص الصوفي حاولت في نص المريد في الديوان الأول قراءة المشهد " بعد حرب الخليج الأولى " من خلال وصايا الشيخ للمريد ، واستكملت ذلك في الديوان الثاني من خلال نص" رحلة " ، فيما يخص تناثر الإشارات القرآنية في النصوص ، فالنص القرآني معجز ، حي ،يقرأ الحاضر في كل آية ومطلع ،
– في قصيدة " شهادة وفاة أو ما يُشبهها".. كنتَ قد تناولتَ باختصارٍ إلى حدِّ الاستدراك موضوع الطفولة " في المرآة، أفتِّشُ عني، ... لكن هيهات، الولد الذابل في عيني طويلاً،مات".. هل الغربةعن الأهل والأصدقاء والبلد ..أم الوطن البديل الذي لم يشبه الأصيل رغم كافة المغريات؟.. أم ثمة أسباب أخرى ساهمت بل أدَّت إلى موت الفرح داخل الشاعر عيسى؟..
 النص " خاتمة الديوان " وهو محاورة مع المقدمة : " شهادة تعريف " ، الطفل المقصود هو ذلك الطفل الذي ظل يحبو ببراءة وفرح بين ضلوع الشاعر ، مفطورا على محبة الناس ، وحسن الظن بهم ، الطفل الذي قتلته الغربة رغم مغرياتها كما ذكرت ، وانسحاب الأحبة بين جفوة التراب وقسوة الغياب ،الآن لا داعي لاستنزاف الشكوى طالما أدت القصيدة ذلك ، غير أن الفرح يغادرنا جميعا ، الفرح الآتي من مساحات خضراء ، وارفة البراءة والطين .
–" وطن من كلام، بتضاريس، وحدود معجزاته، والشواطىء، والمدن الصاخبة.." أعتقد أَّك قمتَ برسم لوحةٍ بالألوان الحارة أو الساخنة... ماذا عن الوطن... هل هو الغربة/ الخيبة، أم الحلم/الغيم.. أم ماذا؟.
 لا يملك الشعراء غير الإقامة في قصائدهم ، ولهذا هم سلاطين الكلام ، يبنون لها أكواخ ثرثارة الشجن ، يمدون شوارعها ، ويخالفون الكلمات التي تقطعها والإشارة الحمراء ، ويأخذونها إلى الملاعب في أماسي العطل ، ويتخاصمون في حرب الكلمات ، هم يقيمون في اللغة ، وينسجون لها أقواس قزح ملونة في ليالي الحلم ، ويفكونها عندما يرحل المطر ، وبالتالي فوطن الكلام هو المعادل الموضوعي للحرمان والخيبة الذي يسرف على الشاعر .
– هل نشرتَ غير هاتيْن المجموعتيْن؟.. وما الأعمال الأدبية التي هي قيد الطبع .. هل من مخطوطات
لا يوجد غير هاتين المجموعتين ، لدي مشروع ديوانين الأول " أمويون في حلم عباسي " عن عاشقي ليلى وخيباتهم في الحرب الأخيرة ، لم يبق لي إلا دفعه إلى المطبعة ، وديوان آخر " حين ...لا هواء " وهو نص طويل في حجم ديوان سيتأخر قليلا .
- ماذا عن لون الغربة والحزن، هل سيبقى الخط البياني لأسلوب الشاعر عيسى؟..
 لا يستطيع أي منا أن يقرر ماذا سيصنع ، كل هذا مرهون بالأيام ، ربما لن نحتاج إلى كل هذه التعاسة ، لنبقى أليفين للحبر ، وإهراق الكلام ، لهذا يقف الشاعر في ّ على شفا احتمالين: السعيد بلا حكايات ذات ندوب ، أو الشاعر الطائر ولكن في فضاءات الألم ، محمود درويش كان يتمنى أن تعود فلسطين ليهجر الشعر ، سعدي يوسف الشاعر المغترب حتى الإدمان حاول أن ينجو من مؤامرة الحنين ، ليكتب قصائد أخرى ضارعة في التجريب ، غير أن أجمل قصائده تلك التي كتبت بماء القلب الدافئ


مشاركة منتدى

  • حبذا لو نشرت لمحة عن الشاعر اخت نضال حتى نعرف عمن تتحدثين
    ليس كل القراء يعرفون عن هذا الشاعر
    سلام
    محمد الشامي

    • الشاعر من مدينة القامشلي في الجزيرة الشمالية الشرقية من سوريا
      وهو يعمل بالتدريس في قطر منذ 5 سنوات
      له مجموعتين والثالثة يطبعها حاليا بعنوان ( حيث لا هواء)
      متزوج ولديه أطفال.. يحمل فكراً نقياً وراقياً
      خريج الادب الفرنسي ويحمل دبلوم التأهيل التربوي
      أخلاقياته رائعة.. لايتحدث إلا قليلاً..
      وإن تحدث فما علينا إلا الصمت ...
      مسكونُ بحب الوطن والانسان..
      بل ممزق من الداخل لما أصاب الوطن..
      مودتي
      وإن تريد المزيد عنوانه الالكتروني
      eassash@hotmail.com

    • إضافة لما سبق
      إليك رابط من موقع مبدعون عرب حيث صفحة الشاعر عيسى

      عرض مباشر : عيسى الشيخ

    • عيسى صبور كالجمل والنخيل, دؤوب كالفرات , غيور على الشعر من الذين يستمطرون الشعر الاصطناعي , يتيه في مدينته التي يحب ( القامشلي ) يحمل في قلبه المرهف الأصدقاء وفاطمة وصغار ينتظرونه في العيد , ويرسل عبر بريده الالكتروني دموعه إلينا من خلف مسافات الرحيل كلما صمت في غرفته البعيدة استنطق الشعر أو استنطقه الشعر لؤلؤة جديدة ثمينة غالية يهبها لمن يحب على جناح السرعة , لعله الآن يتوق إلى منبره الصامت قي قامشليته ليقدمه أديب صديقه الشاعر الطبيب فيصدح بما حمل للأصدقاء ويصدع بما ألزم هو نفسه به في قطر , وطابور من مرداء الشعر يلحق به إلى مدينة كان الشعر فيها أرخبيل للخابور العتيق يلتحف القاميش هنا والبردي هناك لينسج منه عيسى بردة للشعراء يلحفها تارة منير وتارة أحمد وأخرى الأديب الطيب أو المردود وآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخرون
      محمد السموري سوريا- القامشلي Email: alsmuri58@myway.com

    • أخي الكريم عنوان البريد الإلكتروني الذي ذكرته غير صحيح حيث حاولت الإرسال له على ذلك الإيميل ولكن جاء خطأً

  • الشكر الــــــــــــــــشـــــــــــــــــكــــــــــــــــرــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى