الخميس ٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

إضاءة على الفساد التعليمي!

يجب أن لا ينجو النظام التربوي والتعليمي في بلاد العالم الثالث ومنها عالمنا العربي من اللوم والتقريع والمحاسبة على ما سببه من مشاكل لا حصر لها في المجتمعات. فلقد توقعت شعوب العرب الكثير من النظام التعليمي حين نالت استقلالها بفعل تضحيات الآباء والأجداد من المخلصين للوطن. لكن حال التربية والتعليم اليوم لا يشير إلى أن الأوطان قد استفادت كثيرا من ثمرات هذا النظام الذي سمي تفاؤلا تربويا بالدرجة الأولى.

لا يخفى على احد حقيقة أن كل موظفي القطاعات العامة والخاصة هم نتاج النظام التربوي والتعليمي بالضرورة. وعلى نفس المنطق، يمكن القول إن الفساد الذي بتنا نشكو منه كل يوم هو منتج النظام التعليمي وأحد مخرجاته الأساسية. وعليه لا يمكن إعفاء هذا النظام من مسؤولية تخريج الفاسدين والفاسدات.

لكننا أيضا نلوم الأنظمة الاجتماعية الأخرى على دورها في رفد المجتمعات العربية بمئات الفاسدين والفاسدات. فالنظام التربوي لا يعمل بمعزل عن مؤسسات مثل الأسرة والإعلام وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. وفي المحصلة حين تفشل هذه الأنظمة مجتمعة يكون الفساد احد أهم منتجاتها.

أدعو بقوة إلى فتح العيون على كل مظاهر النظام التربوي والتعليمي ونبش كل ملفاته بحثا عن ممارسات فاسدة من اجل فضحها والتعريف بها والضغط من اجل إصلاحها. إن الفساد لا يأتي من لا شيء، فهو مثل البكتيريا لا يعيش إلا في بيئات ملائمة توفر له العفن الكافي ليترعرع ثم ينشر بلاءه على العباد.

يجب فتح العيون على جميع أطقم الأنظمة التعليمية وبدون استثناء احد فلا احد بالضرورة محصن ضد الفساد. فأينما وجد المال أو السلطة وجدت هناك فرصة لبكتيريا الفساد لكي تتكاثر وتنتشر، فبكتيريا الفساد تعشق أصحاب المال والسلطة كما تحب الفراغات الإدارية والقانونية في أي مؤسسة تعليمية.

هناك الإداريون والفنيون وكل من يعمل في الإجراءات البيروقراطية، وجميع هؤلاء عرضة للإصابة بجراثيم الفساد ن لم نحسن تحصينهم! وحيثما وجدت منافذ للاستفادة الشخصية أو الارتزاق غير المشروع تكون هناك ضرورة لأخذ الأمور على محمل الشبهات، فالعطاءات مثلا تعتبر مرتعا خصبا للفاسدين وأصحاب النفوس المريضة.

فمؤسسات القطاع العام التربوية قد تعاني من الترهل والإنفاق غير الرشيد، والتعيينات لموظفين غير أكفاء. ففي جامعة واحدة سمعت أن هناك أكثر من 5500موظف إداري!!! فمن أين أتى هؤلاء وكيف تم تعيينهم ومن عينهم وعلى أية أسس؟ وهل تحتاجهم هذه الجامعة التي تئن تحت وطأة المديونية الضخمة؟ ولقد سمعت أن احد المسئولين الكبار تباهى يوما أمام أقاربه وأبناء مدينته بأنه يتحدى إن كان هناك من هو أكثر منه قام بتعيينات من أبناء عشيرته الأقربين!

أما مؤسسات القطاع الخاص التعليمية فهي كذلك ليست محصنة ضد الفساد بأشكاله الظاهرة والمبطنة. فهناك رسوم تجبى من الطلبة وذويهم تحت مسميات وهمية وبغير حق. وهناك ظلم يقع على المعلمين والمعلمات لا يستطيعون الإعلان عنه خشية إنهاء عقودهم. هناك الملايين تجبى ولا احد يعرف إن كانت جميعها مالا حلالا طيبا.

الحرب على غول الفساد بجميع أصنافه يجب أن لا تتوقف ويجب أن تكون حربا مقدسة كنوع من الجهاد. كما يجب أن نطالب بإجراءات شفافة جدا عند أية معاملة أو حركة إدارية أو مالية. فالفساد التعليمي خطير وخطير جدا لأنه يمس جميع قطاعات المجتمع بلا استثناء.

إن معظم القيم التي تحكم سلوكنا كبشر تأتي من المرحلة المبكرة في حياتنا، وعليه فان خبراتنا في الأسرة والمدرسة ومن بعدها الجامعة هي التي توجه سلوكنا. كما أن ثقافة الفساد تتولد منذ الصغر فالذي يسرق أو يغش هو نفسه الذي استساغ ذلك الفعل عند صباه. وللأسف يبدو أن مؤسساتنا التربوية تخلت عن ترسيخ القيم لحساب تعليم المعلومات وتحفيظها بالطرق الببغائية التي نعرفها وعانينا منها.

أتمنى على مؤسسات التربية والتعليم أن تتوقف عن تدريس جدول الضرب وشرح المبتدأ والخبر، وان تكف عن إعراب جمل تافهة مثل ضرب زيد عمرا، وان تنتبه من الآن فصاعدا إلى منظومة القيم الأخلاقية، فالفساد الذي نعانيه هو فساد أخلاقي وتربوي في المقام الأول!!


مشاركة منتدى

  • رائع جدًا يا الله جزاكم الله خخيرًا بصدق شكرًا شكرًا ..تم الإقتباس من بعد اذنكم
    يوم كامل ابحث في المراجع على شيء ذو معنى ! واخيرًا وجدت شيئًا يستحق !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى