الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

ابن الآخرين

كانت اللفة البيضاء بأسمالها البالية تسطع تحت ضوء القمر الخافت، وكان تأرجحها

وتململها يثير الانتباه، ويغري بالاقتراب لا زالت فاطمة تذكر أنها هرولت إلى حيث كانت اللفة بسيقان من ريح، لا زالت تنخر مخيلتها براءته العذبة وابتسامته الحلوة، وهو يرنو إليها في سذاجة وطهر. لم تشعر إلا وهي تتأبطه بين ذراعيها، إلا وهي تتلقفه بقلب محروم وشوق محموم. لم تكن تعلم أن هناك عيونا أخرى تحترق وراء الظلام، لم تكن تعلم أن قلبا ذبح لتوه، أن البسمة التي رسمها القدر على شفتيها، سرقت من بين براثن أخرى في عمر الزهور. تمضي الأعوام في غمضة عين. فيكبر الصغير ويشيخ الكبير،

وتدور الأيام. عندها يحوم النسر حول مربط فريسته، عندها يتوقف الزمن ليراجع نفسه، عندها تتسلل الحقيقة لتمحي أخرى. كلاهما أمه، إنه قطعة من قلبين. فجأة يتحول الحلم إلى كابوس وتنقلب السعادة إلى جحيم مضرم، الذي وجد بالأمس، أصبح يحاسبها على صمتها اليوم. التي سقته حبها قطرة قطرة، التي سهرت الليالي الطوال لتريحه، التي حرمت نفسها لتطعمه، التي تعرت لتكسوه، التي ذاقت ذل السخرة لتعلمه، غدت بين الفينة والأخرى عدوته. طالبها بأمه، طالبها بحضن رماه، وقلب لم يرعاه، أدركت فاطمة أنها لا تملك ردعه.أدركت أنها خدعت نفسها حين أوهمتها الحياة أنها أمه، فكانت المسكينة تمسح دموعها وراء قضبان الوحدة
والألم.

لكنها تعزي نفسها الذبيحة حين تنطق الحقيقة، حين تصرخ بأقصى قواها معلنة أنه ابن الآخرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى