الأحد ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم إلهام زنيد

الأدْوِيةُ الخَمْسَةُ

تُحَضِّرُ لي أُمّي كُلَّ يَوْمٍ شَطيرَةً لَذِيذَةً تَحْشُوهَا بِمُرَبَّى التُّوتِ أو الجُبنِ أوِ العَسلِ، وَتَضَعُها في مِحْفَظتي المَدْرسيَّةِ مع قِنِّينَةِ مَاءٍ باردٍ مُنعْشٍ. أُخْرِجُ شَطيرتِي وَقِنِّينةَ الماءِ دائمًا في اسْترِاحةِ المَدرسةِ، وأسْتَمْتِعُ بالتِهامِها مِثلَما يَسْتَمْتعُ حَمَلٌ جَائعٌ بِالتِهَامِ العُشْبِ في الصَّباحِ البَاكِرِ.

أَمَّا أَصْدِقائي، فَلاَ يُخْرِجُونَ مِنْ مَحافِظهِم شَطائِرَهُم وقَنَانِي مِياهِهِمْ فَقَطْ، بلْ هَوَاتِفَهُم الذَّكِيَّةَ أيْضًا. فَيَظلُّونَ يَدُسُّونَ وُجُوهَهُم فِيها طِيلَةَ فَتْرَةِ الاسْتِراحَةِ، يُحَرِّكُونَ سَبّابَاتِهمْ إلَى أَعْلى وأَسْفَل، أَسْفَل وَأَعْلى، أعْلى وأسْفَل بِدُونِ مَلَلٍ. يَبْتَسِمُونَ أَحْيانًا، ويُكشِّرونَ أحيَانًا، وفي أحْيَانٍ أُخْرى يغضبُون عندما تتوَقّفُ شاشاتُ الهَواتِفِ عنْ تَنْفيذِ أوامرِ أصَابِعهمْ. يَفْعلونَ كلَّ ذلك، دونَ أن يَرْفعُوا أعْيُنَهُم الجَمِيلة للنَّظَرِ إليَّ ولَوْ لِثَانية واحدَةٍ عِندَما أُحدِّثُهم، أوْ عندما أقترحُ عليهم أنْ يتذَوَّقُوا قليلًا من شَطيرتِي اللَّذِيذَة.

أتَذَكَّرُ جيِّدا كيفَ كُنَّا قَبْلَ أنْ تَهجُم علينا الهواتفُ الذكيّةُ. لقد كُنّا مجموعةً حُرّة مُتّحِدَةً منَ الأصدقاءِ الرّائعين. أتَذكّرُ كيفَ كُنّا نُنظِّم رِحْلاَتٍ قَصيرةً إلى ربْوة البَلدةِ، وإلى حقُولها الفسيحةِ حيثُ كنّا نُمْسك بأيْدِي بَعضِنا ونَجْري، ونصنعُ معًا من ترابِ الأرض بُيوتَنَا المُستَقبليّةَ، ونلعب الغمَّيضة ونتَسابق نحْوَ شَجرةِ التّينِ مثلما يتسابقُ عدّاؤُو ألعابِ القُوى نحْوَ خطّ النّهايةِ. وصحيحٌ أنّنا كُنّا نتَّسِخُ قليلا بالتّرابِ والغُبارِ ولكِنّنا كنَّا نَشعرُ بسعادةٍ ومُتعةٍ كبيرتين. لقدْ كنّا سُعداء للغَايةِ مثل طيوٍر أو مياهٍ حبسَها فلاحٌ طويلًا في ساقيةٍ ثمَّ أطلقَ سراحَها أخيرًا.
أمَّا اليوم، فقْد تغيرَّ كلُّ شيءٍ. فمنذُ حصلَ أعزُّ أصدقائي على هدايا عبارة عنْ هواتفَ ذكيّةٍ، بمُناسبةِ حُصولهم على نتائجَ مدْرسيَّةٍ جيّدةٍ في امتحاناتِ الدّورةِ الأُولى من السّنةِ الدّراسيةِ، توقّفتْ مغامراتُنا ورحلاتُنا واجتماعاتُنا الجماعيّةُ المُمتِعةُ. لقدْ أصبحتُ وحيدًا. وحيدًا وحزيناً مثْلَ ورْدةٍ صغيرةٍ في مزهريةٍ كبيرةٍ في غرفةٍ لا يدخلُ إليْها أحدٌ.

تراجعَتْ صداقتُنا شيئا فشيئًا، وقدْ بدأَ الأمرُ بصديقي محمود. جاءَ ذاتَ صباحٍ إلى المدرسةِ فرِحًا بهاتفِه الذّكيِّ، وبعدَ أسبُوعٍ كانَ كُلٌّ منْ نادِية وصَلاح وأُمَيْمةَ وحمزةَ قدْ حصلُوا على هواتفَ ذكيّةٍ لمْ تعدْ تُفارقُهم في استراحةِ المدرسةِ وداخلَ حافلةِ النّقلِ المدرسيّ. صارُوا كلُّهم يأتونَ برفقةِ الهواتفِ، باسْتثنائي. لقدْ كُنْتُ الوَحِيدَ في مَجْمُوعَتنا مِمَّنْ لا يَمْلكُ هاتفا ذكيًّا يَدُسُّ رأسَه في شاشَتِه المُضيئةِ.

طلبتُ مِنْ أبي وأمّي مِرَارًا أنْ يَبْتاعُوا لي هَاتِفًا كمَا فعَلَ آباءُ أصْدِقائي، لَكِنَّهُمَا كانا مُصرَّيْن على ألاَّ يفعلا، وَلَمْ أفهمْ سَببَ إصْرارِهما إلاَّ بعدَ أنْ حصَل شيءٌ مُؤلمٌ لمْ يكنْ أبدًا في حُسْباننا.

كانَ ذَلِكَ علَى( في) السّاعةِ العَاشِرةِ صَبَاحًا. دَقَّ جَرَسُ انْتِهاءِ حِصَّةِ اللّغةِ الفَرْنَسِيَّةِ وَبدايةِ الاستراحةِ القَصِيرة. أخرجْتُ شَطيرتي، وأخْرَجَ أصدقائي هَواتِفَهُم واتّخذَّ كلُّ واحدٍ مِنْهُم مَكانًا لَهُ. نَظَرْتُ إلَيْهِم بِحَسْرَةٍ وَفكَّرْتُ: يَا رَبِّي ! إنَّ الهواتفَ الذّكية تَخْطِفُ مِنِّي أصْدقائي كمَا يَخْطِفُ نُورُ الشَّمْعَةِ الحَشَرَاتِ الصَّغيرَةَ الطَّائِرَةَ حَوْلَهَا.

جَرّبْتُ أنْ ألْفِتَ انْتِبَاهَهَم بِطُرُقٍ مُخْتلِفةٍ لَكِنْ بِدُون جَدْوَى. جَرَّبْتُ أنْ أُقَلّدَ حَيوَاناتٍ مُتَنَوِّعةً، مِثْل الكْوَالاَ وَهُوَ يَتسَلَّقُ شَجَرَةً، مِثْل الفِيلِ وَهُوَ يَرْفَعُ خُرْطُومَهُ الطَّوِيل، مِثْل الأَسَدِ وَهُوَ يَزْأرُ في وَجْهْ ضِباعِ الغَابةِ، جَرَّبتُ كُلَّ مَا كَانَ يُضْحِكُ أصْدقَائي ولمْ يَلتَفِتْ إليّ أحدٌ. كانُوا يُفضّلُون الدَّرْدَشَةَ علَى مَوَاقعِ التَّواصُل الاجْتماعيِّ، والتَّسَلِّي بلُعَبهِم الإلِكْترُونية وَتَصَفُّحَ مَوَاقِعَ مُخْتَلِفَةٍ يَقُولُونَ عَنْهَا إنَّها مُسَليّةٌ جِدًّا.

اقْتَرَبْتُ مِنْ مَحمود فوَجَدْتُه مَشْغولاً بِتَحْقِيقِ انْتِصَاراتٍ تِلْوَ أُخْرى في لُعْبةِ المَزْرَعَةِ السَّعِيدَةِ، وَحَاوَلْتُ الجُلُوسَ بالقُرْبِ مِنْ أُمَيْمةَ وحَمْزةَ، لَكِنّهُمَا لَمْ يَهْتَمَّا بِاقْتِرابي لأَنَّهُمَا كَانَا يُجَرّبانِ لُعْبَةً جَدِيدةً . أمَّا ناديَة، فقَدْ كانَتْ تَضَعُ آخِرَ اللّمَسَاتِ على صُورَتِها في حَديقَةِ الحَيواناتِ قَبْل أنْ تَنْشُرَها على الفَايْسْبُوك.

لقَدْ كُنّا كلُّنا في سَاحةِ المَدْرسةِ، ولَكِنْ دُونَ أنْ نَكُونَ مَعَ بَعْضِنا.

في اللّيْلِ، بَكَيْتُ كَثيرًا في سَريري قَبْلَ النّومِ، عِنْدَمَا خَلَدَ إِخْوَتي وَأبي وَأمّي للنَّوْمِ. لَقَدْ بَكيتُ مِثْلَ نافُورةٍ حقيقيّةٍ، مثْلَ ليلةٍ ماطرَةٍ. وفي الصَّباحِ، قَرَّرْتُ أنْ أطلُبَ مِنْ وَالِديَّ التَّفْكيرَ في تَغْيير قَرارهِما وشِراء هَاتفٍ ذكيٍّ لي.

بَعْد أيّام، حَصَلْتُ أخيرًا على هاتِفٍ ذكيّ تَمامًا كمَا طَلَبْتُ. فَرِحْتُ كَثِيرا، فَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ مُشْكِلةَ وَحْدَتي سَتُحَلُّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. ظَنَنْتُ بِأَنَّ حُصُولي عَلَى هَاتِفٍ سَيُخَفّفُ مِنْ وَحْدَتِي وَيُرْجِعُني إلى رفْقَةِ أصْدِقائي، لَكنَّ الأُمُورَ أَخَذَتْ تَسُوءُ أَكْثَر فَأَكْثَر، فَقَدْ كَانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنَّا في عَالَمِه الافْتِراضِّي، نَلْتَقِي وَلاَ نَلْتَقي، نَلْعَبُ كَثيرًا لَكِنْ بِدُونِ مُتْعةٍ حَقيقيّةٍ- ففي"الآيْفُون" حَتّى وَلوْ كُنْتَ تَلْعَبُ في غَابَةٍ، فَلَنْ تَشُمَّ رائِحَةَ الأَشْجَارِ الرَّائِعَة- وَكُنَّا نَلْعَبُ لكنْ بِدُونِ أنْ نجْريَ هُنا وهُناكَ، بِدُونِ أنْ نرْكُل كُرةً أوْ نَقْفِزَ على حَبْلٍ.

كُنّا نَتَجَوَّلُ في كُلِّ مَكانٍ ولَكِنْ بِدونِ أنْ نُغادرَ أمَاكِنَنا، وَلَمْ تَكُنْ سَمّاعَاتُ الأُذُنِ تُفارِقُنا في سَاحةِ المَدْرسةِ وفي مَطْعَمِها، وفي حَافِلَةِ النَّقْلِ المَدْرَسيِّ، وَلقَاءاتِنا العَائلِيّةِ.

في يوْمٍ من هَذِه الأيَّامِ، كُنَّا كالعَادةِ، جَالِسِينَ كُلٌّ في رُكْنٍ منْ بَاحةِ الاسْتراحَةِ، وَقَدْ أَغْلَقْنا آذانَنا بالسَّمَّاعاتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنّا مَشْغُولٌ بِاللّعِبِ أوْ الدّرْدشَةِ أو مُشَاهَدةِ شَريطٍ..، وإذَا بنَوْبةِ رَبْوٍ حادّةٍ تُباغثُ ( تباغت) صَدِيقَنا حمزة. وبالطَّبع لَمْ يَعلمْ أحَدٌ مِنّا بِما حَصَل، فَقَدْ كُنّا في عَالَم بَعِيد.

صَرخَ المسكينُ بِكُلِّ مَا يَسْتطيعُ مِنْ قُوّةٍ، طَالِبًا النَّجْدَةَ بعْدَ أنْ طَرَحَ الهَاتفَ والسَّمّاعَاتِ أرْضًا. صَرخَ مثْلَ طائِرٍ مَذْبُوحٍ، لَكِنَّ صَوْتَه لمْ يَصِلْنَا فَقْدْ كُنَّا قدْ أَغلقنا آذَانَنا بالسَّمَّاعات، ولَولاَ تَدَخُّلُ حَارسُ المَدرسَةِ الّذِي كانَ يتجوَّلُ في الأرْجَاءِ، لكُنَّا رُبَّمَا فَقَدْنَا حَمْزةَ إلى الأَبَدِ. كانَ المِسْكينُ جَالسًا في زَاوِيةٍ خَلْفَ جُدرانِ قاعةِ اللُّغةِ العَربيَّةِ مَشْغُولاً بالهَاتفِ، وَفَجْأة اخْتنَقَ وسَاءتْ حالتُه كَثيرًا. لمْ يكُنْ بَعيدا عنَّا مَسافَةً، لَكنَّنا عَجزْنا عَنْ مُسَاعَدتِه بِسَبَبِ هَواتِفِنا الذَّكِيَّةِ.

لَقَدْ كانتْ هَوَاتفُنَا ذكيّة، لَكنَّنا كُنَّا أَغْبيَاء!

زُرْنا حَمْزةَ في المُسْتَشْفى. مَكثَ هُناك لِيوْمَيْن مُتتاليَيْن، وَقدْ وَجدْنَاهُ شَاحِبًا وفاقدًا للشَّهيةِ، وخُيوطٌ كَثيرةٌ تُحِيطُ بَصَدْره العَاري. وَلكنّنا اتَّفَقْنَا على أنْ نَقولَ لَهُ كلمَاتٍ تُشَجِّعُهُ وَتَبْعثُ في نَفْسِهِ الأمَلَ بالشِّفاءِ في أقْرَبِ وقْتٍ مُمْكِنٍ.

شَعَرْتُ بأنَّهُ منْ واجبِي الاعْتِذَارُ لَه. فَسَلّمْتُ عليه بلُطفٍ، ثُمَّ قُلْتُ:

 نَحْنُ آسِفُونَ حَقًّا يا حَمْزَة، لَمْ نَسْتطعْ مدَّ يدِ المُساعَدَةِ لَكَ بِسَبَبِ الهَوَاتِف. لقدْ كانتْ هَواتفُنا ذَكيَّةً، لَكنَّنَا كُنَّا أَغبيَاءَ حَقًّا لأَنَّنَا سَمَحْنا لَهَا بأنْ تتَحَكَّم فينَا، ولأنَّها شَغلتْنا عنْكَ يا صديقَنا العَزيز.

حَرّكتْ أميمةُ رأسَها، وقَالتْ:

 صَحيحٌ. سَامِحْنا. لقدْ انْشَغَلْنا فِعْلاً عَنْكَ وَعَنْ بَعْضِنا البَعْض كَثيرًا مُؤَخَّرًا، مُنذ حَصلَ كلُّ واحدٍ مِنّا على هَاتِفٍ ذَكيٍّ.
قُلْتُ مِنْ جَديد: نَعَمْ. لَقَدْ حاولتُ كثيرًا أنْ أنبِّهكُم إلى ذلكَ، وَعِنْدَما لمْ أنجحْ، لَمْ أجِدْ حلاًّ غيْرَ الاسْتسلامِ. لمْ أجِدْ حَلاًّ غيْرَ رفعَ الرّايةِ البَيْضَاء.

قالَتْ نادية: تَقْصِدُ بِأنَّكَ رَفَعْتَ الهَاتفَ الذّكيّ.

ضَحِكْنَا جَميعًا، وَحاوَلنَا التّخْفيفَ عنْ صَديقِنا بنُكَتٍ جَعَلتْنا نَضْحَكُ وَنَقضِي وقتًا مُمتعًا في المَشْفى معَه في مِحْنَتِه. لقَدْ شَعَرْنا بِأنَّنَا مَعًا مِنْ جَديد، منذ زمن طَوِيل، وأَنَّنا عُدْنا كَمَا كُنَّا أصْدقَاء حَقيقيّين، نَتَحَدَّثُ وَننْظُر في أَعْيُنِ بَعْضِنا البَعْض.

لقَدْ أضَعْنا الكَثير مِنَ الوَقْتِ معَ الهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ. أَوْقَاتًا كانَ بإمْكانِنا أنْ نَقْضيَها معًا نمْرحُ ونضْحَكُ ونتعَرَّفُ إلى بَعْضْنا أكثرَ.

انْتَهتِ المدّةُ المُخَصَّصَةُ للزِّيارَة، ولَكنْ قبلَ أن نُغادرَ، اتّفَقْنا معَ حَمْزةَ أمامَ وَالِدَيْه القَلِقيْن عَلى أنَنَّا سَنعُودُ إلى رِحْلاتِنا الأسْبُوعِية إلى جِبال البَلدَةِ، وعلى أنَّنَا سَنَتَوَقَّفُ عَنْ اسْتعْمالِ الهَواتِفِ عِنْدمَا نَكُونُ مُجْتمعِين مَع بَعْضِنا.
كُنَّا علَى وشْكِ تَوْديعِ حَمْزَةَ، وَمُغَادرَةِ المَشْفى، فَإِذا بِالطَّبيبِ يَدْخُلُ إلىَ الغُرفةِ بابْتِسامَةٍ جَميلَةٍ كلُّها أمَلٌ وتَفاؤلٌ. كانَ يرتَدِي بِذْلةً بيْضاءَ، وَيَحْمِلُ بيْنَ يدَيْه أوراقَا بيْضاءَ ينظُر إليْها مِنْ حِينٍ لآخَرَ. مَدَّ يدَهُ وصَافَحَ والِدَ وأُمَّ حَمْزةَ، ثُمَّ صَافحَنا واحدًا واحدًا، مُتعَرّفًا على أسْمائِنا.

لاحَظَ الطَّبيبُ قَلَقَ أمِّ حمْزةَ الواضحُ على مَلامِحِ وجْهِها، فنَظرَ إليْها قائلاً:

 لاَ داعيَ للقَلقِ يا سَيدّتي، ابنُكَ سيُشْفى في أسْرعِ الأوْقاتِ، ولَكِنْ عليْه أنْ يحْرِصَ على تَناوُل كلِّ أدوِيتِه وهذَا شرْطٌ ضَروريٌّ للغَايةِ ليَكُون شِفاؤُه كامِلاً.

شكَرَتْهُ أمُّ حمْزة، ثُمَّ مَسَحَتْ علىَ شعْر ابْنِها قَائلَةً:

 طَبْعًا، سَأكُونُ حريصةً على أنْ يتناوَلَ دائمًا كُلَّ أدْويتِهِ في وقْتِها.

حرّكَ والدُ حمْزةَ رأسَه بحركةٍ تعْني بأنَّهُ مُتّفقٌ معَ زوْجتِه. ثم قالَ للطَّبيبِ:

 هَذَا أكِيدٌ يا دُكْتُور. حمْزة سَيتناولُ كلَّ أدْوِيتِه بالإِضَافةِ طبْعًا إلى أنَّهُ سَيُخفِّفُ مِنْ اسْتِعْمالِهِ لِلْهاتِفِ. ولَكِنْ أخْبرْنا يا دُكْتُور: كمْ عدَدُ الأدويَةِ اللاَّزمةِ الَّتي سَيكُونُ عليْهِ تَناوُلُها يوميًا؟ ومَتى سَيتمُّ ذلكَ؟

أجابَ الطَّبيبُ بحَزْمٍ:

 سَتجدُون كلَّ شيْءٍ هُنا في هَذِهِ الوَرَقَةِ. هُنا سَتجِدُونَ أسْماءَ الأَدْوِيَةِ الخَمْسَةِ الَّتي يَجِبُ على حَمْزةَ الالْتزامُ بِها كُلَّ يَوْمٍ. وأنا أضْمَنُ لَكُمْ بِأنَّهُ سيَعُودُ إلى نَشاطِهِ وحَيَويَّتِه ولَنْ يُصِيبَه مَكْروهٌ نِهائيًّا.

غادَرَ الطَّبيبُ اللَّطيفُ الغُرفَةَ، بَعْدَ أنْ ودَّعَنا وبَعْدَ أنْ سلَّمَ بِحرارةٍ على أبِ حمزةَ تمَاما كما كان سيَفعَلُ صَديقٌ وَفيٌّ مع صَديقِه وهُوَ يُوَدِّعُه في سَاحةِ مَطارٍ.

أخَذَتْ أمُّ حَمزةَ ورقةَ الأدْويَة لتَقْرأَ منْها الأَدْويَة الخَمْسةَ الَّتي تَحدّثَ عَنْها الطَّبيبُ. وبعْد ثَوانٍ من الاِستغْراب والدّهْشةِ الّتي بدَتْ واضِحةً عليْها، قرأتْ بصَوْت تَقْطَعُه ضَحكةٌ جميلةٌ:

 1-محمود.
 2-أُمَيْمة.
 3-صَلاح.
 4- نادِية.
 5- أَشْرَف.

نَظَرْنا إلى بَعْضِنا البَعْض عِندَما سَمِعْنا أسَماءَنا التي جَعَلها الطَّبيبُ أدْوِيةً سَتسَاعدُ حمزةَ على الشِّفاء، فَفَهِمْنا ما يَقْصده وشَعَرنا أكثر بِأنّنا يَجبُ حقَّا ألاَّ نسْمَحَ لهوَاتفِنا الذَّكِيَّةِ بأنْ تكُون أكْثرَ ذكاءً منَّا.

عُدْنا إلى بُيوتنا، وحَكَيْنا لآبائِنا كلَّ ما حَصلَ وحِيلةَ الطّبيبِ الذّكية ليَجْعلنا نفهمُ قيمةَ الصّداقة المّهِمَّة في زَمَنِ الهواتفِ الذَّكية. إنَّ الصَّداقَةَ فِعْلاً مِثْلُ الدَّواء.

عُدْنا إلى اجْتمَاعَاتِنا ومَرَحِنا وأحَاديثِنا ورِحْلاتِنا، وخَفَّفْنا مِنْ اسْتعْمالِ الهواتِفِ الذَّكيَّة لأنّنا أذْكى مِنْها. اسْتَعادَ حمزةُ عَافيَته وصَار كلَّما أرَاد أنْ يُمازِحني يُنادِيني وَهُوَ يُلاحِقني، وأنا أجْري مُحاولا الهرَبَ مِنْهُ: هِيهْ ! إنَّه موعدُ الدَّواء، تعَال يا دوائي، يجبُ أن أتناولكَ، تعالْ يا أشرف.. ـ سَأتناوُلك ! سَألْتَهِمُك ..هامْ ! هااامْ !

صَارتْ تِلْكَ لُعْبَتَنا الجَديدةَ المُفَضَّلة، وصِرْنا بكلِّ تأْكيد أذْكى بكَثيرٍ مِنْ كُلِّ هَواتِفِنا الذَّكِيَّة.

= انتهت =


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى