الأربعاء ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١٠
بمناسبة اليوم الوطني للطفل.
بقلم حميد طولست

الأطفال أحباب الله

كثيرة هي القمم الدولية، والمؤتمرات العالمية، وعديدة هي البلاغات والتوصيات والمواثيق والبرامج الخاصة بحماية الطفل، هذا الكائن الضعيف المغتصب طفولته. لكن هذه الترسانة رغم كثرتها وتنوعها، -والتي وقع عليها المغرب في 21 يونيو 1993، إيمانا منه بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد، واعتبارا لحق الطفولة في الرعاية والمساعدة- لم تستطع مجتمعة أن تحول دون الاستهتار بحياة طفلين بريئين آمنين ألقت بهما في اليوم معلمة من طوابق مدرسة حكومية بالدار البيضاء، أصيب أحدهما بجروح بالغة الخطورة، ونجا الثاني بأعجوبة؛ كما أنها لم تقدر على إيقاف الماكينات الضخمة الجبارة، من اجاتتات يدي برعم طري العود بأحد معامل الأحدية التي تشغل الأطفال بسيدي بوجيدة بفاس، وها هي تقف مرة أخرى عاجزة عن الإبقاء على أرواح أطفال غض بتارودانت أقبرت أيادي الهمجية بقايا طفولتهم المنتهكة في مزابل (الواد الواعر)

وقائع تحمل في طياتها الفزع لكثرة حدوثها وتكرارها، سلوكات شاذة مثيرة تبعت فينا مشاعر الرعب والرهبة والهلع، تصرفات لاغية لكل ما ترسخ في تكويننا من قيم ومفاهيم دينية وأخلاقية عن الطفولة وقدسيتها.

ورغم تخليد المغرب، لليوم الوطني للطفل، الذي يعتبر مناسبة وطنية ومحطة لاستحضار واقع هذه الفئة التي تعتبر الرأسمال البشري الذي يجب أن تهيئ له الظروف المواتية لإبراز قدراته وتكوينه تكوينا سليما يستجيب لمتطلبات تطور المجتمع المغربي،نجد أنه لا يزال هناك براعم يحرمون مبكرا من المدرسة ليساموا العذاب "السيزوفي" وليكلفوا بأشق الأعمال وأخطرها، وحمائم تعاني الاستغلال والحرمان، ولا تعدو كونها عمالة قاصرة تعيش أوضاعا اجتماعية مزرية في غياب تام للعلاقة المهنية الواضحة المعالم مع مشغليهم، وافتقارهم لأبسط الضمانات القانونية لحمايتهم من أبشع أنواع المهانة والتنكيل البدني والنفسي من طرف (المعلمين)الذين يشغلونهم ـ خارج دوائر البحث والإحصاء والمراثبةـ في قضاء مآرب لا تتحملها أجسامهم الهزيلة الفانية، ولا تتقبلها أعمارهم الغضة و لا إدراكهم الضعيف؛ معرضون في كل الأوقات لكل الأخطار المؤثرة على نموهم العقلي والبدني؛ فترى الأطفال في ورشات الصناعة التقليدية بمدينة فاس (صناعة الصواني مثلا) وقد طمست القسوة المفرطة، و الأعمال الشاقة والمواد الكيماوية ـ المعتمدة في تبييض وتلميع المنتوجات الفضية والنحاسية و غيرها ـ كل معالمهم الطفولية وبراءتها، إلا أنها لم تستطع إخفاء تنهدات رغباتهم المكبوتة المقهورة.

مشاهد مأساوية، ومناظر مثيرة، تستغل لاستجلاب السياح لالتقاط بشاعتها التي لا شك أنها تذكرهم بما نسوه عن "كوزيت" ومعاناتها مع الرق و اللاإنسانية في القصة الشهيرة "البؤساء"للكاتب( فيكتور هيكو).

إنها فئة بئيسة بائسة ألقي بها في أحضان عالم سماته الأساسية المعانات الدائمة، و الألم والإحباط، واليأس والمآسي؛ إنهم ليسوا زينة الحياة الدنيا كباقي أطفال العالم؛ بل إنهم أدوات إنتاج ومصدر رزق للكثير من العائلات المعوزة التي لا ترى حرجا في استغلالهم لتحسين ظروف عيشها و معيشها، مادام المخيال الشعبي يؤمن بأن الإنجاب قيمة اجتماعية واقتصادية وواجب ديني، وأن الأسر الكثيرة العدد عزة ومفخرة وضمانة للمورد..

إن حال الطفلين الذين ألقي بهما، من طابق مدرستهما بالدار البيضاء، والمصاب الجلل الذي أفقد طفل فاس ليديه، والجريمة العظمى التي أزهقت أرواح أطفال تارودانت، قبل سنوات، والائحة طويلة جدا، وما خفي كان أعظم كما يقولون. ورغم "مأساويته وكارثيته" وهول ما تطالعنا به الصحف من أخبار جحيم جرائم الامتهان والاستهتار بحياة وكرامة أحباب الله رجال الغد (الأطفال)، أصبح الناس في الآونة الأخيرة، يفيضون وبكل استمتاع عفوي، ونشوة وتلذذ (ماسوشي) في أخبار اختفاء الأطفال واختطافهم المتكر. فلا حديث إلا عن هذه الظاهرة المجتمعية المقلقة، التي اختلف الناس في شرح أسبابها، و تحليل دوافعها، فكثر اللغط واشتد الجدل بين مصدق ومكذب، بعضهم يؤاخذ المخزن على (تمياكه) وآخرون يرجعون الأمر للبعد عن الدين، لكنهم في قرارات أنفسهم متفقون على أنها وقائع شاذة، تستلزم وقفة متفحصة لخبايا دوافعها وسراديب أسبابها، وتحتم التدخل العاجل لكل الأطراف للحد من تكرارها قبل فوات الأوان، ليس بالمنتديات التهريجية التي يراد بها تلميع الصورة أمام الغرب طمعا في منحه الشحيحة، وسلفياته الثقيلة، بل بإتباع المثل والقدوة التي مافتئ عاهل البلاد يقدمها في تعامله مع الأطفال وكل الضعفاء.

فرفقا بأطفال أخذ المغرب على عاتقه التفاني في حمايتهم من الأخطار والاستغلال عبر مصادقته على العديد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوقهم، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ، الصادرة عن القمة الدولية للطفولة (1990)

ـ الإعلان العالمي وبرنامج العمل وحماية نمو الطفل (فبراير1992)

ـ اتفاقية حقوق الطفل (يونيو1993)

ـ المؤتمر العالمي لمناهضة استغلال الأطفال في تجارة الجنس بستوكهلم

ـ المؤتمر العالمي لمناهضة استغلال الأطفال أسلو (أكتوبر 1997)

ـ الاتفاقية 138لمنظمة العمل الدولية حول السن الأدنى لتشغيل الأطفال (مارس 1999)

ـ الاتفاقية 182 والتوصية 90 فيما يخص حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والاجراءات الفورية للقضاء عليها (أكتوبر 2000)

ـ توصيات الملتقى العربي الإفريقي ضد الاستغلال الجنسي الرباط (أكتوبر 2001)

ـ توصيات المؤتمر العالمي الثاني ضد الاستغلال الجنسي للأطفال اليابان (دجنبر 2001).

أليست هذه الترسانة كافية لحماية هذا الكائن البريء من عبث العابثين؟؟؟ فلماذا نكتفي بردات الفعل ونعجز عن الفعل ؟؟؟ ألم يحن الوقت بعد لتخرج تحركاتنا عن طابعها الاستهلاكي المناسباتي الاحتفالي المعتاد فتطابق الأقوال الأفعال ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى