السبت ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم ماجد عاطف

التباس

في الساحة، يقف سنان وخمسة اشخاص وتتمشى امرأتان.

الأول ثلاثيني بلحية خفيفة محددة وعصرية يدخن بتوتر خفيف يطل من عينيه. إنه خائف لسبب ما، ولكنه يتماسك مع وقفته وتدخينه.

الثاني عشريني يجاور دراجة مركونة على مسندها ويعبث بالاطار.

الثالث عجوز تخطى السبعين، بائع فقير مغلوب على أمره معروف للناس، يرتّب بضاعته من الافوكاتو في هرم يتدرج على عربته الخشبية.

الرابع رجل حاد الملامح، نحو الأربعين، يتكلم بصوت نشاز بلهجة ليست محلية، مع الآخر الخامس، المراهق، الذي لم يكن مباليا، ينظر إلى نوافذ المباني تارة أو يعبث بهاتفه تارة أخرى، كأنه موجود عرضاً أو لا يهتم.

سنان، في الثلاثين، غارق في عالمه الصافي لا يركّز كثيرا. إنه يحاول عقد خيوط حذائه القصيرة كثيراً، لينطلق بعدها في طريقه. كان، قبل ساعة واحدة، قد شتم كبيراً في الداخلية على الانترنت وفضحه، بعد أن فاض به الكيل من الأدوار المحلية في المدينة، للمغضوب عليهم. ثم خرج إلى شؤونه.

المرأتان شابتان صغيرتان ترتديان العباءات الفضفاضة تمضيان نحو المدخل القريب المخصص للنساء، ثم تقفان أمام حديقة صغيرة من الورود، في زاويتها المؤصصة بالقرميد الأخضر صنبور ماء، فتفتحانه وتغسلان ايديهما منه. كان معهما حقيبة بلاستيكية سوداء كبيرة وضعتاها جانباً.

تأتي سيارة صغيرة بيضاء مسرعة، لتصطف في الساحة ولينزل منها سائق يفتح باب "الكبينة" الخلفية وينتظر.
عندها يقترب، كأنه توقيت، مصل متأخر عن الصلاة ليلج من المدخل الرئيس للمسجد.

يتبادل الجميع النظرات، بمن فيهم البائع العجوز والشابتان؛ فتخرِجان غطاء تفردانه بسرعة، وتناولانه للرابع حاد الملامح، الهارب من غزة المسلّم نفسه، الذي ينكز المراهق اللا مبالي في كتفه.

لكن ليس من الواضح تماماً، في المدينة التي كانت وادعة لوقت طويل، يستهدفون مَن: سنان الذي لم يفلح، بعد، في عقد ربّاط حذائه؛ أم المصلي المتأخر الذي ولج -بأمان!- مدخل المسجد؛ أم شخصاً خفياً ليس باديا للعيان؟

انهارت، مثل عامل غير محسوب، حبات من الأفوكاتو من مدرجها فوق العربة، فلفتت أنظار الجميع. تركهم وركض إليها، هلعاً، البائع العجوز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى