السبت ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٧
بقلم جورج سلوم

التحقيق المثير

قالت صديقتها:

 إنّ إصراركِ على كتابة مذكراتكِ اليومية..سوف يدمّر حياتكِ..فالحياة الزوجية مبنية على النسيان..أما توثيق الأحداث بحلوها ومرّها..فسوف يؤدي إلى التراكم..والتكديس..ومن ثم الانفجار...ثم لمن تكتبين؟

 ما يؤلمني فيما مضى من حياتي معه...هو النسيان..إني أنسى وأغفر الأسى..ذاكرتي مزوّدةٌ بممحاة تنسى وتشطب كلّ جراحاتها..وهكذا أبدأ كل يوم بصفحة بيضاء جديدة..لكن غيري لا ينسى..يعاتبني على كلمةٍ قلتها من سنواتٍ خلتْ..يفتح الدفاتر القديمة!
لذلك قرّرت أن أسجّل حركاته وسكناتهِ..كلّ تصرّفاته..مصروفه اليومي وكم رغيفاً يأكل..وكم سيجارة يحرق..وكم مرّة يرفّ جفنه.

فإذا فتح أي ملف..ستكون أجوبتي جاهزة..بالدليل القاطع والبرهان الساطع.

أجابت الصديقة مستغربة:

 عندكم ملفّات وسجلات؟..بيتكم فرع للمخابرات؟!

تبتسم ساخرة..وتقول:

 فعلاً..زوجي ضابط شرطة متقاعد غصباً...بسبب سوء سلوكه.

 ويلي..معناها يمارس عليكِ المراقبة والملاحقة..والاستجواب والتحقيق والتأديب.

 نعم للأسف.

 ما أنواع العقوبات التي تتعرّضين لها؟...حصار اقتصادي..عزلة اجتماعية..حظر تجوّل..؟؟

تنهّدت وقالت:

 نعم..يتقن هذه اللعبة.

تساءلت الصديقة:

 أثرتِ فضولي..ألا توجد عقوبات جسدية؟؟...بالله عليكِ حدّثيني..إنّ ضبّاط الشرطة القدماء يحبّون التعذيب..ينتزعون الاعترافات بالقوة.

أجابت قائلة:

 أخطأتِ هذه المرّة..لقد فقد هذه الميزة التي عوّدني عليها..كان يأتيني معاتباً.. يتهمني.. يحاصرني كلامياً..أضحك وأقول له...رويدك..أحتاج إلى محامٍ للدفاع فهذا حقي..لكنه لا يردّ..بل يبتسم بعينين مفتوحتين كأي محقق خبيث..ثم يقول..هل تظنين أنك في أوروبا؟...ثم يعتقلني..يقيّدني إلى الكرسي أو إلى قوائم السرير..لا تعجبي من ذلك..كلّها طرقٌ محبّبة..
تبتلع ريقها..وتتابع:

ثم..ثم يقبّلني..مبتدئاً من جبيني..أصيح وأولول..ولا أستطيع الفكاك..يمزّق ثيابي..عن طريق التسلسل..وكلّ قطعة من جسدي يروي عنها حكاية.. يشعل سيجارة..ينفخ في وجهي..
يتجوّل أمامي بكبرياء وتسلّط.. يسلّط النور إلى وجهي...يشطفني بالماء... يقول..أنتِ أكثر جاذبية عندما تكونين مبللة وثيابكِ ملتصقةٌ بكِ...

وأنا أذوب في قيدي وأنتظر النهاية..وعندما يتراخى أمامي..أحرّضه..وأقول..تستأسد عليّ وأنا مقيدة؟...فكّ أغلالي.. وسترى...يجيب بعد أن يفتل شاربيه..وماذا ستفعلين أيتها المتهمة الحسناء؟...أقول..سأنهشكَ..وأفترسكَ.

قالت صديقتها:

 ياللروعة...منتهى الإثارة!

 نعم..كان ذلك فيما مضى..أما حالياً..وبعد أن تقاعد وانكسرت شوكته..صار يتبع طرقاً عصرية أوروبية..مزعجة ومملّة..تنصّت على الهاتف الجوال..مراقبة صفحات الفيسبوك..ثم لائحة اتهامات مكتوبة..أما العقوبات فهي باللسان فقط!!

قالت صديقتها..وقد ضربت كفّاً بكفّ:

 احترْتُ في أمري..ماذا تريدين بالضبط؟

 أنا أكتب مذكّراتي..وأحضّر ملفّاتي..وبعدها لوائح الإتهام..ثم سأعتقلهُ..وأربطه كما كان يفعل معي..أنتزع الاعترافات منه بالطرق العتيقة العنيفة..ثمّ..ثم أحكم عليه.

تضحك الصديقة حتى كاد يغشى عليها...وتقول:

 هنا تكمن المشكلة..إنّك تتبعين طريقة الرجال.. وسقف العقوبات التي تملكين..هو نتف لحيته البيضاء..أو..قصّ شاربه المتهدّل...أليس كذلك يا مسكينة؟...

نصيحتي لك..عودي إلى طريقة النساء في العقاب..أولاً مزّقي مذكراتكِ..أتلفيها..دعيه يمارس فنون التحقيق التي يتقنها..وإذا لم يطبّق العقوبات التي تحلُمين بها..عندها..هدّديه بالاستئناف..والاستعانة بضابطٍ آخر أكثر جرأة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى