الخميس ٢٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد نور الدين

التخطيط الروائي

اذا كان ممكنا للكاتب أن يكتب قصة قصيرة بدون تخطيط مسبق لها فالأمر مختلف تماما فيما يختص بالرواية. مع أنه يوجد كتاب لا يخططون لرواياتهم ويبدأ الواحد منهم بالكتابة مباشرة دون حتى ان يعلم اسماء ابطال روايته او عددهم، طبيعة الأحداث، طول الرواية...الخ كل ذلك يكون على جهل به ويبدأ من نقطة معينة تتأتى له مصادفة أو عن قصد.

وقد ينجح الكاتب المبتدأ في كتابة رواية بدون تخطيط. ذلك اذا ما عرف كيف يدير الدفة بمهارة وحكمة، واستطاع ان يبقي الشخصيات والاحداث الى حد ما تحت سيطرته او على الاقل تحت سلطان الرواية نفسها ككل. لكن في هذه الحالة قد يجيد الكاتب في رواية وقد لا يجيد في اخرى. وهذا لا يعني حتمية الاجادة في حالة التخطيط. لكن الكتابة التي لا تستند الى مخطط ومنهج مترابط قوي لا ترتكز في نظري على مرتكز علمي يجعل منها تجربة فنية ناضجة. ورغم ذلك قد يوجد كتاب مهرة يبرعون في فن الرواية ويجيدونه احسن اجادة دون ان يعرفوا فن التخطيط او يخطر لهم في بال.

لا شك بان التخطيط الروائي هو فن بحد ذاته. واهمية التخطيط الروائي لا تقف عند حدود وقد تكون عملية التخطيط تجربة فريدة تقوم بذاتها. فعندما تخطط لروايتك فانك تبيح لنفسك فرصة واسعة للولوج الى عوالم شخصياتك السرية والظاهرة. واستكشاف العالم الروائي الذي ستبنيه فيما بعد. هذا العالم عندما تلجه من نافذة التخطيط يكون مبهما مشوشا غير واضح المعالم. فتعكف عليه انت بناء وتجميلا. وتعلق لك قناديلا في اماكن متفرقة تستنير بها فيما بعد عندما تدخل عالم روايتك بشكل جدي حاسم وقت الكتابة الفعلية لهذه الرواية.

للتخطيط ولا شك قواعد واصول. ويخشى على الكاتب المبتدأ أهوال الضياع والتشتت في خضم هذا العالم الشاسع اللامحدود. وعندما نقول قواعد واصول التخطيط فنقصد بذلك ما قد ابتدعه الكتاب الروائييون حتى الآن من هذه القواعد. ولكل كاتب مبتدأ كان ام محترف الامكانية الكاملة لوضع القواعد الخاصة التي تحكم فن التخطيط الروائي لديه. ولا يجوز أن نفرض على احد نماذج تخطيط جاهزة نجعلها دستورا له منذ بدأ مشواره الروائي. غير أن الاطلاع على تجارب الاخرين والاستنارة برؤاهم ووجهات نظرهم امر مستحب جدا.

التخطيط يعلم الكاتب الصبر. ويزوده بالارشاد والضوء الذي ينير به محالك عالم روائي يعاني الام طور الولادة. ومن ذاق حلاوة الكتابة الروائية رغم شقاوتها وصعوبتها، لا شك يعرف مذاق التخطيط للرواية. فالتخطيط كما قلت فن قائم بذاته. يشحنك حماسا ويملؤك اطمئنانا حيث ان مخططك هو مرشدك ومعينك في رحلتك الروائية التي قد لا تكون مأمونة الخواتيم.

فلمن يعاني مرارة التجارب والفشل المتكرر في مجال الكتابة الروائية أقول: اذا كنت تمتلك الموهبة لكن لا تعرف كيف تستخدمها وتترجمها في رواية مكتملة، فعليك باتقان فن التخطيط الروائي جيدا. وذلك لا يتأتى لك الا من خلال الممارسة والتجربة والمران. ذلك يعني ان تختلي بنفسك وتجلس لتضع بنفسك الاسس والقواعد التي ستحكم عملية التخطيط الروائي لديك.

وبعد ان تختار وتحدد اسلوب التخطيط الخاص بك. ابدأ بممارسة هذا الفن فورا. حدد فكرة لروايتك واعمل عليها نظام التخطيط الذي حددته لنفسك. ليس من الضروري ان يكون المخطط كبيرا ومرهقا. يكفي ان ترسم بعض الشخصيات الرئيسية وتحدد بعض الامكنة وتصنع الحبكة الرئيسية للرواية ككل. وفي الواقع لا تحتاج الى التخطيط لابعد من الفصول الثلاثة او الاربعة الاولى من الرواية.وذلك كخطوة أولى طبعا.

وعندما تباشر عملية الكتابة الحقيقية للرواية كن على علم بانك لست مضطرا ابدا للالتزام الحرفي بما قررته في مخططك مسبقا. فبدل ان يكون المخطط قرارا مسبقا وحكما مبرما يمكن ان يتشارك مع عملية الكتابة الفعلية للنص في عملية تبادلية تفاعلية. فعندما تظهر لك وجهة نظر جديدة أو رؤية لم تتأتى لك اثناء التخطيط فلا تتردد في تعديل المخطط ليوافق هذه الوجهة او الرؤية. فالمخطط دائما قابل للتعديل واعادة التوجيه وفق ما تقتضيه مجريات الرواية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى