الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم شادية بن يحيى

التربية والتعليم في الجزائر ورهانات العولمة

الملخص:

إنّ مسألة التربية هي مسألة مهمة في مجتمعنا،وعلى أساسها يكتسب التعليم أهمية كبري،وإذا ما تطلعنا على الخارطة السياسية العالمية نجد أن لكل دولة إستراتجيتها التنموية، والمفروض أن كل دولة تكيف وتبرمج موادها التعليمية على هذا الأساس وباعتبار الجزائر دولة نامية تحاول أن تصنع لنفسها مكانة عالمية،فالأمر يصبح مرتبطا بضرورة تكييف التربية والتعليم وفق متطلبات العولمة.

كما نجد أنّ تطوير التعليم هو حلم معاصر لكل دولة لأنّه يمثل الوعي الاجتماعي، فالإنسان المتطور لاينشغل بالأمور المادية وإنما بالفكر والوعي،وبالتالي يجب بناء فلسفة تربوية تقوم عليها سياسة المجتمع،وكذلك إقامة التوازن بين الكم والكيف، وبين أهداف التربية وبين إعداد الفرد القيمي والتربوي والوطني،وذلك لايتم إلى بإصلاح المنظومة التربوية الوطنية،ومن هنا نطرح مجموعة من الإشكاليات:

 ما هو مصير التربية والتعليم في الجزائر في ظل تحولات العولمة؟

 وما هي مدرسة المستقبل التعليمية في التنمية الاجتماعية؟

 ما هي مشاريع الإصلاح والتجديد المبرمجة للحد من الأزمة التربوية في الجزائر؟

التربية والتعليم في الجزائر ورهانات العولمة:

تمهيد:

إنّ النظرة إلى التربية بمختلف إجراءاتها ووسائطها يعتبر إحدى المصادر الأساسية للقوة بالنسبة للفرد والمجتمع، وهذا ينسحب على كافة المجتمعات القديمة والمعاصرة، المتقدمة والنامية، وان تفاوتت درجة الإعتماد على عمليات التربية بإعتبارها مصدرا للقوة، ومن هنا كان الإهتمام جدّ واسع في توفير فرصة للتربية بشتى صورها وذلك من منطلق الإيمان بأنّه كلما نمت قدرات الفرد وإمكانيته كلما أدى ذلك إلى تقدم المجتمعات وقوتها، ولعلّ تجارب الأمم الأكثر تقدما وتطورا في هذا الصدد تمثل الدافع الأساسي الذّي جعل الأمم والمجتمعات الأحدث تحذو حذوها معتمدة على التوسع في التعلم كما وتحسينه كيفا.

وهكذا أصبحت الدول النامية، أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث تسعى جاهدة ولا سيما بعد أن تحررت سياسيا للانطلاق في عملية التنمية الشاملة مرتكزة في ذلك على التنمية والتعليم بصفة خاصة. ولكن هذه المجتمعات النامية كثيرا ما تواجه في سعيها هذا بالكثير من المعوقات والمشكلات التي ليست بالضرورة ذات صبغة تعليمية بحتة، وإنّما عادة ما تكون مشكلات وعقبات إجتماعية بالمعنى العام للكلمة.

وعلى هذا الأساس فإنّ أهم شيء في أي إصلاح تربوي أو اجتماعي إنّما يتمثل في مدى إتباع الأسلوب في التفكير والتنفيذ والتربية كعملية وممارسة موضوعها الإنسان في صورته الاجتماعية وهي تستند إلى أصول وقواعد وتحكمها نظريات وأساليب تستند على أسس علمية. فعملية التربية في أي مجتمع تستهدف في المقام الأول إسعاد الفرد والارتقاء بالمجتمع، وعليه فالعلاقة وثيقة بين التربية والمجتمع بكل ما يمثله من حركة وانساق ونظم وظواهر ومشكلات وما إلى ذالك من مكونات.

ولما ّكانت التربية هي صانعة الإنسان، فهذا يحتم علينا فهمها في إطارها الشامل، من أجل تطوير عمليات البحث العلمي، وتجديد طرق التعليم وتطويرها وفق متطلبات العصر، وكذلك من أجل القضاء على الأمية ـ

مفهوم التربية:

يعد مفهوم التربية من أكثر المفاهيم التربوية شمولا وعمومية، وله العديد من المعاني و الدلالات من حيث الدلالة اللغوية ترادف التربية لفظ "التنمية"، وعلى هذا الأساس تصبح علاقتها بالمدرسة علاقة محدودة، وليس علاقة مطلقة و كما هو الشائع. لأن « التربية تبدأ والإنسان جنين في بطن أمه، وهي تمتد معه طوال حياته، لأن حياته تعني إحتكاكه وتفاعله بالناّس والأشياء، يؤديان إلى (تعديل) في السلوك على نحو من الأنحاء »(1)

وقد يكون هذا التعديل إماّ إلى الأحسن، أو إلى الأسوأ، ولكنّه في الحالتين تعديل، وهو تعديل ناتج عن تربية، قد تكون مقصودة مثل التربية المدرسية، أو غير مقصودة مثل التربية اللامدرسية في الشارع أو المسجد مثلا. وعادة ما ينظر إلى علم التربية على «أنّه علم تطبيقي، على أساس أنّه علم يطبق أو يوظف المبادئ و القوانين المأخوذة من علوم أخرى (مثل علم النفس، علم الإجتماع، وعلم الإدارة، وعلم الإقتصاد..الخ ) لصالح تنمية الشخصية الإنسانية بكافة جوانبها » (2).

ومنذ القديم إختلفت تعريفات التربية ففي العصر الإغريقي مثلا حددت التربية على أنها الكمال والجمال للجسم وللنفس البشرية، وكذلك بأنّها العملية التي تعد الإنسان للتعلم، وتعددت بعدها التعريفات، وفي العصر الحديث نجد أن أكثر التعريفات تداولا هو تعريف " جون ديوي " حيث يرى أن التربية «ليست سوى خبرة تنشأ عن خبرة، إلى مزيد من الخبرة، وهو يربط بين الخبرة والنمو على أساس أن زيادة الخبرات تؤدي إلى زيادة النمو » (3)، فالنمو هو هدف التربية في رأي "جون ديوي".

وتتجه التعريفات الحديثة للعملية التربوية إلى تأكيد المعنى الخاص بأنها « عملية تنمية الشخصية الإنسانية في جميع مجالاتها الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية عن طريق إحداث تغير موجه أثناء تفاعل الفرد مع بيئته، في سبيل تحقيق أهداف محددة »(4).
وبعدما حاولت حصر مفهوم للتربية، سأحاول حصر مفهوم التعليم، لارتباط التربية بالتعليم، فقبل أن يكون هناك تعليم تأتي التربية.

مفهوم التعليم:

يكشف مفهوم التعليم الكثير من الغموض واللبس، فيخلط البعض بينه وبين مصطلح التربية، وخاصة أن كليهما يشار إليه بالانجليزية بكلمة واحدة " Education ".

ويشير مفهوم التعليم إلى عملية تربوية التي تتم داخل وسائط التربية النظامية، وبالتالي يصبح مفهوم التعليم يرادف التربية النظامية، وبدقة أكثر « فإنّ مفهوم التعليم يشير إلى العملية التربوية، ولنسميها الآن العملية التعليمية التي تتم داخل المؤسسات التعليمية الرسمية (المدارس، المعاهد، الجامعات، مراكز التدريب...الخ ) (5).

الفرق بين التربية والتعليم:

إنّ المقصود بالتعليم هو اكتساب معرفة أو تعلم مهارات وبهذا المعنى يصبح التعليم جزءا من التربية، التي يتسع مفهومها ليشمل جميع المؤشرات والخبرات والوسائط التي تؤثر في سلوك الناس، وهذا التأثير يكون داخل المدرسة أو خارجها، سواء كانت التربية مقصودة أو غير مقصودة وبهذا فإنّ التربية هي أشمل من التعليم والسبب في ذلك أنّها تحدث في المجتمع ككل، والمدرسة هي جزء من المجتمع بعدما حاولنا رصد مفهوم التربية والتعليم، سأحاول أن أتحدث عن التربية والتعليم في الجزائر إزاء متطلبات العصر ورهانات العولمة، وبما أنّ التربية ارتبطت بالتنمية، فتصبح العلاقة وطيدة مع المجتمع أي التنمية الاجتماعية التي تقوم على مجموعة من الاستراتجيات، حيث حاولت الدولة الجزائرية منذ الإستقلال برمجة المرافق التعليمة وفق مبادئها الديمقراطية، فعملت على إنشاء المدارس، والثانويات،والجامعات،والمعاهد، ومراكز التكوين بغرض إعداد فرد جزائري يكون قادرا على تنمية المجتمع وجعل الدولة في مصاف الدول المتقدمة لأنّ المجتمع المتعلم لا يستعبد أبدا، وقد رصدت الدولة ميزانيات خاصة للإشراف على هذه المرافق التربوية، و قد حاولت الدولة بعد الاستقلال تخصيص مجموعة من الوزارات المسؤولية على التربية والتعليم، والمعروفة اليوم بوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وقد أخذت الجزائر على عاتقها مجانية التعليم، في كافة الأطوار، وهو أمر متميز، مع الإشراف والمتابعة المالية لكافة البحوث والمشاريع والبعثات العلمية. والغرض من هذا هو إحداث تنمية مستقبلية يلعب فيها التعليم دورا أساسيا لأنّه يعتمد على التنمية البشرية في الأساس، التي تقود إلى تنمية اجتماعية. فالتعليم هو حلم معاصر لكل دولة، لأنّه يمثل الوعي الجماهيري والهدف منه تكوين مجتمع متعلم، والتخلص من توابع الأمية، فحقيقة الإنسان المعاصر اليوم هو الانشغال بأمور الفكر والوعي.

لكن عندما نعمد إلى المقارنة بين التعليم في الجزائر والتعليم عند الآخر/ الغرب المتطور نجد أن مسألة التفكير تختلف ففي الوطن العربي في الجانب التعليمي تبرز السياسة وهي من اختيارات السلطة ففي الواقع نجد أن الوطن العربي يمتلك مصادر كبيرة للدخل، ولكنه بالمقابل يستورد كل شيء وإذا ما نظرنا إلى المجتمعات المتقدمة نجدها في حقيقتها مجتمعات تربيتها متقدمة وبالمقابل فالمجتمعات المتخلفة هي في حقيقتها مجتمعات تربيتها متخلفة «ولا جدال في أن مصير أي دولة يتوقف على الكيفية التي تعد بها أجيالها تربويا، وتعليميا خلال السنوات القادمة» (6)، وبالتالي عندما نتحدث عن التربية و التعليم في الجزائر فإننا نعني التربية من نوع خاص، وتعليما من نوع جديد يتوافق ورهانات القرن، التي تحتم تهيئة الفرد، وبالتالي المجتمع لحقائق جديدة، ومتغيرات، وديناميات،وقيم أخلاقية مغايرة تماما لتلك التي ألفناها كمقومات لحياتنا المعاصرة وهذا يذكرنا بقول على بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تربوا أولادكم على أخلاقهم، فإنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم»

إذن ضرورة اللحظة الحضارية، ومتطلبات العولمة تحتم علينا تكييف التربية والتعليم وفق متطلبات هذا العصر، مع تخطيط المسبق لتكوين وإنتاج فرد متطور، مهنته إقامة جزائر متطورة.

واقع التربية والتعليم في الجزائر:

إذا ما تطلعنا إلى واقع التربية والتعليم في الجزائر،سنجده يعاني من عدة أزمات،السبب الرئيسي فيها يعود إلى سوء التخطيط التربوي،وعدم وضع إستراتجيات تربوية مستقبلية،تقوم على تهيئة فرد متطور،قادر على صنع جزائر متطورة. فالمتأمل في المناهج الدراسية في منظومتنا التربوية العربية بصفة عامة،والجزائرية بصفة خاصة سيجدها تنتصر لنوع من النصوص لأدباء وكتاب معينين قرأتها كل الأجيال العربية تقريبا،وبالتالي فالنظرة التربوية للبرامج التعليمية ما تزال نظرة تقليدية عموما في الوطن العربي،وهي قد كرست نوعا من القراءة التقليدية،وبهذا فهي تقولب فكر المتعلم في المراحل التعليمية المختلفة بما فيها المرحلة الجامعية،في قوالب جاهزة لاتمكنه من الكشف والتحليل وإبداء الرأي.

وبالتالي فلمواجهة التحديات الراهنة المرتبطة بعصر العولمة،على الجزائر أن تعيد برمجة إستراتجياتها التربوية وفق مخططات مستقبلية من شأنها تغيير طرق التربية والتعليم وجعلها أكثر معاصرة،من أجل مواكبة التعليم العالمي،القائم على خلق وإنتاج فرد متعلم تعليما معاصرا،وحامل لفكر متطور قادر على إقامة نهضة وتغيير.

*أهم تحديات العولمة المرتبطة بتطور التربية والتعليم:

إذا ما نظرنا إلى الواقع العالمي،نجد أن كل دولة لها صراعاتها،والمفروض،أنّ على كل دولة تكييف وبرمجة المواد التعليمية على هذا الأساس.

ونجد أنّ الجزائر واحدة من الدول التي تحاول التقدم،وهي جزء لا يتجزأ من هذا العالم،تتأثر بما يحدث في جنباته المترامية،كما أنّها تأثر في هذه الأحداث.وبالتالي يجب فهم ما يحدث في العالم،وما ينتظر شبابنا من توقعات تؤثر في مسيرة حياته،في محاولة لتوضيح انعكاس هذه التحديات على التربية بوجه عام،وعلى مناهج التعليم بوجه خاص،نجد هناك مجموعة من التحديات أهمها:

1-التحديات العلمية والتكنولوجية:

إن أهم خصائص القرن الحادي والعشرين أنه عصر الثورة التكنولوجية الثالثة،عصر التغيير السريع و المتسارع،عصر الانفتاح الثقافي والإعلامي،عصر تغيرت فيه كل مفاهيم القوة وعلاقات الإنتاج.
إن الثورة التكنولوجية الثالثة تعتمد على الإستخدام> الأمثل للمعلومات الغزيرة والمتدفقة في جميع المجالات ويقدر خبراء الدراسات المستقبلية أن حجم المعرفة العلمية سيتضاعف كل سبع سنوات< (7)

وتعتمد هذه الثورة التكنولوجية الثالثة أساسا على العقل البشري،وقدراته في استخدام وتشغيل الأجهزة الإلكترونية، وتطويرها، وتخزين المعلومات،وتنظيمها والاستفادة منها،ولأن العقل البشري هو أساس هذه الثورة فإن>السبق والتقدم لن يكون حكرا على الدول الغنية بمواردها المادية،أو القوية بجيوشها التقليدية،ولكنها فرصة لجميع الشعوب،إذا ما أحسنت إعداد أبنائها،وبناتها تربويا وتعليميا، واهتمت بتربية قدراتهم العقلية والفكرية(8)

هذا يعني أن السبق سيكون من نصيب الدول التي تهتم أساسا بالتنمية البشرية،التي تقوم أساسا على تكوين الأفراد وتنمية قدراتهم العقلية وتربيتهم،وجعلهم يتقبلون كل جديد بعقل واع ومتفتح،وناقد وإجادة اتخاذ القرار.وهذا لايأتي إلى إذا عملت المناهج وأساليب التربية والتعليم على تسليح الأفراد بنوع من التفكير والمعرفة،سيساعدهم على ذلك،وهذا يتطلب تعليم الأفراد كيف يعلمون أنفسهم،وهذا هو الإنسان القادر الذي سيجد له مكانا في القرن الجديد.

2- التحديات الاقتصادية:

إنّ متطلبات العولمة،خلقت صناعات هائلة،وطرحت معايير جديدة للقوة الإنتاجية والاقتصادية،دفعت بالدول إلى التنافس الاقتصادي في المجال الدولي،كما يلاحظ أن هناك اتجاها قويا لإنشاء تكتلات اقتصادية،وإيجاد الأسواق الكبيرة مثل مشروع أوروبا الموحدة، وجماعة الباسيفيك الاقتصادية،والمنطقة التجارية الحرة التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية،وكندا،والمكسيك،ونتج عن ذلك >>ثغرة اقتصادية واضحة بين دول الشمال،ودول الجنوب،يطلق عليها البعض (الحرب الاقتصادية)،والتي تؤدي إلى أن أهل الشمال يزدادون ثراء وبسرعة،وأهل الجنوب يزدادون فقرا وبسرعة(9)

وعلى هذا الأساس تم إنشاء منظمة التجارة العالميةw.t.o. في أول يناير1995،والتي تسمح بحرية التجارة الدولية، و لا تفرض قيودا على ذلك فبدأ كل تكتل اقتصادي العمل على حماية الإنتاج الإقليمي،ومنها حماية الدول الأعضاء ضمن هذه التكتلات وهذا من شأنه تشكيل خطورة على الإنتاج العربي ومنه الجزائري. ويحدث كل هذا في ظل غياب أي تكتل اقتصادي عربي أو وجود شركات عربية كبرى اقتصاديا بإمكانها الوقوف تجاه هذه الظواهر الاقتصادية الدولية.

وهنا نتساءل:كيف يمكن للنظام التربوي والتعليمي في الجزائر أن يتصدي لحل هذه المشكلات،وأن تساير هذه التحركات الاقتصادية في العالم؟

إن التحدي الأساسي أمام المناهج الدراسية اليوم هو إيجاد طرق، وخطط، وبرامج تعليمية، تستطيع أن تحول المعلومات المدرسية إلى كفاءات ومهارات عملية، وتنمية قيمة العمل واحترامه، والقدرة على حل المشكلات وتنمية الفكر.وبالتالي فوظيفة التربية هي مساعدة الفرد على امتلاك روح المبادرة،والثقة بالنفس،التي تساهم في نجاحه عمليا،ولهذا يجب <<على المدارس أن تنتج منتجين للعمل،بدلا من أن تنتج طالبي عمل،ولعل الآخذ بهذا الاتجاه هو مفتاح حل مشكلات البطالة في عصرنا،ومفتاح التنمية الاقتصادية كلها>> (10)

و هكذا فالتربية تساهم في خلق ثروة بشرية فعالة قادرة على أن تلعب دورا كبيرا في التنمية، فأساس المدرسة هو تخريج طلاب يملكون الرغبة والقدرة والاستعداد للتعلم المستمر.

3- التحديات الثقافية والاجتماعية:

إن تغيرات العولمة المتسارعة،من شأنها تغيير القيم والعلاقات الاجتماعية،والحياة الثقافية بشكل كبير،من جيل إلى آخر،وحتى في حياة الجيل الواحد،ولن يقتصر التغيير على وطن واحد،وإنما سيتحداه إلى باقي الدول،بفضل سرعة الاتصال >>ولا تستطيع أي دولة بما تملكه من وسائل الرقابة التقليدية أن تمنع هذا التدفق،كما لا تستطيع أن تحصن الأفراد ضدّ استقبال محتويات الرسائل الإعلامية والثقافية الوافدة من مجتمعات أخرى<< (11)

والمجتمع الجزائري على غرار باقي المجتمعات، تحكمه مجموعة من النظم السياسية، والاقتصادية، والتشريعية، والثقافية، والطبيعية،والأسرية...‘لخ وتتعرض العلاقات الاجتماعية للإفراد داخل المجتمع لعوامل ومؤثرات داخلية وخارجية،تؤثر على طبيعة العلاقات،حيث تحول العالم إلى قرية كبيرة بفضل عوامل الاتصال،وسرعة الانتقال، ومن أبرز العوامل الاجتماعية المؤثرة في التنمية والتطور: >>معدلات النمو السكاني،وشكل وبنية الأسرة وأدوارها والتركيبة العمرية لأفراد المجتمع،ونوعية القيم الاجتماعية السائدة <<(12)

إن مشكلة التزايد في الظاهرة السكانية في العالم عموما،وفي الوطن العربي بشكل خاص،وفي الجزائر كذلك، تجعل معدل النمو السكاني يتفوق على معدلات التنمية،وهذا التزايد سيلتهم الموارد، ويضعف النمو الاقتصادي،ويخفض من مستوى الخدمات،وعلى هذا الأساس،ينخفض مستوى التعليم ويتدهور.ومن أهم التحديات الاجتماعية التي سنواجهها في السنوات المقبلة هو التغيير الواضح في منظومة القيم في المجتمعات الصناعية المتقدمة، وتأثير ذلك على منظومة،القيم في المجتمعات النامية،بين الآخذ بهذه القيم الوافدة، ورفضها،افتقدنا هويتنا وضيعنا معالم الطريق.أماّ بالنسبة للتحديات الثقافية التي سنواجهها مستقبلا بل بدأنا معايشتها فعليا،حيث نواجه تحدي ثقافي غربي كبير حيث أنّ >>الثقافة ليست شيئا يصنعه الإنسان فحسب،ولكنها هي التي تصنع الإنسان نفسه<<(13)

وعليه فالثقافة هي التي تصنع المجتمع،والمجتمع المتخلف هو مجتمع ثقافته متخلفة،وما نلحظه أن ثقافتنا العربية في حالة تفسخ،وتميع،وتضارب وهي لم تصل بعد إلى خلق وحدة قومية لنظامها الثقافي، وبالتالي:كيف يمكن للتربية والتعليم من خلال المناهج الدراسية أن تتصدي لجميع هذه التحديات،وكيف لها أن تضمن مواكبة المجتمع الجزائري للركب الحضاري العالمي المعاصر ؟ومن هنا تلعب المدرسة دورا كبيرا على المستوى الثقافي حيث تجمع بين الموروث التراثي،والحاضر المعاصر مع نقد وتحليل الثقافات الوافدة،وإثارة الوعي لدي المواطن بضرورة المشاركة في صنع الحضارة العالمية في إطار من الديموقراطية والتفاهم،والتعاون، والسلام العالمي.

4- التحديات البيئية والصحيّة:

إنّ مشكلة التردي البيئي من أهم المشكلات المعاصرة،التي يواجهها العالم بأسره،والجزائر بدورها تعاني من مشكلة التلوث البيئي،فانتشار التلوث هو مشكلة عالمية،ومن أسبابه التزايد السكاني،والاستغلال الغير معقول للطبيعة، وزيادة النفايات، وسوء تصريفها، وكذلك الاستخدام غير المنظم للمواد الكيميائية الضارة،ووقوع الحوادث الصناعية...إلخ.وجميع هذه العوامل ساهمت في التلوث البيئي سواء كان مائي أو بري أو جوي،إضافة إلى ظاهرة الجفاف والتصحر التي تهدد المساحات الخضراء.فالاحرى بنا إقامة توعية بشرية تجاه النظام البيئي،للحد من هذه المشاكل التي تنعكس حتما على حياة الإنسان ومن أجل هذا يجب أن توفر مناهج التربية والتعليم المعلومات تعمل على نشر الوعي الكافي،وتنمية القدرات والبواعث، التي تجعل الفرد يساهم في الحفاظ على البيئة.وفي هذا المجال عملت الجزائر على إنجاز السد الأخضر للحد من التصحر، ولكن لابد من التوعية الشاملة بهذا الصدد.

وفي مجال التحديات الصحية فقد>>ساد شعار الصحة للجميع،تلك الصحة الشاملة التي تسهم فيها وتعززها التربية للجميع.<<(14) فلابد من الصحة من أجل التعليم.والصحة بدورها هي مسؤولية جماعية لمؤسسات متعددة مثل الأسرة والمجتمع والمدرسة،ولابد من الاتحاد بين هذه الأطراف من أجل ضمان الصحة،وعليه يجب برمجة برامج صحية موجهة للأـسرة، من أجل التوعية،وتجنب الأمراض،ثم يأتي دور المناهج الدراسية لتوعية الأطفال،وتعريفهم بالقيمة الصحية.ومما سبق،نلاحظ أن هدف التربية ومادتها لابد أن يكون التنمية البشرية،حيث أن الإنسان هو المنوط بمواجهة تحديات المستقبل،و العمل على توجيهها،بما فيه مصلحة له و لوطنه.وبالتالي يجب على الجزائر أن تجعل لنفسها مكانة بين الدول وهذا طبعا لا يأتي إلا من خلال برمجة التربية والتعليم وفق متطلبات العولمة،التي أصبحت مرهونة بمدي تكوين شخصية الفرد،وتنميتها تنمية واعية قادرة على صنع فرد منتج،من شأنه تطوير الوطن،فرد ينتمي إلى بلد متطور.

*الحلول اللازمة لتطوير التربية والتعليم في الجزائر لمواجهة تحديات العولمة:

هناك مجموعة من الحلول الممكنة لتطوير التربية والتعليم،وجعلها أكثر تطور لمواجهات تحديات العصر بشتى أنواعها،وتكمن فيما يلي:

1. ضرورة وضع مخطط تربوي شامل،يتماشى ومتطلبات العصر ويحتوي على إستراتجيات معاصرة من شأنها خلق تنمية بشرية.

2. يجب الانتقال من الكم إلى الكيف،ومحاولة المقاربة بينهما.

3. الإنتقال من المحلية إلى العالمية،بمعنى تجهيز فرد جزائري بمميزات عقلية عالمية.

4. التركيز على فكرة رأس المال البشري والثقافي،فالإنسان المثقف يعتبر ثروة اجتماعية من شأنها تطوير المجتمع.

5. التخلص من الطرق التقليدية التعليمية ومحاولة وضع طرق جديدة تتماشي وروح العصر.

6. يجب التركيز على الجانب الذاتي في التخطيط المعاصر.

7. حاجة المخطط التربوي لأن يكون على وعي تام بفلسفة لنظام واضح المعالم، لكي يعيش المناخ الذي يحياه كل من (المعلم والتلميذ ومدير المدرسة وولي الأمر) من جهة،و(مديري التربية والمسؤولين بالوزارة) من جهة أخرى،بحثا عن بيئة تربوية جديدة يحيا فيها مهندس الإنتاج (معلم) بمصانعنا التربوية نحو الابتكار والتجديد،لخلق رأس مال بشري جزائري قادر على مواجهة تحديات العصر.

كان هذا باختصار عرض م

وجز عن التربية والتعليم في الجزائر ورهانات العولمة،حاولت من خلاله إعطاء صورة عن واقع التربية والتعليم في الجزائر، وعرض أهم رهانات العولمة وتحديات العصر،التي بموجبها يجب تطوير التربية والتعليم من أجل خلق شريحة متعلمة تعليما معاصرا بإمكانها مواجهة التحديات الراهنة والمضي قدما بالجزائر لجعلها تواكب الركب الحضاري العالمي.

المراجع المعتمدة

1. فايز مراد دندش:معني التعلم وكنهه من خلال نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية ط1 2003،ص249.

2. حسن حسين زيتون: التدريس- رؤية في طبيعة المفهوم،عالم الكتب، القاهرة،ط1 1997،ص53، 54.

3. فايز مراد دندش: معنى التعلم وكنهه من خلال نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية،ص251.
4. المرجع نفسه:ص151.

5. حسن حسين زيتون:التدريس-ص 55.

6. كوثر كوجك:اتجاهات حديثة في المناهج وطرق التدريس- التطبيقات في مجال التربية الأسرية(الاقتصاد المنزلي)،عالم الكتب،القاهرة،ط2، 2001، ص73.

7. المرجع نفسه:ص74.

8. المرجع نفسه:ص74.

9. المرجع نفسه:ص75.

10. المرجع نفسه:ص76.

11. المرجع نفسه:ص77.

12. المرجع نفسه:ص77.

13. المرجع نفسه:ص79.

14. المرجع نفسه:ص80.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى