الاثنين ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم أمينة شرادي

الحافلــــــــــــــــة

وقف أمام باب المدرسة الكبير كأنه ينتظر أحدا. كان مشدوها لأمر ما بعينين جامدتين وفم مفتوح وابتسامة ترفض أن ترتسم على ملامحه.

أدرت رأسي لكي أرى ما يراه، كانت حافلة المدرسة الخصوصية جاثمة كعملاق لا يهاب أحدا وتبتلع كل التلاميذ والتلميذات الذين يتسابقون للمقاعد.

اقتربت منه وسألته:

 هل تنتظر أحدا؟ لأن الجميع قد ذهب.

ابتسم بشكل جميل وقال بحياء نادر:

 سأذهب لكن كنت أود أن أطلب من صاحب الحافلة أن يحملني معه الى دارنا.

اقتربت منه أكثر ومسحت بيدي على رأسه كأنني أبحث عن جواب وسألته:

 أين تسكن؟

ظل يراقب الحافلة وهي تبتعد وحلمه الصغير بأن يمتطيها يبتعد أيضا. وقال لي وهو حزين:

 يجب على أن أمشي أربع كيلومترات.

امتلكني حزنه حاولت أن أشرح له بأن لا يستطيع أن يركب تلك الحافلة.

رفع عينيه اتجاهي وسألني بخجل:

 لماذا؟

ودعني ومشى منحني الرأس بخطى ثقيلة وغير واثقة. لم أنم تلك الليلة من وجع تلك اللحظة المريرة. ما أبشع الحاجة والإحساس بالضعف فقط لأنك لا تمتلك أموالا أو أراضي فلاحية أو محلات تجارية لتجعل منك الحاكم والسعيد في هذه البلاد.

في اليوم الموالي، وعدت نفسي بأن أفعل شيئا لذلك الطفل المحروم من ركوب حافلة مدرسة خصوصية. اللعنة على هذه الخصوصية وعلى مصائبها التي جعلت من الفرد عبدا ومتوحشا.

وجعلت من المعرفة بريستيجا. انتظرت قرب باب المؤسسة العمومية، ربما ألمحه. غريب الحاحه، وجدته في نفس المكان. واقفا يتأبط محفظته البالية والشمس تحرق بدنه. برجلين يرتعشان من حرقة الفقر وشدة الحر. تستوطن جسده النحيل ملابس تنبعث منها رائحة نظيفة رغم أنها تنتمي الى زمن قد ولى. سلمت عليه وهو واقف ينتظر الحافلة.

قلت له:

 ماذا تنتظر؟ ستتأخر مثل الأمس.

أجابني بكل ثقة:

 لا تخافي. انني أنتظر سائق الحافلة لكي أطلب منه أن أركب معهم.

خفت عليه من الصدمة، حاولت من جديد أن أشرح له الوضع الكارثي والذي لا ذنب له فيه.

ابتعد عني وقال بصوت مرتفع كأنه يتحدى كل القوانين الطبقية التي جعلت منه فقيرا محتاجا والآخر سيدا مالكا وقال:

 أريد أن أركب الحافلة مهما حصل حتى لو كلفني ذلك حياتي.

انهزمت أمام إصراره وأمام عجزي عن تغيير حلمه. مسحت بيدي على رأسه الصغير مرة أخرى، ولم أستطع التحكم في دموعي التي هاجمتني كشلال مجهول المنبع. وأنا أدفع خطواتي دفعا، سمعت صوت محرك الحافلة يعلن عن بداية رحلة أخرى وإذا بي أراها تنطلق بسرعة مخلفة دخانا يعمي الأبصار والطفل يحاول الإمساك بها. لم أتمالك نفسي من هول ما رأيت، رجعت أدراجي محاولة الإمساك بالطفل حتى لا تضيع حياته كما ضاع حلمه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى