الأحد ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم نعمان إسماعيل عبد القادر

الزيتونة والحريّة

في صباحٍ مُشرقٍ منْ أحدِ أيّامِ الرّبيعِ الدّافئةِ، بينما كنتُ جالسًا تحتَ شجرةِ زيتونٍ معمّرةٍ في كرمِنا المحاذي لبيتِنا منَ الجهةِ الجنوبيّةِ، وكنتُ قدِ اعتدتُ الجلوسَ تحتَها، أخذتُ أستظلُّ بظلِّها المنعشِ، وأستمتعُ بجمالِ الطبيعةِ من حولِها، وأُصغي إلى زقزقةِ العصافيرِ، إذْ مرّتْ منْ أمامِ ناظريَّ ثلاثُ فراشاتٍ تطيرُ في الهواءِ دونَ أنَ يُعيقها عائقٌ ولا يقفُ في طريقِها حائلٌ.. راقبتُها متأمّلاً في حركاتِ أجنحتها، وراحتْ تنتقلٌ منْ زهرةٍ إلى أخرى.. فقلتُ في نفسي: أينَ حريّةُ الإنسانِ منْ حريّةِ الفراشاتِ تلكَ؟ هلْ يحمل الإنسانُ كاملَ حرّيته في دنياه التي يعيشها؟

لم تمض لحظاتٌ حتى أقبلتْ بعضُ العصافير وحطّتْ على الزيتونة من فوقي وهي تزقزق زقزقاتٍ سريعةٍ وكأنَّها تُداعبُ بعضها أو تحذّر بعضها من خطري.. فشرعتُ أرسل لها إشاراتِ الطمأنينةِ عبر نظراتٍ خافتةٍ وثباتٍ في الجلوسِ حتّى لا تحسّ بوجودي فتفرَّ ثمَّ أخذتُ أرهف السمع علّني أعي ما تقول. وعدّلتُ من جلوسي فعدّلتْ من وقفتها.. وظلّت تبادلني النظراتِ حتى وجدتُ نفسي أخاطبها وتخاطبني:

  أيتها العصافيرُ الجميلةُ! كمْ أنا أغبطُكُنَّ حينَ أراكُنَّ تسرحْنَ وتمرحْنَ، ترُحْنَ وتجئنَ في حرّيّةٍ تامّةٍ دونَ أن يمنعكنَّ أحدٌ أو أن تقفَ في طريقكُنَّ حدودٌ، فتزرنَ الشجرة المباركة التي أَجلسُ تحتها، متى تشأنَ، وتودّعْنَها متى تشأنَ. هنيئًا لكنَّ!

سمعت زيتونتي المباركةُ كلامي وقالت مخاطبةً لي في عجبٍ:

  عجبًا! وهل أنتَ سجينٌ أيّها الرّجل؟ أراك تزورني كلّ صباحٍ وكلّ مساءٍ.. تقلّمني وترويني. تقطف ثماري وتحرق الزائد من أغصاني.. وها نحن الآن نحتفي بوجودك بيننا، ثم نراك تأكل وتشرب مثل غيرك وتنعم بحريّةٍ لم يحصل عليها غيرك...
قفز أحد العصافير إلى غصنٍ قريبٍ وقال:

  الحريّة ليست أكلاً أو شربًا، يا عزيزتي.. الحريّة إحساسٌ لا يعرفُها إلا من كان حرًّا ويشعر بوجودها...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى