الأربعاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم باسنت محمد مدين

الزي الموحد

قصة للأطفال

في فصل مدرسي مزخرف باللون الأزرق وأثناء الفسحة كانت سماء تقف مع صديقتها فريدة، بين جمع من الأصدقاء، كان كل منهم يتناول فطوره، كانت فريدة تأتي كل يوم بأشهى الطعام وأثمنه وكانت الفتيات يطالعنها في حسرة، وبينما كانت سماء تفتح زجاجة المياه خاصتها وقعت بعض القطرات على ملابس فريدة فصرخت بها..

 كيف فعلتي هذا، أيتها المجنونة؟
 لم أكن أقصد، لقد حدث ذلك خطأ مني.
 ألا تعلمين كم يبلغ ثمن هذه الملابس؟

*نظرت إليها سماء شزرًا (شذرا)، ثم قالت..

 كم يبلغ ثمنها؟، إنها بالطبع نفس ثمن ملابسنا جميعاً.

 ماذا ؟هل تظنين أن ملابسي مثل ملابسكم الرخيصة هذه؟ بالطبع لا، إن ملابسي ثمينة جدًا لا يستطيع أمثالكم شراء مغرورا (؟)

 ماذا؟إ ن ملابسك مثل ملابسنا تماما لا تزيد عنها شيئا ولا تنقص، نفس الشكل واللون والملمس، كفاكِ غروراً

*وقفت فريدة تبكي وتصرخ....

 ماذا ! ملابسي الرائعة هذه ليست كملابسكم الرخيصة؟، حتى وإن كانت تشبهها، أسمعتي؟ ( أسمعت) تعلمين من اليوم لن أرتدي مثلكم أنا أغنى منكم جميعا وسأرتدي ملابس تليق بمستواي، بعد ذلك سأرتدي فساتين جميلة لم تروا مثلها في أحلامكم.

 لا تستطيعين فعل ذلك، لابد أن نرتدي جميعاً نفس الزي المدرسي، لأننا جميعاً متساوون.

 بل سأفعل، وسأكون مميزة عنكم، وسأرتدي ملابس مختلفة.

 حينها سيعاقبكِ المدير، وربما لن يسمح لك بدخول المدرسة.

*تركت فريدة الفصل وهي تمسح الدموع عن عينيها بأناملها المرتعشة، واتجهت إلى غرفة المعلمين واستأذنت معلمتها سلوى معلمة اللغة العربية معلمتها المفضلة في الحديث معها.

 هل يمكنني أن أتحدث معك قليلاً يا معلمتي.

 بالطبع تفضلي، لماذا تبكين يا فريدة؟

 أريد أن أعرف لماذا نرتدي جميعاً ملابس متتطابقة (متطابقة) ،لماذا لانرتدي الملابس التي نحبها بالألوان التي نحبها، الملابس التي تليق بنا وبمستوانا المادي، لماذا؟

 تفضلي يا فريدة بعض المياه، اشربي ،ودعيني أوضح لك الأمر.

*كانت فريدة لاتزال ترتجف من البكاء، فمسحت المعلمة سلوى على شعرها وهي تحاول أن تهدأ من روعها.

 أولا يافريدة أنتم ترتدون نفس الزي كي لا تقفون كل صباح أمام خزنة الملابس وتحتارون ماذا تختارون وماذا ترتدون.

 حسنًا، هذه ليست مشكلة، لن أحتار في الأمر كثيراً (كانت فريدة تجيب على مضدد (مضض).

 ثانيا إن الزي المدرسي يا فريدة مخصص ليكون مريحاً ومناسبا للعب والجلوس في الفصل لفترات طويلة.

 توجد لدىّ ملابس مريحة جدًا أكثر من هذا الزي.

 لكن ليس كل الطلاب يملكون ملابس أخرى مناسبة ومريحة.

 وماشأني بهم ،أرتدي أنا ما يناسبني وليرتدوا هم الزي المدرسي.

 في الحقيقة ،إن الزي المدرسي بكل تأكيد يمنحكم مظهرا جميلًا ومتناسقًا، فلو ارتدى كل منكم الملابس التي يريدها والألوان التي يحبها، سيكون مظهركم فوضويًا وغير متناسق أبدًا وربما ارتدي بعضكم ملابس غير لائقة بالمدرسة على الإطلاق.

 هل يوجد أسباب أخرى؟

 نعم، لا زال يوجد الكثير، فمثلا كي تحافظوا على ملابسكم الأخرى جميلة وأنيقة، لترتدنها خارجاً، ولو ارتديتموها هنا لتفلت (لتلفت) وتمزقت.

 لا مشكلة لديّ في هذا ،إن أهلي يملكون أموالاً طائلة يمكنهم شراء غيرها.

 وماذا عن الأطفال الذين لا يستطيع أهلهم شراء ملابس غالية كل فترة؟

 لا شأن لي بهم ،كل فرد يعيش الحياة التي تليق بمستواه.

 ولكن المدرسة جعلت لتعيشوا معا حياة صحية وجميلة خالية من الكبر والتباهي، ولا يسمح لأحد أن يتعالى على أحد بما وهبه الله له من نعم، إن المدرسة ليست دار أزياء يا فريدة.

 لكن الله خلقنا مميزين يوجد بيننا فروق فردية، أليس كذلك؟

 نعم فروق في الشكل ومستوى الذكاء والقدرة على الاستيعاب، ولن أنكر الفروق في الماديات، ولكن ما جئتم إلى كي تبرزوا الفروق الفردية في الحالة المادية، بل في الشخصية والتفكير والتفوق في المواد والمواهب.

 في الحقيقة، لقد أوشكت على الاقتناع.

 هههه هذا خبر جيد، لنكمل حتى يتم الاقتناع، الزي المدرسي يا عزيزتي سيعلمكم الانضباط والمساواة.

 الانضباط، كيف هذا؟

 حين تكون ملزم (ملزما) بزي محدد وبألوان محددة تتعلم الانضباط واحترام القوانين واتباعها، لتخرج إلى الحياة العملية مستقبلاً وأنت تعلم كيفية احترام القوانين واللوائح والالتزام بها، وأيضا الزي المدرسي يحد من التنمر، فلا يستطيع أحد أن يسخر من ملابس زميله لأنها رخيصة أو غير مناسبة للمدرسة، أو أن ألوانها ليست لائقة، لأنكم جميعاً ترتدون نفس الملابس.

 وهل لارتداء زي موحد كل هذه المميزات وليس له عيوب، أعلم أن بعض المدارس تسمح للطلاب بحرية اختيار ما يشاؤون.

 في الحقيقة، توجد بعض العيوب ولكنها قليلة مقارنة بالمزايا، فمثلًا يشكل شراء الزي المدرسي عبئا ماديًا على بعض الأسر.

 هل يوجد أحد لا يستطيع شراء الزي المدرسي؟ إنه رخيص جدًا.

 لقد خلقنا الله في هذا المجتمع طبقات يا فريدة، طبقات في الوضع الثقافي والاجتماعي والمادي؛ نحن مختلفون في كل شيء يوجد منا المتعلم والأميّ، السليم والعليل وبالطبع الغني والفقير، فنعم يوجد طبقات في هذا المجتمع لا تستطيع شراء الزي المدرسي، وهذا لا يجعلنا نسخر منهم ونتنمر عليهم على العكس يجب أن نحترمهم تماماً كما نحترم الغني فالإنسان لابد أن يُحترم كونه إنسان غني كان أوفقير أبيض أو أسود.

*شعرت فريدة بالخجل وردت في حياء ...

 وهل هذا هو العيب الوحيد؟
 لا ،يوجد عيب آخر، وهو أنه قد يعيق مهارة إتخاذ القرارات لدى الأطفال.

 نعم، بالتحديد هذا ماكنت أقصده، نحن كبار بما يكفي يجب أن نمنح حرية اتخاذ القرار فيما نأكل ونشرب ونرتدي، أليس كذلك؟

 أنت محقة ولكن هذا العيب يمكن استدراكه داخل المدرسة و خارجها فأنت لازال لديك حرية اختيار طعامك وشرابك، وأصدقائك، وهواياتك، وأيضًا خارج المدرسة يمكنك اختيار الزي الذي تفضلينه وترتدينه وقتما تشائين.
 فلماذا لا تعلمونا هذه الأشياء يا معلمتي؟ لماذا تملون علينا الأوامر دون توضيح السبب (أكتب هذا عشر مرات، ارسم هذا مرتين، ارتدي هذا، الصق هذا. لقد أصبحت أحب الزي بعد أن علمت مزاياه وسبب إلزامنا به، أظن أنه من حقنا أن نعرف سبب ما يملى علينا، أليس كذلك؟

 أنت محقة جداً في هذا يا فريدة ،من حقكم أن تعلموا وتفهموا وتسألوا وتبحثوا عن أسباب الأوامر التي لا تفهمون سببها ومن واجبنا أن نوضح لكم ،ولكنكم أيضا جيل التكنولوجيا والهواتف الذكية ،يمكنكم استغلال هذه التكنولوجيا في الإجابة عن بعض الأسئلة ،وتزويد عقولكم بالمعلومات وتثقيفها ،وفي الحقيقة أريد أن أشكرك يافريدة لقد ألهمتيني فكرة أمرًا (أمر) هام وسأتناقش فيه مع زملائي، يجب أن نوضح لكم بعض أسباب إلزامكم ببعض القوانين مثل (الحضور المبكر للمدرسة، الزي الموحد، طابور الصباح، تمارين الصباح، تحية العلم، الواجبات، و أشياء أخرى كثيرة، من الرائع أن تسألي عن الاشياء التي لا تفهميها ،شكرًا لك للمرة الثانية يافريدة.

 بل الشكر لك يامعلمتي لقد تعلمت منك الكثير وسأقوم بالاعتذار لسماء عما بدر مني.

 يسرني سماع ذلك كثيراً.

*شكرت فريدة المعلمة وخرجت من الغرفة بغير الوجه الذي دخلت به، لقد خرجت سعيدة تنظر إلى زيها مبتسمة راضية، وبينما هي تعبر من أمام الفناء وقفت تطالع زملائها وهم يلعبون فظلت تحدق بالملابس وبشكلها المتناسق فاتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر وعندما رأت زميلة لها لا ترتدي الزي عبست بحركة لا إرادية، وشعرت بالضجر لأنها أفسدت تناسق المشهد وروعته ،ذهبت فريدة إلي فصلها وسلمت على سماء واعتذرت لها عما بدر منها، ثم قالت لها ...

 هل تعلمين لماذا نرتدي جميعاً نفس الزي المدرسي؟
 في الحقيقة لا أعرف.
 اممم أنا أعرف.
 وما هو السبب؟
 لن اقول.
 قولي، هيا هيا.

تجمعت الفتيات حول فريدة يلحون عليها لتبوح بالسبب ظلت فريدة تضحك، ثم وقفت بكل ثقة في منتصف الفصل وقالت: أيها الزملاء من الطبيعي أن يكون أحدكم سأل نفسه قبل ذلك مرة على الأقل لماذا نرتدي هذا زي الموحد!!، ولكنه لم يجد الجواب، أنا لديّ الجواب والآن سأخبركم به.

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى