السبت ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
بقلم خالد زغريت

السرّ الذهبي

(من أجل إنشاء جائزة باسم هاني الراهب ،أو إنشاء منظمة أوبك لدموع القوى ،قرب المقبرة وسط الكسليك)

تنويه لا بدّ منه :

( هذه القصة هي لجدي رحمه الله الذي أحمل اسمه ، وقد توفي بعد فتح القسطنطنية ، لذلك هو سبق رواد القصة العربية في إدخالها إلى الأدب العربي ،وقد اقتصر دوري على نشرها ، ومازلت محتفظاً بأصولها المكتوبة بخطه العثماني وختمه الشامي على كل صفحة لمَن يرد التثبّت من هذه الحقيقة ، وهذا يفرض علينا، قراءتها في سياقها التاريخي فنياً وفكرياً ، إن أي تشابه في أسماء شخوص هذه القصة وأمكنتها ، وأحداثها مع أسماء شخوص وأمكنة وأحداث معاصرة ، فهو من باب التشابه ، فالله يخلق من الشبه أربعين . مما لايحق لأي كان الظن بأنه مقصود بهذه القصة، ولا سيما أن جدي رحمه الله ، كان من أصحاب الخطوة ، وفارساً صوفياً وعارفاً وكاشفاً من فرسان الشطحات ، وقد جعلوا قبره مزاراً في استنبول ، وهذا يعني أن هذه القصة كشفت فعلاً عن صدق نبوءاته وجلاء عرفانه ، فسردت قصصاً كأننا نعيشها ، فلست مسؤولاً عن أي ادعاء كان ، ومن يفعل فسوف يرى ما تفعله به كرامات جدي)

القصة الثالثة :

وجدته ... بلى وجدته سراً لم يحلم أحد من قبل و لا من بعد باكتشافه .. والله وجدته ...فلينفلق غيظاً كلّ الشامتين بالعرب ، وأخصّ أولئك المدعين العلم الذين يرجموننا بنبوءاتهم الملساء عن نضوب بترول العرب ،وكانوا عجزة عن اكتشاف علاج للإيدز على الرغم من أنه لم يكن سبباً في زوال العرب البائدة و لا الكاسدة . فقد اكتشفت سراً رهيباً ، فإذا سرنا النفط كسبنا ذهبنا لا يجف ، فسرّ استمرار العرب هو حرباويتهم التي تجعلهم يتلونون حسب المكان و الزمان ، فهولاء العلماء جهلة، لم يقرأوا التاريخ ، فهم لا يعرفون حكاية نمر العدوان ولا كليبات جحدر ،و لم يكن يخطر ببالهم -عندما يسمعون عجائزنا ، يقرقعن بالحكمة الدلعونة كما يقرقعن بعكازاتهن – أن لكلماتهن الهرمة أجنحة . ولم يسرح بخاطرهم نعامة ؛ ليدركواً أن العرب كالأفاعي مهما عظم السم في قرونها أو في أنيابها ، فإن خير ترياقه يفوق أذاها. فكثيراً ما كانوا يقولون: الله يضعُ سرَه في أضعف مخلوقاته .حتى أنا برغم أنني عربي لم يخفف من طول بكائي – ولا سيما أنني المتشائم جداً وستاً - على مصير العرب بعد نضوب البترول، وزيادة الكسترول في أجسامهم، وفي أفكارهم . أن لدى العرب ثروات لم تكتشف بعد ، فبرغم صولات، وجولات ( د. طالب عمران) في تفسير الظواهر الطبيعية المدهشة، والخارقة إلا أنني دائما كنت أفهم حكاياته اللامنطقية على أنها حيلة فنية لتشويق المتابع ، وجذبه للتحليق في الخيال العلمي، إلا أن ما حدث معي ليلة دفن (هاني الراهب) صعقني ،وجعلني أكذِّب نفسي طويلاً؛ كي لا يشمت بي (د. طالب عمران) .ولولا أن زوجتي فضحتني لأنها حضرت المشهد الغريب، لكنت دبّجتُ هذه الحكاية، وامتطيت الحبر إلى فتوحات إبداعية غير مسبوقة في الخيال العلمي، جعلتني قاب قوسن من نوبل، لكن بعد مصاولة ،و مجاولة مع الأسبرين، والأحلام، توصلت بتحريض أصالتي العربية إلى سحبة مروءة ستخلدني في التاريخ أكثر من نوبل. ألست ابن العاملين بمقولة العفو عند المقدرة من شيم الكرام؛ إذاً سأهبُ هذه القصة /الاكتشاف/ إلى (الدكتور طالب عمران)؛ ليكون أول فائز بنوبل ألفين ، وبما أنني أمتلك مفتاح هذه (الأنتيكا)؛فسوف أفوز العام ألفين وواحد، سأروي لكم الحكاية وقد لا تصدقونني، ولكن عندما يشفطها د. طالب عمران و تكافئه نوبل على تفسيره الخارق لهذه الظاهرة سوف تطقون إفحاماً وتفحيماً..

المهمُّ في الهمِّ أنني بعد أن عدتُ من المقبرة مغبّراً بالحزن، والإرهاق من عناء اليوم الطويل في دفن هاني الراهب ،دخلت منزلي متجهاً نحو المغسلة؛ لتنظيف يديّ مما علِقَ عليهما من تراب قبر المرحوم، وتلقتني زوجتي المسكينة بالمنشقة،والتعزية المغلفة بسخرية من الأدب والأدباء، فتحت الحنفية لأغسل يدي فانزلق عنهما الماء كأنه نزل عن أملس مصقول، وقبل أن أدهش صعقني المشهد، لقد تحوّل التراب الناشف على أصابعي إلى ذهب لاهب الاصفرار، خمّنت أن رؤيتي الإبداعية تغلبت على رؤيتي العينية ، لكن صرخة زوجتي - التي طاش صوابها وياما طاش :انظر أصابعك ملبّسة بالذهب - خرقت مخيلتي وبعد تبادلنا انفغار الفم والعيون والكلام أبرقت بعيوننا نظرة ثعلبية ذئبيّة ديكيّة متعانقة، تدافشنا إلى غرفتنا بين مصدقين ومماجنين ما نرى،وبعد مفاوضات نجحت برغم أن عمرو موسى لم يحضرها انتهينا إلى كتمان سر هذا السحر الواعد بالنعم،وتدبّر أمر خلع ما لبست أصابعي من رقائق الذهب، فعدنا مرة أخرى إلى المغسلة لنجرب إن كانت الكرة ستعاد، وفعلاً تكررتْ سبع مرات،و كان الذهب يرقُّ مرة بعد أخرى إلى أن انتهى.

وكانت حصيلة الذهب ما يعادل الأوقية، تناطحنا الأفكار، والأسئلة، وانتهينا إلى أن صاحب القبر(هاني الراهب ) الذي علق على أصابعي ترابه لابد وأنه مشروع قديس، وأن لترابه كرامة. وبينما تحوّلنا إلى دراويش مستغرقين بالأدعية والتبريكات على سرّ هاني الراهب وإذا بجرس الباب يقرع بصوت أعرج، وارينا كنزنا بحرصٍ، وخرجتُ لأستطلع الضيف الثقيل ؛ وكلُّ ما أذكره أني فتحتُ الباب وبعدها يعلم الله..، وما فتحت عينيّ إلا على وخز الماء والقرص، و الكالونيا،والولولة، ونعرة نزقة ذكرتني بنعرات هاني الراهب الموجعة أدرتُ بصري وإذا زوجتي تنتف شعرها وبجانبها رجل أشعث أغبر،و ردتني إلى وعيي لحيته النصفية المقتبسة من شباب الشيشان الذين اتخذوها إشعاراً برغبتهم في الزواج ، والمنعوتة لدينا بإمارة الثرثرية ، بلى هو هاني الراهب كيف لي أن أضيعه؛ ولأنني يا سادتي لا أقصد السرد الأدبي لقصتي ما دام د. طالب عمران سيلطشها، فإني سأحكي لكم بسرعة، ودون رتوش ، فيبدو أنني خبلتُ واستسلمت لهذا الفيلم( العربسيكهندي) ، لكن أيقظني هاني الراهب بخشونته القمعية ، وقال: ليس وقت تمثيل الآن ، أنا شبح هاني الراهب جئتُ إليك، لأن ما الذكرى إلا للجرح الأول ، كأنك نسيت أنك عندما كنت غراً برعونتك شججتَ ذاكرته في أثناء محاضرته في اتحاد الكتاب العرب ، حين وقفت ظاناً نفسك عميد الفهم العربي ، تناطح رواية الوباء فثقبَ قرنكَ ذاكرته، وهو لا يذكر إلاك؛ لذلك أرسلني إليك وقال قل لخالد: هاني بَطَّلَ الموت ،و لأن كثرة الخبطات على رأسي أفقدتني وعيي سألته: كيف ولماذا ؟؟. وبيني وبينكم لم أكن أفكر إلا بأنه ضاقت عيناه على الذهب وسيخرج ليلطشه مني.

قال لي: لم يكن هاني الراهب يخمّن أن له هذه الأهمية بعد أن بار الأدب والأدباء، لقد فجعه بعدما مات ،وهو يعاني من تحت (الشطايح) حزن الأمة ورعاتها، رعاتها بالأخص الذين تهافتوا ثكالى على قبره يبكونه و يندبون أدبه؛ لقد هزت دموعهم موته فأعادت الروح له؛ أنت يا غشيم لا تعرف عظمة دموع المسؤولين فما دام للأديب كل هذه المكانة وقد اعترفوا بعد ما مات بدوره، وتابوا فإنه سيعود لينعم بهذا الموقع،لا تدري كم تأثر وتململ في كفنه، وهو يرى الجرائد تصدر ملوِّنةً صفحاتها الأولى بالأسود مقتصرة على عبارة (الأمة تنعي ثروة وطنية)، كما أنك لا تدري كيف عض حجارة الشطايح حتى أدماها وهو يرى الفضائيات العربية تعلن الحداد، والمذيعات الموشحات بالسواد ينفرن الدموع الممزوجة بالكحل العربي الفاحم ، حتى أن جزيل خوري راحت تقول بالعربي : هاني الراهب ،أما رأيت شوارع المدن العربية تموج بمسيرات الحداد يتقدمها الحرس الوطني رافعين برهبة صورة كبيرة لهاني ولم يفجّر( الزرقاوي) و لا تفجير ،لقد كانت الجماهير تحمل بيد كتبه وباليد الأخرى ملعقة، تعانق معلقة النواب العرب جميعاً الذين اتخذوا الملاعق الصفر شعاراً لهم حتى (نجاح واكيم ) الذي كان يصرخ :
أنا معارض كان يحمل ملعقة صفراء أما أنك لم تسمع حداد المطربين و المطربات الذين وحدوا الراقصات في فيديو كليباتهم ، حتى نانسي استبدلت في دعاية الكازوز القنية بفنجان قهوة سادة ، ولم تشلح سروالها في اللقطة المحببة لأهل البريج ، أما هيفاء وهبي فقد احتشمت دقيقة صمت ، إنها يقظة حضارية عربية، اضطرته إلى أن يغيّر رأيه ،ويعود إلى الحياة . لن أكمل لكم الحكاية إلى نهايتها لأنني أمسكت بسرّ تحوّل تراب قبر هاني الراهب إلى ذهب، لأنه امتزج بدموع المسؤولين العظيمة التي تحوّل بسبب غلائها ،و نفاستها ، وقدسيتها التراب إلى ذهب. فهل أنت يا(د. طالب عمران) قدّ هذه الشطحة العلمية .

طق أنت و هاني الراهب ، فلن أخرجه من القبر،لكي أتمتّعُ وحدي بالذهب.وها أنا خدعتك ،وكتبت القصة التي ستدرّ علي نوبل كما أنني بتُ أمتلك سر الثروة ،فسوف أذهب إلى سلات مهملات المسؤولين، ألتقط المناديل الورقية التي يمسحون بها عيونهم فأعجنها بالتراب والماء؛ لأحوّلها إلى ذهب وعندما أغني سأنشئ جائزة باسم هاني الراهب، أو أنشئ منظمة أوبك الوباء لدموع المسؤولين العرب ، ومقرها في بيروت، لأحقق ما عجز الحريري رحمته دموع العرب عن تحقيقه .وأشكل فضاء لا يدخله الأخ العتيد القذافي برغم ما سأنصبه للأغبياء من خيم في الكسليك .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى