الشاعر والإلهام
يستيقظ الشاعر، الوحيد، من غيهب الأحلام العاصفة، مثل حجرةٍ أنكرها كبرياء الجبل وعُنفوانه.
ثمَّ يبدأ بحلاقة الشُّعيرات المُتناثرة علي وجهه بشكلٍ عشوائي، ثمَّت يعد لنفسهِ القهوة، ثمَّت يغلّف نفسه بأنقي الثّياب، ويصقل حذاءه بشكلٍ يُعطيه سطوعٍ خالص، كما لو أنّه ذاهبٌ الي موعدٍ رسميّ.
ويجلس خلــف الطَّاولة ذات المِفرش البنّي، ينتظر ليقتنــص الالهام. فهو لم يكتُب منذ أشهُرٍ عديدةٍ سطرًا واحدًا، ولا حتَّي كـــلمة أو حرفًا. وعندما لا يسقــط عليهِ الالهـــام؛ ينتظـــر، وينتظــــر. وحينَ يتخلّــــله الضــجر، يذهـــب الي النَّافذة المطلّة علي فــناء بيته القـــديم بانتــظار مفاجأةٍ ما: ربّما ينتظرُ سقوط الأشـــعار علي روحـه كما يسقط الطلّ علي الحـــشائش، أو ينتظــر ، مثلا، سقــوط الشمـس الــتي تثني الطَّــحالب وتلتمـــع علي السنبــلات، أو سقوط النجوم عليهِ كحباتِ النَّدي الزّاهية،
او سقوط ورقة خريف يكسوها الثلج؛أي بالمحصلة، كان ينتظر شيئا من تلك المظاهر المفاجئة التي عادةً ما تحدث معه وتفتح له الباب للدخول إلى مستنقع القصيدة. وأخيرًا رأى فيلاً ينظر إليه من فناء البيت. كان الفيل رمادي اللون مائلاً إلى الأرجواني، وكانت بنيته كبيرة جدا بحيث بدا كأن ظله غطى النافذة لا بل والمنزل برمته. لا بدَّ أن وزنه، قال لنفسه، أكثر من ثلاثة أطنان.
وقبل أن تختفي هذه الرؤيا غير الطبيعية فجأة كما ظهرت، أسرع الشاعر الوحيد إلى طاولته، جلس وتناول ورقة وقلمًا، ودون أن يلهث، كتب قصيدة رائعة عن نملة لا قيمة لها.