الأحد ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١
بقلم مريم علي جبة

الشاعر يحيى محي الدين: الشعر عندي امرأة

يحيى محي الدين شاعر من شعراء حلب، من مواليد (نبل) عام ١٩٦٤، صدر له عدة دواوين شعرية: (تلاوة الشغف)، عن دار نون في حلب ٢٠١٠، و(خلسة عن الروح)، اتحاد الكتاب العرب ٢٠١١، و(تدوين الحب)، اتحاد الكتاب العرب ٢٠١٦، و(صباحات الورد العالية)، الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة، ٢٠٢١.
و(نافذة مريم)، قصص قصيرة، الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة ٢٠١٨، وله العديد من المنشورات في عدد من المجلات والصحف المحلية.

عن سيرته الذاتية يقول الشاعر محيي الدين:

ولدت في قرية نبل التابعة لمحافظة حلب في الشمال السوري، حيث الطبيعة الساحرة، والجبال الخضراء التي تمتلئ بالحب، ودرست المرحلة الابتدائية، أما المرحلة الإعدادية والثانوية ونتيجة لعدم وجود مدارس في قريتي لهاتين المرحلتين، اضطررت لدراستهما في مدينة حلب، وكنتُ أستيقظُ باكراً مع زقزقة العصافير، لأغادر فراشي الوثير سعياً للعلم والمعرفة، في حلب الشهباء حلب سيف الدولة، حلب منجبة المفكرين والعظماء حتى نلت شهادة التعليم الثانوية، ثم عملت في سلك التعليم في قريتي والقرى المجاورة عدة سنوات، حتى انتقلت للعيش في مدينة دمشق حيث استقرت أسرتي في السيدة زينب، حتى أتيحت لي فرصة الالتحاق بهذه الوظيفة الرسمية، بالإضافة إلى عملي مدققاً لغوياً في دوريات وكتب اتحاد الكتاب العرب، وخلال إقامتي في دمشق سجلت في جامعة دمشق، وأنا أدرس اللغة العربية الآن.

كيف نشأت الموهبة لديك؟..

إنه لمن الطبيعي أن تترك البيئة بعناوينها المختلفة أثراً عند الإنسان، وخاصة البيئة الريفية بما فيها من بساطة العيش، ومن علاقات اجتماعية حميمة، فهاهنا تجد لكل فصل بعده المميز عند الناس، فللصيف طقوس الحصاد، والبيادر، والسهر على أسطح المنازل، وفي الشتاء (ويالها من ذكريات) كانت تعقد السهرات في اللیالي الماطرة حول الموقد، والطقس يعزف سيمفونية العصف والبرق والأساطير، وكان بعض كبار السن يقرأ السير الشعبية، مرت سنوات طفولتي بسعادة حتى توفيت والدتي، وأنا في الصف السادس الابتدائي، ترك هذا الحدث جرحاً في نفسي لما يندمل بعد، ثم بدأت أقرأ القصص بنفسي، حتى اعتدت على القراءة، فكانت مكتبة المدرسة بالنسبة لي نبعاً معطاءً لا ينضب، وتنوعت القراءة وتعمقت، ولكن كل هذه التفاصيل لم تشكل وحدها الموهبة، هناك شيء مفقود مازالت الروح تبحث عنه؟..

من هم أهم الشعراء الذين قرأت لهم، وما هو الأثر الَّذي تركوه في نفسك؟...

كما أسلفت تطورت وتنوعت قراءاتي، شغفت بالشعر، فقرأت لمحمود درويش، ومظفر النواب، واستمعت لأشعار أحمد فؤاد نجم، المحكية وأغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة، وأغاني المقاومة، لم أقرأ نزار قباني كغيري في تلك المرحلة العمرية، علماً أنَّ المرأة كانت قصيدتي غير المكتوبة، لكن ما ترك أثراً كبيراً في نفسي هو تجربة محمود درويش الشعرية، إذ كنت أكتشف مع كل قراءة جديدة لعمل من أعماله، بعداً جمالياً وفنياً، وأسئلة ستبقى تبحث عن أجوبة...

في أي مرحلة من المراحل بدأت ثمار الموهبة بالنضوج؟

أذكر أن أول محاولة شعرية كتبتها ، و-كنت آنذاك في المرحلة الإعدادية وكانت بعنوان مناجاة. وربما كنت متأثراً بأدعية كانت تتلوها أمي قبل النوم، فأتخيل كيف أنها تتمسك بحبال الله، وتصعد مع النور إلى الأعلى حتى وصلتُ إلى المرحلة الثانوية، وبتشجيع من عائلتي ومعلمي، نشرت قصائدي في صحيفة البعث السورية، وصرت أنشر فيها نصوصي.، وكان لقراءاتي التي ارتقت كماً ونوعاً، ولاطلاعي على بعض الآراء النقدية، الأثر الكبير في نضوج تجربتي الشعرية، لكتابة نص جيد تمرُّ بمرحلة من القلق، من أجل تجاوز الكتابة السابقة، لأن الإبداع لا يولد من العدم، بل هو نتاج عملية تراكم طويلة. وتنقلت بين النثر والشعر الذي بدأت تتضح فيه معالم الشعرية والإيقاع، ثم تطور شكل القصيدة إلى أن استوى في قصيدة التفعيلة، التي وجدت نفسي فيها أكثر من النثر والعمود، مع محاولاتي الدائمة للابتعاد عن الرتابة واشتغال الروح بما يليق بالقصيدة.

البحث عن مفردات جديدة وطريقة جديدة هل كانت هاجسك؟

وأي جمال ستبني القصيدة من دون اللغة وأية لغة، لن تصطفي المجاز وتعتني بأناجيل النساء، وحضور الأنثى، لن تستوفي ما وراء المعنى استحقاقه الجمالي، وبعده الكوني، لهذه الملابسات ومن دونها، لن يكون هناك قصيدة، فتاريخ الروح، أنثى هي الأم، وغد الروح أنثى هي الوطن، وما بينهما تشكلات لا نهائية للأنثى الحبيبة، العاشقة، المعشوقة، الغائبة، الحاضرة، المستحضرة، فالشعر عندي امرأة...

كيف أثر حب الوطن على مفرداتك وقصائدك الشعرية؟..

الوطن رحم الكلمات، وبيت الطير المهاجر من الروح، فإذا تطلعت نحو الحلم ستتكئ على كتف الوطن، هو المانح أسراره للنشيد، تفاصيله العالقة بالذاكرة، منذ بدأ الوعي يتشكل، كانت تتشكل مفاهيم الانتماء، يتجلى الوطن، ليس كجغرافية فقط، بل كتفاصيل صغيرة وعلاقات حميمة مع الوردة والرصيف، والشرفات، ونوافذ الصبايا، المفتوحة على أسرار، وابتسامات، وأحلام صغيرة. كما حضور الأنثى الباذخ، هو حضور الوطن في قصيدتي.

أنت تكتب شعر التفعيلة.. وكان هذا الجانب نقلة مهمة لديك.. حدثنا عنه؟

الشعر دهشة البناء، وتوتر المعنى، وما بين البرزخين من أسئلة الخيال وحداثة التركيب، وأفق التعبير المتجدد لا أعرف سر انبعاث الكتابة على شكل قصيدة التفعيلة، كأنني أقرب إليها لأنها تجديد غير منقطع عن تراثنا، وأنا أعتقد أنَّ التجديد لن يأتي من الفراغ، بل هي عملية بناء على أسس، لكل شاعر منها نصيب، ومع ذلك فالمقياس ليس شكل القصيدة، ولا مضمونها، بل شعريتها، ومدى إشراقها، وإلى أي حد استطاعت الارتقاء بالدهشة والجمال، لست أميل إلى المدارس الشعرية، وإن وجدت مثل هذه المدارس. ربما أكون ابناً لكل هذه المدارس في برهة شعرية معينة، فأنا ابن الحياة وقصيدتي قصيدة الحياة، قصيدة العشق والوطن، قصيدة الإنسان.

يقال عنك أنك تعشق الأساطير وأنك تستمد بعض الشعر منها.. كيف؟

للخيال الدور البارز، إذ يلتقط ربما مقطعاً موسيقياً، فينسجه مع مخزونه اللغوي، وأحلامه الكامنة في اللاوعي، وتطلعاته الجمالية صورة تليق، بعطر ينام على ثدي أنثى، وما أقوله ليس مقياساً، إذ لا عقل ولا منطق يشكل الصورة، لكنهما سيقرأانها لاحقاً، ثانياً الأسطورة وما تحفل به من مجازات والواقع وما فيه من آلام وأوجاع إنسانية هي أكثر من أن تحصى. وانشغالات الروح والوجدان بالهم العام والهم الشخصي، لا حصر لمصادر تشكل الصورة الإشكالية تكمن في انبعاث الصورة والانبهار الذي يجب أن يتهاطل في لا حدودها.

أنت من محافظة حلب التي عانت الأمرين من سيطرة المسلحين، وحصارهم واضطهادهم، حدثنا عن تلك الفترة؟... كيف استطعتم الخروج والنزوح إلى المناطق الآمنة؟

تعلمين أن مدينة حلب من أهم المدن اقتصادياً وتاريخياً وثقافياً، وجغرافياً وهي تعدُّ العاصمة الثانية لسورية، كونها على الحدود التركية، لذلك تكالب عليها الإرهابيون ومن وراءهم، فحاصروها وحاصروا مدينتي نبل والزهراء، بعد أن استجلبوا مرتزقتهم من أصقاع الأرض، وللأسف هناك من السوريين من انساق مع القطيع مضللاً أو غير مضلل، فقطعوا الطرق، والكهرباء ومصادر الطاقة والغذاء والدواء، والماء ما أدى لوفاة الكثير من الأطفال والكبار جوعاً ومرضاً. وعانى الأهالي البرد. والجوع والعطش، بالإضافة إلى قذائف حقدهم، وصواريخ غدرهم اليومية. وكلمة لابد من قولها هنا. إنهم فوق كل ذلك كانوا يضللون العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيقلبون الحقائق، ولأن هذا العالم أساساً هو متواطئ معهم، فقد كان يمرر ويسوق هذه الأكاذيب، ولن أذكر تفاصيل المعاناة لأنها كثيرة، فقط أقول إنَّنا أشعلنا شموع القلب وأضأنا ظلمة الحصار، وخبزنا رغيف الحب وأطعمنا الصغار. لم نكن لنستطع الخروج لولا المروحية التي سخرتها الدولة السورية لنقل بعض الاحتياجات الإنسانية. إذ غادرنا على متنها، وذلك لأسباب صحية . وانتقلنا إلى حلب ومنها إلى اللاذقية.

هل أرخ شعرك لهذه المرحلة وما هي أهم القصائد التي كتبتها؟

كنت قد كتبت أثناء الحصار : الشعر والقصة والنص المفتوح، ربما لم تعد القصيدة تستوعب الحدث كان كل تفصيل، ألم لا يوصف . لكنني كتبت عن الحب أيضاً لأن العالم لا يمكن أن يخلو من الحب لحظة واحدة. وقلت إننا سننتصر وسيعلو شأن الحب بإرادتنا نحن السوريين.

لا شك أن للمرأة حضور لدى كل شاعر، كيف أثرت المرأة في شعرك؟

الشعر لغة الأعماق، قادم من نفس إنسانية واحدة من حيث الجوهر.. وتقول الأسطورة إن الذكر والأنثى كانا ملتصقين، وانفصلا في لحظة من غضب الآلهة ومنذ ذلك الحين يبحث كل عن نصفه. وأنا أقول إنَّ الشعر والأنثى من طينة واحدة. هي الخصب والجمال، لا أعرف قصيدة تحلق في العلياء إلا وفيها من عطر المرأة ، أو من شهقتها مطلع الحب.

ولن أستطرد في هذا المجال، إذ يضيق بنا المكان، ولكن لا بد من الإشارة إلى تأثير تراتيل أمي وحكاياتها ولمساتها الحنون. قلت في لقاءات سابقة إنني لم أكتب قصيدة عن أمي حتى الآن، لأنني أعتقد أنَّها ما وراء المفردات، ما وراء المعنى في كل قصائدي.

في ظل هذه الأزمة، أين برز دور الأديب والشاعر والمثقف في نشر الوعي وإزاحة الستار عن الفكر الظلامي الَّذي قام بنشره وترسيخه أعداء الوطن؟، وهل أدى الشعراء مهمتهم المنوطة بهم في هذا المجال في سورية؟

للأديب دور في حالتي السلم والحرب ولا يقل أهمية في أي منهما، ففي الوضع الطبيعي منوط به الارتقاء بمستوى وعي الناس من خلال إنتاج ثقافي وأدبي يعزز ثقافة الانتماء للوطن خارج الولاءات الضيقة والصغيرة. وتعزيز دور القانون، وتأصيل مفهوم المواطنة.. وفي زمن هذه الحرب الجائرة على سوريا،كتبت شعراً عن الحصار وقصصاً عن المظالم التي تعرض لها بلدنا الحبيب سورية، ونشرته في الكثير من المواقع. وأقول لك إن الأدب الذي كتبه الأديب السوري واصفاً هذه الحرب الظالمة. من شعر ورواية وقصة. سوف يسجله التاريخ، لأنه دون بحبر دم قدمه الشهداء والجرحى، ولقد اقترن قول الأديب السوري بفعله. أما المؤسسات فكانت الرديف والمنصة للأدباء قدر استطاعتها، رغم الحصار المفروض على سورية. فالطباعة مستمرة والنشر وإن تراجع دورهما كما أسلفت. نتيجة الحصار الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد. والعمل الثقافي والأدبي يسير بوتيرة جيدة. سواء الرسمي منه أو عبر الملتقيات الخاصة. إن لسورية تاريخ يجعلها حافلة دائماً بالثقافة والفنون. ونشر الفكر التنويري.

اتحاد الكتاب العرب، مؤسسة ثقافية وأدبية مهمة، هل أدت دورها كمؤسسة فكرية في نشر الوعي الثقافي والفكري بشكل وافٍ؟

لقد عمل اتحاد الكتاب العرب في سوريا مع غيره من المؤسسات الثقافية، فدافع عن سوريا دولة وشعباً. من خلال المؤتمرات والملتقيات ومن خلال منشوراته ومعارض الكتب التي كان له دوراً بارزاً فيها، إذ استمرت صحفه ومطبوعاته بالصدور، وهذا لا يعني أن عمله كان مثالياً، إذ لا بد من التقصير، لأسباب عديدة.

هل أثر النقد في تجربتك الشعرية؟ ومن هم أهم النقاد الذين كانت لهم وقفات وقراءات نقدية لقصائدك؟

النقد نشاط إنساني وفكري، يختلف عن غيره من النشاطات الثقافية لأن له علاقة بثقافة الاختلاف وحق الاختلاف ، والشعوب العربية بالعموم لم تعتد مثل هذه الثقافة وللأسف يعدُّ بعض الأدباء النقد إما مديحاً وإما إساءة شخصية، ومثل هذه الثقافة تجعل مهمة الناقد صعبة، لذلك قليلاً ما نجد نقداً محايداً، تعامل مع النص بوصفه عملاً أدبياً، وقليلاً ما نجد من الدراسات، التي نأت بنفسها عن المجاملات، والمدائح التي غالباً ما تكون من حظ النساء.

في الغرب أسس النقد لنفسه تيارات ونظريات، لأن الثقافة في تلك المجتمعات تقبل الفكر الآخر غالباً أما بالنسبة لتجربتي مع النقد فهي جيدة نسبياً، ولكنها ليست كما يجب، فقد تناول شعري بعض النقاد المختصين منهم أحمد هلال، وآخرون من الأدباء الذين لهم باع في الدراسات النقدية، كالشاعرة هيلانة عطالله وآخرين، نعم للنقد دور في عملية قراءة الذات وإعادة البناء لأنه مرآة تعكس صورة الشاعر، فيرمم هنا ويهدم هناك وهكذا يكون البناء الشعري أكثر صقلاً وجمالاً. وأنا أتمنى على النقاد المساهمة أكثر، في متابعة ما ينشر، والإضاءة على ما هو جيد وما هو مبتذل وهو كثير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى