السبت ٢٥ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

الشبح العابر

يبدو أن العالم بات غابة من الأشباح التي تملأ الدنيا فسادا وقتلا واعتداء على الشرفاء والحرائر .. فكل يوم نسمع ونرى آثار عبور الأشباح من ههنا أو هناك.. ولا يبقى من رجسهم إلا نهب أو قتل أو اعتداء على الشرف أو خطف للنساء والأطفال.

صار الأشباح اليوم ظاهرة كونية كظاهرة الأطباق الطائرة التي سمعنا وقرأنا عنها الكثير، لكن الحقيقة أن هذه الأطباق الطائرة يكتنفها الكثير من الطلاسم والغموض والأسرار.. فهل هي ظاهرة علمية ؟ أم إنها لعبة دولية تحرك أحجارها دول مارقة على كل الأعراف والقوانين الشرعية والوضعية، الإنسانية والدولية، أم هي رحلة فضائية من عالم خارجي يعيش في كوكب غير كوكبنا، يريد أن يكتشفنا ويطلع على أسرارنا؟!

وربما يكون ذلك العالم الخارجي غبيا إلى درجة غباء من صنعوا تلك الروايات.. فقد تتالت البعثات الفضائية من ذلك العالم الخارجي إلى عالمنا، ولم يتسن لهم معرفة حقيقتنا وطبيعة كوكبنا.. في حين أن عدة رحلات من كوكبنا إلى القمر أو المريخ، عرفتنا بما في هذين الكوكبين من عناصر وطبيعة وأسرار..

إذن فمسألة الأطباق الطائرة رواية أرضية تستند إلى مكونات تكنولوجية وإعلامية لتحقق أهداف استراتيجية بعيدة المدى لدول ترى نفسها فوق كل المجرات والكواكب.

ولا أستغرب أن ظاهرة الأشباح التي تنتشر في بعض دول العالم صناعة مبرمجة تمتلك وسائل وتقنيات لتحقيق صناعة الموت والإرهاب وإنتاج أفلام الماشوسيين ومصاصي الدماء.

في قرية صغيرة تتربع ذؤابة جبل أشم، يطل على واد كالخيال، وترتدي أكاليل الجمال والسحر والوداعة، معانقة السماء بقيم الحب والإنسانية والسلام.. أناسها طيبون كطيبة تين سبيلها، وخلقها بشر من الجد والعطاء، يمدون العابرين بثمار التين والعنب والتفاح المتدلية على جانبي طرقاتها.. وكل من يمر بهذه القرية، يشعر بأنه في عالم ملائكي تحف به الرحمة من كل حدب وصوب.. لا تسمع فيها إلا زقزقة العصافير وتغريد البلابل والطيور.. وتعبق من أنفاسها رائحة المحبة والطمأنينة والحب والجمال والسعادة..

لكن الأشباح التي شوهت كل جمال، وقتلت كل أمن وطمأنينة، وأسرت كل حرية، وأطبقت على كل سلام ليلا دامسا.. لم تنس في ليلة من ليالي الشتاء أن تدنس عذوبة وعذرية جمال هذه القرية، وأن تختطف براءة ونقاء فتاة في عمر الزهور.. كانت تسهر ليلتها أمام كتبها في حانوت يطل على الطريق العابر على صدر القرية يقودك في حيرة إلى مجهول مخيف تكسوه غابات تعرش أشجارها فوق المارين..

كان الجو شتويا عاصفا تئز فيه الرياح أزيز الرصاص، وتئن فيه أغصان الأشجار تحت صفعات الأعاصير أنين المكبلين بالأصفاد تحت جلد الوحوش الآدمية في خلقتها.. وكان القمر في كبد السماء يهتك أستار الظلام ويمزق عباءته بضيائه، لكن الصراع المحتدم بين الرياح وكل عناصر الطبيعة، كان يعكر جمال ضوء القمر.. فالقمر الذي يعشقه الصغار والكبار وتتعلق به الأفئدة والعيون في ليالي الصيف الهادئة، هو القمر الذي يهيج أعماق البحار مدا وجزرا.. وهو القمر الذي أوصدوا دونه الأبواب هربا إلى حيث الدفء والسكون والأمان.. ولم يبق في الشوارع سوى تيارات العواصف زاحفة زحف الجحافل تقتلع من تلمحه لمحا في طريقها..

كان الحانوت أسفل البيت الذي تسكنه ( إيزابيلا ) مع أبيها العربي وأمها الأوربية.. وفي تلك الليلة العاصفة كان الأب مع ابنته في الحانوت.. وفجأة هبط النعاس إلى عيني والدها، لينذره بالصعود إلى المنزل، ونصح فتاته بأن تتبعه وألا تتأخر عنه، فوعدته باللحاق به بعد أن تنهي أوراقها الدراسية مراجعة..

وبينما كانت الفتاة تختتم دراستها عبا، طرق باب المحل شبح تائه، ودخل يسأل الفتاة عن الطريق المؤدية إلى قرية مجاورة، فلم تبخل عليه الفتاة بالجواب، فدلته إلى مبتغاه المنشود، وخرج يبحث عن مكان آمن لإخفاء سيارته المسروقة، فأخفاها في فسحة ترابية إلى الشرق من المكان فوق الطريق، ووجد الفرصة مناسبة للانقضاض على الضحية بعد أن اطمأن إلى خلو المنطقة من الأصوات، مع انقطاع التيار الكهربائي، فعاد أدراجه إلى الفتاة، طالبا ماء للشرب، فاستغربت الفتاة حركاته، ولم تكد تنتهي من إجابتها، حتى انهال على رقبتها بقبضته الوحشية مشهرا خنجره في وجهها، مغلقا فمها كي لا يسمع أحد صراخها، فاقتادها نحو الطريق متجها بها إلى سيارته، لكن صراخها كان يخرج أنينا من بين أنياب قبضته، وبالقرب من المكان سمعت ابنة الجيران هذا العويل، وأخبرت والدتها بما تسمع، فأجابت ابنتها بان هذا الأنين هو لجارتهم العجوز ربما تئن من المرض..

لم تقتنع الفتاة برواية أمها وفتحت الباب لتسترق السمع، وفي هذه اللحظة عاد التيار الكهربائي إلى المنازل فأضاءت المصباح المطل على الطريق، فاختفى الصوت، وعادت إلى البيت..

عندما أضاء المصباح، عرف الشبح أنه سيفتضح أمره، فألقى بالفتاة في الوادي المغمور بالحجارة والأشواك من ارتفاع مريع، وانكب عليها كالوحش وأمسك بها وتمكن منها بعد أن فقدت الفتاة طاقاتها خوفا ورعبا، لكن قوة الشرف وطاقة الروح لم تستسلما للمفترس، فانتفضت، وظلت تقاومه، واستطاعت أن تنتزع منه خنجره وأن تطعنه طعنات على ساعده الأيمن، لكن الشبح المجرم تمكن منها مرة أخرى، فأجبرها على خلع ملابسها التي أخذها رهينة، وأبقاها في مكانها، وذهب إلى سيارته كي يأتي بها من أسفل الوادي عبر طريق ترابي، ثم يصطحب معه ضحيته التي تركها مهيضة الجناح عارية تقاوم الرياح على شدة برودتها، وما كاد يغادر المكان حتى صحت حمية الشرف وانتفضت الروح لتعلن لحظة التمرد على همجية الوحوش، فانطلقت كالبرق بين الوديان والحجارة والأشواك بين مغاور الردى، وتمكنت من التسلل بين الأشجار والأشواك واستطاعت الوصول إلى المنزل من الخلف، لكن الشبح كان بانتظارها على الطريق، بعد أن فقد فريسته في مكان الافتراس، وقفزت الفتاة من فوق الجدار إلى المنزل، وكانت الطامة الكبرى لأهلها، حين رأوا هول الجريمة، إذا كان جسدها خرائط من الكدمات والخدوش وأخاديد من الدماء الزكية التي سالت من عروقها بعد معركة شرسة خاضتها هذه الحرة مع شبح الليل المفترس..

أصاب الأهل الجنون والهلع، لما رأوه من حريرتهم، فظنوا أنها وقعت ضحية فاحشة، ولم يستطيعوا إخبار إلا أخص الأقارب..

وكان مما أوصل الأحداث إلى هذه النهاية الإجرامية الوحشية، غياب صاحب المطعم وأسرته هذه الليلة من جوار مشهد الحدث، وهذا ما يدل دلالة قاطعة على أن الشبح لم يكن ليمثل مسرحيته دون تخطيط، ودون مراقبة، وإعداد لصناعة الجريمة.. واستطاع أن يفر بسيارته متجها شرقا إلى ساحات أخرى للتمثيل..

وفي اليوم التالي بعد أن تأكد أهل الفتاة من عذرية بطلتهم، أعلموا أهل القرية بالجريمة.. فهب الفضلاء للبحث عن الشبح المجرم، فأخبروا الأمن الجنائي وجميع السلطات المختصة..

وظلت الفتاة تعاني من حالات نفسية يرثى لها، وخضعت للعلاج النفسي، واستطاعت أن تتجاوز محنتها بعد شهرين من الكوابيس.

وانتشرت قصتها في المحيط الريفي لهذه البلدة الطيبة، وراح البحث الجنائي يستقصي آثار الجريمة، ويقتفي أثر المجرم دونما فائدة، وذات يوم عرضت عليها صور المجرمين أمام شاشة في مركز البحث الجنائي، فاستطاعت أن تتعرف شكله الإجرامي، وحددته.. لكن الشبح المجرم حر طليق لم تستطع أجهزة الدولة الوصول إليه؛ لأنه شبح خارق لكل النظم التكنولوجية والوسائل البيولوجية، فهو ينتمي إلى منظومة خارقة لكل القوانين والبحوث الجنائية المحلية والدولية.. ولا يمكن القبض عليه مادام جهاز التحكم الذي يحركه بعيدا عن كل أجهزة التنصت والمراقبة والاستكشاف..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى