

لوحات تحاكي الروح وتدعو للتأمل

حين تنظر إلى لوحات محمد أشرقي، لا ترى فقط خطوطا وألوانا، بل تشعر أنك بصدد قراءة سيرة إنسانية مشحونة بالتأمل، بالغربة، وبحنين لا ينطفئ، هو فنان لا يهادن ذاكرته، بل يفتح جراحها بريشة شفافة، يحول صمته إلى صرخات لونية، وتيهه الشخصي إلى لحظات جمالية خالدة.
في عالم يعج بالسطحية، اختار محمد أشرقي أن يكون العميق، أن يغوص في ذاته ويستخرج من أعماقها ما يعجز عن قوله بالكلمات.
في مشاركته الأخيرة بمعرض Living 4 Art بالدار البيضاء يوم 3 ماي، أطل محمد أشرقي على زوار المعرض بخمس لوحات متميزة حملت عناوين: Symphonie du Silence، Les Cris et les Murmures، Le Cœur en Quête، Perdu dans ses Pensées، Moments de calme dans la Médina. لوحات استوقفت الحاضرين، ونالت إعجاب المتتبعين والنقاد، لما تحمله من عمق نفسي، وصدق شعوري، وتعبير تجريدي عن أزمنة الاضطراب والبحث عن المعنى.
الفنان محمد أشرقي لا يقدم لوحاته كمنتجات بصرية فحسب، بل كوثائق داخلية تحكي تحولات الذات، يقول:
"كل عملي الفني منذ حوالي سبع سنوات هو محاولة لكتابة سيرة ذاتية، لاستعادة البدايات، لأنها تبقى دائما البذور التي تخصب تجربتي الفنية والإنسانية، لا أذكر من طفولتي إلا ما ترك أثرا عميقا، أكثر ما أذكره هو ذلك الانتقال القسري من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، حين وجدت نفسي ذاهبا نحو المجهول."
في لوحات محمد أشرقي، لا نجد أجوبة جاهزة، بل نواجه أسئلة معلقة تتسلل من عمق الذات، كل عمل فني هو لحظة تأمل، وفضاء بصري يواجه فيه الفنان نفسه بصدق وشجاعة، فهو يرسم الأنا وهي تتوزع بين الحلم والواقع، بين ما كان وما لم يتحقق، محاولً ترميم سيرة شخصية هزّتها العثرات والانقطاعات، لكنها وجدت في الفن ملاذا وعنادا جماليا لا يقبل الهزيمة.
ليس غريبا إذن أن يحمل في داخله فنانا وناقدا في آن واحد، يقول محمد:
"أنا لا أكتفي بإنجازي، ولا أفرح بما فعلت، الناقد بداخلي يقظ، صارم، يوقظني في كل مرحلة لأعيد النظر، لأسأل نفسي: هل هذا فن حقا؟ هل يمكن أن يتطور؟ هل فيه طاقة متجددة للحياة؟"
تأثر محمد أشرقي بتجارب أسماء راسخة في الفن التشكيلي المغربي، على رأسهم الفنان الكبير عبد القادر لعرج، صديق الفنان الراحل محمد المليحي، لكنّه اختار منذ البداية أن يسلك طريقا خاصا، بصوت داخلي يحمل بصمته، ويشبهه وحده.
إنه فنان في طور التشكل المستمر، لا يستعجل، يؤمن أن الوصول إلى العالمية لا يأتي عبر القفز، بل عبر التراكم والتجذّر في الذات قبل أي شيء، يحمل حلمه بهدوء، لكنه يمشي نحوه بثقة، مدفوعا بصدق التجربة وقوة الرؤية.
محمد أشرقي لا يرسم العالم كما هو، بل كما يشعر به، يرسم لأنه لا يستطيع أن يعيش دون فن، ولأن الريشة صارت امتدادا لروحه، وسلاحا ناعما في وجه قسوة الحياة.
في عصر تتسارع فيه الأحداث وتغيب فيه التفاصيل، يظل فن محمد أشرقي بمثابة دعوة للروح للتأمل والتوقف، حيث يجسد في لوحاته عالما يتحدث بلغة الألوان والأشكال، يفتح أمامنا أبوابا للغوص في عمق المشاعر والتفاصيل التي لا تُقال بالكلمات.