السبت ١٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
الناقد الدكتور عبد الله المعيقل : مشكلة قصيدة النثر أن الشباب يستسهل الكتابة بهذه الطريقة
بقلم فؤاد نصر الله

الشعراء الهاربون من بطش الحكم العثماني هم البذرة الأولى للشعر الجديد ، عندما أسسوا صحيفة «القبلة»

الأبحاث التي تتناول الشعر السعودي الحديث ، هي محور اهتمامي.

الدكتور عبد الله المعيقل ، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود، الكاتب والناقد السعودي، نستضيفه في هذا الحوار نستطلع معه بدايات ، ومسيرته، وتجاربه وأبحاثه في مجال تخصصه وهو الأدب السعودي الحديث. لكن لتكن البداية مع السيرة الذاتية.

ولدت سنة 1951، في قرية من قرى ينبع اسمها «سويقة»، وعشت طفولتي الأولى هناك ثم انتقلت الأسرة إلى جدة، ربما وأنا في الثامنة أو التاسعة من عمري، وقد درست الابتدائية والمتوسطة في جدة، أما الدراسة الجامعية ففي جامعة الملك سعود، ثم عينت معيدا، وذهبت إلى أمريكا لتحضير الماجستير والدكتوراة، ثم عدت إلى الجامعة أستاذا للأدب السعودي الحديث.

لم تنقطع علاقتي بقريتي «سويقة ينبع» لأننا كنا نذهب من مقر أقامتنا في جدة كل صيف إلى هناك وقت الإجازة، حيث كان الأهل يزرعون النخيل، وكانت هناك عيون تسقي هذه المزارع، ولنا هناك أقارب، لكن العيون جفت، فأصبحنا لا نذهب إلى تلك القرية بكثرة مثلما كنا نفعل قبل ذلك. هذه تقريبا السيرة الموجزة.

 حدثنا عن تجربتكم في الولايات المتحدة الأميركية، ودراستكم هناك. كيف كانت؟

درست الماجستير والدكتوراة في جامعة ميتشجان، وهي من الجامعات العريقة بالولايات المتحدة الأميركية، فقد ذهبت في منتصف السبعينات أو بعد ذلك بقليل، ثم عدت في الثمانينات الميلادية. وفي هذه الجامعاتة قسم شهير هو «الدراسات الشرق أوسطية»، وفي هذا القسم تلقيت بعض الدروس الهامة، لكنهم كانوا يحرصون على أن يذهب الدارس المتخصص إلى قسم اللغة الانكليزية، ليأخذ كورسا في الأدب المقارن، وبعض المواد الهامة ذات الصلة بتخصصنا مثل الفلكلور والنقد الأدبي الحديث، كذلك كنا نذهب إلى قسم التاريخ لنحصل على دراسات في بعض المناهج، وهكذا لم تكن الدراسة مقتصرة على مواد الأدب العربي والآداب الأوربية، إنما كانت هناك دراسة شاقة خلال سنتين لعدد من التخصصات الأخرى لكي يلم الطالب بهذه العلوم التي يستفيد منها إستفادة كبيرة في كتابة رسالته.

 ما طبيعة رسالة الدكتوراة؟

كانت عن النقد السياسي والاجتماعي في الشعر العربي الحديث، وجزء كبير من الدراسة عن الشعر المصري العامي بالذات، وقد كانت النصوص الشعرية التي يستعان بها في البحث تكتب باللغة العربية ثم تترجم في الوقت ذاته إلى الانجليزية.

 هل واجهتك مشكلة اللغة؟

في البداية كانت هناك مشكلة، لكننا تغلبنا عليها بدراسة اللغة الانكليزية فقد قضينا سبعة أشهر في دراستها كاملة، وكنا بالطبع نعرفها لكن ليست معرفة كافية للقراءة والكتابة التي تؤهلنا لإعداد بحث علمي رصين.

 ماذا تناولت في رسالة الماجستير؟

كان الماجستير عن الشعر السعودي، وأود أن اقول ان بعض الجامعات لا تشترط عليك كتابة بحث في الماجستير، ولكنها تشترط الحصول على عدد معتمد من الساعات، ومن أراد أن يكتب رسالة، فلتكن رسالة قصيرة، تشغل عددا من الساعات.

 رجعت إلى جامعة الملك سعود بعد حصولكم على الدكتوراه؟

نعم، وكان ذلك عام 1986، فهي الجامعة التي أرسلتني، عدت إليها أستاذا بعد أن كنت معيدا.

 حدثنا عن الأبحاث التي أنجزتها بعد عودتكم من البعثة؟

لدي أبحاث عديدة منشورة في مجلات متخصصة، وكذلك توجد مجموعة أخرى تم نشرها عن المؤتمرات العلمية التي أشارك بها، وبالطبع هناك أبحاث متفرقة لم تطبع أو تنشر، وهذه مشكلة أمام الناقد الأكاديمي، لكن عليّ أن أجمع هذه الأبحاث، وأسارع بنشرها، وبالذات تلك الأبحاث التي تتناول الشعر السعودي الحديث، حيث أنه مجال اهتمامي الأول، وكذلك موضوعات أخرى تخص الأدب العربي الحديث.

 لنتوقف في محطة الشعر السعودي الحديث. حدثنا عن إرهاصات البدايات الأولى.

عندما نقول الشعر السعودي الحديث فنحن نبدأ من توحيد المملكة أو من دخول الملك عبد العزيز إلى مكة. لو أردنا ان نؤرخ للشعر السعودي الحديث فلتكن هذه هي البداية.

إن الشعر السعودي الذي نشأ في تلك الفترة على يد الرواد لم يكن منقطعا عن الشعر في فترات الحكم العثماني أو الهاشمي، بل أن بعض الشعراء كانوا يكتبون شعرا في أوائل العهد السعودي، وفيه استمرار للصور والمعاني والأسلوب لما كان سائدا في العهد السابق.

لكن يمكن ان نقول أن قيام الثورة العربية في مكة سنة 1916، ووجود عدد من الأدباء والشعراء الشاميين الذين هربوا من الحكم العثماني ـ هربوا إلى مكة لأن الشريف حسين أعلن الثورة على الحكم العثماني ـ ليجدوا مكانا آمنا لهم ، هؤلاء هم البذرة الأولى لهذا الشعر، فقد أسسوا صحيفة اسمها «القبلة»، وكان منهم فؤاد الخطيب والزركلي ومحب الدين الخطيب وآخرين.

هؤلاء هم الذين ساهموا في تحرير هذه الصحيفة، صحيح أن الموضوعات التي كانت تكتب فيها مالت إلى الرؤية السياسية لأنها اهتمت بمهاجمة العثمانيين، وطغمة الحكم لديهم، إضافة إلى منادتهم بالإصلاح والثورة، لكنهم رغم ذلك كانوا يكتبون بأسلوب أدبي راق، وقد أثروا في جمهورهم، وبعد فترة أصبحوا رواد الأدب السعودي الحديث.

فظهر عندنا بعد ذلك أدباء لهم تجربتهم مثل محمد سرور الصبان، ومحمد حسن عواد، وعدد آخر من الشعراء الذين تبنوا نفس الأساليب التي كانت سائدة في صحيفة «القبلة»، فمن ناحية الموضوع كانوا ينادون بالإصلاح، وبالنسبة للأسلوب كانوا ينادون بالتجديد.

 وماذا عن حمزة شحاتة هل جاء بعد هذه المرحلة؟

هذه هي بداية الشعر السعودي أما حمزة شحاتة، وحسين سرحان، ففي مرحلة تالية. و في ذات المرحلة كان هناك شعر تقليدي ومن أبرز رموزه أحمد ابراهيم الغزاوي، ومحمد العثيمين، هؤلاء شعراء مديح تقليديون، لكن التجديد جاء مع الصبان والعواد وحمزة شحاتة، وتنامى مع حسين سرحان، وهي النقلة من الشعر التقليدي إلى ما يسمى بالشعر الوجداني أو الرومانسي.

هؤلاء هم الرواد، لكن المدرسة الرومانسية التي تزعمها ونادى بها محمد حسن عواد ورفاقه تضم أكثر من جيل، فالقاعدة عريضة، والقائمة تضم عدة مراحل، بشكل لافت للنظر.

القصيدة الرومانسية على هذا النحو تمثلها عدة أجيال وليس جيلا واحدا، وهنا يتباين التمثيل من شاعر إلى آخر، فهناك من هو شديد الرومانسية، وهناك من يميل إلى التساؤل وهكذا.

 ومتى ولدت القصيدة الحديثة معنى ومبنى؟

 جاءت قصيدة التفعيلة في السبعينات الميلادية، وبدأت بسعد الحميدين الذي أصدر أول ديوان سعودي كامل من شعر التفعيلة، بالطبع كان يوجد عدد من الشعراء حاولوا، ومارسوا، وجربوا كتابة شعر التفعيلة دون أن يصدروا دواوين مثل القصيبي والعقلي ومحمد الفهد العيسى، ولكن لم يُخصص ديوانا كاملا إلا سعد الحميدين.

بعد ذلك أصبحت حركة شعر التفعيلة واسعة، واتضح فيها نضج التجربة، وتأثرت بالمنجز الموجود في الوطن العربي، وبرز شعراء تفعيلة متميزون منهم: محمد الثبيتي، علي الدميني، محمد جبر الحربي، عبد الله الصيخان، سعد الحميدين.
هذه هي الأسماء التي جعلت شعر التفعيلة قصائد تحمل تجربة ناضجة برموزها، وبتوظيفها للمعطيات في شبه الجزيرة العربية.

مع هؤلاء أصبح هناك نسق شعري مغاير تماما.

 وماذا عن قصيدة النثر في المملكة هل تعتقد أنها امتداد لنا سماه عواد بالشعر المنثور؟

نعم أعتبر قصيدة النثر امتدادا لما كان يسمى بالشعر المنثور إلى حد ما، لكن كل ما في الأمر أن الشعر المنثور تكون فيه القصيدة أطول مما سمي بقصيدة النثر.

والشعر المنثور،كما ذكرت، نادى به محمد حسن عواد، وأول من أصدر ديوانا من قصيدة النثر الدكتورة فوزية أبو خالد في ديواني «متى نلتقي؟»، «ليلة عرس». وهي تكاد تكون متحققة في قصيدة النثر، وأظنها أول من أصدر ديوانا في قصيدة النثر، لكن لدينا الآن شعراء كثيرون مثل أحمد الملا ، محمد الدميني، ابراهيم الحسين.

كان لدى محمد الدميني أشكالية انه يكتب أيضا قصيدة التفعيلة، و يعد الدميني حاليا من أشهر وأبرز من كتبها ، وكذلك الشاعر محمد عبيد الحربي.

 ما أهم الدراسات التي شاركت بها في مؤتمرات علمية؟

كتبت دراستين عن الشعر السعودي: دراسة وافية عن محمد حسن عواد، ودراسة عن العريض، وهناك دراسة أخرى عن قصيدة النثر كمشروع فني.

 عد بنا إلى جامعة الملك سعود، بالتأكيد درست طلاب الدراسات العليا. وهناك انتقادات للجامعة في شدتها وصرامتها، ومضاعفة ساعات التحصيل.

أبدا القسم لديه خطة معروفة، سواء في مرحلة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة. هذه الخطة توضع من قبل لجنة متخصصة بعد التشاور. لكن هناك حرصا من القسم للمحافظة على المستوى العلمي كي يتخرج الطالب الذي حصل على الماجستير او الدكتوراة، وهو مؤهل علميا في هذه المواد التي يدرسها. فهناك نظام يسمى النظام الشامل في الدكتوراه؛ فبعد أن يقضي الطالب حصته المقررة بالساعات يكون هناك امتحان شامل عادة في مجال تخصصه، وهذا الأمتحان يضعه ثلاثة أو أربعة من الأساتذة، لذا لا أعتقد أن هناك تشددا، ولكن الذي يحدث أن هناك نوعا من الإنضباط ، وإعمال اللوائح، وهناك حرص أن يكون الطالب قد تخرج وهو أكثر تأهيلا.

نحن في جامعة الملك سعود نحرص على هذا المستوى المتميز لخريج جامعتنا.

 ماذا عن مشروعاتك العلمية القادمة؟

في الفترة الأخيرة أنجزت بحثا هو امتداد لدراساتي حول الشعر السعودي بعد جيل التفعيلة. أي الشباب الذين يكتبون الشعر بعد التسعينات إلى الآن. هذه الدراسة تتجاوز الدميني والصيخان إلى الجيل الذي يليهما في التجربة.

وقدلاحظت أثناء البحث أنه جيل موضوعات، وليس جيل أسماء، فليس لدينا أسماء بارزة مثل الصيخان أو الثبيتي أو الدميني، لكن لدينا موضوعات جديدة، أو عدد من الظواهر التي تطرق إليها هؤلاء الشعراء الجدد، وهي بارزة، دون أن يعني ذلك أن هذا الشاعر أو ذاك برز كأسم بوصفه شاعرا منفردا.

نحن الآن أمام ظواهر جديدة في الشعر السعودي، ولم نعد أمام أسماء كبيرة. هذه الأسماء الجديدة هي التي ساهمت في صنع هذه الظاهرة.

 ألا تشترك معي في القول أن قصيدة النثر في شكلها الحالي ساهمت في تراجع مستوى الشعراء، وأجهضت عملية التلقي؟

 مشكلة هذه القصيدة أن الناس تستسهلها . الشاب يستسهل الكتابة بهذه الطريقة لأنها ليست موزونة ولا مقفاة ، فليس الأمر أكثر من كتابة بضعة سطور بأي شكل من الأشكال. لكن دعني أخبرك أن هؤلاء الشعراء فيهم الموهوب أيضا.

هذه الكتابة بدون إلمام بالضرورات الفنية أخطر مشاكل القصيدة، حيث أن عددا كبيرا من الأفراد يكتبونها باستمرار، فيختلط الحابل بالنابل، فهناك كتابات مما تسمى بقصيدة النثر مجرد سطور ليس بها أي سحر أو إشارة لبلاغة ما، ولا توجد بها أهم سمات القصيدة التفعيلية، وأقصد به التكثيف الشعري!

الأبحاث التي تتناول الشعر السعودي الحديث ، هي محور اهتمامي.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى