الصاعون من سوريا
«وطن ينمو بأناشيد الشهداء»
(مدخل المشاهد)
وشاهدتُ - حينَ تلبَّسني وطني - شِبهَ موتيْ المرمَّمَ،شاهدت فِقهَ شُروديَ عن كلِّ شيءٍ،وشاهدتُ عكَّازةَ الروحِ تعرجُ، قُفلَ دمِي يتكسَّرُ،شاهدتُ حاجةَ ضَعفي لأكثرَ مِن صاحبٍ،أنا شاهدتُ كيفَ تهربُ منِّي المَعاجمُ كالنحلِ حتى نسيتُ القصيدَة...
(حمص)
حِمصُ - بابُ السّْبَاعِ - لدَى ساعةِ الفجرِ - حينَ تمدُّ الجِنانُ زغاريدَها ويديها إليَّ -أُطمئنُ نفسيْ بأنِّي لأبوابها لنْ أعُوداوعلى حمصَ أرسمُ قلباًوأبكي إلَيهِوأجمَعهُ في يدِيْثمَّ أتركهُ للرِّياحِوأبعثهُ في السَّماءِ..بَعيداً.. بعيداثُمَّ يا حمصُ،
هل (يتغيَّرُ) شيءٌ إذا غبتُ عنكِ لأكثرَ من ليلةٍ خَلْفَ آسٍ يتيمٍ وشاهِدَةٍ نحتُوا فوقَها اسمِيْ؟
وهل ستكونينَ.. حينَ أكونُ سَعيدا؟أمنعُ الآنَ سَردِيَ عن حُزنهِ..- لا أريدُ الحديثَ إلى ألَمي -سأقدِّمُ بعضَ المُلبَّسِ للزائرينَ،وألحقُ سِربَ اليمامِ..لأسقُطَ قبلَ اكتمالِ النهارِ شَهيدا.(ليل..)جثةُ الليلِ..والدَّمُ المِسكُ في المشهدِ انتشرْآهِ ممَّا رأيتهُ..ليتَ قلبي مِن الحَجرْرُبَّما مرَّ بالحياةِ وبالحُزنِ ما شعَرْ
(درعا / دمشق)
إلى الطفلين الشهيدين: حمزة الخطيب - درعا، وإبراهيم شيبان - دمشق:
الذي ماتَ بالأمسِ كانَ صغيراً..دَفنَّاهُ في غَيمةٍ بينَ دَرعا وبَين دِمَشقَاوكانَ يحاورُهمْ قبلَ ذلكَ:- لا تقتُلوني..لأنَّ دَمِي دمَكُمْ،ولأَنِّي إذا متُّ تبقى دمشقُ ودَرعا، وأَبقىولا تقتُلوني..لأني إذا متُّ تنحَدِرونَ.. وأَرقىوإنْ كان لا بُدَّ من قتلةٍ..!فلتَكُنْ دونَ قلبِيلأنَّ الرَّصاصةَ والقلبَ قد يترُكانِ قتيلاً..وقد يتركانِ قتيلاً وبَرقا.- يُداهمُهُ (شَبحٌ) خِلسةً،ويُضِيفُ إلى صَوتهِ طَلقةً -وسَمِعنا نهايةَ هذا الحِوارِ:- الرَّصاص يعبِّرُ عنكَ،ومَوتي يعبِّرُ عنِّي،وَيعني لغَيرِي وُجُوداً.. وعِشقَا.. لا أُفرِّقُ بينَ صغيرَينِ غابا معاًلم أَجِدْ بينَ مِسكِ الشَّهيدينِ فَرقاولا أتجاهلُ عِطرَ المدائنِ حينَ أخُصُّ دمَشقا.
(بردى)
وكلَّما جفَّ عِرقٌ مِن ثرى بردَىظنَنتُهُ مِن عُروقي فاستحَلتُ ندَى(حَرستا)وتوجدُ في الحيِّ مِئذنتانْتصيحانِ في كُلِّ يومٍ بُعَيدَ الأذانْ:فقدنا الشهيدَ فلانْفقدنا الشهيدَ فلانْفوَا عَجبي يا زمانْ..حَرَسْتَا التي عشتُ فيها شِتاءَ القصيدةِ..صارَتْ ربيعاًوبوَّابةً لدُخولِ الجِنانْ!(دقيقة صمت)لا صوتَ يَعلُو فوقَ صَمْتِ الشَّهيدْذاكَ المُسَجَّى والوَحيد.. الوحيدْ(عيد.. شهيد)أرى الجامعَ الأُمويَّ يُصلِّي كعادتهِويرصِّعُ من فضَّةِ الذِّكرِ تسبيحَهُوَأراهُ..يمُدُّ، يمدُّ السُّجوداكأنكَ - يا سيِّدي - قد تأكدتَ أنَّ غداً سيوافقُ عِيداً شهيدا؟(حياة)سيبقى الياسمينُ يعيشُ فيناوإن جُرحَ البياضُ ومَسَّ قرحُ(سماء شهيدين)
الشهيد البطل جمال فاضل، حاول إنقاذ الشهيد طارق الأحدب، فسقط بجانبه:
بينَ مَن يصنعونَ الحُروبَ، ومَن يطلبونَ السَّلامَ:
هُنا يسقطُ الشُّهداءْوالمكانُ الذي يسقطونَ بهِ..والمكانُ الذي تلتقي فيهِ أَعينُنا بالدِّماءْليسَ أرضاً..سَماءٌ،سماءٌ،سماءْ.(موقف القلب)استوقفني قائلاً:قلبيَ: الآنَ يسكتُ،يَبرُدُ،يَبيضُّ كالياسَمينْقلبهُ: خائفٌ..لا حياةَ بهِ، لا حَنينْ.(موقف الشهادة)استوقفني قائلاً:صِف لنفسكَ تاريخكَ الخاصَّ والمَشهداإذا لم تكُن حاضراً، كن غَداوودَّعني عندَ مُفترقِ الغيبِ.. واستشهدا.
(موقف الجنازة)
استوقفني قائلاً:
ما الفناءُ إذا اختارَ لي أنْ أعيشَ حياةً جَديدة؟
ولمَّا تبعْنا جنازتهُ كان ثقبٌ طريٌّ على قلبهِ، كانَ كالنخلِ مُتجهاً للسَّماءِ البَعيدة
هُناك فراغٌ مِن المتخيَّلِ جَمِّ المَراتبِ، مُستترِ الأدَواتِ، أُكنِّيهِ بالشِّعرعُلويِّ.. لا بالقصِيدة.
(برعم)
في مهرجانِ الموتِ يبتسمُ الدَّمُويُشعُّ من قلبِ القتيلِ البُرعمُ(نصر..)ما زال يَسعى في المَدينهْويشدُّ في يدِها يَمِينهْيُهدي السلامَ إلى البلادِلأَجلِها يَنسى أَنِينهْما زال يسعَى النَّصرُ فيحِمصَ المحرَّرةِ السجينهْ(سربرينيتسا الجديدة)سِربْرينِيتْسا..وقد قطَّعوا فيكِ أيديْ الصغارِفماتوا..وماتوا وهمْ يَنزفونْثمَّ باعوا البقيَّة أو ذبحوهمْ وآباؤهمْ ينظرونْهذهِ سربرنيتسا التي عبَرتْ حُزنها مِن سنينْ:تتكرَّرُ في سوريا الزَّيزفونْ!سربرنيتسا الجديدةُ في كلِّ يومٍ لديها قتيلٌ صغيرٌ وطفلٌ سَجينْإنهم يَقتلونَ الصِّغارَ..لأن الصغارَ كعادتهمْ.. يحلمونْولأن الصغارَ إذا اجتمعوا يهتفونَ.. ولا يَلعبونْولأن الصغارَ إذا تُركوا.. يكبرونْإنهم يقتلونَ الصِّغارَ لأنهمُ فِتيةٌ مؤمنونْ.(مجهولو الهوية)لم يُعرَفوا حينَ مرُّوابالموتِ ذاتَ عشيَّةلربَّما غابَ عنَّاشُخوصُهمْ والهُويَّةلكنَّ مَعناهمُ لمْيغبْ عنِ الحريَّة
(استعادة)
دمٌ دافئٌ في المَمرِّ،رصاصٌ،رمادُوكانتْ لدى موتهمْ تستعيدُ البلادَ البلادُ...
(إيدْ وحدة)
إذا اختلَفنا قليلاًنعودُ متَّفقيناوفي النهايةِ تبقىشاماً لنا أجمَعينا
(مهاجر)
– بكيتُ كثيراً على سوريا حين غادرتُها مِن ثلاثينَ دَهرا
ولما رجعتُ إليها ولم أرَها، قلتُ: أكملُ حلميَ، وحديْ، غريباً، لأُصبحَ حُرَّا
ولما خرجتُ بكيتُ عليها.. نعمْ.. ثمَّ أصبحتُ شعراً وذكرى
وها أنا أبكي على وطنٍ صارَ مرثيَةً وخُناساً وصَخرا
– كأنكَ لم تنتبهْ أنَّ في الصبرِ نصراً، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً.. وأنَّ مع العسرِ يُسرَا؟
(أربعون شهيداً)
صمتاً.. فقلبي الذَّبيحُفيهِ جَريحٌ يَصِيحُوأَربعونَ قتيلاًوأُمَّهاتٌ تنوحُأَمسَيتُ مِثلَ ضَريحٍوالمَوتُ فيهِ فَسيحُأقلِّبُ الفِكرَ علِّيأرى نهاراً يلُوحُفلا أرى غيرَ لَيلٍبهِ تهاوَت صُروحُباللهِ كيفَ فؤادِييا سوريا يَستريحُ؟فَلتبعَثي ياسميناًبه تطِيبُ القُروحُلعلَّ قلبيَ يشفَىويستقرُّ النُّزوحُ.
(الصاعدون من سوريا)
قمرٌ للشهِيدْصاعداً للبَعيدْوردةٌ للشهيدَةتركتْ يا سَمينتَها..تركَتها وحيدَة.