الاثنين ١٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم عبد الصمد العاطي الله

العدالة الإلهية وقصص أخرى

أرى ذ لك الشيخ وقد بلغ من الكبر عتيا, وأعباء الزمان على عاتقه, كأني به جلمود صخر حطه السيل من عـــل. لا يحرك ساكنا ما عدا مقلتاه المغموستان في جمجمته الصلعاء إلا من شيب الحاجبين, وتلك المغارة الخرباء إلا من هواء
داخل وخارج يجرد الحروف من مكنونها, لكني لا أ نكر أن ذلك الفم هو كل ما جادت به أصابع الزمان عليه, مع ذلك القلب النابض و دقاته المجسدة لسمفونية عكسية ما قبل خروج الروح من ذلك الجسد الذي أعجزته السنين, وقضت عليه الوحدة والأنين, أنين الظلم والجوع والسقيم.

كعادتي كل وقت فراغ, اذهب إلى جارنا الجد محمود لعلي اخفف عنه وحشة الأنيس, ومرارة العيش والوقت التعيس.

وذات مساء, وأنا مقرفص تحث سرير الجد أخذني الشوق لأعرف حكايته التي أوصلته إلى هذه الوحدة, فقلت له بلباقة: لماذا لا تروي لي عن سيرتك الذاتية بدل الحكايات الخرافية و الأساطير؟
فأجاب بصوت خافت: كنت أفضل أن أحافظ عليه في قرارة نفسي, لكنك لست ببعيد عني فأنت كل ما املك في هذه الدنيا الفانية المنتهية.
فأطرقت السمع ونظرت إليه وقسمات وجهه توحي بالألم والحسرة فتنهد بصوت عال ثم بدأ حديثه قائلا:

لا يخفى عليك يا بني حال مجتمعنا العربي وما يعيشه من شقاق ونفاق واعوجاج المساق, أنا يا ولدي كنت من
الذين يجهلون أو بالأحرى يتجاهلون هذا الواقع, فتمنيت للناس الخير وتمنوا لي الشر, وأكرمتهم وبخلوا, ووفيت لهم وخانوا, وصدقتهم وكذبوا, ورغم ذلك بقيت على إصراري بين نفعهم وإضراري.
ونزلت من مؤق عينه دمعة حائرة في متاهة تجاعيد وجهه, و مسحتها له بلطف, وواصل الحكي بغنغنة:

ليث الأمر وقف عند هذا الحد, فقد تركت والدي وزوجتي وأبنائي الأربعة في هذا البيت المشئوم, وذهبت للسفر طلبا للقمة العيش, وعند عودتي لم أجد إلا بابا مكسورا, وبيتا مهجورا, فاتجهت نحو غرفتي – فغلبه البكاء , لكنه تجلد وواصل كلامه:
 وعندما فتحت الباب, وجدت سبع جثت قد تعفنت وسرى الدود فيها سريان النار في الهشيم...
فقاطعته قائلا: لمن تلك الجثث؟
رد وعبراته تنهمر فوق خديه:
 كانت لأسرتي, ومند أن رأيت ذلك المشهد, والعين تدمع, والقلب يخشع, وعلى السرير اقبع –الشـلـل—...
 لماذا ماتوا كلهم.
 لقد أصيبوا بمرض الطاعـون, ولما علم أهل القرية بذلك أقاموا عليهم الحجر الصحي, حتى قضى الله ما قدر, و لا راد لقضاء اللـه.
 إنا لله وإنا إليه راجعون, ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
 آه لولا ذلك الرجل الصالح لمت جوعا وبردا هنا ,هو الذي دفنهم في تلك الغرفة المقفلة, وأحسن إلي قبل رحيله, وكم ذقت الأمرين في غيابه عني. لا أستطيع حتى أن أزيل الذباب عن وجهي, و منذ ذلك الوقت و أنافي ظلمة المحيا والممات, وكثرة الآلام والآهات حتى جئت وكنت بصيص الأمل الضائع في متاهات الزمان وأشجانه , وما أرجوه الآن من الله العلي القدير أن تقبض روحي وادفن قرب أسرتي الغالية, وهذا مرادي من هذه الدار الفانية.

وما هي إلا أيام حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى..
إنها العــدالــة الإلهية.

عبد الصمد العاطي الله

كعبة العاشقيـــن

في روض العاشقين الذي تجمعت فيه الأفئـدة وتجمعت فيه معاجم العشق والهيام, يقف صاحبنا معوكز الجسد , مسلوب الإرادة ,جاحظ العينين أعمى ,وسارق السمع أصم ,نافذ البصيرة بقلبه, في انتظار لحظة الانشطار النووي – فكل له دماره الشامل – ويا ليتها تأتي, فلا هو الحبيب الذي لا يرى في الدنيا إلا حبيـبته , و لا هو ا لميت الذي لايرى في قبره إلا مقعده المنتظر , وبإجحاف شديد إنه في حالة انعدام للأشياء و الأماكن و الأزمان , فلا يجد ما يجذبه إليهم إلا أنهم كانوا شهداء على التقائهما هنا في غياهب التاريخ.

فقد كان يجد نفسه دائما متخبطا في الأحلام السعيدة و الأمنيات المجيدة ,أحيانا يتخيل نفسه فنانا قديرا , و أحيانا صاحب سلطة وجاه . لكنه سرعان ما يصدم بالواقع الذي يسبب له الأرق و التعاسة .

لكنه بدا يتحدى الصعاب ويواجه الألم , منذ رأى ذلك الوجه الذي ينير القمر , وذلك الجسد الذي تخجل منه الشموع , و الشعر الذي يحجب الظلام وبريقه الساطع في سواد الليل , وتلك الكسوة الناصعة البياض التي اختلط مع بشرتها حتى صعب على الناظر إفراز الكسوة من الجلد... إنه الحب قد عمل عمله بقلبه , و أيقضه من سباته ,وفجر فيه أنابيب العاطفة , ورياح الهوى العاصفة.

فبادلته الحب بالحب و الهيام بالهيام, ورسما مستقبلهما بعين المحب و إحساسه وأمله... فكأنه الحب متجسدا فيهما, فهو تزكية للقلب و ضوء من لا ضوء له.
لكن أصابع الزمن وغدر الإنسان, كعادتهما أبعدا المحبين, وأقفلوا القلوب ووضعوا عليها جلادين.

ومنذ ذلك الوقت, لا يزال صديقنا في مكته المكرمة لا يـبرحها إلا للحاجة, فهو دائم الاعتكاف فيها. والسماء تبدلت صفوتها غيوم ,لعله ينتظر أن يعيد الزمن نفسه وأن يرجع للسماء صفوتها، ويحيي القلوب التي أماتها الانتظار ,إنه بصيص الأمل الذي لا يفارق المحبين , فكل يبني ويشيد حسب تفاؤله وأمله بحبه, أما صاحبنا فلم يبني لا أكواخا ولا قصورا, لكنه بنى تمثالا يصلي نحوه كل العاشقيــن.

حب لم يعرّف

أرخى الليل سدوله , وهدأت الدنامية في مرقدها,وأجمعت العيون على النوم,لكن الإجماع بالنسبة لا بالعموم,فهناك أعين سهرت لسمر ولهو...وما أكثرها ,وأعين سهرت للعبادة و التقرب إلا الله وما أقلها ,أما أخرى وهي قصدي ومرادي ,وعدتي وعتادي,باتت على الجمر تكتوي,وبنار الهوى تنزوي ,فاستشرفت من آن نغص آت أفضل ,أعين حولت السلب إيجاب والقبيح جميل.إنها أعين المحب التي تبكي لبكاء عين وتفرح لفرحها.إنها الجبلة التي خلق منها الإنسان.

هكذا هي حال صديقنا ,فنسيم الربيع يداعبه ويجعله دائم النظر إلى تلك الحديقة من نافذة منزله المطل على روضة شاسعة. روضة جلبت له السعد والهناء والحب والبقاء , والأنس والصفاء , روضة أخذت منه قلبه وروحه وكل تفكيره, ولكنه لا ينكر أن عذاب الحب نعيم وتعبه راحة ,ولا ينكر كذلك أن نسيمها يستحي منه النسيم ,وجمالها ينحني له الجمال, وأن صوتها تعذب له أذن العندليب ,وهيامه بها أقوى من هيام قيس بليلى وأقوى من حصن ذو القرنين...هكذا هي صورتها في قلبه,وحركتها في نبضه ,وحبها في روحه, ينام عليه ويستيقظ عليه,فهو حركته وسكونه وفرحه وشجونه,وأرقه ونسقه وانتكاسته وتألقه... لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ,فقصة صاحبنا انتهت قبل أن تبدأ ,فلقد ماتت محبوبته قبل أن يعرف حبه لها . فمنذ عام تزوجت رجلا كانت تحبه, وعاشت معه في سعادة وهناء , وهذا ما خفف على صاحبنا .

فتعددت الأسباب والموت ليس بواحد .

ألفينا عليه آباءنا

يلاطف الزهور طمعا في رحيقها, ويداعب النجوم رغبة في بريقها الممتد منذ الأزلية, وخلوده الخالد أمام الفناء, هكذا هي عاطفة الحب اتجاه كل شيء جميل, و نظرة المحب للطبيعة الممتلئة شموخا وكبرياءا. وهنا تبدأ قصة الزهور على مرا لعصور, قصة حفرت عميقا في القلوب, وترسخت طويلا في العقول , فتعود عليها الحس , وطربت لها النفوس, وتغنى بها الفؤاد ,فحازت على أعظم جائزة رضى القلوب ,فلا حياة لمن لا قلب له.لكن لكل قاعدة استثناء,فقد انتشرت هنا وهناك ثقافة هاربة من العصور البدائية,إتخدت من الدين علة،ومن الأعراف ملة,فقضت على الربيع في أيامه,وألبست الحب حدادا، وأسكنت القلوب ألحادا،فكثرت الضحايا وكثرت الأحقاد.
وكان أكثرها وقعا في النفوس حب ماردة لزيد,تلك الفتاة مهلهلة الحاجبين , واسعة العينين, مخوتمة الفم , صغيرة الأنف ,شديدة سواد الشعر وبياض البشرة, معتدلة الطول وأنيقة المظهر , تحمل قسمات وجهها ذهاءا فاق التصور وجمالا أبهر الناظرين,في الحقيقة إنها تمثل المرأة في كمال نضجها، علاوة على أنها بنت شيخ القبيلة ... وذلك العبد الحقير الذي لا يظهر منه في الظلام إلا أسنانه البيضاء ومقلتاه الغائرتان, ولا يحسن إلا خدمة الأسياد ,لكنه يحمل في طياته فصاحة الجاهلية, وحكمة العرب و جسدا أخذ من السيف والفرس أخلاء , فعرف بهذا وشهد له الجميع بالسفلى .إنه الحب إذا طرق بابا لا يسأل عن أهله.

فلا عجب أن تتزلزل الأرض, وتمطر السماء ضفادع, ويصبح الماء غورا, فقد عم غضب الآلهة الكون، وسجنت آلهة الحب والعدل والعقل في جماجم الناس, فكلهم ساخط و ناقم وباحث عن زيد لقدم دمه قربانا للآلهة لعلها ترضى. أما ماردة فهي بنت سيد القبيلة , وأبوها الأشرف كفيل بها, بعد أن داست شرفه في التراب وجعلته حديث كل لسان ,وهو الذي يرتجف أمامه الصناديد، ويخشاه الذمر داخل حصنه.
فأحل دمهما وسفكه أمام الملأ, دون أن يكثرت لصراخهما الذي عم المكان.
فقال بأعلى صوته:

 ولتكن فيهما عبرة لمن يعتبر.
فدفن الحب في القلوب واستولى الإرث على عرش القبيلة , فرضيت الآلهــــــة.
هكذا هي سنة الاستدراج.

حقيقــة علميــة

من حسن التصديق الجازم ,الإقرار المنطقي و العلمي الشامل .ومن باب الدعابات و الأساطير,الخيال الأدبي المثير . ومن المسائل الحتمية في الحقيقة الكونية, أن المجموعة الشمسية شمس وكواكب, ومن بينهم الأرض.
وقد خص الله سبحانه و تعالى الإنسان بأفضل نعمة ,العقل ,ويسر له من المخلوقات ما لا عد له ولا حصر, ومن واجب ابن آدم نحو هذا المخلوق ,حسن التدبير والتسيير,ومن صوره إن لم نقل منجزاته, علم الفلك,ومن الفرضيات التي يقوم عليها, أن هناك مخلوقات فضائية تتخذ من الفضاء الخارجي ـ الكواكب ـ مسكنا.
و تبثت صحة هذه الفرضية في 6 يناير2188على الساعة الثانية صباحا, بعد أن سقطت كبسولة في الصحراء المغربية, وخرج منها طائر غريب أثار ضجة عارمة في صفوف السكان والعلماء.

وقد نجحت محاولة علماء نازا في القبض على الطائر رغم دفاعاته التي بدت متطورة وغربية .

وأخذه الدكتور المختص بدراسة الجنات الحيوانية إلى مختبره, واندهش لما علم أنه مجرد الصورة الإيجابية للغريزة لذا الحيوانات الأرضية, أي أنها تمتلك شكل الحيوان وعقل الإنسان بل أرجح منه وأذكى,لأن العقل الذي أنتج هذه الكبسولة وأرسلها إلى هنا أمام عجزنا على فعل ذلك,يثبت ما قلناه.
وقال الدكتور لما طرح استنتاجه على العلماء أن المشكل الذي يجب البحث عن حل له هو:كيفية التواصل مع هذا الطائر ؟
وفجأة دخل أحد الموظفين بنازا مسرعا, ويبدوا عليه سمات المستغرب والمندهش, ثم قال بصوت متلعثم: لقد...لقد...تكلم؟
 من...؟
 الطائر.
 ماذا قال؟( وهو يسرع نحو المختبر )
 كلاما كثيرا... ستسمعه.
 بلغتنا؟
 أجل.
وما هي إلا لحظات حتى وجد الدكتور نفسه أمام ذلك الجسم الغريب, والأمر الرهيب, ثم دخلا في حوار لساعات.عرف من خلاله أن الطائر ينتمي إلى الصورة السلبية للكرة الأرضية, حيث أن الحيوانات أصحاب الألباب و السلطة, و الإنسان كالذي يحمل أسفار.

لا للسياسة

مرت عقود وهو في ذلك المنصب, متربع على عرش الرئاسة, لا يجيد سوى التربع و السكون. لكن على ما يبدوا اليوم قد آلمه ضميره وثارت فيه النخوة و الحمية العربية, وقرر أن يحرك ساكنا, وأن يفعل شيئا. فتململ قليلا على كرسيه, وبدأ في إلقاء خطبته الروتينية التي عهدها الإعلام وعهدها الناس, والتي لم نفهم سوى: إننا نجتمع دائما لدراسة القضايا الجديدة المتعلقة بالأمة العربية, إلى أن تظهر قضايا أخرى سندرسها, فالوحدة العربية هي مبتغانا و هدفنا الأسمى الذي نسعى إلى تحقيقه, وإننا نناشد المجتمع الدولي و خاصة صندوق النقد الدولي بأن يمدوا لنا يد العون ماديا , لكي نتمكن من إنجاز ما يصبوا إليه المجتمع العربي .
يبدوا أن ضميره لم يؤنبه, فربما كان جيبه. إنه كالبحر,فالمد والجزر لا يزيد من مساحته إن لم ينقص.

واستمر معاليه في إتمام خطبته وكله حماس وتأثر:إننا ندين العمل الذي قامت به القوات الإسرائيلية, وقتلها لمائتي فلسطيني شيبا وشبابا, رجالا ونساءا وأطفالا, وجرح الآلاف...ومن جهة أخرى إننا نشجب و ندين ذلك العمل الشنيع و الإرهابي الذي قامت به حماس, جراء اغتيالها لجندي إسرائيلي حاول قتل المصلين داخل الحرم القدسي, ونطلب من سعادة رئيس الوزراء الإسرائيلي إجراء هدنة لمدة شهر واحد, حتى يتمكن الشعب الفلسطيني العزيز من دفن شهدائه, وتطبيب كلماه, وبناء المهدوم, وزرع الأشجار... لكي تجد الدولة الإسرائيلية الشقيقة ما تقتل وتجرح وتهدم في المرة القادمة, وتقبلوا منا باقة ورد وغصن زيتون و راية بيضاء.

فسكت سعادته, وبدأ الصحافيون في طرح الأسئلة.
فسأل أحدهم, قائلا: ما رأيكم في الوضع العراقي الآن ؟
  إننا نشكر قوات التحالف على عملها المطلق بالعراق ومحاربتها للفساد والإرهاب, وإننا نهنئها بعد نجاحها في القضاء على حزب البعث والشيعة والسنة... ولقد وصلنا ـ من مصادرنا ـ أن الإرهابيين يختبئون في المساجد العراقية , لهذا نقترح عليكم إغلاقها حتى يتم القبض على المخربين, وتقبلوا منا آبار نفط وأرواح المسلمين .

واستمرت التعليقات و التنميقات.
وما إن انتهت حصة المحفوظات, حتى رفع الرئيس الأمريكي في بيته, والإسرائيلي في مجزرته سماعة الهاتف للرئيس, قالا:
إننا نبشرك بفترة رئاسية أخرى.

مهرجان الخداع

حان وقت الانتخابات, فكثرت الولائم والسهرات, وكثرت الخطب و التبشيرات. فكل مرشح له فنه في التخدير, وكل صوت ليس له ضمير, ولهم عذرهم, فنحن في عصر الرأسمال, ومن كان جيبه فمه, كان خطأه أقل من صوابه, ونجاحه أقرب من فشله. فشيدوا للكذب قصورا, وابنوا للخداع حصونا, وقسموا الشعب إربا إربا. فكثر الأدب وأهل الأدب, وعمت الشعارات والجداريات كل مكان .

فأحدهم يقول:سوف أكسي العراة, وأطعم الجوعى, وأعلم الأمي ...
وآخر:سوف أجهز الوديان, وأكثر من السدود, حتى يعم الخير البلاد, ونقضي على الفساد...
وآخر:سوف أجلب الكتب والكتاب, وأشجع الفن والفنانين, ولتحيى روح الإبداع...

وآخر:إنني ما رشحت نفسي إلا لخدمتكم, والسهر على راحتكم لذا سوف...
وعمت الخطابات كافة مجالات الحياة, حتى ضاع المصوت في متاهة الانتخابات, وحار من يتبع أمام هذه المصداقية والشفافية, لكن بضعة دراهم كفيلة بحل المسألة, وكشف الظلمة, وتنوير الطريق. فعادة يكون المرشح سخيا في هذه الفترة, لكن سيأتي يوم يرجع فيه ما ضاع ويزيد, وربما يستعد لحملة أخرى من مال الشعب, لأنه سيعطيها للشعب, لكنه يأخذ أكثر مما يعطي.
وسيقول أيضا :سوف...
فلما كثرت سياسة التسويف.أجمع العرب على إزالة سوف من معاجم اللغة العربية.
لكن حتى لو أزالوا اللغة العربية بأكملها, فسوف يكذب المرشح بلغة أخرى.

محاكمة

قيل أن القانون ذهب يشكوا القانون إلى القاضي, بدعوى أنه لا يحترم القانون, وبعد أن درس القاضي الملف, حدد موعد للمحاكمة. لكنها أجلت إلى موعد آخر, ثم آخر... لكنها هذه المرة لا تقبل التأجيل, فقد حضر واضع القانون, فأقيمت الجلسة العلنية, وطلب القاضي مداخلة الطرفين في القضية.
فقال المدعي :إن ما يشهده الواقع العربي من تأزم للأوضاع, وكثرت الفساد الإداري والاجتماعي... وانتشار الرشوة و الربا وغيرهما. وعدم احترام للقانون حتى من حماته للأسف, وليت الأمر يقف عند هذا الحد, فحتى القانون ليس صالحا.

لهذا أقف أمامكم الآن, معلنا عن رفضي الشديد و استنكاري لهذا الوضع, لهذا أطلب إنزال أشد العقوبات القانونية عليه. وشكرا.
فرد المدعى عليه: إن كل الاتهامات التي جاء بها المدعي باطلة ولا تمت بأي صلة للواقع, فإن العرب يشهدون عصرا من الرقي و الازدهار, وإنه لولاي لما عم الأمن والاستقرار في جميع أرجاء الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الثقافية, والنتائج على أرض الواقع واضحة, وضوح الشمس يوم القيامة.
فحار القاضي أيهما يصدق, ثم قرر أخيرا: وحكم على القانون بأنه يشكو من انفصام في الشخصية, وأدخله مستشفى الأمراض النفسية.
فوضع قانون آخر, يرفض شكوى القانون أو مناقشته...

حي أم ميت ؟!

في عصر أصبح الكل خائفا من الكل ، طرقت باب الرجاء لعلي أحضى بنسيم من الأمان في غابة الإنسان. فبحثت عن اليقين بين دفتي الزمن ، فلم أجد سوى نار تأخذ مني دون خوف ، فأيقنت أن موتي نهاية بؤسي، فتأملت قليلا حولي أبحث عن سدرة منتهاي، وأدركت أنني في هذا اليوم لن أصل إلى شيء مهما كثر بحثي ، فهنا عالم آخر لا نهاية له خالد خلود الله سبحانه ، فتأبطت خوفي وسرت في الأرجاء ، وصرخت بأعلى صوتي: هذه نهاية العالم، وأنني باني العالم الجديد.

في طريق إلى الأمل وجدت كهلا أخذ منه الزمن كثيرا يضحك دون إكثرات للمحيط. فاقتربت منه رويدا رويدا. فنظر إلي نظرة عطف وحنان، ثم أشار لي بالمجيء ، جلست أمامه بحذر شديد. ثم وضع يده على ركبتي قائلا والضحكة لا تفارقه: لماذا أراك خائفا يا بني؟
 أنت كذلك خائف، لكنك تداريه بالضحك.
 هكذا علمتني الحياة، وهو مذهبي الذي دأبت عليه.
 إنك بهذا تسخر من نفسك لا أكثر، فهذا لن يغير حتى نملة عن طريقها، فكيف يغير أمة...؟!!
 إن الأمة التي تتكلم عنها لا تنتظر من شيخ مثلي أن يقرب الفجر.
 إننا نحتاج للأجداد في البرزخ، فهم من جعلوا لنا ماض نتغنى به عند الحاجة. فكيف لا نحتاج إليك؟
 سأدلك على مقبرة وخذ منها ما شئت، ولا تفسد علي فرحتي.
 نحن لا نريد أمواتا فهم كثر هنا.
 ومن قال لك أنني حي .
 حقا، إن موتك أشد مضاضة من الموت نفسه...!!
فمت حيا وأنا الذي كنت أحي الأموات.

عالم آخر

أسير دون وجهة في ظلام دامس لا أرى فيه باقي جسدي ولا ألمسه، حتى أنني أشكك في وجودي، لكنني أسمع صيحات هنا وهناك دون أن أعرف مصدرها أو حتى مكانها ، أشعر أنها تقترب مني ببطء، تقترب مني حتى أظنها في داخلي ثم تعود لتبتعد ببطء.
في هذه اللحظات أتصبب عرقا من الخوف دون أن أراه أو ألمسه فقط أحس به. أحيانا أشم رائحة عطر فأتجه نحو مصدرها المظنون، وما هي إلا بضعة أمتار حتى تتحول الرائحة الطيبة إلى كريهة و خانقة، أهرول مبتعدا عنها خوفا من هلاكي، لكنها تتبعني دون ملل ولا ضجر. وأظل على هذه الحالة لساعات حسب تقديري فأنا هنا خارج الزمن والمكان, ولا وجود لأبعاد ولا إحداثيات.

بحثت عند قدماي لعلي أجد تربة أو حصى، فلم أجد سوى الفراغ. تساءلت: هل خرجت من مجموعتنا الشمسية، حيث لا جاذبية ولا ضوء؟!
أصبح عقلي غير قادر على احتواء القدر، حاولت الانتحار لعلي أنهي المأساة ، لكن، كيف؟ فلا وجود لمرتفع أسقط منه ولا سم أرتشفه، ولا وجود ليد أخنق بها عنق غير موجود.

كلما أكثرت من التفكير تزداد الأمور تعقيدا لا أجد خلاصا منها، فهل أضع كفي على وجهي وأنتظر مجيء الفرج؟ وما عساي أفعل؟
لكن كيف أتيت إلا هنا؟ ومتى؟ ولماذا؟... أذكر أنني كنت في عالم غير هذا، نعيم لا حدود له، هناك الطبيعة الغناء، والإنس والجن، والحياة والموت، والجوع والظمأ...وهنا لا شيء، لا شيء!

أحسست للحظات أن عقلي سينفجر أو أفقده. أغمي علي لشدة ما تلقيته.
وعندما أفقت وجدتني تحث السرير!!

العذاب الحلو

من هنا مر ذلك الطيف الذي لا يفارقني مهما حاولت نسيانه، فلا هو الظل الذي يختفي في الظلام، ولا هو القمر الذي يخجل أمام الشمس. في حقيقة الأمر كل الناس معهم ثلاثة الله سبحانه وتعالى والحفظة أما أنا فمعي أربعة. وسجلت بقطرات من الدم أنني عشت لأجلها، وسأروي أني حييت بلا روح ولا جسد فالكل لها ولو كانت العبادة لغير الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم لعبدتها، فهي الجنة التي تمنيتها، والنعيم الذي لطالما حلمت به، والشجرة التي أعلق عليها فؤادي وكل وفائي.

فحرت بين المسجد ومكانها، ولو كانت هي المسجد لضمنت الجنة. إنها المجد الذي أبحث عنه والغنى الذي لا فقر بعده، والبقاء الذي لا فناء يليه. فنلت ما يناله المحب الولهان، ولقيت ما يلقاه الملوك في قصورهم. فأخذت عدتي وعتادي لحرب أعلم أني خاسرها لكنه الحب قد أعمى بصيرتي ، وأخذني مني، ولو خيرت بين الحياة وبينها لاخترتها، فالموت أهون من فراقها، فهي الدم الذي يسري في عروقي ، والروح التي تحييني، والقلب النابض بحبها، والأمل الذي طال انتظاره دون يأس.
فعشت على هذا ومت عليه، فكل الناس يموتون وينسون الدنيا ولا يأخذون معهم شيءا إلا كفنهم، أما أنا فهي كفني ولن أخاف عذاب قبر ولا حساب.

طمع

سأجد لنفسي مخرجا من هذا المأزق الذي أرق صفو حياتي وجعلني أراجع ملفاتي بحذر، ولا أخط خطوة قبل دراسة دقيقة لما بعدها فالدنيا لا تخلو من الغدر، وسأتقي شر من أحسنتُ إليه، وسأجعل عدوي أقرب إلي من صديقي فالوفاء عندنا من العملات الصعبة التي نفذت من خزانتنا.
أصبحت لا أثق بالأموات في قبورهم، فكيف أثق بمن يدب على الأرض؟ وهم الذين جعلوني أنسى كل جميل، وأتمنى الموت بدل العيش في حياة يأكل بعضها بعض، حياة ملأى بالخيانة والغش و الكذب .

لن أنسى ذلك اليوم الذي وجدتني بلا أصدقاء ولا أقارب في زنزانة التعذيب, فأصبحت من ماضيهم الذي بخلوا عليه حتى بالذكر، فمحوا إسمي من ذاكرتهم وشيدوا لي قبرا ألحقوني بالشهداء دون موت، هذه معادلة حلوا رموزها بلا عناء ولا تفكير، حقا إن الإنسان يتخنزر بلا حياء. فمن قل ماله قل شأنه، ومن قصرت يده عنهم طالت يدهم عليه.

ولن أنسى ذلك اليوم كذلك الذي خرجت فيه براءة وقدمت إلي تعويضات بالملايين، فانهال علي حشد صعب علي عده، فأصبح البعيد قريب والمجهول معلوم، فمنهم باك ومستنكر ومعتذر. فأظهرت الرضى وتبادلت القُبل والضحكات الملونة، فقبلت الهدايا وبادلت "الإحسان" بالإحسان، فأسست للعفو مدرسة وللرحمة مبدأ وللماض ذكرى طالها النسيان .
وعلمت مؤخرا أن الحياة للذئاب، لكنني رفضت أن أكون ذئبا ؟!

خيانة

لمحتها ــ وهي التي كانت عندي الدنيا وما فيها ــ تخونني مع من منحته مالي ودمي وللأسف حتى عرضي . فبكيت حتى ملني البكاء ، وصرخت حتى ضاعت حنجرتي ، فلم أجد بدا من قتلها وقتله . فعزمت على هذا ، واتجهت نحو "قصره" الذي سرقه مني وسرق صاحبته ، وأنا الذي أعطيتها إياه ، وصرفت لها من المال والجاه ما لا طاقة للملوك عليه ، وشيدت لها من وسخ الدنيا جبالا ومن نجوم البحر عرشا ومن قلبي حبا عجز الكون عن حمله.

دخلت القصر من بابه الخلفي ، اتجهت نحو المطبخ بحثا عن سكين أقتل به نفسا كانت نفسي وروحا كانت روحي وأضع حدا لقصة حب كانت خدعة ورديلة، فنلت مرادي ، وذهبت صوب الصالون لأجده متربعا على عرشه وعرشي والخائنة بجانبه تسامره ويسامرها... وما إن رأتني حتى أغمي عليها من الخوف . ودخلت في شجار مع الشيطان، فنلت منه بطعنات من خنجري وقطعته إربا إربا ورميته طُعما لكلاب جائعة على مرأى عشيقته ، ودفنت بقايا هيكله العظمي .
أما هي فأصبحت صماء بكماء بعد الحادثة ، وكان من الممكن شفاؤها ، لكنني فضلت وضعها في مستشفى الأمراض العقلية انتقاما منها، وإقصاءا للشاهد الوحيد على جريمتي.

فأخذت حقي بيدي، وبنيت حياة زوجية جديدة ، وأسست للحذر مدرسة وللتعذيب فن وممارسة، فكلما رأيتها تحوم في الشوارع والأزقة بلا ثوب يسترها ويحميها من شهوة الرجال العمياء وكلام النساء الذي لا ينتهي اندمل جرحي أكثر. لكنني تمنيت أن يحي الشيطان حياتها.

مؤامرة

السماء مكبدة بالغيوم كأننا في يوم ممطر، لكن على العكس تماما بل نحن في يوم السماء فيه زرقاء والنسيم عليل والشمس مشرقة وأعمدتها الذهبية تتلألأ في السماء الصافية.
وفي لحظة عابرة تحول كل هذا إلى دخان كثيف بشكل غيوم تصعب معه الرؤية، والطائرات تحلق في الفضاء معلنة عن موسم الضجيج والصُم. والناس يهرولون دون وجهة، والكل يبحث عن أولاده أو آبائه...
ــــ لم أعرف ماذا يحدث ؟
الناس هاربون من بيوتهم منهم من يبكي ومن يصرخ قائلا : أين أبي العجوز؟ وآخر : أين إبني؟ ومنهم من يهرب... ممن؟ لا أدري؟!!
فجأة سقطت قنبلة بالقرب مني طرحتني أرضا مغميا علي، وبعد صحوتي بدأت فحص جسدي بهلع شديد ، فمن يعلم ؟ قد تفقدني هذه الكتلة من الدمار يدا أو رجلا أو عقلا .

عندها أدركت أنه العدو قد جاء " باحثا عن أسلحة دمار شامل وإرهابيين" . لكنهم هذه المرة كمثلها لم يجدوا أسلحة ولا إرهابيين، فأخذوا بدلهم آبار نفط وأرواح المؤمنين.

أما العرب فقد أبدوا حكمة كذبت كل توقع ، فشكروا" العدو" على تدمير حضارتهم وقتل أولادهم وشيوخهم واغتصاب حرمة نسائهم وأسر شبابهم وتدنيس قرآنهم وأرضهم...
حقا إن العرب عرفوا بالكرم والإثار قديما ولا زالوا على ملة الأجداد ويزيـــــــــــــــ...ــد ؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى