الجمعة ٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد محمود القاسم

العنف ضد المرأة

صراع بين الذكورة والأنوثة، منذ الأزل، والبادي أظلم

خرج الرجل العربي من الصحراء العربية، وهي شبه الجزيرة العربية، وأهل الصحراء، معروفين بالقسوة والجلافة لصعوبة العيش، وشدة حرارة الشمس، وقلة المياه، وصعوبة الحصول عليها، وانتشروا في بلاد الشام وفلسطين والعراق وشماله، ووصلوا الى مصر والمغرب العربي والى الهند والصين وجنوب شرق آسيا.

طبيعة العربي وبيئته حتمت عليه صفة العنف والغزو والاستيلاء على مراده بالقوة، ورجل الصحراء هو الآمر الناهي، وبقيت صفته هذه الى يومنا هذا نسبيا، ونشرها معه في غزواته، والتي أوصلته الى كافة بقاع المعمورة كما هو معروف، من شرق الصين، الى أواسط أوروبة، عبر ما يعرف بالفتوحات الإسلامية.

المرأة العربية تربت على أيدي الرجل، يؤمرها فتطيع، يطلبها فتحضر له فورا دون تأخير، اذا تكلم، سكتت، وكلها آذانا صاغية، لا يجوز أن تأكل قبله، بل بعده، وإذا أكلت معه، وشبع هو، شبعت معه، لا يجوز لها أن تشرب قبله إلا بعده، اذا ضحكت، أتهمها بأنها تضحك عليه، وإذا تألمت، وصفها بأنها (مغنوجة) فهي المفروض، انها لا تمرض------الخ من المواصفات والصفات، وبهذه الطريقة، صقلت نفسية المرأة العربية بالخنوع والخضوع والقبول وعدم الرفض، منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، عندما قامت اول الهجرات العربية من الصحراء العربية.

كانت العرب في عصر الجاهلية، وقبل الإسلام في الصحراء، يعيشون حياتهم على أساس القوة، فالقوي يأكل الضعيف، والأخ ينصر أخاه ظالما أو مظلوما، والمرأة كانت تعتبر انسانة ضعيف، لا يجوز الاعتداء عليها، أو إيذائها، فهذا من المحرمات بين القبائل، أما في داخل القبيلة، فكلمتها غير مسموعة إلا ما ندر، إلا اذا كانت لها عزوة او لها شهرة خاصة، وغير ذلك، فهي تباع وتشترى، وتقدم بدل عوض، في حوادث القتل (فصلية) التي تحدث في الصحراء. زواجها في العصر الجاهلي متعدد الأنواع، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك عدة أنواع من الزيجات، حرمها الإسلام فيما بعد مثل:

1-نكاح الاستبضاع:

هو نكاح مؤقت، كان الزوج يدفع زوجته إليه، ويحدد مسبقا ماهية الرجل الذي ستتصل به زوجته جنسياً، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة، وغالباً ما يكون هذا الرجل شاعراً او فارساً، رغبة منه في إنجاب طفل له من زوجته بمواصفات معينة.

كان الزوج يقول لامرأته:"اذهبي الى الفارس فلان فاستبضعي منه" أي جامعيه، ويعتزلها زوجها فلا يمسها إلا بعد ان يتأكد حمل زوجته من ذلك الفارس، ويتم التفاهم بين اللزوجة وبين الرجل الفارس مباشرة او من خلال تفاهمه مع زوجته اذا كان متزوجا.

2-نكاح المخادنة:

كانت المرأة قبل الإسلام، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر، غير زوجها، يكون لها بمثابة العشيق، ولا يملك الزوج حق منعها عنه، واغلب الظن ان هذا العرف استمر حتى بعد الإسلام، وإن بشكل سري، رغم النهي القرآني الصريح عنه، وهذا النكاح، لا تتم فيه مجامعة جنسية، وكل شيء فيه مباح"كالغمزة والقبلة و الضم، بحيث يكون للعشيق نصفها الاعلى يصنع فيه ما يشاء، ولبعلها من سرتها الى أخمص قدميها، وهذا حسب اتفاق يتم بين العشيقين المتحابين.

3-نكاح البدل:

وفيه يتم تبادل الزوجات، بشكل مؤقت، بين الزوجين وبإرادتهما، لغرض المتعة ولتغيير روتين الحياة الممل فقط، وإذا كانت إحدى الزوجتين أجمل من الأخرى، يمكن دفع تعويض بدلا من ذلك، مبلغا معينا من المال يتفق عليه بين الزوجين.

4-نكاح المضامدة:

وهو ان تتخذ المرأة زوجاً إضافيا، زيادة على زوجها، لأسباب اغلبها اقتصادية، " كأن تصادق المرأة اثنين او ثلاثة من الرجال، في حالات الفقر ووجود القحط.

5-نكاح الرهط:

وهو من أنماط تعدد الأزواج، الذي مارسته المرأة قبل الإسلام، حيث يجتمع ما دون العشرة من الرجال، فيدخلون على المرأة كلهم، فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم، وادعت بان فلانا منهم هو والد ذلك الطفل، فتمنحه إياه.

6-نكاح السر:

وهو اقتران سري يعقده احد من الأشراف عادة مع من هي دونه في المنزلة الطبقية او الاجتماعية "فإذا حملت منه، أظهر ذلك علنا وألحقها به".
7-نكاح الشغار:

هو استنكاح تبادلي، كانت تلجأ إليه العرب في الجاهلية، بأن تتزاوج من خلال تبادل امرأتين من بنات الرجلين العازمين على الزواج او أختيهما، على ان تكون المرأة المعطاة بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها..ولفظة الشغار جاءت من الشغر أي الرفع..فقد ظل تأويل الصداق مثار اجتهادات مختلفة من الفقهاء إضافة الى تأويل النهي ذاته وفيما كان يقتضي إبطال النكاح أم لا؟
8-نكاح المساهاة:
وهو نكاح ملحق بنكاح الشغار تفرد بذكره أبو حيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) بأن للعرب نكاحا يسمى:المساهاة بمعنى المسامحة وترك الاستقصاء في المعاشرة، وهو ان يفك الرجل اسر الشخص ويجعل فك ذلك الأسير صداقا لأخت صاحب الأسر او ابنته او قريبته منه فيتزوج المعتق من غير صداق.

9-نكاح الضيزن (المقت):

وهو وراثة النكاح، الذي ينص في وراثة المرأة..زوجة الأب..او الابن..بعد موت بعلها..لتصير ضمن نساء الموروث..والعرب تقول انها عادة فارسية نص القرآن بوضوح لا لبس فيه على تحريمها:"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، إلا ما قد سلف، انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا".هذه بعض أنواع النكاح في الجاهلية، وعندما جاء الإسلام حرمها جميعها، وعلى الرغم من ذلك، فقد يحدث ما يشبه بعض هذه الحالات من النكاح في العصر الحاضر.

نتيجة لتطور الحياة وتقدمها وانتشار الثقافة بين الشعوب، بدون حسيب او رقيب، ونتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل، وظهور الانترنت، وسرعة انتقال المعلومات بسرعة البرق، وانتقال الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم بين الدول، بسرعة كبيرة ايضا، وظهور العولمة في كافة أنحاء المعمورة، وعدم فرض قيود على حركة الأفراد والسلع والخدمات، ظهرت المرأة بكافة صورها وإبداعاتها وثقافاتها، وأثبتت وجودها في ساحات العمل، وفي معظم الساحات، خاصة الساحات العربية والإسلامية، في الوقت الذي كان خروج المرأة العربية من بيتها -حتى لو كانت محجبة-شيء مستهجن جدا، ويسوده نوع من الشكوك، حتى ولو كانت بحاجة ماسة للخروج لقضاء حاجة ملحة، أما وقد تغير الحال لما ذكرته سابقا، فقد غزت المرأة كافة المواقع الاجتماعية خاصة في المدن الكبيرة وبشكل اقل في القرى، ودخلت في الأسواق والجامعات والمدارس والمجمعات التجارية والصحية والمتنزهات، وأثبتت كفاءتها وقدرتها على المواجهة، والدفاع عن شخصيتها وثقافتها وحقوقها وحريتها الشخصية، ولم يعد في خروجها مشكلة ما، وأصبحت تلبس وتختار من الملابس ما هي مقتنعة فيه وما تراه مناسبا لها معتبرة إياه ضمن الحرية الفردية للإنسان، كل هذا كان يتم بدون إرادة الرجل وموافقته بشكل عام، سواء كان الرجل هو الأب او الأخ أو الولد، فلم تعد المرأة لعبة او عجينة بيد الرجل يلعب بها كما يشاء، ، ويشكلها كما يشاء ايضا، وعي المرأة بحقوقها وواجباتها وتطلعها الى نساء العالم ودفاعها عن نفسها أمام الرجل، والذي تربى على ان تكون المرأة له لعبة و عجينة يلعب بها ويشكلها كما يشاء، دفع بالرجل الى صراع مع المرأة، وكأنه يريد ان يرجعها الى بيت الطاعة مجازا، هذا البيت او القمقم الذي تربت وتطوعت فيه المرأة، وكانت حبيسة فيه لآلاف السنين، تحت حكم الذكر، مهما كانت صلة القرابة به.

أليس الرجل من سن القوانين في المجتمع باسم الدين؟؟ أليس الرجل من اخضع المرأة لمشيئته وفرض عليها قوانينه وخروجه ودخولها الى المنزل الذي تعيش فيه. ما لم يستطع الرجل فرضه بقوة قوانينه ومحرماته و محظوراته و ممنوعاته، أراد تحقيقه بقوته الجسدية، مستغلا ضعف المرأة الجسدي، ومن هنا، كان يلجأ الى ضربها وتعذيبها وتعنيفها، ان هي عصت أوامره ونظمه وقوانينه التي فرضها عليها، مستغلا الدين بشكل تلقائي ودائم، بان النساء ناقصات عقل ودين، وأن الرجال قوامون على النساء، وان المرأة خلقت من ضلع آدم الأعوج، وان المرأة ايضا (حواء) هي التي أخرجت آدم من الجنة، وعليه فان المرأة يجب ان لا تطاع، وعلى طريقة شاوروهم وخالفوهم, ومن هنا ايضا أصبح لدى الرجل بمناسبة وبغير مناسبة، اذا استطاع ان يضرب المرأة، ويعذبها ويفترسها ويلتهمها قطعة قطعة، ويضع لها المصائد والمكائد، اذا ما حاولت ان تلعب بذيلها ولو قليلا، أو اذا حاولت الخروج عن طاعته وأوامره.

لنسمع ما أوصت فيه الخنساء ابنتها قبيل زواجها وماذا قالت لها:

أي بنية! إنك فارقت الحواء، الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة، يكن لك عبداً وشيكاً أي بنية! احفظي له عشر خصال، يكن لك ذخراً وذكراً.

فأما الأولى والثانية: الصحبة له بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: التعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح.

أما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه. فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله، والإرغاء على حشمه وعياله، لأن الاحتفاظ بالمال من حسن الخلال، ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال.

أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمنيغدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره. ثم اتقي-مع ذلك-الفرح بين يديه إذا كان ترحاً، و الاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التذكير، كوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً. كوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت.

كل تلك التوصيات، لم تخرج عن ان تكون الزوجة، خاضعة لزوجها الرجل بالكامل، وتعمل كامل جهدها على إرضائه وتلبية احتياجاته، مهما كبرت او صغرت، ومهما كانت صحيحة او خاطئة، لماذا لم نسمع عن توصيات الأم أو الأب لابنهما عند زواجه، للاهتمام بزوجته وإطاعتها وتدليلها واحترامها وتقديرها ومعالجتها وترفيهها والابتعاد عنها اذا ما كانت مريضة او معذورة وخلافه، حتى المرأة نفسها، طوعت من قبل الرجل، كي تكون أداة لتطويع المرأة لمصلحة الرجل ايضا, وهكذا صقلت المرأة عبر مئات السنين من قبل الرجل والمرأة نفسها لتكون عجينة بيد الرجل يصنع بها ما يشاء دون ان ينبس ببنة شفة.

وعندما استفاقت المرأة، على قيودها وخنوعها غير المبرر، وأرادت ان تتخلص منها، و ان تكسر هذه القيود والأغلال، وتخرج من القمقم الذي اسكنها فيه الرجل، لجأ الرجل الى كل وسيلة ممكنة، سواء الوسائل القانونية التي سنها هو أصلا، كي يفرض نفسه على المرأة، شاءت أم أبت، فإذا لم تنجح الوسائل القانونية والاجتماعية، (وغالبا لا تنفع مع النساء الواعيات لحقوقهن والمثقفات) لجأ الرجل الى العنف والتعذيب والقتل، كي يخضع المرأة بكل صور الإخضاع التي أمامه والممكنة، بدون رقيب او حسيب، وهكذا جاء العنف ضد المرأة، وهو صراع بين الذكورة والأنوثة، منذ الأزل، والبادي أظلم.

صراع بين الذكورة والأنوثة، منذ الأزل، والبادي أظلم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى