الأحد ٢٩ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم مهري مختاري رشيد آباد

الفرق بین الریح والریاح من وجهة نظر المفسرین

مهری مختاری رشیدآباد، ماجستیر فی اللغة العربیة وآدابها، جامعة آزاد الإسلامیة فرع کرج

الموجز

 تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على أبرز وأهم المظاهر الکونیة و الطبیعیة التي یواجهها الإنسان فی حیاته ولها أثر مباشر وفوائد جمة فی حیاة الإنسان وهی الریح التی ذکرت بصور مختلفة وبأسماء شتی فی القرآن الکریم. إن هذه الظاهرة الطبیعیة آية من آياته الدالة على وحدانيته و ربوبيته، والله عز وجل قد أقسم بها في عدة مواضع من كتابه. وإن هذه الظاهرة الکونیة قد وردت فی القرآن الکریم أحیانا بلفظ الریح مفردا وأحیانا بلفظ الریاح مجموعا.

ویهدف هذا المقال إلی إلقاء الضوء فی طبیعتها والفرق بین الریح و الریاح الذی یلفت الإنتباه للنظر ویحتاج إلی التعقل والتفکر وأخیرا موقف المفسرین منه.

الکلمات المفتاحیة: القرآن الکریم، الریح، الریاح، المظاهر الکونیة، أسماء الریح.

المقدمة

يدعونا الله تعالی في المصحف الشريف إلی التعقل والتدبّر و التفقه، علي سبيل المثال ‌في‌ هذه الآيات:﴿كَذلِك يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرُونَ﴾ [1] و ﴿فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾ [2] و﴿كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ‌﴾ [3] و﴿انظُركيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهونَ﴾ [4] وفَضلاً عن ذلك أمرنا بالنظر إلی الطبيعة والسَّير فيها في هذه الآيات: ﴿انظُروا ماذا فِي السَّماواتِ والأَرضِ﴾ [5] و﴿سِيرُوا في الأَرضِ﴾ [6] وهنالك ظواهر قرآنية غريبة لابد أن يتوقف أمامها الإنسان ويتأمل عجائبها.
فلله في خلقه آيات باهرة ومعجزات قاهرة فی حاجة ماسة إلی التأمل والتفکر؛ حیث قد يرسل بعضها بالخير والرحمة و بعضها بالعذاب والنقمة، يحصل بها ابتلاء لبعضهم ونفع لآخرين. ورغم الخوف منها؛ فإن الإنسان فی حاجة ملحة إلیها. ومن هذه الظواهر الطبيعية التي ذكرت في القرآن مرارا هي الريح.

وقال أبوعلي: «(الريح) اسم علی وزن (فِعَل)،‌ والعين منه واو فانقلبت ياء في الواحد للكسرة وصحت في الجمع القليل لأنّه لاشيء يوجب الإعلال ألا تری أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في مثل يوم وقول وعون ...» [7]

وقد ذُکرت الريح خمسين مرة في آيات شتّی بالأسماء والأحوال والآثارالمختلفة. ومن تلك الأسماء هي: الحَاصِب، والذارِيات، و الرُّخاء، والسَّموم، والصَرْصَر، والطُّوفان، والعَاصِف، والإعْصَار، والعَقِيم، والقَاصِف، واللَّوَاقِح، والمُبَشِّرَات، والمُرْسَلات، والناشِرَات.
وأما الریاح بصيغة الجمع فقد وردت في القرآن الكريم عشر مرّات، مذكورة في: سورة البقرة آية (164)، والأعراف (57)،‌ والحجر (22)،‌ والكهف (45)،‌ والفرقان (48)، والنمل (63)،‌ والروم (48و46)،‌ وفاطر (9)،‌ والجاثية (5). وكلمة «ريح» ذکرت أربع عشرة مرة في سورة: آل عمران (117)،‌ وذكِرت مرّتان في يونس (22)، ويوسف (94)، ‌وإبراهيم (18)،‌ و الإسراء (69)، ‌والأنبياء (81)، ‌والحجّ (31)، وسبأ (12)،‌ وص (36)،‌ والشوري (33)، و الأحقاف (24)،‌ والذاريات (41)،‌ والحاقّة (6). کما أن كلمة «ريحاً » ذکرت أربع مرّات في سورة: الروم (51)، ‌والأحزاب (9)،‌ وفصّلت (16) والقمر (19).

وذكر سائر أسماء الريح وصفاتها في الآيات التالية: لفظ «الحاصب»: الأسراء (68)، ‌و العنكبوت (40)،‌ والقمر (34)،‌ والمُلك (17) و«الحاملات»: الذاريات (2)،‌ و«الذاريات»: الذاريات (1)،‌ و«الرخاء»: ص (36) و«السموم»: الواقعة (42) و«الصرصر»: فصلت (16)،‌ والقمر (19)، ‌والحاقّة (6) و«الطوفان»: الأعراف (133)،‌ والعنكبوت (14)،‌ و«العاصف»: يونس (22)،‌ وابراهيم (18)، والأنبياء (81)، ‌والمرسلات (2) و« الإعصار»: البقرة (266) و«العقيم»: الذاريات (41) و«القاصف»: الأسراء (69) و«اللواقح»: الحجر (22) و«المبشرات»: الروم (46) و«المرسلات»: المرسلات (1) وأخیرا «الناشرات»: المرسلات (3).

إذا أمعنا النظر في آيات القرآن،‌ نشاهد أن الرياح تأتي حيناً بصيغة الجمع «الرياح»،‌ وحيناً بصيغة المفرد «الريح». ولو نظرنا بدقة فی هذه الآیات للاحظنا أن الرياح حینما تذکر بصیغة الجمع تأتی دائماً مع الرحمة والخير والنعم مع ألفاظ مثل المبشّرات،‌ والحاملات، ‌والمرسلات، والناشرات، ‌والذاريات، واللواقح. ولکنها حینما تذکر مفردة تكون مقترنة بالعذاب في كلمات مثل العاصف،‌ والقاصف، ‌والصّرصر، والعقيم.
ويقول النويري: «روي عن رسول الله (ص)،‌ أنه قال: الريح من روح الله تعالي، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب. فلاتسبّوها، ‌واسألوا الله خيرها؛ واستعيذوا بالله من شرّها. أخرجه البيهقي في سننه». [8]
ويقول القرطبي في تفسيره: «قال أبوعمرو: وكل ما كان بمعنی الرحمة فهو جمع، وما كان بمعنی العذاب فهو موحّد». [9] وجاء ذكر الريح بالإفراد والجمع في 29 موضعاً من القرآن الكريم، منها 19 مرّة بالإفراد و 10 مرّات بالجمع. ويقول الطوسي في التبيان: «وفي الرحمة تجمع الرياح؛ لأنها جمع الجنوب و الشمال والصبا. وفي العذاب (ريح)؛ لأنّها هي الدّبور وحدها و هي عقيم، ‌لا تلقح، فكل الرياح لواقح غيرها». [10].

ويتفق الكثير من الكتاب و المفسرين في هذا القول كما يقول صاحب مفردات ألفاظ القرآن: « ... وعامة المواضيع التي ذكر الله تعالی فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة من العذاب، ‌وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فهو عبارة عن الرحمة» [11] والسبب کما ذکره البعض أن الريح تكون مركّزة في تيار واحد مثل شعاع الليزر فتكون مدمرة، بينما الرياح تأتي مثل الضوء العادي يتألف من عدّة ألوان فتكون نافعة.

يقول الله تعالی في حالة رياح الرحمة: ﴿وَهُوَ الذَّي أَرسَلَ الرِّياحَ بُشراً بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ َ اَنزَلنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾. [12] وأما في حالة الريح الشديدة والمدمّرة فقد قال تعالی: ﴿فَلَمّا رأَوهُ عارِضاً مُستَقبِلَ أَودِيَتِهِم قالوُا عارِضٌ مُمطِرُنا بَل هُوَ ما استَعجَلتُم بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أليمٌ﴾. [13] و روي أن النبي (ص) كان يقول إذا هبت الريح: «اللّهُمَّ اجْعَلهَا رِياحاً وَلاتَجْعَلْهَا رِيحاً». [14]؛ لأن علی العموم ما جاء بلفظ الرياح يدلّ علی‌ الرحمة وما جاء بخلاف ذلك يدلّ علی العذاب والهلاك . ويقول صاحب البرهان في علوم القرآن: «... ونقل السيوطي – رحمة الله – عن ابن أبي حاتم أنّه نسب لأبي بن كعب أنه قال: كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب». [15]

وهناك أقوال في حكمة ذلك منها قول الدكتور أحمد عبدالله مكي: «فورود كلمة الرياح مع الجمع تعني أنّ الرياح بهذه الصفة المقرونة بها قد يحدث في نفس الوقت علی أماكن أخری من الكرة الأرضية مثل تصريف الرياح أو إرسال الرياح فهي كمرسلات هنا وهناك ناشرات في نصف الكرة الشمالية والجنوبية في نفس الوقت. أما الإفراد فإنها تأتي بمواصفات خاصة كجسد واحد يؤدي غرضاً محدوداً،‌ فريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء تؤدي غرضاً بعينه». [16]

يقول صاحب لسان العرب فيها: «و قد وعی العرب هذه الحقيقة المناخية، فربطوا بين نزول المطر و اختلاف جهات الرياح فقالوا: لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة». [17]

ویقول صاحب البرهان في علوم القرآن عن حكمة ذلك: « رياح الرحمة مختلفة الصفات والماهيات و المنافع وإذا هاجت منها ريح أثيرلها من مقابلها ما يكسر سورتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان و النبات فكانت في الرحمة رياحاً. ورياح العذاب فإنّها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع». [18]

ذكر فیما سبق الفرق بين الرياح و الريح، ‌وهو أن الرياح مقرونة بالطيب والريح مقرونة بالعذاب،‌ ولكن قد خرج الله تعالي عن هذه القاعده و نری أنّ الريح مستعملة بمعنی الرحمة أحیانا، ‌في قوله تعالی: ﴿هُوَ الذِي يُسَيّرُكُم فِي البَرِّ والبَحرِ حَتّی إذا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ‌فَرِحُوا بِها...﴾. [19] وهناك سؤال وهو لماذا ذكر لفظ الريح علی‌ خلاف العادة بمعنی الطيبة ولم يذكر لفظ الرياح؟ فأجیب: إن هذه الريح الطيبة مرتبطة بعذاب بعدها مباشرة، ‌وكأنّها تعبر عن الهدوء الذي يسبق العاصفة، ‌فيبدو الهدوء ظاهراً وإذا به يخبيء عذاباً ودماراً، ‌وهذا ما يتضح عند تكملة الآية «جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَ جَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُم أحِيطَ بِهِم ... .
هناك أقوال في تعليل ذلك منها قول القرطبي في تفسيره‌: «فجاءت الريح في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب إلا في يونس، ‌آية 22، وذلك لأنّ ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنّها جسم واحد، ‌وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح،‌ فأفردت مع الفلك في يونس؛ ‌لأنّ ريح إجراء السفن إنّما هي ريح واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب بريح طيبة فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب». [20].

وهناك سؤال آخر أيضاً، ‌لو يفرح أصحاب السفن بريح واحدة وهي مطلوب عليهم فلم ذكر الله تعالي في: ﴿فَيُرسِلَ عَلَيكُم قاصِفاً مِنَ الرّيحِ فَيُغرِقكُم بِما كَفَرتُم﴾. [21] لفظ الريح مفرداً في سياق البحر والسفن وبقصد العذاب؟ ويقول الدكتور عمر عبدالهادي عتيق في ردّه: «وتعليل ذلك أن الفعل (يرسل) لم يسند إلی الريح وإنما إلی المعمول (قاصفاً)،‌ وهذا يعني أن الريح وإن كانت باتجاه واحد كما تشتهي السفن إلا أنها إذا كانت شديدة قاصفة؛ فإنّها تؤدّي إلی إغراق السفينة ولهذا لم يقل يرسل عليكم ريحاً في سياق البحر والعذاب،‌ وإنما قال: (فيرسل عليكم قاصفا من الريح [سورة الإسراء آية 69])». [22]

وهذه الآية هنا عن حال شخص يصيب ببلاء عظيمة فيصير مأيوسا عن جميع الخلق، ‌فيصير متضرعاً جدّاً إلی الله ثم إذا نجاه الله سبحانه ينسي رحمة الله. يقول الإمام الفخر الرازي حول هذه الآية: «واعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود،‌ حصل له الفرح التام و المسرة القوية، ثم قد تظهر علامات الهلاك دفعة واحدة.

 فأولها: أن تجيئهم الرياح العاصفة الشديدة.
 وثانيها: أن تأتيهم الأمواج العظيمة من كل جانب.
 وثالثها: أن يغلب علی ظنونهم أن الهلاك لواقع،‌ وأن النجاة ليست متوقعة،‌ ولا شك أن الانتقال من تلك الأحوال الطيبة الموافقة إلی هذه الأحوال القاهرة الشديدة يوجب الخوف العظيم، ‌والرعب الشديد، ‌و أيضا مشاهدة هذه الأحوال والأهوال في البحر مختصة بإيجاب مزيد الرعب،‌ والخوف ثم إن الإنسان في هذه الحالة لايطمع إلا في فضل الله و رحمته،‌ ويصير منقطع الطمع عن جميع الخلق، ‌ويصير بقلبه و روحه وجميع أجزائه متضرعاً‌ إلی الله تعالی، ‌ثم إذا نجاه الله تعالي من هذه البلية العظيمة، ونقله من هذه المضرة القوية إلي الخلاص والنجاة،‌ ففي الحال ينسی تلك النعمة ويرجع إلی ما ألفه واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة، فظهر أنه لايمكن تقرير ذلك المعنی الكلی المذكور في الآية المتقدمة بمثال أحسن وأكمل من المثال المذكور في هذه الآية». [23]
إنّ لكل كلمات القرآن حكمة، ولذكر لفظ الرياح علة أيضاً فلابد لنا أن نعرف أنواعها وخواصها و وظائفها في المصحف، في البداية یشار إلی تقسيماتها ثم نتناول خواصها و آثارها و وظائفها من وجهة نظر القرآن.

هناك تقسيمات شتی للرياح، منها:

«قال عبدالله بن عمرو: الرياح ثمانية: أربعة منا رحمة، ‌وأربعة عذاب. فرياح الرحمة: الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات. ورياح العذاب: العقيم والصرصر في البرّ، ‌والعاصف و القاصف في البحر. فإذا شاء سبحانه حرّكه بحركة الرحمة فجعله رخاء وبشری بين يدي رحمته و لاقحاً للسحاب. و إن شاء حرّكه بحركة العذاب فجعله عقيماً و أودعه عذاباً اليماً».

وهنا تقسيم آخر الذي نقله النويري عن أبي الفرج بن الجوزي حيث يقول: «روی أبوالفرج بن الجوزي بإسناده إن الريح تنقسم إلی قسمين: رحمة وعذاب؛ و ينقسم كل قسم إلی ‌أربعة أقسام. ولكل قسم اسم،‌ فأسماء أقسام قسم الرحمة: المبشرات، والنشر، ‌والمرسلات،‌ والرخاء. وأسماء أقسام قسم العذاب: العاصف،‌ و القاصف، ‌وهما في البحر،‌ والعقيم والصرصر وهما في البرّ وقد جاء القرآن بكل هذه الأسماء». [24]

وبعض أقسام الرياح علی ترتيب ودرجة خيرها ورحمتها أو شدة تخريبها وعذابها.
ونحن نستخدم أيضاً هذه التقسيمات ونقسم الرياح إلی قسمين كبيرين؛ المبشّرات والمنذرات؛ لأنّنا نعتقد أن أهمّ غرض استخدمه الله تعالی في القرآن الكريم عن ذكر لفظ الرياح هو تبشير أهل الحق و تبذير أهل الباطل، إلا في مواضع قليلة لها مسوغاتها التي سنأتي علی ذكرها. وأرسل الله سبحانه الرياح بصورة حاملات الخير والرحمة والبشری مرّة وأرسلها بصورة جنود الله الذين يأتون بالعذاب والهلاك مرة أخری.
نبدأ هنا بالمبشرات،‌ وبعد ذلك بالمنذرات ونستعین بالكتب التفسيرية المختلفة في شرح الآيات منها تفاسير للشيعة وأهل السّنة والمعتزلة.

الرياح النافعة أو المبشّرات

:

كما نعلم أن في الرياح فوائد، منا إصلاح الهواء، ومنها إثارة السحاب،‌ ومنها نزول الأمطار، ومنها جريان الفلك بها و ... . في هذا القسم نشير إلی أنواع الرياح النافعة المذكورة في القرآن الكريم.

الف – المبشرات:

إحدی تلك الرياح هي المبشرات التي ذكرت بلفظ «المبشرات» عينها مرة ومذكورة «بُشراً» مرّة أخری،‌ وأحياناً لاتكون بهذه الأشكال ونحن نفهم من قرائن الجملة ذاك المعنی.
وقوله تعالی: ﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ يُرسِلَ الرِياحَ مُبَشِرَاتٍ وَ لِيُذِيقَكُم مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفُلْكُ بِأَمْرِه وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُنَ﴾. [25]
يقول المفسرون أکثرهم إن الله سبحانه وتعالی یقصد من ذکر لفظ «المبشرات» هو الغيث والمطر ويذکر الطبرسي والطوسي والفخر الرازي هذا المعنی في كتبهم التفسيرية.

ويقول الطبرسي حول سبب تسميتها في التبيان: «وَإنّما سمّاها مبشرات؛ لأنّها بمنزلة الناطقة إذا بشرت بأنه يجيء مطر و غيث يحيي به الأرض لما فيها». [26]. ويعتقد بعض المفسرين أن إرسال هذه الرياح هو غاية البشارة؛ لأنّ سبب إرسال هذه الرياح يكون رحمة الله تعالی ولايكون بسبب أفعال العباد ويقول الفخر الرازي في هذا المجال: «أن ما يكون بسبب فعل العبد قليل، فلو قال أرسلت الرياح بسبب فعلكم لايكون بشارة عظيمة، ‌وأمّا إذا قال (من رحمته) كان غاية البشارة. وذكر ههنا (مبشرات)؛ لأنّ تعديل الهواء أو تصفية بالريح أمر لازم، ‌وحكمه به حكم جازم». [27] ذكر لفظ (مبشرات) في هذه الآية مباشرة وكما قلنا هنا الآيات التي ورد لفظ (بشرا) منها قوله تعالي: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرسِلُ الرِياحَ بُشراً بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ حَتَّی إذَا أقَلَّت سَحَاباً ثِقَالاً لِبَلَدٍ مَيِتٍ فَاَنزَلنا بِهِ المَاءَ فَأَخرَجنَا بِهِ مِن كُلِ الثَمَراتِ كَذَلِكَ نُخرِجُ المَوتَی لَعَلّكُم تَذَكَّرُونَ﴾. [28]

ومن الرياح المبشرات في القرآن قوله تعالی: ﴿وَهُوَ الَّذي أَرسَلَ الرِياحَ بُشراً بَينَ يَدَی رَحمَتِهِ وَ أَنزَلنَا مِنَ السَمَآءِ مَآءً طَهُوراً﴾. [29] وقوله: ﴿أَمَّن يَهدِيكُم فِی ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِياحَ بُشْرَاً بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ أَإلهٌ مَعَ اللهِ تَعَالی اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ﴾. [30] ويقول القرطبي حول معنی هذه الآية في تفسيره: «﴿وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً﴾أي قدام المطر باتفاق أهل التأويل». [31] ويتفق صاحب الميزان وصاحب التبيان في هذا القول وهما يقولان في تفسيرهما (يرسل الرياح بشراً بين يدي رحتمه) يعني بين يدي المطر و الغيث.

وفي بعض الأحيان ما ذكر لفظ « مبشرات» أو «بُشراً‌»، بل نحن ندرك من قرائن الجملة معنی التبشير وقد ورد فعل «تصريف» مع الرياح مرّة وذكر فعل «أرسل» معها مرة أخری ومنها قوله تعالی:
﴿إنَّ فِی خَلْقِ السَمَاواتِ وَالاَرضِ وَاختِلَافِ الَّيلِ وَالنَهَارِ وَالفُلكِ الَّتي تَجري فِی البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمآءِ مِن مَآءٍ فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعَدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ دآبَّةٍ وَتَصرِيفِ الرِياحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمآءِ وَالأَرضِ لَايَاتٍ لِقَوِمٍ يَعقِلُونَ﴾. [32]

ويقول الزمخشري في الكشاف: «﴿وتصريف الرياح في مهابها: قبولاً‌، و دبوراً، و جنوباً،‌ وشمالاً. وفي أحوالها: حارة، و باردة، و عاصفة، ‌و لينة،‌ وعقماً و لواقح. وقيل تارة بالرحمة،‌ وتارة بالعذاب». [33]
ويقول الطوسي في تفسيره: «التصريف والتقليب والتسليك نظائر. وتصريف الرياح تصرفها من حال إلی حال،‌ ومن وجه إلی وجه. و قيل في تصريف الرياح قولان: أحدهما – هبوبها شمالاً وجنوباً و صبا ودبوراً. والثاني – قيل مجيؤها بالرحمة مرّة وبالعذاب أخری‌. وهو قول قتادة ». [34].

وقوله تعالي: ﴿وَاللهُ الَّذِی أَرسَلَ الرياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقنَاهُ إِلَي بَلَدٍ مَيِّتٍ فأَحيَينَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا كَذَلِكَ النُشُورُ﴾. [35]
يقول صاحب الميزان: «﴿وَاللهُ الَّذِی أَرسَلَ الرياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقنَاهُ إِلَي بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ العناية في المقام بتحقق وقوع الأمطار وإنبات النبات بها،‌ ولذلك قال:﴿اللهُ الَّذِی أَرسَلَ الرياحَ﴾ وهذا المعنی بخلاف ما في سورة الروم من قوله:﴿الله الذي يرسل الرياح فتثيرسحاباً﴾. [36] وقوله: (فتثير سحابا) عطف علی (أرسل) والضمير للرياح والإتيان بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية والإثارة إفعال من ثار الغبار يثور ثورانا إذا انتشر ساطعاً. ولذلك شبّه البعث وإحياء الأموات بعد موتهم بإحياء الأرض بعد موتها أي إنبات النبات بعد توقفه عن العمل وركوده في الشتاء فقال: (كذلك النشور) أي البعث فالنشور بسط الأموات يوم القيامة بعد إحيائهم وإخراجهم من القبور». [37].

وقوله: ﴿الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبسُطُهُ فِي السَّمَـآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَسْتَبشِرُونَ﴾. [38].

وکما يقول:«﴿الله الَذِی يُرسِلُ الرياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً...﴾... والمعنی الله الذي يرسل الرياح فتحرّك وتنشر سحاباً ويبسط ذلك السحاب في جهه العلو من الجو كيف يشاء سبحانه ويجعله قطعات متراكبة متراكمة فتری قطر المطر يخرج من فرجه فإذا أصاب بذلك المطر من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون؛ لأنّه مادة حياتهم وحياة الحيوان والنبات». [39].

ب – الملقيات:

وقوله تعالی: ﴿فَالمُلقِياتِ ذِكراً﴾. [40] هناك معانٍ كثيرة للفظ (الملقيات) وذكرت تلك المعاني في الميزان ويقول العلامة الطباطبايي:﴿فالملقيات ذكرا﴾ الملائكة بإجماع؛ أي تلقي كتب الله عز وجل إلی الأنبياء عليهم السلام؛ قاله المهدوي، ‌وقيل: هو جبريل وسمي باسم الجمع؛ لأنه كان ينزل بها. وقيل: المراد الرسل يلقون إلی أممهم ما أنزل الله عليهم؛ قاله قُطرب». [41]. ولكن الفخر الرازي يذكرمنه بالرياح و عنده استدلال وذلك هو: ﴿فالملقيات ذكرا﴾معناه أن العاقل إذا شاهد هبوب الرياح التي تقلع القلاع، وتهدم الصخور والجبال، ‌و ترفع الأمواج تمسك بذكر الله و التجأ إلی إعانة الله، ‌فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر والإيمان والعبودية في القلب،‌ ولاشك أن هذه الإضافة تكون علی ‌سبيل المجاز من حيث إن الذكر حصل عند حدوث هذه». [42]

ج- المرسلات:

فيقول الله جلّ شأنه: ﴿والمُرسَلاتِ عُرفاً﴾ [43]، هنا تفاسير مختلفة حول كلمة (المرسلات). يقول بعض المفسرين: فالمرسلات هم الملائكة الذين أرسلهم الله إما بإيصال النعمة إلی قوم أو لإيصال النقمة إلی آخرين. أو المراد منها الآيات المتتابعة المرسلة علي لسان جبريل عليه السلام إلی محمد (ص) و يمكن أن تكون ملائكة الرحمة و ... ، ولكن يقول الطوسي: «وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد و قتادة وأبوصالح: المرسلات – ههنا – الرياح،‌ وفي رواية أخری عن ابن مسعود وأبي صالح إنّها الملائكة. وقوله «عرفاً» أي متتابعة كعرف الفرس. وقيل: معروفاً إرسالها. وإرسال الرياح إجراء بعضها في أثر بعض». [44].
في قوله حيث يقول في تفسيره: «...أنّ المراد من هذه الكلمة بأسرها الرياح، ‌أقسم الله برياح عذاب أرسلها عرفاً،‌أي متتابعة كشعر العرف، ‌كما قال (يرسل الرياح، و أرسلنا الرياح). يقول الزجاج: هي الرياح التي تتصل علی العرف المعتاد». [45].

د – الفارقات:

يقول الله تعالی : ﴿فَالفَارِقاتِ فَرقاً﴾. [46]. بعض يقول المراد بها هو آيات القرآن،‌ أو الرسل أو الملائكة و... كما يقول صاحب الميزان في تفسيره: «... وروی ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الفارقات الرياح تفرق بين السحاب و تبدّده ...». [47] وأيضاً‌ يقول الفخر الرازي حول وجوه الرياح الفارقات في التفسير الكبير:« وفي كون الرياح فارقة وجوه،‌(أحدها) أن الرياح تفرق بعض أجزاء السحاب من بعض (و ثانيها) أن الله تعالی خرب بعض القری‌ بتسليط الرياح عليها،‌ كما قال (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) و ذلك سبب لظهور الفرق بين أولياءالله وأعداء الله، (وثالثها) أن عند حدوث الرياح المختلفة، وترتيب الآثار العجيبة عليها من تموج السحاب وتخريب الديار تصير الخلق مضطرين إلی الرجوع إلی الله والتضرع علی باب رحمته فيحصل الفرق بين المقر والمنكر والموحد والملحد». [48].

هـ - الناشرات:

يقول الله سبحانه: ﴿و الناشِراتِ نَشراً‌﴾ [49] يقول بعض؛ يكون المراد بها الملائكة،‌ لأنّها تنشر الوحي والدين و يمكن أنها هي آيات القرآن؛ لأنّها تنشر الحق في القلوب و الأرواح. أما الطوسي فيقول في تفسيره :«و قوله ﴿والناشرات نشراً﴾ قال ابن مسعود ومجاهد وقتادة وأبوصالح : هي الرياح؛ لأنها تنشر السحاب للغيث، كما تلحقة للمطر. وقال أبوصالح – في رواية – هي الملائكة تنشر الكتب عن الله. وفي رواية أخری عن أبي صالح إنّها الأمطار؛ لأنها تنشر النبات. وقيل الرياح تنشر السحاب في الهواء». [50]. ويتفق الفخر الرازي مع هذا المعنی ومن وجهة نظره الناشرات «هي الرياح التي تنشر السحاب». [51].

و- الحاملات أو اللواقح:

وقوله تعالی: ﴿فَالحَامِلاتِ وِقراً﴾ [52] ، ‌فالحاملات هي الرياح التي تحمل السحب الثقيلة وترسلها حيث يشاء الله جل شأنه. يقول الفخر الرازي في تفسيره: «والحاملات هي الرياح التي تحمل السحب التي هي بخار المياه التي إذا سحت جرت السيول العظيمة،‌ و هي أوقار أثقل من جبال و هي التي تجمع الأجزاء من الجو و تحمله حملا، فإن التراب لاترفعه الرياح حملاً‌، ‌بل تنقله من موضع، و ترميه في موضع بخلاف السحاب؛ ‌فإنّه يحمله و ينقله في الجو حملا لايقع منه شيء». [53].
هناك لفظ آخر بهذا المعني وهو «اللواقح» الذي ذكر في القرآن الكريم ويقول الله تعالی: ﴿وَاَرسَلنا الرِياحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلنَا مِنَ السَمَاءِ مَآءً فَأَسقَينَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُم لَهُ بَخَازِنينَ﴾ [54]

ومعنی اللواقح في اللغة: «اللـَّـقـَح اسم ما أُخذَ من الفُحَّال ليُدَسَّ في الآخر، ‌وجاءنا زَمَنُ اللـِّـقاح أي التلقيحِ، و‌قد لُقـِّـحَتِ النخيلُ،‌ ويقال للنخلة الواحدة: لُقِحتْ، بالتخفيف واسْتَلـْقَحَتِ النخلةُ، أي آن لها أن تُلـْقَح، وألقَحَتِ الريحُ السحابةَ والشجرة ونحو ذلك في كل شيء يحمل،‌ واللّواقحُ من الرياح تَحمِلُ النَّدی ثم تَمُجُّه في السحاب فإذا اجتمع في السحاب صار مطراً، وقيل: إنما هي مَلاقِحُ، فأما قولهم: لواقحُ فعلی حذف الزائد، قال الله سبحانه: وَ أرْسَلْنَا الرِّيَاح لوَاقِحَ» [55] تعلق هذه الآية الكريمة إنزال الماء من السماء بتلقيح الرياح للسحب، ‌وتزويد السحب بقطرات الماء،‌ وهذه حقيقة مشاهدة أثبتها علماء المناخ وأفاضوا الحديث عنها، وقال الزمخشري عن اللواقح: «...أن الريح لاقح: إذا جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر كما قيل للتي لا تأتي بخير ريح عقيم...» [56]. ويعتقد عدد من المفسرين أن الرياح اللواقح ناشرة للنبات ويقول الفخر الرازي في هذا المجال: «ويجوز أن يقال: الرياح تعين النبات والزرع والشجر علی النشور والإنبات،‌ وذلك؛ لأنها تلقح فيبرز النبات بذلك،‌علی ما قال الله تعالی (وأرسلنا الرياح لواقح) فبهذا الطريق تكون الرياح ناشرة للنبات». [57]. ويقول الرازي أيضاً: «وقال الزجاج: يجوز أن يقال للريح لقحت إذا أتت بالخير، كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بالخير». [58].

ز- الجاريات:

يقول الله جل شأنه ﴿فَالجارِياتِ يُسراً [59]. فالجاريات هي الرياح التي تجري بالسحب بيسر وليسر. ويقول القرطبي عن هذه الآية: «﴿فَالجَارِياتِ يُسراً﴾ السفن تجري بالرياح يسراً الی حيث سيرت.
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: «والجاريات هي الرياح تجري بالسحب بعد حملها». [60].

ح- المقسمات:

قال الله القادر: ﴿فالمقسمات أمراً [61]، ‌فالمقسّمات هي الرياح التي حين نزول بركات الله تقسم الرحمة علی‌الأرض.
ويقول الرازي في التفسير الكبير عن المقسمات: «هي الرياح التي تفرق الأمطار علی الأقطار...» [62].

ط- الذاريات:

فيقول الله سبحانه: ﴿و الذَّارِياتِ ذَرواً﴾ [63]، فالذاريات هي الرياح التي تذروا التراب والماء ذرواً وتحركه فيتناثر الغبار أو الضَباب، ‌ثم تسلّمه لرياح أخری. يقول الزمخشري عن الذاريات: «...هي الرياح تذرو التراب وغيره، ‌كما قال تعالی ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾...» [64].
ويقول الرازي عن الذاريات: «هي الرياح التي تنشیء السحاب...» [65].

الرياح الضّارة أو المنفرات

:

کما عرفنا أن الريح مفرداً جاءت في سياق العذاب والهلاك، فی هذا القسم نُشير إلی أنواع الرياح الضارّة وأقسامها ونتطرّق إليها من وجهة نظر عدة من المفسرّين. ذکِرت هذه الرياح في المواضع المختلفة من المصحف، ونری فی بعض الأحيان أن لفظ الريح جاء بصفات کالعقيم والصَّرْصَر والقاصِف وإلخ واستعملت حيناً وحيداً أي دون صفة. منها قوله تعالی:
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [66]
ويقول صاحب الکشاف: «و روي أنّ الريح کانت تحمل الفسطاط و الظعينة فترفعها فی الجوّ حتی تری کأنّها جرادة» [67].

وعن النبی صلی الله عليه وآله و سلم أنه کان إذا رأی الريح فزع وقال «اللهم إنّي أسألك خيرها وخيرما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما أرسلت به» [68].

وقوله سبحانه: ﴿وَ لَئنْ أَرْسلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصفَرّا لظلّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [69].
ويقول الطبرسی: «ثم عاب سبحانه کافر النعمة فقال ﴿و لئن ارسلنا ريحاً﴾ مؤذنة بالهلاك باردة» [70] وقوله سبحانه:

﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ الجوَارِ في الْبَحْرِ كالأَعْلَامِ‏﴾ و ﴿إِنْ يَشأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ في ذَلِك لَأَيَاتٍ لِّكُلِّ‏ِ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [71].
يقول الزمخشري: «أنه إن يشأ يبتلي المسافرين في البحر بإحدی بليتين: إما أن يسکن الريح فيرکد الجواری علی متن البحر ويمنعهن من الجري، وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلکهن إغراقاً بسبب ماکسبوا من الذنوب» [72].

ويقول الطوسي أيضاً: «وقوله ﴿ومن آياته الجواري في البحر کالأعلام﴾معناه من آياته الدالة علی أنه تعالی مختص بصفات لايشرکه فيها أحد، السفن الجارية في البحر مثل الجبال، لأنه تعالی يسيرها بالريح لايقدر علی تسييرها غيره، ووجه الدلالة في السفن الجارية هو أن الله خلق الماء العظيم وعدل الريح بما يمکن أن يجري فيه علی حسب المراد؛ لأنه إذا هبت الريح في جهة وسارت بها السفينة فيها، فلو اجتمعت الخلائق علی صرفها إلی جهة أخری لما قدروا، وکذلك لو سکنت الريح لوقفت وما قدر أحد علی تحريکها، ولا إجرائها غيره تعالی» [73].

وقوله الله جلّ شأنه: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْکُمْ إذْ جَاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَکانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ [74].

ويقول الزمخشري أيضاً: «(اذکروا) ما أنعم الله به عليکم يوم الأحزاب وهو يوم الخندق (إذ جاءتکم جنود) وهم الأحزاب، فأرسل الله عليهم ريح الصبا. قال رسول الله ( ص): "نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور" [75] (جنودا لم تروها) وهم الملائکة وکانوا ألفاً: بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم (الخصر: البرد، و قد خصر الرجل : إذا آلمه البرد فی أطرافه ) وسفت التراب في وجوههم» [76].

ويقول الطبرسي: «﴿فأرسلنا عليهم ريحاً﴾وهي الصبا أرسلت عليهم حتی أکفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم» [77].

ألف- العاصف:

واستعمل الله جلّ شأنه لفظ الريح بصفات فيها معنی القوّة و الخشونة وفي بعض الأحيان استعمل تلك الصفات الضارّة منفردة، کقوله تعالی: ﴿فالعاصفاتِ عَصفاً﴾ [78]، وأنّ الرياح تشتدّ حتی تصير عواصف. ويقول صاحب التبيان: «﴿فالعاصفات عصفاً﴾ يعنی الرياح الهابة بشدة، عصفت الريح تعصف عصفاً وعصوفاً إذا اشتدت هبوبها، فعصوف الريح شدة هبوبها» [79].
وقوله تعالی: ﴿مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [80].

ويقول صاحب التبيان: «شبه الله تعالی أعمال الکفار في أنه لا محصول لها؛ ولا انتفاع بها يوم القيامة، بالرماد الذي يشتد فيه الريح العاصف، فإنه لإبقاء لذلك الرماد، ولا لبث فکذلك أعمال الکافر لايقدر منها علی شیء...» [81].
ويقول الفخر الرازی: «أن وجه المشابهة بين هذا المثل وبين هذه الأعمال، هو أن الريح العاصف تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لايبقی لذلك الرماد أثر ولاخبر، فکذا ههنا أن کفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لم يبق من تلك الأعمال معهم خبر ولا أثر» [82].

وقوله تعالی: ﴿و لِسُلَيمَانَ الرّيحَ عاصفَةً تجري بأمره﴾ [83].

ب – الحاصب:

هناك ريح أشد من العاصفة، سماها القرآن بالحاصب، وهي الريح الشديدة التي تثير الرمال والحصی في طريقها وهي تضرب بالأرض، فيقول الله تعالی: ﴿أفَاَمِنْتُمْ أنْ يَخْسِفَ بِکُمْ جانِبَ البَرِّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْکُمْ حَاصِبًا ثـُـمَّ لاتَجِدُوا لَکُمْ وَکِيلاً﴾ [84] ويقول صاحب الميزان: «... والحاصب -کمال في المجمع – الريح التي ترمي بالحصباء والحصاء الصغار، وقيل: (الحاصب الريح المهلکة في البرّ والقاصف الريح المهلکة في البحر) والاستفهام للتوبيخ يوبخّهم الله تعالی علی إعراضهم عن دعائه في البرّ فإنهم لا مؤمن لهم من مهلکات الحوادث في البرّ کما لا مؤمن لهم حال مسّ الضرّ في البحر إذ لاعلم لهم بما سيحدث لهم وعليهم فمن الجائز أن يخسف الله بهم جانب البرّ أو يرسل عليهم ريحاً حاصباً فيهلکهم بذلک ثمّ لا يجدوا لأنفسهم وکيلا يدفع عنهم الشدة و البلاء ويعيد إليهم الأمن والسلام» [85].

ويقول الزمخشري عن الحاصب: «وهي الريح التی تحصب أي ترمی بالحصباء، يعنی: أو إن لم يصبکم بالهلاك من تحتکم بالخسف، أصابکم به من فوقکم بريح يرسلها عليکم فيها الحصباء يرجمکم بها، فيکون أشدّ عليکم من الغرق في البحر» [86].
وقوله تعالى:

﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [87].
ويقول الطبرسي في مجمع البيان: «﴿فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً﴾ أي حجارة وقيل ريحاً فيها حصی وهم قوم لوط عن أبی عباس وقتادة وقيل هم عاد» [88].

وقوله تعالی: ﴿أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ [89].
وقوله أيضًا: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾ [90].
وقوله: ﴿أفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِکُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْکُمْ حَاصِباً ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِيلاً﴾ [91].

ج – الصرصر:

وهناك أيضاً ريح مُجنّدة أقوی سماها القرآن الکريم بالصرصر، وهي الريح الشديدة العصف التی تکسر المداخن وتقتلع الأشجار وما شابه، وهذا ما ذکره القرآن، قوله:
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [92].
ويقول الطوسي في تفسيره: «وأخبر الله تعالی أنه أهلکهم بأن أرسل عليهم ريحاً صرصراً أي شديداً صوته واشتقاقه من الصرير. وريح صرصر شديد هبوبها. وقال قتادة: يعني باردة وقال السدي: باردة ذات صوت. وقال مجاهد: شديدة السموم. ومنه سمي نهر صرصر لصوت الماء الجاری فيه» [93].
وقوله تعالی: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ [94].
يقول الفخر الرازي: «الصرصر فيها وجوه (أحدها) الريح الشديدة الصوت من الصرير والصرة شدة الصياح (ثانيها) دائمة الهبوب من أصر علی الشيء إذا دام وثبت» [95].
ويقول القرطبي فی تفسيره: «(أنّا أرسَلنا عَلَيهِم ريحاً صَرصَراً) أي شديدة البرد؛ قاله قتادة والضحاك. وقيل: شديدة الصوت. و(فی يَومِ نَحسٍ مستمر) أي دائم الشؤم استمرّ عليهم بنحوسه، واستمر عليهم فيه العذاب إلی الهلاك. وقيل: استمر بهم إلی نارجهنم. ومعلوم أنّ الأيام النحسات المذکورة فی القرآن؛ نحسات علی الکفار من قوم عاد لاعلی نبيهم والمؤمنين به منهم» [96].

ويقول صاحب الميزان عن تفسير هذه الآية: «...والصرصر – علی ما في المجمع – الريح الشديدة الهبوب...» [97].
ذکر في موضع من المصحف لفظ «الصرّ» في عبارة «ريح فيها صر» وما جاء لفظ «الصرصر» أي قوله تعالی: ﴿مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِی هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [98].
يقول الفخر الرازي: «اختلفوا في "الصر" علی وجوه:
الأول: قال أکثر المفسرين وأهل اللغة: الصر البرد الشديد وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد، والثانی: أن الصر: هو السموم الحارة والنارالتي تغلي، وهو اختيار أبي بکر الأصم وأبي بکربن الأنباري. والمعتزلة احتجوا بهذه الآية علی صحة القول بالإحباط، وذلك لأنه کما أن هذه الريح تهلك الحرث فکذلك الکفر يهلك الإنفاق» [99].
ويقول صاحب الميزان: «إن إنفاقهم فی هذه الحيوة وهم يريدون به إصلاح شأنهم ونيل مقاصدهم الفاسدة لايثمر لهم إلا الشقاء، وفساد ما يريدونه ويحسبونه سعادة لأنفسهم کالريح التی فيها صر تلك حرث الظالمين، وليس ذلك إلا ظلماً منهم لأنفسهم فإن العمل الفاسد «يأتي إلا بالأثر الفاسد» [100].

د - الصرصر العاتية:

وهناك ما هو أشد وأشد سماها القرآن الکريم بالريح الصرصر العاتية، وهی التي تدمر المدن والقری بأکملها دفعة واحدة وذکرت في قوله تعالی:
«وَاَمَّا عَادٌ فَاُهْلِكُوْا بِرِيْحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ» [101].
(الصرصر): الشديدة الصوت بما صرصرة وقيل: الباردة من الصرّ، کأنها التی کرّر فيها البرد وکثر: فهی تحرق لشدة بردها. و(العاتية): شديدة العصف والعتوّ.
ويقول الطوسي فی تفسيره: «أخبر تعالی عن کيفية هلاك عاد، فقال: ﴿وَ أمّا عَادٌ فَاهْلِکُوْا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾.
والصرصر الريح الشديدة الصوت بما يسمع لها من الصرير فی شدة حرکتها. وقوله (عاتية) قيل عتت تلك الرياح علی خزانها في شدة الهبوب. والعاتي الخارج إلی غلظ الأمر الذی يدعو إليه قساوة القلب، يقال: عتا يعتوعتواً فهو عاتٍ والريح عاتية تشبيهاً بحال العاتي في الشدة» [102].
يقول صاحب الميزان فی تفسیره: «الصرصر الريح الباردة الشديدة الهبوب، وعاتية من العتوّ بمعنی الطغيان والابتعاد من الطاعة والملاءمة» [103].

هـ - القاصف:

إنّ هناك ريح مجندة من الله أعلی وأعتی سميت في القرآن الکريم بالقاصف، وهي الريح التي تقصف وتدمر کل ما يعترضها، وفيها يقول تعالی: ﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً خْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [104].
يقول صاحب الکشاف عن القاصف: «...وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد، کأنها تتقصف أی تتکسر» [105].
ويقول الطوسي فی التبيان: «...وقيل إن القاصف الريح الشديدة تقصف الشجر بشدّتها» [106].

و – الإعصار:

وهناك نوع ما هو الأکثر دماراً علی الإطلاق، ولکنه غالبا مايکون علی البحار، وينشیء أمواجا عالطة الارتفاع تغرق ما يقابلها من سفن أو شواطيء أو موانيء أو مدنا ساحلية، وعادة ما يصاحب هذه الريح السحب السوداء المليئة بالشحنات الکهربائية ذي الطاقة الهائلة والمتواصلة، حتی تبدوا وکأن هناك ناراً مشتعلة داخلها لکثرة البرق والرعد، و هذا کاسح ومحرق سماهُ القرآن الکريم بالإعصار ووصفه فی قوله تعالی: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [107].
يقول الفخر الرازي في تفسيره: «اعلم أن هذا مثل آخر ذکره الله تعالی في حق من يتبع إنفاقه بالمنّ والأذی، و المعنی أن يکون للإنسان جنة في غاية الحسن والنهاية وکثيرة النفع إذا أعقب شخص إنفاقه بالمنّ أو بالأذی کان ذلك کالإعصار الذي يحرق تلك الجنة، ويعقب الحسرة والحيرة والندامة فکذا هذا المال المؤذی إذا قدم يوم القيامة، وکان فی غاية الاحتياج الی الانتفاع بثواب عمله، لم يجد هناك شيئاً فيبقی لامحالة في أعظم غم، وفي أکمل حسرة وحيرة» [108].
يقول الزمخشري عن معنی لفظ الإعصار: «هي الريح التي تستدير في الأرض، ثم تسطع نحو السماء کالعمود» [109]. ويقول الطوسي أيضاً: «الإعصار: غبار يلتف بين السماء و الأرض کالتفاف الثوب في العصير» [110].

ز- السَّموم:

وهناك ريح شديدة سميت فی القرآن الکريم بالسَّموم، وهي ريح حارّة شديدة التي تدخل في مسام البدن وفيها يقول الله سبحانه: ﴿وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ * فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ﴾ [111].
يقول الطوسي: «وقوله (في سموم وحميم) فالسموم الريح الحارّة التي تدخل في مسام البدن، ومسام البدن خروقه، ومنه أخذ السم، لأنه يسري في المسام» [112].
ويقول الزمخشري: «...(في سموم) أي في حرّ نار ينفذ في المسام...» [113]. ويقول القرطبي: «...والسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن. والمراد هنا حرّ النار ولفحها...» [114].

ح- العقيم:

هناك ريح دون الخير والبرکة و هي من رياح البرّ فسميت في القرآن بالعقيم. وذکرت في قوله تعالی: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ *مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [115].
ويقول صاحب الکشاف: «(العقيم) التي لاخير فيها من إنشاء مطر وإلقاح شجر، وهي ريح الهلاك. واختلاف فيها: فعن علي رضي الله عنه: النکباء. وعن ابن عباس: الدبور. وعن ابن المسيب: الجنوب» [116]. ويقول الطوسي: «وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب أو تلقيح شجرة أو تذرية طعام أو نفع حيوان، فهي کالممنوعة من الولادة، والريح العقيم: هي لاتلقح الشجر ولاتنشیء و السحاب» [117]. ويقول الفخر الرازی: «و قوله (العقيم)أي ليست من اللواقح؛ لأنها کانت تکسر وتقلع» [118].

ط – الطوفان:

وقوله تعالی: ﴿وَ لَقَدْ اَرْسَلْنا نُوحَاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِم ألْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأخَذَهُمُ الطُوفَانُ وَ هُمْ ظَالِمُونَ﴾ [119].

يقول القرطبي في تفسيره: «﴿وَ لَقَدْ أرْسَلْنَا نُوحاً إلی قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عَاماً﴾ ذکر قصة نوح تسلية لنبيه (ص): أي إبتلی النبيون قبلك بالکفار فصبروا. ﴿فأخذهم الطّوفان﴾قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: المطر. الضحاك: الغرق. وقيل: الموت. روته عائشة رضي الله عنها عن النبي (ص). ومنه قول الشاعر: أفناهم طوفانُ موتٍ جارف. قال النحاس: يقال لکل کثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان» [120].
ويقول الطبرسي: «﴿و لقد أرسلنا نوحاً إلی قومِه﴾يدعوهم إلی توحيد الله عزّ و جلّ ﴿فلبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلاخمسينَ عاماً﴾ فلم يجيبوه وکفروا به ﴿فأخذ هم الطوفان﴾ جزاء علی کفرهم فهلکوا ﴿و هم ظالمون﴾ لأنفسهم بما فعلوه من الشرك والعصيان» [121].

کما نعلم أن لله جنوداً تحيط بالکون من کل مکان تنتظر الأمر الإلهي لتنفذ العذاب و لتحقق الحق وتبطل الباطل، ولکن هل منا من يعتبر. وقوله سبحانه: ﴿فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُوفَانَ وَ الْجَرَادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفَادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمينَ﴾ [122].

يقول صاحب الميزان: «الطوفان -علی ما قاله الراغب- کلّ حادثة تحيط بالانسان، وصار متعارفاً في الماء المتناهي في الکثرة، وفي المجمع: أنه السيل. الذي يعمّ بتغريقه الأرض وهو مأخوذ من الطوف فيها» [123].
ويقول الطبرسي في تفسيره: «﴿فأرسَلنا عليهم الطوفانَ﴾ اختلف فيه فقيل هو الماء الغالب الخارج عن العادة الهادم للبنيان والقالع للأشجار والزروع عن ابن عباس وقيل هو الموت الذريع الجارف عن مجاهد وعطا وقيل هو الطاعون بلغة أهل اليمن أرسل الله ذلك علی إبکار آل فرعون في ليلة فأقعصهن فلم يبق منهن إنسان ولا دابة عن وهب بن منبه وقيل هو الجُدَريّ وهم أول من عذبوا به وبقی في الأرض عن أبي قلابة وقيل هو أمر من الله تعالی طاف بهم عن ابن عباس رواه أبوظبيان عنه ثم قرأ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون» [124].

وأخیرا إن الريح خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، سخرها لمنافع عباده ومصالحهم، فیها الرحمة والعذاب، وفیها فوائد کثیرة ینتفع بها الإنسان کثیرا فی حیاته. فأهلكت بشرا كثيرا بها، وقد تضرر بها بعض الناس بصور شتی؛ بفساد زروعهم وثمارهم، وتلف أموالهم، أو خراب مدنهم وعمرانهم. ولکنها من أمر الله تعالى وهو وحده خالقها وآمرها ومدبرها.
إذن ينبغي للإنسان المسلم عند هبوب الریح والریاح أن يلحظ قدرة الله تعالى فيها ویتعمق ویتعقل فی ذلك، کما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به".

فهرس المراجع والمصادر

ـ# القرآن الكريم.
ـ# ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ايران ـ قم، نشر أدب الحوزة، 1405هـ/1363ش.
ـ# الأنصاري القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، قدّم له: فضيلة الشيخ خليل ـ محي الدين المَيْس، لبنان ـ بيروت، دار الفكر، طبعة جديدة لونان1422هـ/2002م.
ـ# الرازي، الإمام الفخر، التفسير الكبير، مكتب الأعلام الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1413هـ.
ـ# الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (502هـ)، مفردات الفاظ القرآن في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، طهران، المكتبة المرتضوية، الطبعة الثانية، 1362ش.
ـ# الزركشي، الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله (794هـ)، البرهان في علوم القرآن، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، 1422هـ/2001م.
ـ# الزمخشري الخوارزمي، محمود بن عمر(467ـ537هـ)، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لبنان ـ بيروت، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الثانية، 1421هـ/2001م.
ـ# سید قطب، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق، 1400ق/1980م.
ـ# الطباطبايي، العلّامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسه مطبوعاتي اسماعيليان، الطبعة الثالثة، 1391هـ/1972م.
ـ# الطبرسي، الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفى سنة 548)، مجمع البيان في تفسير القرآن، تصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي، طهران ـ سوق الشيرازي، مكتبة العلمية الإسلامية.
ـ# الطوسي، محمد بن الحسن(1255ـ 1348)، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق و تصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 385ـ460هـ.
ـ# عتيق، عمر عبد الهادي، مقالة "الريح والرياح في القرآن الكريم" (بلا تا).
ـ# النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (677 ـ 733)، نهاية الأرب في فنون الأدب، قاهرة، دار الكتب المصريين، 1923م.
ـ# القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد أنصاري (671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، لبنان ـ بيروت، دار الفكر، طبعة جديدة لونان، 1422هـ/2002م.
ـ# مكي، أحمد عبد الله، مقالة "أوجه من اعجاز القرآن الكريم في وصف تحركات الرياح"، منشورات جامعة ملك عبد العزيز (بلا تا).


[1سورة البقره، ال‌آية 266

[2سورة الأعراف، الآية 176

[3سورة يونس،‌ الآية 24

[4سورة الأنعام،‌ الآية65

[5سورة يونس،‌ الآية 101

[6سورة الأنعام،‌ الآية 11

[7التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، محمد بن الحسن، ‌المجلد الثاني ، ‌ص 427

[8نهاية الأرب في فنون الأدب، السفر الأول، الباب الثالث، ص95

[9الجامع لأحكام القرآن، ج 7، الجزء 14،‌ ص 33

[10التبيان في تفسير القرآن، ‌ج7،‌ ص 496

[11الراغب الإصفهاني، كتاب الراء، ص 204

[12سورة الفرقان،‌ الآية 48

[13سورة الاحقاف،‌ الآية 24

[14مسند الشافعي،1/18، وأبو يعل‍ی، رقم: (2456)،‌4/243، والمعجم الكبير،‌ سليمان بن أحمد أبو القاسم الطبراني،‌ تحقيق، حمدي السلفي،‌ الموصل، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية،‌1404هـ/1983م، ‌رقم: (11531)، 11/213

[15الزركشي،‌ بدرالدين محمد بن عبد الله (794هـ)، ‌ج 4، ص 10

[16مقالة تحت عنوان: أوجه من إعجاز القرآن الكريم في وصف تحركات الرياح، ‌من منشورات جامعة الملك عبدالعزيز

[17ابن منظور، المجلد الثاني، قسم الروح، ص 455

[18الزركشي،‌ بدرالدين محمد بن عبد الله (794هـ)، ‌ ج 4، ص 14

[19سورة يونس،‌ الآية 22

[20الجامع لأحكام القرآن، المجلد الأول، الجزء الثاني، ص 152

[21سورة الإسراء، الآية 69

[22مقالة الريح و الرياح في القرآن الكريم، عمر عبدالهادي عتیق،‌ ص 55

[23التفسير الكبير، المجلد18 ـ 17، ‌الجزء 17، ص67

[24‌نهاية الأرب في فنون الأدب، السفر الأول، الباب الثالث، من القسم الثاني من الفن الأول، ص 95

[25سورة الروم، الآية 46

[26التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، محمد بن الحسن، ‌ج 8، ‌ص 260

[27التفسير الكبير، المجلد 26 ـ 25، ‌الجزء 25، صص131 و 130

[28سورة الأعراف، الآية 57

[29سورة الفرقان، الآية 48

[30سورة النمل، الآية 63

[31الجامع لأحكام القرآن،ج 7، الجزء 13،‌ ص 171

[32سورة البقرة، الآية 164

[33‌الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،‌ ج 1، ص 236

[34التبيان في تفسير القرآن، ج2، ‌صص 59 و 60

[35سورة فاطر،‌ الآية 9

[36سورة الروم، الآية 9

[37الميزان في تفسير القرآن، الطباطبايي،‌ محمد حسين، ‌ج 18،‌ ص 19

[38سورة الروم،‌ الآية 48

[39ن.م، ‌ج 17،‌ صص 212 و 211

[40سورة المرسلات،‌ آية 5

[41م.ن، ‌ج 10،‌ ص 111

[42التفسير الكبير، ج 30 ـ 29، ‌الجزء 30، ص266

[43سورة المرسلات،‌ الآية 1

[44التبيان في تفسير القرآن، ‌ج10،‌ ص 223

[45التفسير الكبير، الرازي،‌ الإمام الفخر، المجلد 30 ـ 29، ‌الجزء 30، ص 265

[46سورة المرسلات،‌ الآية 4

[47الميزان في تفسيرالقرآن،الطباطبايي، ج 10، ص 111

[48التفسير الكبير، المجلد 30 ـ 29، ‌الجزء 30، صص 265 و 266

[49سورة المرسلات،‌ الآية 3

[50التبيان في تفسير القرآن، ‌ج10،‌ ص 223

[51التفسير الكبير، المجلد 30 ـ 29، ‌الجزء 30، ص267

[52سورة الذاريات، الآية 2

[53م.ن، المجلد28 ـ 27، ‌الجزء 28، ص195

[54سورة الحجر،‌ الآية 22

[55لسان العرب، ابن منظور، فی مادة "لقح"، ص 582

[56‌الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل،‌ ج 2، ص 538

[57التفسير الكبير، الجزء30، ص 265

[58نفس المصدر، ‌الجزء 19، ص176

[59سورة الذاريات، الآية3

[60التفسير الكبير، المجلد 28 ـ 27، ‌الجزء 28، ص195

[61سورة الذاريات،‌ الآية4

[62المرجع نفسه

[63سورة الذاريات،‌ الآية1

[64‌الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،‌ الجزء الرابع، ص 398

[65التفسير الكبير، الرازي،‌ الإمام الفخر، المجلد 28 ـ 27، ‌الجزء 28، ص195

[66سورة الأحقاف، الآية 24

[67الزمخشري الخوارزمي،‌ ج 4، ص 311

[68صحيح، أخرجه مسلم (899) والترمذي (3449) والنّسائي في «التفسير» (512) وابن ماجه (2891) من حديث عائشة –رضی الله عنها- بألفاظ متقاربة. وأقربها إلى سياق المصنف لفظ مسلم

[69سورة الروم، الآية 51

[70مجمع البيان في تفسير القرآن، ج ‌ 4، الجزء 8، ص 310

[71سورة الشوری، الآية 33و32

[72الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،‌ الجزء 4، ص 231

[73التبيان في تفسير القرآن، ‌ج 9،‌ صص 166 و 165

[74سورة الأحزاب، الآية 9

[75صحيح. أخرجه البخاری ( 4105، 1035، 3343) ومسلم (900) وأحمد (1/223 و 373) من حديث ابن عباس، وقد تقدم

[76‌الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،‌ الجزء 3، ص 534

[77مجمع البيان في تفسير القرآن، ‌ج 4، الجزء 8، ص 339

[78سورة المرسلات، الآية2

[79التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، محمد بن الحسن، ‌المجلد10،‌ ص 223

[80سورة ابراهيم، الآية 18

[81الطوسي، ‌ج6،‌ ص 285

[82التفسير الكبير، المجلد 20 ـ 19، ‌الجزء 19، ص 105

[83سورة الأنبياء، الآية 81

[84سورة الإسراء، الآية 68

[85الطباطبايي،ج 13، صص 165 و 164

[86‌الكشاف،‌ الجزء 2، ص 635

[87سورة العنکبوت، الآية 40

[88ج 4، الجزء 7، ص 283

[89سورة الملك، الآية 17

[90سورة القمر، الآية 34

[91سورة الإسراء، الآیة 68

[92سورة فصّلت، الآیة 16

[93التبيان في تفسير القرآن، ‌ج 9،‌ ص 115

[94سورة القمر، الآية 19

[95التفسير الكبير، المجلد30 ـ 29، ‌الجزء 29، ص44

[96الجامع لأحكام القرآن، ج 9، الجزء 17،‌ ص 100

[97الطباطبايي، ج 19، ص 70

[98سورة آل عمران، الآية 117

[99التفسير الكبير، المجلد8 ـ 7، ‌الجزء 8، ص208

[100الطباطبايي، ج 3، ص 386

[101سورة الحاقّة، الآية 6

[102التبيان في تفسير القرآن، ‌ج10،‌ ص 95

[103ج 19، ص 393

[104سورة الإسراء، الآية 69

[105الجزء 2، ص 635

[106‌ج6،‌ ص 502

[107سورة البقرة، الآية 266

[108المجلد 8 ـ 7، ‌الجزء 7، ص62

[109‌الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج1، ص 341

[110التبيان في تفسير القرآن، ‌ج2،‌ ص 342

[111سورة الواقعة، الآيتان 42 و 41

[112التبيان في تفسير القرآن، ‌ج 9،‌ ص 499

[113الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الجزء 4، ص 461

[114الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج 9، الجزء 17، ص 156

[115سورة الذاريات، الآيتان 42 و 41

[116الزمخشري الخوارزمي،‌ الجزء 4، ص 406

[117التبيان في تفسير القرآن، ‌ج9،‌ صص 393 و 392

[118التفسير الكبير، الرازي،‌ المجلد28 ـ 27، ‌الجزء 28، ص222

[119سورة العنکبوت، الآية 14

[120الجامع لأحكام القرآن، ج 7، الجزء 13،‌ صص 251 و 250

[121مجمع البيان في تفسير القرآن،‌ ج 4، الجزء 8، ص 276

[122سوره الأعراف، الآية 133

[123الطباطبايي، ج 8، ص 238

[124مجمع البيان في تفسير القرآن، ‌المجلد 4 ـ 3، الجزء 8، صص 468 و 467


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى