الأربعاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٢
الرؤية التاريخية في كتاب
بقلم جميل حمداوي

القصة القصيرة جدا بالمغرب

لنور الدين الفيلالي

توطئــــة:

يعد نور الدين الفيلالي من النقاد المغاربة الشباب الذين خصصوا القصة القصيرة جدا بدراسات تاريخية وفنية متنوعة، تروم البحث في تاريخ هذا الجنس الأدبي الجديد عبر تضاريسه الغربية والعربية، إن قديما وإن حديثا، كما يتجلى ذلك بوضوح في كتابه الأخير:" القصة القصيرة جدا بالمغرب"#. والغرض من هذا المؤلف هو رصد مختلف اللحظات التاريخية والفنية التي عرفها هذا الجنس الأدبي الجديد بالمغرب ، راصدا تطوره التاريخي والجينيالوجي (الوراثي) في أدبنا العربي الحديث والمعاصر، مع تبيان أهم مكوناته الفنية والجمالية الرئيسية، وتحديد مجمل شروطه الثانوية التي يعتمد عليها هذا الفن الأدبي المستجد في نظرية الأدب وشعريته. ومن جهة أخرى، لم ينس الدارس ذكر الدراسات النقدية التي تناولت هذا الجنس الأدبي بالمغرب نقدا وتقويما وتعليقا وتنظيرا، وذلك ضمن ما يسمى بنقد النقد.

وعليه، فقد طبع نور الدين الفيلالي كتابه:" القصة القصيرة جدا بالمغرب" في نشرته الأولى سنة 2012م، وذلك في إحدى وثمانين صفحة من الحجم المتوسط. ويتوزع الكتاب إلى مدخل تمهيدي، وخمسة فصول، وخاتمة في شكل خلاصات واستنتاجات، مع إضافة ملحق للببليوغرافيا في شكل مصادر ومراجع، وثبت لفهرس عنواني جامع. إذاً، ماهي المضامين الأدبية والقضايا النقدية التي يطرحها نور الدين الفيلالي في كتابه القيم ؟ وماهي منهجيته النقدية في البحث طريقة ورؤية وكتابة ومعالجة؟ وماهي أهم الملاحظات التي يمكن استخلاصها بعد قراءة هذا الكتاب الميتانقدي ؟ تلكم هي أهم العناصر التي سنتناولها في الأسطر الموالية:

 القضـــايا الأدبيـــة والنقديــة:

يرى نور الدين الفيلالي أن جنس القصة القصيرة جدا بالمغرب في الحقيقة هو امتداد لفن القصة القصيرة الذي عرف نوعا من النضج والتجريب والتحديث ، وذلك مع مجموعة من الهيئات والجماعات والنوادي الأدبية والثقافية، كمجموعة البحث في القصة القصيرة التي تأسست بتاريخ03 أكتوبر1998م، وافتتحت نشاطها بتاريخ 19 فبراير 1999م، وجماعة الكوليزيوم القصصي التي قامت على بيانين ، الأول بيان القصة التجريبية لمحمد أمنصور سنة 1993م، والبيان الثاني لمحمد عزيز المصباحي سنة 2000م، وكان أول لقاء للجماعة بمدينة مراكش بتاريخ 06 يونيو 2001م. وقد اهتمت هذه المؤسسات الثقافية والأدبية بالقصة القصيرة تنظيرا وممارسة وإبداعا ونقدا ورؤية، كما أصدرت مجلات تعبر عن توجهاتها الفنية كمجلة"منارات" التي تعبر عن لسان حال نادي القصة القصيرة بالمغرب، ومجلة" قاف صاد " التي تعبر عن توجهات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، وغيرها من المطبوعات الثقافية التي اهتمت بشكل من الأشكال بالقصة القصيرة تنظيرا وممارسة وإبداعا ورؤية.

هذا، وقد تطور فن القصة القصيرة بالمغرب بشكل متدرج تحبيكا وتخطيبا وتجريبا، فنتج عنه ولادة جنس أدبي جديد ألا وهو فن القصة القصيرة جدا، وقد تبلور هذا الفن الجديد عبر المواقع الرقمية، والجرائد، والمجلات، إلى أن تفرد بنوع من الاستقلالية والسيادة والهيمنة والشرعية التجنيسية داخل شبكة نظرية الأدب، وأصبح فنا جديرا بأن تحويه دفتا كتاب بين يديها الدافئتين.

هذا، ويشير نور الدين الفيلالي إلى مجموعة من الدوافع الذاتية والموضوعية التي أفرزت القصة القصيرة جدا. منها عوامل خارجية تتمثل في: عامل المثاقفة الذي يكمن في التأثر بكتاب أمريكا اللاتينية وأدباء إسبانيا، كخوليو طوري، وروبين داريون، وبورخيس، وخوان رامون، ورامون غوميث...الذين سبقوا إلى كتابة القصة القصيرة جدا، وتفوقوا فيها ريادة وسبقا وتجريبا وتحديثا، دون أن ينسى الباحث ذكر عوامل أخرى ساهمت في بلورة هذا الفن الجديد، كالسرعة، والعولمة، وظهور الإنترنيت والحواسيب المحمولة والنقالة. ويعني هذا أن سرعة وتيرة الحياة كانت سببا وراء ظهور هذا الفن المستجد.

أما عن العوامل الداخلية التي كان بحال من الأحوال من أسباب تبلور فن القصة القصيرة جدا، فلابد من الإشارة إلى أن القصة القصيرة بالمغرب شهدت نوعا من التطور الفني والجمالي منذ سبعينيات القرن العشرين ، حيث اتجهت هذه القصة اتجاها تجريبيا ، ولاسيما في سنوات الثمانين من القرن الماضي، نحو: التكثيف، والحذف، والإضمار، والتقصير في الحجم، كما نرى ذلك جليا عند إبراهيم بوعلو، وأحمد زيادي، ومحمد زفزاف... وقد أدى هذا التجريب إلى توظيف أشكال سردية قصيرة الحجم أقرب إلى الأقصوصة والقصة القصيرة جدا.

علاوة على هذا، يقسم نور الدين الفيلالي القصة القصيرة جدا بالمغرب إلى مجموعة من المراحل واللحظات التاريخية ، وقد حصرها في خمس لحظات كبرى:

1- لحظات ما قبل الميلاد.

2- لحظات التشكل والمخاض.

3- لحظات التجلي والميلاد.

4- لحظات التميز.

5- لحظات المتابعة.

وتأسيسا على ماسبق، تتكون لحظات ما قبل الميلاد من ثلاث لحظات بارزة، وهي: لحظة التجاهل، ولحظة الإغفال، ولحظة الإقصاء.وهكذا، يلاحظ الباحث أن القصة القصيرة المغربية تجاهلت مجموعة من النصوص السردية القصيرة جدا في موروثنا السردي العربي، كالخبر، والنادرة، والأحجية، واللغز، والنكتة، والفكاهة، والمقامة، والحكمة، والقصة، والحكاية، والنادرة، والطرفة... كما في كتاب:" المستطرف من كل فن مستظرف" للأبشيهي# ، وكتاب:" مقالات الأدباء ومناظرات النجباء" لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل الفزاري الغرناطي#...ومن جهة أخرى، أغفلت القصة المغربية مجموعة من النصوص السردية المتميزة بالحكي القصير جدا ، وذلك منذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كنصوص جبران خليل جبران كما في مجموعاته:"التائه"، و"السابق"، و"المجنون"، و"البدائع والطرائف"، ونصوص مصطفى صادق الرافعي، إذ نشر مجموعة من الخواطر القصصية القصيرة جدا في مجلة :"الرسالة" في سنوات الثلاثين من القرن الماضي#. ويعني كل هذا أن القصة القصيرة بالمغرب أغفلت مجموعة من المحاولات المتميزة في مجال القصة القصيرة جدا، سواء أكان ذلك في الحقل الثقافي الغربي أم في الحقل الثقافي العربي (لبنان- مصر). ومن ناحية أخرى، أقصت القصة القصيرة المغربية أشكالا سردية قصيرة جدا، لتكتفي بجنس القصة القصيرة فقط، والدليل على ذلك وجود مصطلحات سردية أخرى، مثل: قصة، وقصة قصيرة، وقصة صغيرة، وأقصوصة، وأقصوصة صغيرة، وأقصوصة قصيرة، وأقاصيص قصيرة جدا. ومن ثم، فلقد " ساد مصطلح القصة القصيرة ، وهيمن مقارنة بباقي المصطلحات الأخرى التي ظهرت في فترة متزامنة معه، إذ إن ظهور جنس أدبي ما لا يدين لكتابه بقدر ما يدين للاحتفاء النقدي الذي يواكبه وظروف التلقي التي تستقبله، وبذلك أقصيت هذه المحاولات الرائدة من ذهنية كتاب القصة القصيرة جدا؛ لأنها لن تزاحمهم في ريادتهم لهذا الجنس، خاصة مع عدم وجود وعي نقدي لكتاب تلك المحاولات في نهاية الأربعينيات والخمسينيات بوجود جنس أدبي اسمه القصة القصيرة جدا، وذلك ما تؤكده التسميات التي وضعوا تحتها كتاباتهم."#

هذا، وتنقسم لحظات التشكل والمخاض بدورها إلى ثلاث لحظات بارزة، وهي لحظة تشظي القصيرة بالمغرب تجريبا وتحديثا ، أو لحظة خرابها فنيا وجماليا، وقد تحقق هذا التشظي على مستوى التيمات والبناء والمقاصد والإيقاع السردي. ويعني هذا أن القصة القصيرة المغربية بدأت في تكسير بنيتها السردية الكلاسيكية تحبيكا وتخطيبا وتزمينا منذ سنوات السبعين من القرن العشرين. ومن ثم، تفككت القصة القصيرة إلى مجموعة من المحكيات المقطعية المختلفة العناوين، بالإضافة إلى انصهار الذاتي في الموضوعي، واستعمال الرموز والإيحاء. أما لحظة الاحتماء بمعطف القصة القصيرة، فتتميز بظهور قصص قصيرة جدا كانت تستظل بمظلة القصة القصيرة، كما يبدو واضحا في نصوص مجلة " منارات" في عددها السنوي الأول. ويعني هذا أن ثمة مجموعة من القصص القصيرة جدا كانت تختلط فنيا وجماليا بالقصص داخل أضمومة أو مجموعة سردية واحدة تجاورا وتلاصقا وتداخلا. والآتي ، أنها تندرج ضمن جنس القصة القصيرة، ولم تحمل بعد هويتها التجنيسية الجديدة، أو تكتسب شرعيتها التصنيفية. وبعد ذلك، ننتقل إلى لحظة الانفلات من سلطة التجنيس وحدوده، كما يتجلى ذلك بينا في مجموع الأعمال السردية لعبد الفتاح كليطو الذي وظف مجموعة من الأنواع السردية، فيها بعض النصوص القصصية القصيرة جدا#.

وبعد مرحلتي: ما قبل الميلاد، والتشكل والمخاض، ينتقل الباحث إلى لحظات التجلي والميلاد التي يقسمها إلى ثلاث لحظات فرعية، وهي: لحظة اكتساب الشرعية التجنيسية، حيث عمدت مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب إلى نشر مجموعة من الأعمال التي تتضمن جنس القصيرة جدا، وقامت بترجمة نصوص كتاب أمريكا اللاتينية في كتابها:" ندف النار: مختارات من القصة القصيرة جدا في المغرب وإسبانيا"، كما ترجمت قصص المغاربة إلى اللغة الإسبانية. كما سعت هذه المجموعة إلى وضع أنطولوجيا لرصد أهم كتابها المبدعين، مع تثبيت نصوصهم القصصية. ويعني هذا التدوين نوعا من الاعتراف بالجنس الأدبي الجديد، بل نجد كتابا يحسبون على القصة القصيرة قد أقحموا ضمن كتاب القصة القصيرة جدا، مثل: إبراهيم بوعلو، ومحمد زفزاف، وأحمد بوزفور، وأحمد زيادي.. وبعد مرحلة الشرعية والاعتراف، بدأت لحظة الانتشار والشيوع، فقام المبدعون المغاربة الشباب بنشر قصصهم القصيرة جدا في الجرائد الوطنية وملاحقها الثقافية (المنعطف الثقافي، ملحق جريدة العلم، ملحق جريدة الاتحاد الاشتراكي، وجريدة البيضاوي...)، ونشروها أيضا في المواقع الرقمية الأدبية ، مثل: موقع " دروب" الذي كان يكتب فيه عبد الله المتقي، وحسن برطال، وعز الدين الماعزي، وسعيد منتسب ، وفاطمة بوزيان...إلخ، دون أن ننسى المواقع الأدبية المتخصصة في القصة، مثل: موقع "ألف قصة"، حيث نجد محاولات عبد الله المتقي وغيره من الأسماء القصصية المغربية، ونذكر كذلك المواقع الشخصية كموقع القاصة فاطمة بوزيان مثلا. وبالتالي، لم تتحقق لحظة الميلاد الحقيقي للقصة القصيرة جدا إلا مع مجموعات كل من سعيد منتسب(جزيرة زرقاء)، وعبد الله المتقي(الكرسي الأزرق)، وعز الدين الماعزي(حب على طريقة الكبار)، ومصطفى لغتيري(مظلة في القبر)، وحسن برطال(أبراج)...فمع نشر هذه المجموعات، تكون القصة القصيرة جدا بالمغرب قد أعلنت انطلاقتها الفعلية بشكل شرعي.

وبعد ذلك، ينتقل الباحث إلى ذكر لحظات التميز، للحديث عن تجليات التميز والفرادة والتجريب في القصة القصيرة جدا بالمغرب. وهنا، يمكن الحديث عن لحظة الاستمرارية ، وذلك حينما حافظت القصة القصيرة جدا على الخصائص الفنية والجمالية نفسها التي تنبني عليها القصة القصيرة، كالمزج بين الحوار والوصف والسرد، والارتكان إلى تعدد الرواة والسراد، وتدخل السارد داخل المتن القصصي بالتعليق والتقويم، واستحضار المتلقي. كما عرفت القصة القصيرة جدا بالمغرب لحظة أخرى تابعة، وهي لحظة التحويل التي تتجلى في توظيف التناص، والانفتاح على الأجناس الأدبية الأخرى، كالشعر، وقصيدة النثر، والرسالة، والتقطيع السينمائي، وتشغيل تقنيات التقرير(عبد الله المتقي في قصة" حقوق جثة"#)، واستعمال الدراسة النقدية (قصص عبد الفتاح كليطو#). وبعد ذلك، يمكن الإشارة إلى لحظة التجديد التي تتميز بتشغيل مجموعة من التقنيات السردية اللافتة للانتباه، مثل: الإضمار، والحذف، والتكثيف، والتلميح، والتشذيب، وتسريع وتيرة السرد، وتوظيف النهاية غير المتوقعة. كما يلتجئ البعض إلى التكرار كما عند محمد العتروس في قصة :"حفرة"#، وعبد الله المتقي في قصة:" جاكي"...# والاعتماد على التطويل بفتح الأقواس الكثيرة، كما يتحدد ذلك عند عبد الله المتقي في قصة:"غرفة للذكريات فقط"#.

زد على ذلك، فقد انتقل الدارس إلى رصد لحظات المتابعة النقدية، حينما أشار الباحث إلى أن النقد قد واكب القصة القصيرة جدا بالمغرب منذ سنة 2004 م، وذلك عبر الصحف والمجلات والملاحق الثقافية والمواقع الرقمية والمنتديات الأدبية. وتبقى الكتب النقدية التي قاربت القصة القصيرة جدا بالمغرب قليلة جدا تعد على الأصابع، ككتاب:" الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا" لعبد العاطي الزياني #، وكتابي " القصة القصيرة جدا بالمغرب: المسار والتطور#" و" القصة القصيرة جدا بالمغرب: قراءات في المتون" لجميل حمداوي#، وكتاب "القصة القصيرة جدا في المغرب: تصورات ومقاربات" لسعاد مسكين#، وكتاب:" من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا(المقاربة الميكروسردية)" لجميل حمداوي#، وكتاب:" أنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب" لجميل حمداوي وعيسى الدودي#.

ومن ثم، فقد عرف نقد القصة القصيرة جدا ثلاث لحظات رئيسية، لحظة التأريخ والببليوغرافيا كما عند جميل حمداوي وسعاد مسكين. ولحظة التنظير مع عبد العاطي الزياني، وسعاد مسكين، وجميل حمداوي. ولحظة النقد والتطبيق مع الناقد التونسي عبد الدائم السلامي ، وجميل حمداوي، وعبد العاطي الزياني، وسعاد مسكين.

وعليه، فقد أنهى الكاتب مؤلفه في الأخير بخلاصات ونتائج، وذلك من خلال وقوفه عند ظاهرتين بارزتين، الظاهرة الأولى هي: ظاهرة الحجم القصير جدا التي يجدها الدارس في نصوص سردية قديمة وحديثة، وظاهرة التقنيات الأسلوبية، مثل: التكثيف، والإيجاز، والحذف، وتسريع وتيرة السرد...وغيرها من الأساليب، وقد وجدها الكاتب مبثوثة في القصة القصيرة التجريبية، والشعر الحر، والقصيدة النثرية، وهي ليست وليدة اليوم. وهكذا، يعلن الكاتب بأن القصة القصيرة جدا:" شكل أدبي جديد، تخلق وتشكل وولد نتيجة تزاوج ما بين طريقة كتابة سردية معروفة، تتمثل في النصوص السردية القصيرة جدا، المعروفة منذ القديم، وبين تقنيات الكتابة الحديثة في كل ميادين الأدب، ومن ثم فقد جاءت تلبية لحاجة جمالية لدى القاص، مستجيبة لشروط العصر سواء على مستوى الكتابة والنشر أو التلقي."#

وهكذا، فقد قدم الباحث نور الدين الفيلالي دراسة تاريخية قيمة، تستند إلى التحقيب الكرونولوجي، والاستقصاء الفني والجمالي، وتقسيم مجموعة من اللحظات الرئيسية إلى لحظات فرعية ثلاثية. ومن ثم، فقد تبنى الدارس منهجية تاريخية في قراءة القصة القصيرة جدا بالمغرب، مع الانفتاح نسبيا على بعض مقومات المنهج الفني في استكشاف فنيات القصة القصيرة جدا، وتبيان جمالياتها السردية والأسلوبية واللغوية.

 تقويـــم الكتـــــاب:

من يتتبع صفحات الكتاب الذي ألفه نور الدين الفيلالي، فإنه سيخرج بانطباع أولي، وهو أن كتاب:" القصة القصيرة جدا بالمغرب" دراسة تاريخية قيمة ، تهدف إلى التحقيب الكرونولوجي برصد تطور القصة القصيرة بالمغرب تحبيكا وتخطيبا وسياقا ، بتقسيم هذا الجنس الأدبي المستجد إلى مجموعة من اللحظات الرئيسية والفرعية. ويتبين لنا بأن هذه الدراسة التاريخية لجنس القصة القصيرة بالمغرب دراسة استقصائية وبانورامية شاملة وموسعة، استطاعت أن ترسم مجموعة من اللحظات التاريخية والفنية التي عرفها جنس القصة القصيرة جدا بالمغرب، في مختلف تعاريجه السياقية والتاريخية والفنية. لذا، فقد ركز الكاتب على خمس لحظات أساسية، وتنقسم كل لحظة بدورها إلى ثلاث لحظات فرعية. وتتمثل اللحظات الكبرى في لحظات ماقبل الميلاد، ولحظات التشكل والمخاض، ولحظات التجلي والميلاد، ولحظات التميز، ولحظات المتابعة. وهكذا، تنقسم اللحظات الأولى إلى لحظة التجاهل، ولحظة الإغفال، ولحظة الإقصاء. وتنقسم لحظات التشكل والمخاص إلى لحظة التشظي، ولحظة الاحتماء بمعطف القصة القصيرة، ولحظة الانفلات من سلطة التجنيس وحدوده. وتنقسم لحظات التجلي والميلاد إلى لحظة اكتساب الشرعية، ولحظة الانتشار والشيوع، ولحظة الميلاد. أما لحظات التميز، فتتكون من لحظة الاستمرارية، ولحظة التحويل، ولحظة التجديد.في حين، تنقسم لحظة المتابعة النقدية إلى لحظة التأريخ أو الببليوغرافيا، ولحظة التنظير، ولحظة النقد والتطبيق.
وبناء على ما سبق، يهمل نور الدين الفيلالي لحظة نقد النقد التي تتجلى في كتاب جميل حمداوي:" من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا(المقاربة الميكروسردية"# ، وكتاب سعاد مسكين:" القصة القصيرة جدا: تصورات ومقاربات "#.كما لم يشر ضمن إشاراته إلى كتاب محمد يوب:" مضمرات القصة القصيرة جدا"#. وكان من الأفضل التركيز في لحظات التميز على لحظة التجنيس، ولحظة التجريب، ولحظة التأصيل، بدلا من الإشارة إلى لحظة الاستمرارية، ولحظة التحويل، ولحظة التجديد.فلا فرق في منظوري بين التحويل والتجديد، فالتحويل هو التجديد نفسه فنيا وجماليا وموضوعاتيا.

وإذا كان عبد الدائم السلامي في كتابه:" شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا"#، يستعمل البنيوية السردية في دراسة القصة والخطاب في القصة القصيرة جدا بالمغرب، وإذا كانت سعاد مسكين تجرب المنهج نفسه في كتابها:" القصة القصيرة جدا: تصورات ومقاربات "#، وإذا كان جميل حمداوي يوظف المقاربة الميكروسردية في كتابه:" :" من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا(المقاربة الميكروسردية)" #، وإذا كان محمد يوب يوظف في كتابه:"مضمرات القصة القصيرة جدا" جمالية التلقي #، وإذا كان عبد العاطي الزياني يشغل منهجية فنية في كتابه:" الماكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب"#، فإن نور الدين الفيلالي يوظف منهجية تاريخية تعاقبية ، تستند إلى التحقيب التاريخي ، ورصد اللحظات التاريخية الكبرى، مع تفريعها إلى لحظات فرعية.ومن جهة أخرى، لم يشر الكاتب بشكل دقيق إلى لحظة الولادة والانبثاق الحقيقية، وذلك مع المبدع المغربي الحسين زروق الذي نشر أول مجموعة قصصية قصيرة جدا سنة 1996م عن وعي وإدراك، وهي مجموعة:"الخيل والليل"#.

خلاصـــة تركيبيــــة:

وخلاصة القول، يتبين لنا ، مما سبق ذكره ، بأن كتاب:" القصة القصيرة جدا بالمغرب" لنور الدين الفيلالي كتاب قيم ومفيد، لا يمكن الاستغناء عنه في مجال التأريخ للقصة القصيرة جدا بالمغرب بشكل من الأشكال. وتكمن قيمته في كونه قد قسم تاريخ تطور القصة القصيرة جدا بالمغرب إلى مجموعة من اللحظات البارزة، مع تفريعها إلى لحظات ثانوية مكملة، تساعد على فهم هذا التطور التاريخي والفني، وتفسيره مرجعيا وفنيا وجماليا. بيد أن ما يلاحظ على كتاب نور الدين الفيلالي الذي يندرج ضمن نقد النقد، أنه لم يطرح منهجا نقديا خاصا بمقاربة القصة القصيرة جدا، بل يكتفي بالمنهج التاريخي الذي كان يطعمه من حين إلى آخر ببعض الشذرات اللغوية والفنية، والقبسات الجمالية والأسلوبية . وعلى الرغم من ذلك، فهذا الكتاب، على الرغم من قصر حجمه، فهو كتاب ممتع ومفيد، يطرح تصورا جديدا في مجال القصة القصيرة جدا بالمغرب، وإن كان ذلك على مستوى التقسيم والتحقيب والتجنيس والتصنيف.

لنور الدين الفيلالي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى