الأربعاء ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد نور الدين

الكتابة والمال

هل يحق للكاتب أن يفكر في المردود المادي لكتاباته؟ هل من المشروع له أن يجعل الناتج المالي لأعماله جزءا من المعادلة في لعبة الصنعة الكتابية ككل؟ كل منا يعلم أن الكتابة عمل شاق خاصة عندما يكون الكاتب حريصا على أن لا يفقد ما يكتبه نكهة الإبداع التي لا يعرف طعمها الحق إلا إثنان فقط: كاتب مبدع وقارء متقن لفن القراءة.

وبالإلتفات الى صعوبة ووعورة طريق الكتابة التي يمتلئ جانبيها بخربشات ومخطوطات عظام الكتاب وبسطائهم ممن وجدوا في نفسهم الجسارة للخوض فيها أو حتى تأتى لهم أن يجوسوا فيها بعض الخطوات. بالإلتفات الى تلك الصعوبة وتلك الوعورة لا بد لنا أن نستحضر القرين الآخر للصعوبة والمشقة ألا وهو العمل، العمل الذي ينجز ويحقق بغالبيته جريا وراء لقمة العيش، وراء المقابل المادي أي المال. والمال بما يمثله وما يساويه لدى الناس هو محفز قوي ودافع جبار يجعلنا نلتصق بأعمال ما كنا نتخيل أن نقوم بها في يوم، ونؤدي من الفروض ما نكره ونمقت، ونستنفد من طاقة عقولنا وأجسادنا ما لا نبذل قسطا يسيرا منه في أمور أخرى تخصنا كأفراد في حياتنا الخاصة. كل ذلك من أجل المال.

وفي الواقع للمال حسنات كثيرة جدا. فلولا المال لما أنجز الإنسان من إنجازاته الحضارية الا الشيء اليسير الذي لا يستحق الذكر. فأهم ميزة تميز المال هي القدرة الكبيرة على جمع أفراد من الناس وصهرهم في بوتقة واحدة ليعملوا بطريقة منظمة تحت سقف ما يسمى بالمؤسسة. اذا المال يخلق الفكر المؤسسي ويجعل الإنسان يعمل بعقلية أكثر عملية وجدية.

لذلك عندما يمتهن كاتب ما الكتابة بشكل تام ويهبها القسط الأهم من وقته ومجهوده وتفكيره، فلا بد أن يكون له وراء ذلك كله دافع قوي وفعال. والمال واحد من أقوى الدوافع على الإطلاق. لا أحاول هنا أن أقول بأن كل كاتب يبذل ما يبذله من جهد في كتاباته يكون دافعه في ذلك المال. بل من زاوية أخرى أطرح سؤالا جديرا بأن يطرح:
ما المشكلة في أن يكون المال دافعا أساسيا للكاتب إذا كان هذا الكاتب يتعامل مع صنعة الكتابة بإحترام وجدية، ويركز على جودة ما ينتجه من كتابات وأصالة محتواها؟ وهذا الكاتب يملك موهبة حقيقية تمكنه من إنتاج أعمال جديرة بالتقدير والإحترام؟

إذا تغاضينا عن إشكالية الموارد المعيشية في بلادنا العربية وكون الكتاب عاجزين عن الإكتفاء بالعائدات التي تؤمنها لهم أعمالهم كما هو الحال في كثير من البلاد في العالم الغربي. واذا ما فكرنا ملينا بالسؤال المطروح سلفا. فلعلنا نتوصل الى النتيجة التالية: في حال إستطاع الكاتب أن يؤمن مردودا ماديا جيدا بوساطة مهنة الكتابة مع محافظته على جودة ما يكتب والمستوى الإبداعي لكتاباته. فإن المال سيكون محفزا إيجابيا ومهما يؤدي بالكاتب الى إنتاج مؤلفات هامة وقيمة قد لا يوفق الى تحقيق نظيرها كثير من الكتاب العفيفي النفس الذين يكتبون بعيدا عن أي قصدية مغايرة لقصدية الكتابة، والذين لا يهمهم المال ولا يفكرون به كنتيجة لما يقومون بإنجازه من أعمال.

العقلية العصرية وظروف الزمان الذي نعيش فيه اليوم تحتم علينا أن ننظر الى المال والى العملية والآلية التي تتعلق بإنتاجه، كنشاط حضاري هام ومقدس يتضمن تثمير القدرات البشرية وصناعة الثروة الحلال. وبالتالي الكتابة التي يمتهنها كاتب ما بالجدية والدقة التي تتمتع بها عقلية العمل، ويعرف كيف يبقي عناصر المعادلة متساوية وكفتي الميزان متقابلتين دون رجوح واحدة على أخرى، فلا شك أن هذه الكتابة هي نشاط مقدس وعملية حضارية هامة وذات قيمة تفرض احترامها واحترام كاتبها على الجميع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى