الثلاثاء ٢٥ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم حمزة حسين عبادي

الماء والأرض والبذرة

قصة قصيرة للأطفال (5 – 10) سنوات

بعد أَن أَكمل الأَطفال واجباتهم المدرسية، وأَنهوا عشاءَهم، أَمضوا مع الجدة مساءهم، اجتمعوا كعادتهم في غرفة جدتهم، ثم طلبوا منها أَن تحكي لهم قصة هذه الليلة؛ فجلست الجدة بين أَحفادها – أَبناء أَولادها - مبتسمة في وجوههم تنظر إِلى عيونهم؛ فهم متشوقون وكالعادة متلهفون، وفي كل ليلة ينتظرون جدتهم لتحكي لهم قصة جميلة قبل النوم، فأَخبرتهم الجدة بأَن قصة هذه الليلة ستكون عن البذرة والماء والأَرض، وأَن البذرة هي أَصل الشجرة؛ وهي التي تخرج من الثمرة، فإذا وجدت المكان المناسب في تراب الأَرض فإنها ستنبت وتصبح شجرة مثمرة، ومفيدة للإِنسان والطير والحيوان، ولأَجواء الطبيعة وجمالها أَيضاً وفي كل مكان، فإِذا كانت الأَرض يابسة وغير صالحة لزراعتها فإن البذرة ستموت طبعاً، ثم ابتسمت وهي تبدأ حكايتها وتخبرهم بأَنه: كان يا ما كان في قديم الزمان وفي أَحد الأَيام... جاءت البذرة إِلى الأَرض وقالت:
السلامُ عليكم أَيتها الأَرضُ الكريمة.

فردت عليها الأَرض بحنان واهتمام، وجميل الكلام، وقالت:

وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاته، مَن هذه الجميلة؟... أَأَنتِ البذرةُ؟

فردَّت البذرة باحترام وحُب، ومن أَعماق القلب:

نعم أَيتها الأَرض الطيبة، أَنا البذرةُ، وقد وَضَعَني ذلك الانسان بشوق وحنان، وضعني فيكِ لِتكوني ليَ أُمّاً أَترعرعُ في أَحضانكِ وأَتغذّى على عطائكِ وما هو مخزونٌ مِن غذاءٍ في تُرابِك، فهل تقبلينني بنتاً وفيةً لكِ، ومفيدةً لكل مَن حَولي؟

فأَجابت الأَرض بفرح كبير، وحب ليس له نظير:

مرحباً بكِ يا ابنتي، تعالي، فقد جعلني الله تعالى لكِ حضناً دافئاً وغذاء، وفراشاً وغطاء، تعالي وانضَمّي إِلى أَخواتكِ البذور الأُخرى التي وُضِعَتْ في قلبي بين ذراتِ تُرابي والتي جاءت بها الريحُ مِن كل جهة، فأَنا حضنٌ للجميع، في هذا العالم الوسيع.

ففرحت البذرة كثيراً، وقالت:

آه... ما أَجملَ حضنكِ أَيتها الأَرضُ الجميلة، والأُمُّ النبيلة، كم أَتمنى أَن أُصبحَ شجرةً أَجلبُ السعادةَ والجمال، في الوديان وبين الجبال، في السهول وفي الحقول.

فردت عليها الأَرض وهي تحتضنها وتقبِّلُها:

نعم ستكونين كذلك يا ابنتي، انتظري قليلاً، فصديقُنا الماءُ سيأتي عن قريبٍ إِن شاءَ اللهُ تعالى، سواءً مِن النهرِ أَو البئرِ الذين (اللذين) يجريان في هذه الساقيةِ التي حفرها الإِنسان الفلاح، أَو مِن السماءِ فيجري في تلك السواقي التي حفرتها الأَمطار، فالسماء تُكرمنا بمائِها الطيبِ ولا تنسانا أَبداً، سيأتي الماء يا حبيبتي لكي يختلطَ بِتُرابي لِتستطيعي أَن تمتصيهِ مع الغذاءِ الموجودِ في تُربتي لكي تكبري وتصبحي شجرةً جميلةً مُورقةً ومِعطاء، وأُصبح أَنا بسببك جنة خضراء.

انتظرت البذرة والأَرض قليلاً، وإذا بهما تريان شيئاً لامعاً متأَلقا، جميلاً مترقرقاً أَتى من بعيد... فقالت الأَرض للبذرة بسرور، وأَسمعت كل البذور:

آه انظري... أُنظري يا بذرتي مَن الذي أَتى... أَظنه الماء، يسقينا ويسقي كل الأَحياء... هل هذا أَنتَ أَيها الماء؟
فرد الماء وهو يبتسم بفرحة كبيرة رقراقة غزيرة:

نعم أَنا الماءُ يا أَحبائي... كيف حالكم يا أَصدقائي، السلامُ عليكم.

فردت الأَرض بفرحة أَكبر وابتسامة جميلة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أَنا والبذرةُ وأَخواتُها والجميعُ نسأَلُ عنكَ، ونريد أن نشرب منكَ، فقد تأَخرتَ قليلاً.

فأَجاب الماء وهي يمتلئ عذوبةً وفرحاً:

أَنا آسِفٌ يا أَحبتي، اعذروني لأَني تأَخرت، اشربي أَيتها الأَرض، اشربي مِني جيداً، لتشربَ البذرةُ أَيضاً وتنتعش وَتتغذى، فقد جاءَ دَورُ الحياةِ والعطاءِ، والفرح والهناء، لجميع الأَحياء... (وجعلنا منَ الماءِ كلَّ شيءٍ حَيٍّ) هكذا يقولُ اللهُ تعالى الذي خلقنا جميعاً، وجعل من الماء حياة وربيعاً.

فصارت البهجة تغمر الجميع، فقالت الأَرض:

شكراً للهِ وشكراً لكَ يا صديقنا الماء، يا عنوان المحبة والوفاء.

ثم التفتت إِلى البذرة وأَخواتها، وقالت بابتسامة وفرح:

وأَنتِ أَيتها البذرةُ الطيبةُ وأَخواتك، اشربي وتَغذي لِتكبري بسرعةٍ يا حبيبتي، فَالكل ينتظرُك، أَنا والطيرُ والإنسان ننتظرك، وكذلك الطبيعة؛ فهي تنتظرك لتكون جميلة خضراء بك وبأَخواتك عندما تكبرن وتصبحن أَشجاراً جميلة، فالكلُّ مُتَشوِّقون لجمالِ الأَشجارِ وعطائِها.

وهنا نظرت الجدة لأَحفادها ورأَت السعادة في وجوههم والفرحة في عيونهم، لسماعهم هذه القصة الجميلة، وقالت لهم وابتسامتها مشرقة على وجهها:

وهكذا هي الحياة يا أَحبابي، فالإِنسان هو البذرة، فإِذا كان في المكان المناسب والبيت الصالح فإِنه سيكون إِنساناً جيداً وصالحاً، وأَنتم البذور يا أَحفادي، والأَرض هو بيتكم والوطن الذي تعيشون فيه، والماء هو العِلم والمعرفة والحب وفرح آبائكم بكم، فسوف تكبرون جميعاً إِن شاء الله تعالى وتثمرون أَجمل وأَحلى ما يكون مثل أَشجار التين والزيتون، تملؤون القلوب والعيون، ومثل شجرة النخيل ذات الثمر الأَصيل، فهي التي تعطي تُموراً لذيذة وبأَصناف جميلة عديدة، فستكون ثماركم متعددة أَيضاً وفي كل مجال واختصاص كالطب والتعليم والهندسة والبناء، وكذلك الدفاع عن الوطن في صنف الجيش والشرطة والقوات الأَمنية... والآن ما رأيكم يا أَحبتي؟

فأَجابها الأَطفال بسرعة وهم سعداء فرحون جميعاً:

إِنها قصة رائعة يا جدتنا الرائعة... ونريد قصة أخرى.

فضحكت وقالت لهم بحب وحنان:

لا... إِلى النوم الآن... ناموا جيداً مبكرين لتستيقظوا مبكرين وتذهبوا إِلى مدارسكم نشيطين، وسأَحكي لكم غداً قصة جميلة أُخرى.

= انتهت =


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى